تقارير وملفات إضافية

هنود في الخليج يتهمون المسلمين بنشر كورونا.. فهل يدفع مودي ثمن سياساته التمييزية؟

يبدو أن التمييز ضد المسلمين في الهند ووصمهم بالتسبب في نشر فيروس كورونا لم يعد محصوراً داخل البلاد بعد أن انتشر خطاب الكراهية عبر الإنترنت من جانب عمال هنود في دول الخليج، فهل تدفع حكومة ناريندرا مودي ثمن تحريضها على المسلمين وتفقد علاقاتها المربحة مع الإمارات والسعودية؟

مجلة فورين بوليسي الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: “لماذا تغير دول الخليج مواقفها من الهند؟”، تناول العلاقات بين حكومة ناريندرا مودي الهندوسية ودول الخليج خصوصاً الإمارات والسعودية والمؤشرات على حدوث تغير فيها بسبب اضطهاد نيودلهي لمسلمي الهند.

على مدى السنوات العديدة الماضية، ولا سيما في عهد مودي، خطت الهند خطوات كبيرة في علاقاتها مع دول الخليج، وحققت المكاسب من ذلك وهي تحافظ في الوقت نفسه على علاقات ودية مع اثنين من الخصوم الرئيسيين في المنطقة: إيران والسعودية. ولحكومة لا تخفي هويتها القومية الهندوسية وتعلنها دون خجل، لم يكن ذلك بإنجاز غير ذي بال، خاصة أن دول الخليج مثل الإمارات كانت بمثابة شريك تاريخي لخصم الهند اللدود، باكستان. ومع ذلك، فإن الروابط التي ضفّرتها نيودلهي بعناية فائقة على مدى السنوات الخمس الماضية، استمراراً لنهج الحكومة السابقة وجهودها، أصبحت الآن معرضة لخطر كبير، إذ بدأت تطورات الأوضاع المحلية التي تستهدف مباشرة قرابة 200 مليون مسلم في الإضرار بالإنجاز الدبلوماسي للهند.

تشير التقارير الرسمية إلى أن جائحة فيروس كورونا كان لها تأثير محدود على سكان الهند، على الأقل حتى الآن، لكن وعلى الرغم من العدد المنخفض نسبياً للإصابات والوفيات، فإن الأقلية المسلمة في الهند تواجه بلا توقف اعتداءات جسدية واتهامات منتشرة عبر وسائل التواصل طوال الفترة الماضية من أزمة كورونا، وهي حوادث شارك فيها أيضاً أعضاء في حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم.

جاءت الهجمات في أعقاب أنباء عن أن جمعية إسلامية، هي جماعة التبليغ الهندية، عقدت تجمعاً سنوياً ضخماً في منطقة نظام الدين الواقعة في نيودلهي أوائل مارس/آذار الماضي، في وقت كانت فيه الدول قد بدأت في تقييد التجمعات العامة للحيلولة دون انتشار الفيروس، ومع حضور قرابة 3 آلاف زائر من أكثر من 12 دولة واحتشادهم في تلك المساحة المحدودة، انتشر فيروس كورونا بسرعة، واعتُبر التجمع الآن بؤرة التفشي الرئيسية للعدوى في الهند.

ليس ثمة شك في أن عقد هذا الاجتماع، رغم تداول الأخبار والمعرفة بفيروس كورونا، انطوى على استهتار، ومع ذلك، فإن الاعتداءات الصارخة الجارية بحق مسلمي الهند باتت الآن تهدد المقاربة الدبلوماسية التي عملت الهند على صياغتها بعناية في علاقتها تجاه الشرق الأوسط، خاصة تجاه دول الخليج.

إذ في خطوة علنية غير مسبوقة، أعربت الأميرة الإماراتية هند القاسمي عن استيائها من تصاعد مشاعر الكراهية للإسلام بين الهنود، وقالت في تغريدة نشرتها في 4 مايو/أيار: “أفتقد الهند المسالمة”، وجاء ذلك بعد أن سلطت الضوء مباشرة على تغريدة كتبها هندي يعيش في الإمارات، واصفة كلامه بأنه “عنصرية وتمييز صريح”، ومذكرة متابعيها بأن خطاب الكراهية جريمة تستوجب الغرامة وحتى الترحيل من البلاد.

وتأتي تلك التصريحات بعد إفصاحات أخرى عن القلق بشأن تعامل حزب بهاراتيا جاناتا مع مسلمي الهند جاءت من جميع أنحاء العالم الإسلامي، وشمل ذلك منظمة التعاون الإسلامي، التي حثت الهند صراحةً على اتخاذ خطوات عاجلة لحماية حقوق الأقلية المسلمة، وتستمد الانتقادات الأخيرة خطورتها بالأساس من أن الهند كانت قد بذلت الكثير من الجهود لإصلاح علاقاتها الإشكالية التاريخية مع المنظمة، حتى بلغ بها النجاح أن دُعيت كضيف شرف في الاجتماع السنوي لمنظمة التعاون الإسلامي الذي عقد في أبوظبي، بدولة الإمارات، في مارس/آذار 2019.

هذا التحول في مسار الأمور يجب أن يكون باعثَ قلقٍ لحكومة مودي، فقد عمدت الهند من خلال سياستها المسماة “النظر/التواصل مع الغرب” (Think West policy) والمعنية بالدول الواقعة غربها، إلى بناء روابط قوية مع الإمارات والسعودية في الوقت نفسه الذي حافظت فيه على علاقاتها طويلة الأمد مع إيران وارتقت أيضاً بمستوى علاقاتها مع إسرائيل.

وفي أغسطس/آب 2015، أصبح مودي أول رئيس وزراء هندي يزور الإمارات منذ 34 عاماً،  قبل أن يزورها مرات أخرى في 2018 و2019، وخلال زيارته الأخيرة، حصل على “وسام زايد”، أعلى وسام مدني في الإمارات، تقديراً لدوره في تحسين العلاقات بين البلدين. كذلك زار مودي السعودية وقطر وعمان والبحرين وإيران، في سعي حثيث لتقوية روابط بلاده بدول الخليج. وكل هذه الرحلات تضمنت زيارات متبادلة لكبار الشخصيات الخليجية إلى نيودلهي خلال الفترة الزمنية ذاتها.

أصبحت الإمارات والسعودية ثالث ورابع أكبر شريك تجاري للهند، على التوالي، بالإضافة إلى كونهما أكبر مصادرها النفطية، وتعهد البلدان على مدى السنوات الخمس الماضية بما مجموعه 170 مليار دولار، لمساعدة الهند على تطوير بنيتها التحتية في قطاعي الطاقة والصناعة، كما أن ثمة عاملاً مهماً آخر في العلاقات الاقتصادية المتنامية بين الهند والخليج، ألا وهو العمالة الهندية هائلة العدد المنتشرة في المنطقة، إذ هناك نحو 2 مليون مغترب هندي في السعودية ونحو 3 ملايين آخرين في الإمارات، يرسلون، على التوالي، 11.2 مليار دولار و13.8 مليار دولار من الأموال في هيئة تحويلات مالية إلى الوطن كل عام.

لقد عملت الجهود الدبلوماسية التي بذلتها الهند على مدار السنوات القليلة الماضية على التقليص من النفوذ الباكستاني القوي تقليدياً في دول الخليج، وفي حين تحافظ هاتان الدولتان الخليجيتان على علاقاتهما السياسية مع باكستان، فإنهما تمنحان الأولوية لاستثماراتهما في الهند، وكان لهذا التحول المحكم تأثير جيوسياسي بارز، تمثل في تخفيف الدولتين الخليجيتين من خطاب الإدانة للهند بخصوص سياستها في كشمير المتنازع عليها بين الهند وباكستان، وباتت القضية “مسألة داخلية“، بحسب ما أعلنته الإمارات في تعليقها على قرار الهند إلغاء الوضع الخاص لكشمير العام الماضي، ولغة المسألة الداخلية هي اللغة المفضلة لنيودلهي فيما يخص نزاعها مع إسلام أباد.

إضافة إلى ذلك، حمى التواصل الدبلوماسي النشط لحكومة مودي مع دول الخليج الحكومةَ الهندية من أي انتقادات رسمية بشأن الطبيعة التمييزية لتعديل قانون المواطنة الجديد في الهند، وكذلك التقارير المتزايدة حول العنف المتصاعد بحق المسلمين بعد إعادة انتخاب مودي في مايو/أيار 2019.

لكن على ما يبدو، فإن إلقاء اللوم على المسلمين في انتشار فيروس كورونا في الهند هو شطحة بعيدة جداً بالنسبة للجهات الفاعلة المهمة في الخليج، بل ويمكن أن تقوض العلاقات الهندية في المنطقة، وأحد العوامل الرئيسية في ذلك هو أن نهج الهند تجاه المسلمين لم يعد مجرد مسألة داخلية، ما دام مواطنوها المتمركزون في الخليج باتوا يروجون أيضاً لخطاب معادٍ للإسلام والمسلمين.

ومن المهم هنا ذكر مساهمة مسؤولين هندوس في الحكومة في تأجيج مشاعر الغضب ضد المسلمين بإصدار تصريحات تربط بينهم وبين انتشار الفيروس، وظهرت حملات على منصات التواصل الاجتماعي تحمل تحريضاً مباشراً، على الرغم من أن فعاليات مماثلة نظمتها جماعات هندوسية كانت أيضاً قد تم عقدها في الهند، بل وشارك يوجي أديتياناث، الوزير الأول في ولاية أوتار براديش، في احتفال هندوسي بعد يوم واحد من قرار الحكومة فرض حالة إغلاق تام.

كما خضع 40000 شخص في 20 قرية للحجر الصحي في ولاية البنجاب بعد ظهور حالات إصابة بفيروس كورونا يعتقد أنها مرتبطة بواعظ سيخي عاد من رحلة قادته إلى إيطاليا وألمانيا. وتجاهل الواعظ نصائح بشأن الحجر الصحي الذاتي.

وقالت المؤرخة رانا سافي في تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC: “بدلاً من الحجر الصحي بسبب كورونا، ينبغي أن يكون عندنا الحجر بسبب الكراهية”.

لذلك دفع مجيء الانتقادات من شخصيات خليجية بارزة، مثل الأميرة هند القاسمي، بالهند إلى إطلاق حملة احتواء للأضرار، وفي تغريدة مكتوبة بالإنجليزية، نشرها مودي يوم 19 أبريل/نيسان، وهي موجهة بالتأكيد لكل من الجمهور المحلي والدولي، كتب مودي أن فيروس كورونا “لا يرى عرقاً أو ديناً أو لوناً أو طبقة أو عقيدة أو لغة أو حدوداً قبل أن يوجه ضرباته”.

كما أدى خطاب الكراهية المنتشر بكثافة عبر الإنترنت من الهنود المقيمين في دول الخليج بسفير الهند لدى الإمارات إلى إصدار بيان غير مسبوق يحذر فيه من مشاعر التمييز والتعصب، وإدراكاً للحاجة إلى مزيد من تهدئة المخاوف المتفاقمة، تحدث وزير الشؤون الخارجية الهندي، سرحانيام جايشانكار، إلى نظرائه في الإمارات وقطر وعمان والسعودية، لتأكيد أن الهند ستستمر في توفير الإمدادات الغذائية للمسلمين خلال شهر رمضان المبارك، وأي إمدادات طبية تحتاجها دول الخليج لمواجهة وباء كورونا.

في الوقت الحالي، يبدو أن دبلوماسية الطوارئ الهندية قد نجحت في تدارك الأمور، لكن السؤال هو ما إذا كانت الهند قادرة على كبح جماح خطاب الكراهية الذي يبدو أنها كانت هي من أطلقته، ليس فقط لتهدئة الأمور محلياً، ولكن للحيلولة دون مزيد من الإحراج الدبلوماسي لها أيضاً. أما إذا لم يحدث ذلك، فإن التداعيات المحتملة قد ينطوي بعضها على تهديد بتمزيق عرى الروابط التي نسجتها الهند ببراعة لتوثيق علاقاتها مع دول الخليج والسعودية.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى