تقارير وملفات إضافية

نيويورك تايمز: رغم وصول أرامكو للقيمة التي أرادها بن سلمان، فإنه لم يحقق هدفه الأساسي

كسرت قيمة شركة أرامكو السعودية 2 تريليون دولار، في ختام تعاملاتها أمس الإثنين 16 ديسمبر/كانون الأول، وهي قيمة لم تستطع الوصول إليها حين بدأت طرح أسهمها للتداول.  

إذ أغلقت أسهم الشركة التي تعد أكبر شركة نفط في العالم عند 38 ريالاً سعودياً، أو حوالي 10.13 دولار، مما جعل قيمة الشركة تصل إلى 2.03 تريليون دولار في البورصة السعودية.

لم تتجاوز قيمة الشركة السوقية 1.88 تريليون دولار عند بداية طرح أسهمها يوم الأربعاء الماضي، 11 ديسمبر/كانون الأول. 

إذ تسبب نفور المستثمرين العالميين والمستشارين الغربيين في دفع الشركة إلى الاكتفاء بتقييم الشركة بأقل من تريليوني دولار، وهي القيمة التي حدَّدها الأمير السعودي محمد بن سلمان، كبير صانعي السياسات في المملكة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.

لكن في أربعة أيام من التداول، دفع الطلب القوي، الذي جاء معظمه من مستثمري تجزئة سعوديين وشركات استثمارية سعودية، قيمة الأسهم لتتجاوز الهدف الذي وضعه محمد بن سلمان. 

تجدر الإشارة إلى أنَّ شركة أرامكو، التي يعود تاريخها إلى الثلاثينيات من القرن الماضي، حين اكتُشِف النفط في المملكة العربية السعودية، تعد حالةً نادرة تشهد تفوق شركةٍ تقليدية قديمة على شركات تكنولوجية عملاقة في القيمة السوقية. 

فبفضل احتكارها شبه المُطلق لإنتاج النفط في السعودية، التي تتصدر قائمة الدولة المصدرة للنفط في العالم، تتفوق قيمة أرامكو بكثير على قيمة شركتي أبل ومايكروسوفت، إذ تبلغ قيمة كل منهما حوالي 1.2 تريليون دولار. 

كذلك تفوقت قيمة الشركة على القيمة الإجمالية لخمسٍ من أكبر الشركات الغربية، وهي إكسون موبيل وشيفرون وتوتال وبريتش بتروليوم ورويال داتش شل.

يقول محللون إنَّ أحد أسباب قيمة أرامكو المرتفعة هو أرباحها التي لا تُضاهى. 

إذ حقَّقت الشركة دخلاً صافياً بلغ 68 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري 2019. 

تمزج أرامكو بين تحمُّل تكاليف منخفضة للغاية -بفضل حقولها النفطية التي ليس لها مثيل- وتحقيق إنتاجٍ أعلى بكثير من أي شركة نفط أخرى، مما يجعلها أشبه بماكينةٍ تُدِرُّ نقوداً

يشير محللون إلى أنَّ الشركة ربما تستفيد كذلك، في أيام التداول الأولى الجارية، من بيئةٍ تجارية مختلفة عن تلك التي شهدتها الشركات الغربية المُنافِسة المدرجة في البورصة. فالبورصة السعودية صغيرة نسبياً، بالإضافة إلى أنَّ الأسهم المطروحة للتداول تمثل حوالي 1.5% فقط من إجمالي أسهم الشركة. 

يقول المحللون إنَّه لا عجب في أنَّ سعر الأسهم قد ارتفع، في ظل بذل الحكومة والبنوك السعودية كل ما في وسعها، لتشجيع المستثمرين على شراء الأسهم والاحتفاظ بها. 

في السياق نفسه، يقول سماسرة محليون إنَّ المستثمرين السعوديين يعتقدون أن أرامكو لديها مستقبل مشرق، في حين أن نظراءهم في الولايات المتحدة وأوروبا أصبحوا متشككين بدرجةٍ متزايدة في مستقبل شركات الوقود الأحفوري، مع تزايد المخاوف بشأن التغير المناخي.

لكن حتى مع وصول قيمة الشركة إلى 2 تريليون دولار، لم يحقق محمد بن سلمان كل ما كان يهدف إليه. 

فعلى سبيل المثال، فشل في تحقيق هدفه المتمثل في جلب أموال المستثمرين الدوليين لبعض المخططات مثل مشروعاته العقارية العملاقة وغيرها من الجهود لتنويع الاقتصاد وإيقاف اعتماده على النفط.

في هذا الصدد، كتب محللون من شركة Bernstein، المتخصصة في أبحاث السوق، في مذكرة إلى عملاء الشركة يوم الخميس الماضي 12 ديسمبر/كانون الأول: «لقد كان المكسب باهظ الثمن إلى حدٍّ ما، في ظل إقبال المستثمرين السعوديين، وليس الأجانب، على المشاركة في الطرح العام الأولي». 

فيما يقول محللون إنَّ الأسهم قد تبقى عند المستوى، الذي يعتبره البعض مرتفعاً، بعض الوقت. 

فعلى سبيل المثال، يُعرض على مستثمري التجزئة السعوديين سهم مجاني لكل 10 أسهم يشترونها ويحتفظون بها ستة أشهر، بحد أقصى 100 سهم، لتحفيزهم على عدم بيع الأسهم. بينما تُصِرّ الحكومة على اعتبار الطرح العام الأولي ناجحاً، وعلى أنَّ ملايين السعوديين الذين اشتروا أسهم الشركة لن يندموا. 

على صعيدٍ آخر، هناك دلائل تشير إلى أن المتداولين يستغلون دعم الحكومة لسهم شركة أرامكو السعودية من أجل المضاربة دون أي مخاطر تقريباً. 

فعلى سبيل المثال، كشفت شركة بوبيان الكويتية للبتروكيماويات يوم الخميس الماضي عن أنَّها باعت حوالي 3.3 مليون سهم من أسهم أرامكو السعودية، وحققت أرباحاً بلغت 1.6 مليون دينار كويتي، أو حوالي 5.3 مليون دولار.

قد تتلاشى هذه الآثار قصيرة الأجل في نهاية المطاف، مع أنَّ الحكومة السعودية لن ترغب في وقوع أي ضرر على المستثمرين المحليين، بعدما اشتروا أسهماً في أبرز مشروعات محمد بن سلمان. 

تلفت الصحيفة الأمريكية إلى ما جاء في المذكرة التي كتبها محللو شركة Bernstein: «يمكن أن تتداول أرامكو في ساحةٍ لا تشهد فيها أي مُنافسة لبعض الوقت، لكنَّ سوق الأوراق المالية يُعَدّ بمثابة ميزانٍ على المدى الطويل، وقوانين الجاذبية الاقتصادية ستُطبَّق في النهاية».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى