تقارير وملفات إضافية

تل أبيب تحضّر نفسها لحروب على عدة جبهات.. كيف سيكون الصراع الإسرائيلي-الإيراني في 2020؟

يتغير شكل المواجهة بين إيران وإسرائيل، لكنه لا يتوقف. إذ من الواضح أنَّ محاولات إيران للرد عبر الجبهة الشمالية على الهجمات الإسرائيلية المتكررة على دمشق، والنيران الهائلة التي تُشعِلها أنظمة الدفاع الجوي السورية مع كل قصف تشنه إسرائيل، دفعت الأخيرة إلى تغيير نظام عملها. ونتيجة لذلك، تبدو وتيرة الهجمات مؤخراً وكأنها قد تراجعت. 

لكن الأسباب الأساسية للاحتكاكات بين الجانبين، والمتمثلة في جهود إيران لتعزيز وجودها العسكري في سوريا، وتهريب الأسلحة إلى لبنان ورد إسرائيل على هذين الأمرين، لم تتغير. ومن ثم، يمكن توقّع استمرار الاحتكاكات الإسرائيلية الإيرانية في عام 2020، بشكل أكبر، كما تقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية.

في بداية اجتماع الحكومة الإسرائيلية هذا الأسبوع، حذَّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مرة أخرى من أنَّ «إسرائيل سترد على أي عدوان تشنه إيران وحزب الله» حسب وصفه. ونقل نتنياهو عن جنرال بارز في الحرس الثوري الإيراني تهديداته بأنَّ إيران ستدمر تل أبيب بصواريخ ستطلقها من لبنان. ورداً على ذلك، قال نتنياهو: «إذا تجرأ حزب الله على مهاجمة إسرائيل، فإنَّ حزب الله ولبنان، الذي يسمح بهجمات من أراضيه ضدنا، سيدفعان ثمناً باهظاً». وقبل ذلك بأيام قليلة، هدد وزير الدفاع الإسرائيلي نفتالي بينيت بأنَّ سوريا ستتحول إلى «فيتنام إيران».

إضافة إلى ذلك، ازداد كبار الساسة ومستشاروهم جرأة في تصريحاتهم، وفي الأشهر الأخيرة، اعتاد الوزراء على سماع نتنياهو يتلفظ بتعبيرات مروعة في كل مرة يتحدث فيها عن قضيته الاستراتيجية المفضلة؛ ألا وهي إيران. ويتحدث شركاؤه عن محاولة إيرانية لنشر حلقة من النار حول إسرائيل -من خلال نشر صواريخ تهدد إسرائيل بأكملها على عدة جبهات في لبنان وسوريا والعراق وغزة. ويشيرون إلى أنَّ استئناف محاولة بناء خطوط إنتاج أسلحة دقيقة في لبنان سيكون سبباً كافياً للدخول في حرب مع إيران.

أما وزير «الدفاع» بينيت فلا يزال يتمسك بخيار تبني موقف عدواني وأخذ زمام المبادرة على الجبهة الشمالية، على الرغم من تخفيفه من وتيرة تصريحاته بعدما تلقى اعتراضات من الجيش الإسرائيلي. فبالنسبة له، سياسة الانتظار وضبط النفس ليست خياراً مطروحاً. ولأنَّ إيران حساسة تجاه وقوع خسائر بين رجالها، يعتقد وزير الدفاع أنه يمكن إبقاء القوات العسكرية والميليشيات الأجنبية خارج سوريا من خلال تحرك محسوب جيداً.

النشاط النووي: أصدر معهد The Jerusalem Institute for Strategy and Security الإسرائيلي هذا الأسبوع توقعاته للعام المقبل. إذ يتوقع المعهد أنَّ «إيران ستستمر في تجريد خطة العمل الشاملة المشتركة [الاتفاق النووي] من محتواها، وستزيد من عمليات تخصيب اليورانيوم، ربما حتى لمعدلات هائلة. في حين ستستمر حملة واشنطن لفرض «أقصى قدر من الضغط» (العقوبات الاقتصادية) في استنزاف الاقتصاد الإيراني؛ مما يشكل تحديات كبيرة أمام المرشد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي».

صراع أوسع: إذاً، ما الآثار المترتبة على ذلك بالنسبة لإسرائيل؟ الإجابة هي: «احتمال أكبر بوقوع مزيد من الاشتباكات مع إيران، وحتى اندلاع صراع أوسع مع إسرائيل إذا كثفت طهران، في النصف الأخير من عام 2020، من تخصيب اليورانيوم. وبالتالي، ستكون إسرائيل مستعدة للتعامل مع إيران بمفردها. إلى جانب ذلك، تكهنات المعهد الإسرائيلي بالنسبة للحدود الشمالية ليست أكثر تفاؤلاً، إذ يقول: «يجب أن تكون إسرائيل مستعدة للتصعيد، بما في ذلك شن حرب وقائية على حزب الله».

الجبهة الشمالية: ويمكن أن تتأثر الاضطرابات على الحدود الشمالية تأثراً بالغاً بالتطورات على ثلاثة أصعدة: الاستفزازات الإيرانية في الخليج، التي يهدف بعضها على الأقل إلى جعل الولايات المتحدة تستأنف المحادثات حول الاتفاق النووي، والمظاهرات الحاشدة في لبنان والعراق ضد التدخلات الإيرانية، وكذلك في إيران -التي انطلقت مؤخراً- التي تتحدى النظام في طهران؛ ومتاعب نتنياهو القانونية والسياسية. يشار إلى أنَّ القوات الخاصة التابعة للجيش الإسرائيلي أجرت خلال الأسبوع الجاري تدريبات شملت محاكاة لهجوم من حزب الله اللبناني والاستيلاء على المجتمعات الحدودية الإسرائيلية.

تقول هآرتس: عادةً ما تحلى نتنياهو بالحذر والمسؤولية عند التعامل مع الجبهة الشمالية. ومع ذلك، يتطلب الوضع الحالي حساسية وحذراً استثنائيين من جانب مسؤولي الدفاع، وكذلك إدراك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، بدلاً من القبول التلقائي بسيناريو يقوم على حتمية الحرب مع إيران؛ لأنها تواصل ترسيخ قوتها عبر الحدود. وما يؤكد من صحة هذا أيضاً أنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي يرأس الآن حكومة انتقالية، وفشل مرتين في تشكيل ائتلاف حاكم ويواجه اتهاماً ثلاثياً بالفساد.

في مطلع الشهر الجاري، أجرى وفدان فلسطينيان، من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، محادثات في القاهرة مع المخابرات المصرية حول إمكانية التوصل إلى هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل في غزة. وعقب المحادثات، قال وسام عفيفي، مدير قناة الأقصى المؤيدة لحماس، إنَّ إسرائيل يمكن أن تضاعف عدد تصاريح العمل للعمال من غزة من 5000 إلى أربعة أضعاف (الذي يُصنَّف الكثير منهم على أنهم رجال أعمال).

ومع ذلك، أصدر مركز Meir Amit للاستخبارات الإسرائيلي ورقة، نقل فيها تصريحات عفيفي، تتشكك في احتمالات فرض هدنة طويلة الأجل في غزة؛ إذ تتمسك حماس برفضها فكرة فرض تهدئة لمدة 10 سنوات. ويقول مُعدّو الورقة إنَّ حماس تهدف إلى إبرام اتفاقيات مثل تلك التي توصلت إليها مع إسرائيل عقب حرب غزة عام 2014 بواسطة التحكيم المصري، والتي استمرت حتى انطلقت احتجاجات غزة عند السياج الحدودي في مارس/آذار 2018، التي تطالب بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية وتخفيف الحصار مقابل وقف إطلاق الصواريخ والمظاهرات. فمن وجهة نظر حماس، يمكن أن يستمر هذا الترتيب لبضع سنوات ولكن ليس لعقد من الزمن.

وفي الأسابيع الأخيرة، كتب الصحفي الإسرائيلي عموس هرئيل -كاتب هذا المقال- عن تقديرات الجيش الإسرائيلي لاحتمالات حدوث تقدم كبير مع حماس؛ إذ ترى هيئة الأركان العامة فرصة سانحة؛ نظراً للصعوبات التي تواجهها حماس والقتال الذي اشتعل في غزة في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الذي تعرضت فيه الجهاد الإسلامي للقصف. لكن يشعر الضباط بالقلق من أنَّ دعوة إسرائيل لإجراء انتخابات عامة أخرى تعني أنَّ الساسة سيصبح لديهم مساحة أقل للمناورة؛ مما يعرقل إمكانية التوصل إلى اتفاقات واسعة النطاق.

أما العقيد بجيش الاحتياط مايكل ميلشتاين، الذي ترأس إدارة الشؤون الفلسطينية في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية خلال الحرب على غزة في عام 2014، فهو أكثر تشككاً إزاء فرص الوصول لهدنة مع حماس؛ إذ يقول: على الرغم من الدلائل التي تدعو للتفاؤل، لا تزال هناك عقبات قوية للغاية تجعل من الصعب الوصول لهدنة طويلة الأجل. ويقول إنه من الصعب التأكيد أنَّ حماس قررت السعي لفرض ترتيبات ما؛ لأن قادتها يخشون التخلي عن فكرة المقاومة، أو بالأدق المقاومة العنيفة ضد إسرائيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى