تقارير وملفات إضافية

«الرجل الذي أعلن وفاة الليبرالية».. من هو المستبد الأنجح خلال عام 2019؟

حظي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعام ناجح في معركة الأفكار العالمية، وكان عام 2019 ناجحاً له.

بالعودة إلى شهر يونيو/حزيران 2019، أثار بوتين البلبلة بإعلانه وفاة الليبرالية الغربية.

وبدا أن هذه التصريحات أتت في توقيت مثير للجدل، قبل قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان. ولكن الأمر لم يكن مجرد كلام: في الأشهر التي تلت ذلك استمر بوتين في تقديم نفسه كمثال للقيادة الاستبدادية، حسب وصف تقرير لموقع CNN الأمريكي.

خذ على سبيل المثال سياسات بوتين تجاه المعارضة السياسية المحاصرة والمهمشة في بلاده.

فقد شهدت العاصمة الروسية موسكو خلال معظم فترات الصيف، موجة من التظاهرات المعارضة

ولفترة من الوقت بدا أن التجمعات والاحتجاجات غير المرخصة قانونياً والفردية تكتسب زخماً. حتى إن السلطات الروسية أسقطت تهماً جنائية ضد مراسل تحقيقات بارز، بعد تدفق الدعم الشعبي على نحو غير متوقع.

لكن بعد ذلك شُنت حملة ضد المعارضة، فقد اعتُقلت شخصيات بارزة من المعارضة، فضلاً عن اعتقالات موسعة طالت أكثر من 2000 متظاهر

ويبدو أن الحكومة الروسية مصممة على عدم السماح للاحتجاجات في الشوارع بالاقتراب من الأعداد التي شوهدت في هونغ كونغ.

كما أبدت روسيا استعدادها لممارسة المزيد من القمع على مواطنيها عبر الإنترنت.

في شهر مايو/أيار 2019، وقّع بوتين على مشروع قانون يوجه بإنشاء ما يسمى بـ «الإنترنت السيادي»، القادر على العمل بشكل مستقل عن بقية العالم. 

وينص القانون على قيام جميع مزودي الإنترنت الروس بتثبيت معدات خاصة لتمكين استخدام «فحص الحزمة العميق»، وهو نوع من معالجة البيانات يمكن استخدامه للمسح والرقابة على حركة مرور البيانات عبر الإنترنت.

وقد دخل القانون الجديد حيز التنفيذ، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وهو ما نصب روسيا كزعيمة لعالم التكنولوجيا الاستبدادية. 

ويقول المنتقدون إن ضغط بوتين لزيادة السيطرة على الإنترنت أعطى الحكومة الروسية فعلياً «مفتاح الإيقاف الطارئ» لوقف حركة مرور البيانات عبر الإنترنت.

ولم تقطع الحكومة الروسية الإنترنت على نطاق واسع رداً على الاحتجاجات، على عكس الحكومة الإيرانية التي قطعت الإنترنت لمنع الناس من التنظيم أو التواصل خلال المظاهرات الأخيرة المناهضة للحكومة على مستوى البلاد. 

لكن خلال احتجاجات هذا الصيف في موسكو، بدا أن السلطات فرضت انقطاعاً انتقائياً في بعض المواقع للتشويش أو اعتراض استخدام الهواتف الخلوية.

ليس من المستغرب إذن أن يتبنى بوتين موقف الرئيس الصيني شي جين بينغ في المواجهة بين الصين والولايات المتحدة، بشأن قرار إدارة ترامب بحظر جميع أشكال مشاركة شركة Huawei بشكل فعال في شبكات 5G الأمريكية، وسط مخاوف تتعلق بالتجسس. 

وفي منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي الدولي السنوي، قال بوتين إن الإجراءات الأمريكية تهدد «بحرب تكنولوجية» على التقنيات الرقمية الناشئة.

ولدى كل من بوتين وجين بينغ أسباب أخرى لمدّ الروابط بينهما. فقد تعرّضت بكين لانتقادات موسعة بشأن مراكز احتجاز شينجيانغ، والأسلوب الذي اتبعته لمواجهة الاحتجاجات في هونغ كونغ، لكن أياً من هذه الانتقادات لم تُثر من جانب موسكو.

وعلى الساحة الدولية، وجد بوتين أرضية مشتركة مع بعض زعماء العالم الاستبداديين الآخرين.

ففي سبتمبر/أيلول 2019، استضاف بوتين الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، في استعراض لدعم نظيره الأمريكي اللاتيني المحاصر. 

وفي الشهر التالي، زار المملكة العربية السعودية، وعرض شراكة قائمة على النفط مع حليف طويل الأمد للولايات المتحدة. ولم تكن هناك أي أسئلة غير مريحة من جانب بوتين حول سجل المملكة في مجال حقوق الإنسان.

ووصف العديد من المراقبين زيارة بوتين للسعودية والإمارات بأنها بمثابة جولة لاستعراض الانتصار. لكن أكبر انتصار للسياسة الخارجية لزعيم الكرملين لهذا العام كان في سوريا.

في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2019، التقى بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في منتجع سوتشي بجنوب روسيا، لصياغة مذكرة تفاهم من 10 نقاط حول مستقبل سوريا.

هذه المذكرة تعمل من نواح عديدة على إضفاء الطابع الرسمي للحقائق على أرض الواقع. فقد تخلّى الرئيس دونالد ترامب بالفعل عن حلفاء واشنطن الأكراد في سوريا، بإصداره لأمر الانسحاب المفاجئ للقوات الأمريكية من سوريا. وهو ما جعل الصفقة تنصب الرجلين القويين -بوتين وأردوغان- كلاعبين جيوسياسيين رئيسيين في سوريا.

ويبدو أن مقامرة بوتين بدعم الرئيس السوري بشار الأسد قد آتت ثمارها. ففي الوقت الذي لا تزال فيه مجموعة صغيرة من القوات الأمريكية موجودة في سوريا، فإن نظام الأسد في السلطة بشكل آمن، ولدى روسيا بصمة عسكرية أكبر في البلاد، حيث وضعت القوات الروسية يدها على البنى التحتية العسكرية الأمريكية المهجورة في سوريا.

غير أن كل هذا لا يعني أن بوتين كان دائماً يسير على طريق الانتصارات في عام 2019. فقد عانى الجيش الروسي من نكسة محرجة، في أغسطس/آب، بعد حدوث انفجار قاتل في نطاق اختبار عسكري، أسفر عن مقتل ما لا يقل عن خمسة أشخاص وإرسال مستويات إشعاع متصاعدة لفترة وجيزة.

ولم تؤكد الحكومة الروسية أبداً ما هو السلاح الذي كان يجري اختباره تحديداً، لكن التكهنات الدولية تركزت حول صاروخ كروز، يعمل بالطاقة النووية، يسمى Burevestnik أو Skyfall، وهو أحد مشاريع بوتين العسكرية.

وما زال على بوتين التعامل مع الصراع المحتدم في شرق أوكرانيا، حيث لا يزال الانفصاليون الذين تدعمهم روسيا يقاتلون الحكومة الأوكرانية. فقد سافر بوتين إلى باريس للقاء نظرائه من ألمانيا وفرنسا وأوكرانيا، للحديث عن خطوات نحو إنهاء الحرب، لكن تلك المناقشات انتهت دون تحقيق تقدم كبير.

لكن على النقيض من أزمة أوكرانيا التي هزت إدارة ترامب، فلا ينبغي لبوتين أن يقلق بشأن التعرض للعزل.

لكن هذا لا يعني أنه ليس لديه رأي: ففي مؤتمره الصحفي السنوي، في أواخر ديسمبر/كانون الأول، بدا أنه يعكس النقاط المتداولة بين الجمهوريين بقوله إن العزل يستند إلى «أسباب مختلقة«، وعبر عن شكوكه في أن ترامب سيعزل من منصبه.

بوتين مستبد ناجح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى