تقارير وملفات إضافية

ليبيا تُغير شكل التحالفات في المنطقة.. وهذه هي الشواهد

تحالفات جديدة مرتبطة بالصراع الليبي يبدو أنها في طريقها للتشكُّل، خاصة في منطقة المغرب العربي.

فبينما كان حفتر وداعموه الخارجيون يتطلّعون لحسم سريع لمعركة طرابلس عبر جلبِ دفعةٍ كبيرة من المرتزقة الروس والسودانيين، فإن صمود المدافعين عن المدينة، وإعلان تركيا نيّتها إرسال قوات لهناك أفشل محاولة الحسم، وأعاد القضية لبؤرة الاهتمام.

ولكن الأهم أن مؤشرات أن خريطة تحالفات جديدة تتبلور في المنطقة على خلفية الصراع الليبي، وسط ضغط تركي لمشاركة قطر وتونس والجزائر في مؤتمر برلين المزمع عقده لحلِّ الأزمة الليبية.

كانت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المفاجئة إلى تونس مؤشراً واضحاً على احتمال تغير خريطة التحالفات المحيطة بالأزمة الليبية.

وكان واضحاً من خلال نتائج الزيارة أنَّ تركيا تريد أن تلعب تونس دوراً أكبر في الأزمة الليبية.

وقال الرئيس التركي إنه بحث مع نظيره التونسي قيس سعيّد الخطوات المحتملة، وسبل التعاون من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في ليبيا.

وتضمّن بيان مكتب أردوغان أن وزيري الخارجية والدفاع ومدير الاستخبارات يرافقونه في زيارته التي تعد الأولى لرئيس دولة إلى تونس منذ انتخاب سعيّد رئيساً، في أكتوبر/تشرين الأول.

تونس من جانبها في مأزق داخلي وخارجي، فعلاقة تونس منذ ثورتها مع الثلاثي المعادي للربيع العربي السعودية والإمارات ومصر، يشوبها الجفاء.

وازداد العلاقة تعقيداً بعد فوز قيس سعيد، المرشح المستقل الذي يجاهر بعروبته وثوريته وتأييده لفلسطين ولتأسيس سياسة خارجية مستقلة، وهي أمور كلها أصبحت محرَّمات في النظام العربي الحالي.

في المقابل، فإن تونس التي لديها علاقات وثيقة مع ليبيا تاريخياً قلقة من التصعيد، سواء لما يترتب عليه من أزمة إنسانية، أو سواء بسبب المخاوف المتوقعة من تصرفات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

فالجنرال الذي يفاخر بأنه انقلب على المؤسسات المنتخبة في ليبيا يتوقع أنه يكون موقفه عدائيّاً من الديمقراطية التونسية إذ توج حاكماً لطرابلس.

وتونس حاولت أن تركز على الحل السلمي، وتعاونت مع الأمم المتحدة في هذا الصدد، وأطلقت المبادرة الثلاثية لحل الأزمة عبر التشاور مع الجزائر ومصر.

ولكن القاهرة التي تعترف رسمياً بحكومة الوفاق، دعمت الهجوم المفاجئ لحفتر، الذي بدأ قبل عدة أشهر، وتسبَّب في إفساد أقرب فرصة لتحقيق السلام في ليبيا.

وفي الوقت ذاته فإنّ ضعف الدولة التونسية ومشكلاتها الاقتصادية والأمنية والاستقطاب بين الإسلاميين والعلمانيين وبين بقايا الدولة العميقة، يعرقل أي تدخل تونسي فعّال في الأزمة  الليبية، وقد يبطئ وتيرة الاستجابة التونسية لدعوة الرئيس التركي للبلاد، للعب دور أكبر في الأزمة الليبية.

كانت الجزائر إحدى الدول التي دعا الرئيس التركي لمشاركتها في مؤتمر برلين المقترح لحل الأزمة الليبية.

والموقف الجزائري لا يقل تعقيداً عن نظيره التونسي.

فالنخبة الحاكمة العسكرية في الجزائر يُفترض أنها تتعاطف مع حفتر، الرجل العسكري.

ولكن الواقع أنها تنظر له بريبة شديدة.

والسبب في ذلك هو أن حفتر محسوب تماماً على مصر والإمارات والسعودية، مما يهمش النفوذ الجزائري في ليبيا، والرجل سبق أن هاجم الجيش الجزائري.

كما أن مقاربة النخب العسكرية الحاكمة في الجزائر أصبحت مختلفة تماماً عن مقاربة مصر والسعودية والإمارات، فيما يتعلق بالديمقراطية والإسلاميين.

تريد أبوظبي والقاهرة والرياض استئصال الإسلاميين تماماً، بينما النخبة العسكرية في الجزائر منذ عهد بوتفليقة تنحو إلى منعهم من الوصول للسلطة، ولكن عبر استيعابهم في عملية سياسية تبدو شبه ديمقراطية من ناحية الشكل على الأقل.

في الأزمة الليبية تجد الجزائر نفسها أقرب للموقف التونسي والتركي، خاصة أنها أيضاً غاضبة من التوغل الخليجي، (الذي لطالما كان الجزائريون يتوجسون منه على حدودهم).

ولكن الجزائر منشغلة في انتخاباتها الرئاسية المختلف عليها، وعملية انتقال القيادة في المؤسسة العسكرية بعد وفاة قائد الجيش قايد صالح.

غير أنه لوحظ أنه بعد وفاة قايد صالح أن الرئاسة الجزائرية أعلنت عن اجتماع المجلس الأعلى للأمن بالبلاد، برئاسة الرئيس الجديد عبدالمجيد تبون، وحضور رئيس أركان الجيش بالنيابة سعيد شنقريحة.

وقد جاء الإعلان بعد سنوات عديدة عن آخر لقاء معلن للمجلس الأعلى، الذي خرج بقرار ضرورة إعادة تفعيل الدور الجزائري إقليمياً ودولياً، واللافت أن هذا جاء مباشرة بعد دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كلاً من تونس وقطر والجزائر لحضور مؤتمر برلين لمناقشة الوضع الليبي.

وتجدر الإشارة إلى أنه لم يشارك جندي واحد جزائري في أي عملية خارج بلاده منذ ما يقارب الستة عقود، واحتفظت الذاكرة الجماعية للبلاد بخروج الجيش مرتين في تاريخه خارج الحدود (عاما 67 و73) ضد الجيش الإسرائيلي.

تقليدياً كان موقف المغرب، القابع على الثغور الغربية القصيّة للعالم العربي، أقربَ إلى مواقف دول الخليج، التي يجمعها بالرباط رابط الملكية المشترك.

وتقليدياً كانت السياسة المغربية تميل لعدم التورط في قضايا المشرق إلا بشكل برتوكولي وقليل التكلفة.

ولكن اليوم، المشرق هو الذي يتدخل في شؤون المغرب العربي الكبير، والأهم أن العلاقة متوترة بين الرباط والإمارات والسعودية، وبصورة أقل مصر، على خلفية موقف المغرب الرافض للحصار على قطر، وقد يكون للأمر علاقة أيضاً بحقيقة أن الحكومة الحالية في المغرب يقودها حزب ينتمي لتيار الإخوان المسلمين.

وفي المقابل تشهد العلاقات المغربية التركية تطوراً قد لا يكون صاخباً، ولكنه قوي، وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن المغرب علق على بيان الجامعة العربية، الذي أدان التدخل التركي في شمالي سوريا، بالقول إنه لا يعبر بالضرورة عن موقف المغرب.

ومؤخراً زار وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو الرباط، وقال إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، سيقوم بزيارة عمل قريبة إلى المغرب.

تبدو منطقة المغرب العربي المشغولة بأزماتها الداخلية الاقتصادية وعملية انتقال السلطة غير راغبة في توريط نفسها في محاور المشرق وخلافاته.

ولكن هذا المشرق مُصرّ على المجيء إليها، ومُصر على تجاهل مصالحها ومخاوفها، التي تتلاقي إلى حدٍّ كبير مع الموقف التركي تجاه ليبيا.

في الوقت ذاته فإنّ تزايُد وتيرة الديمقراطية في دول المغرب العربي مقارنة بالمشرق يقرّب أكثر بين هذه الدول وأنقره، فجميعهم يواجهون نقمة الحلف الثلاثي الذي يطارد الديمقراطية وبقايا الربيع العربي أينما كانت، وطرابلس هي المثال على ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى