ثقافة وادب

عمك مات

كتبت هذه القصة بعد وفاة عمي

بقلم الأديب والشاعر

جمال محمد

كأي كائن حي أحتاج ليوم أرتاح فيه من عناء عمل ستة أيام متصلة صحيح عملي لا يعتمد علي القوة البدنية إلا أنه مرهق ذهنيا وقد لا أبرح المنزل إلا أنني في وقت عمل قد يحتاج لقراءة شيئ ما ساعات أو إتصالات هاتفية أو مناقشات ولا يهم هنا عدد ساعات العمل بقدر إنجازه .. اليوم هو يوم راحتي .. كم أحتاج هذا اليوم الذي أغير فيه كل ما آلفته في أيام العمل …

أنام .. ما أحلي النوم في هذه المدينة الهادئة لا تسمع شئ لا أصوات للسيارات ولا باعة جائلون رغم أني أسكن بجوار سوق كبيرة في الحي الحادي والعشرين وبجواري أكبر نادي للبولينج … أعلن هاتفي المحمول عن رسالة لم أبالي فاليوم أجازتي من ذا الذي يرسل لي … كنت في هذه اللحظة أتسكع في المسافة الواقعة بين النوم واليقظة … كورت نفسي كالجنين محاولا أن أرجع لنشوة النوم التي قلما ذقتها تسكعت كثيرا إلا أن اليقظة غلبتني فلعنت ذلك المحمول ولومت نفسي علي نسياني غلقه …

بيد مترددة فتحت الرسالة لأقرأها إنها من أخي …. عادة لا يرسل أخي رسائل هاتفية ما بها …. يا إلهي( عمك مات ) مقتضبة قاسية ولكن أي عم قلتها بيني وبين نفسي .

عندي أربعة أعمام وأبي ولكن كلهم ماتوا ولم ولم يبقي غيره نعم عمي محمود …. تحجرت الدمعة في عيني عمي هذا هو من أحببني في القراءة فمنذ أن كنت في الصف الثالث الإبتدائي وهو يعيرني الأهرام بعد أن يقرأها ويناقشني في السياسة والأدب والفكر بل حتي كاريكاتير صلاح جاهين ويسألني هل فهمت ما يقصده .

.. ماتت الدنيا كلها في نظري … أعددت قهوتي كلون الحداد ولبست ملابسي وعليهم السترة السميكة التي إشتريتها منذ إسبوع من التخفيضات وهمت علي وجهي في شوارع الحي الذي أقطنه يقابلني أناس لا أدري هل يعرفوني أم لا فيبتسمون ويحيوني ما بهم هؤلاء ألا يدرون أن عمي مات يا لهم من أنذال .

.. أشتريت جريدة اليوم ( كورونا تسايتونج ) وركبت مترو الأنفاق قاصدا الحي العاشر يوجد به مقهي عربي يرتادونه العرب فيثرثرون كعادتهم .. في المترو فتحت الجريدة ثمانية وثلاثون من النمسا ضحايا كارثة تسونامي وثلاثون عراقيا ضحايا سيارات مفخخة ومائة وستون غرقوا في بنجلاديش وقصف إسرائيلي غاشم لغزة وحوادث سيارات وزلازل …..

عالم فارغ ألا يعلموا بموت عمي .. في القهوة مازالوا يتناقشون عن مباراة الأهلي والزمالك .. والإنتخابات .. وأشياء كثيرة تافهة لا تصل بأي حال لحدث موت عمي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى