منوعات

كثير من المشاهد الساخنة وشخصيات مثلية الجنس.. هل تحاول نتفلكس هدم الثوابت؟

في العام الماضي 2019، دخلت منصة المسلسلات والأفلام الأشهر نتفلكس مجال الإنتاج في الدول العربية، ومع الإعلان عن الإعداد لمسلسل مبني على سلسلة روايات ما وراء الطبيعة للراحل أحمد خالد توفيق، ظهرت عدة تعليقات ساخرة متخوفة من ظهور شخصيات مثلية الجنسية في عالم العجوز رفعت إسماعيل بطل سلسلة الروايات.

لهذه التعليقات ما يبررها، إذ إن أعمال نتفلكس عادة ما تحرص على وجود تنوع كبير في الشخصيات، وبالتالي لا تخلو الكثير من الأعمال من شخصيات مثلية الجنس، وهو ما واجه الانتقادات بالتأكيد عندما بدأت المنصة في الانتشار داخل الدول العربية.

نتفلكس ترضي كل الأذواق

في عام 2019، وصل مشتركو نتفلكس إلى أكثر من 160 مليون مشتركٍ حول العالم، وبهذا تصبح المنصة الإلكترونية صاحبة الرقم الأكبر من المشتركين. في ظل منافسة كانت قائمة من قبل، ومنافسة أكثر شراسة بدأت في العام الماضي، مع إطلاق شركتي أبل وديزني لمنصاتهما، تحاول نتفلكس الحفاظ على مشتركيها، وإضافة المزيد إليهم من خلال ضخ المليارات لشراء وصناعة المحتوى الذي يبث باستمرار على منصتها، دائماً هناك جديد. يكفي أن نعرف أن ميزانية نتفلكس في 2019 وصلت إلى 15 مليار دولار، وهو رقم يتجاوز مجموع ما أنفقته المنصتان التاليتان لها في الإنفاق.

من أجل الوصول إلى أغلب شرائح المشاهدين، تُقدم نتفلكس أنواعاً وأفكاراً مختلفة من المسلسلات والأفلام، وتضيف مواسم جديدة إلى الناجح بينما توقف ما لا يحقق النجاح المطلوب. المتابع الجيد لأعمال نتفلكس الأصلية «Netflix Originals» سيلحظ بالتأكيد أن أعمالها تعتمد على تنوع عرقي وجنسي بشكل واضح، سنتوقف عند أحد المسلسلات الشهيرة «13 Reasons Why» (ثلاثة عشر سبباً)، والذي عرض منه 3 مواسم، حقق أولها تحديداً نجاحاً كبيراً. في هذا المسلسل الذي تدور أحداثه داخل مدرسة وفي عوالم المراهقين، سنجد تنوعاً غير عادي للشخصيات: المثلي والمثلية وذوي الأصول الإفريقية وذوي الأصول الآسيوية. واحد من المسلسلات الأخرى الشهيرة على نتفلكس، هو «Stranger Things» (أشياء غريبة) ورغم أن الموسمين الأولين منه لم يضما شخصيات مثلية، فإن الثالث احتوى على فتاة مثلية الجنس.

عمل آخر عرض منذ شهور قليلة وأثار ضجة كبيرة هو «The First Temptation of Christ» (الإغواء الأول للمسيح) والذي قدم المسيح والعذراء مريم بصورة ساخرة، مع تلميحات لكون المسيح مثلي الجنس وهو ما قوبل بعاصفة كبيرة من الانتقادات وحملات لإجبار نتفلكس على سحب الفيلم القصير، وهو ما لم تستجب له المنصة.

بينما رحب الكثيرون بهذا التنوع، والتعامل مع الشخصيات المختلفة بطريقة طبيعية دون وضعها في قوالب تقليدية أو التقليل منها، بالإضافة لعدم وجود خطوط حمراء، رأى آخرون ومنهم بالطبع المشاهدون في الدول العربية -كما يظهر من الكوميكس المنتشرة- أن ما تقدمه نتفلكس بمثابة نشر متعمد لنوع مختلف من الأفكار. فهل هذا متعمد بالفعل؟

مرحباً بكم في عصر الصوابية السياسية

منذ سنوات قليلة انتشر مصطلح «Political Correctness» أو «الصوابية السياسية»، وهي محاولة تصحيح المفردات أو الأفعال التي قد تكون مسيئة إلى بعض الناس، وخاصة في ما يتعلق بالجنس أو العرق.

قبل أن يُعرف هذا المصطلح وينتشر بسنوات طويلة، كانت هناك توجهات واضحة لدى صناع الأعمال الفنية الأمريكية لإدراج الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية في أعمالهم، الأمر الذي بدأ على استحياء في بدايات السينما، واستغرق وقتاً طويلاً حتى بات هناك الكثير من نجوم هوليوود المعروفين من ذوي البشرة السمراء.

لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل وصل مؤخراً إلى محاولة إصلاح الماضي بأثر رجعي، فنجد ديزني تُسند دور عروس البحر آريل في فيلمها القادم «The Little Mermaid» (عروس البحر الصغيرة) إلى الممثلة السمراء هالي بيلي.

مؤخراً انتشر مصطلح الصوابية السياسية بشكل كبير ولافت، وتزامن مع وجود الحملات التي شُنت على التحرش الجنسي في هوليوود تحت عنوان «Me Too» (أنا أيضاً). كل هذا نتج عنه اهتمام بتقديم الكثير من الشخصيات التي لم تكن تُقدم من قبل، أو ربما قدمت بصورة غير منصفة. هكذا بتنا نشاهد شخصيات مثلية الجنس بشكل أكبر، وبطلات نساء دون تصديرهن في قوالب جنسية جاهزة، سواء من حيث الشكل أو الشخصية، وبدأ الاهتمام أيضاً بالشخصيات العربية في بعض الأعمال. وفي مسلسل «Troy: The Fall of a city» المستوحى من الأسطورة الإغريقية، أُسند دور المقاتل «أخيليس» للممثل أسمر البشرة ديفيد غياسي، مع ظهوره مثليّ الجنس في المسلسل.  

الأصدقاء تحت القصف 

منذ عامين تقريباً، اشترت نتفلكس حقوق عرض مسلسل السيت كوم (كوميديا الموقف) الأشهر ”Friends“ (الأصدقاء)، هذا الذي عرض للمرة الأولى عام 1995، وحقق نجاحاً ضخماً جعله يستمر لعشرة مواسم انتهت عام 2004، ويعد حتى الآن من كلاسيكيات السيت كوم. كثير من مشاهدي نتفلكس الأصغر سناً لم يكونوا قد شاهدوا المسلسل من قبل، ومع بداية عرضه على المنصة واجه الكثير من الانتقادات السلبية بسبب وجود عدة حلقات بها سخرية من المثليين والمتحولين جنسياً. هكذا بدا أن كل جمهور يهاجم ما لا يرضيه وما لا يجده لائقاً من وجهة نظره.

فالجمهور الذي لديه رهاب المثلية يهاجم تواجد شخصيات مثلية بكثرة، والجمهور الذي لا يعاني من الأمر نفسه يهاجم السخرية من المثلية، بينما المشاهد الذي ليست لديه مشكلة مع الأمرين كل ما يهمه هو أن تكون تفاصيل الشخصيات منطقية وموظفة بشكل جيد.

نتفكلس ليست وحدها

لكن الأمر لا يتوقف عند نتفلكس وحدها، فشركة HBO التي تنفق من مليارين إلى مليارين ونصف المليار دولار على صناعة المحتوى، لديها مسلسل من أعلى المسلسلات مشاهدة في السنوات الأخيرة، وهو «Game of Thrones» (لعبة العروش). ضم هذا المسلسل الكثير من الشخصيات المثلية، ومشاهد عري، ومواجهة مع مفهوم السلطة الدينية، بشكل ربما لم يشهده مسلسل قبله.

الأمر يتجاوز الأعمال الدرامية، فحتى في عالم ألعاب الفيديو، سيشهد شهر مايو/أيار القادم إطلاق الجزء الثاني من «The Last of Us» (آخر من تبقى) والتي حقق جزؤها الأول نجاحاً اسثتنائياً وتصنف من أفضل ألعاب منصة البلاي ستيشن. يقدم الجزء الثاني شخصية إيلي وهي فتاة مثلية، وربما هي المرة الأولى التي تكون فيها الشخصية الرئيسية في واحدة من الألعاب ضخمة الإنتاج مثلية الجنس.

يكشف لنا هذا أن هناك توجهاً عاماً، بتجاوز ما كان يُعتبر سابقاً خطاً أحمر، وبالدفع لتقبل آراء وأفكار وأشخاص قد يكونوا مختلفين.

هل هذا يعني أن الأمر دائماً يأتي في السياق المنطقي أو المبرر؟

إذا عدنا إلى مسلسلات نتفلكس سنجد أن بعض الشخصيات تُقدم مثلية الجنس دون أن يكون لهويتها الجنسية أي تأثير على الأحداث، وأحياناً يحدث لَيّ للأحداث حتى تكشف الشخصية عن هويتها الجنسية، فقط لتقديم شخصية مثلية داخل العمل، وهو ما حدث في الموسم الثالث من «Stranger Things»، والذي كشفت فيه إحدى الشخصيات عن كونها مثلية دون أي مبرر درامي منطقي، ودون أن يضيف هذا الكشف للأحداث.

قد يشعر المشاهد أن هناك تركيزاً من نتفلكس على تقديم المثلية، أو الصدام مع السلطات الدينية، لكن وجود نتفلكس على قمة المنصات التي تحظى بمشتركين ونسب مشاهدة، هو ما يمنح الشعور أنها وحدها دون غيرها التي تقدم هذا، بينما هو توجه عام. 

بالنظر إلى تاريخ السينما الأمريكية مع ذوي البشرة السمراء، سنجد أنها استمرت سنوات عدة حتى تجعل المشاهد يتقبل ذوي الأصول الإفريقية بشكل طبيعي، وهو ما ربما سيحدث مع كل ما هو مختلف وغير مُقدم من قبل خلال السنوات القادمة.

أندرو محسن هو كاتب وناقد سينمائي مصري، شارك في العديد من المهرجانات السينمائية العربية والعالمية وكان عضو لجنة تحكيم في مهرجان القاهرة السينمائي.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى