تقارير وملفات إضافية

ليبيا المستباحة! كيف أفلتت الإمارات من العقاب رغم انتهاكها حظر بيع السلاح لحفتر؟

كانت واحدة من أكثر أحداث المعارك الأخيرة في ليبيا ترويعاً، وبدت الأمم المتحدة عازمة على الوصول
لحقيقة ما حدث.

إذ نشرت الأمم المتحدة تقريراً من 13 صفحة، الأسبوع الماضي، يعرض تفاصيل دقيقة
للتفجير الذي استهدف مركز اعتقال في مدينة تاجوراء، قرب العاصمة طرابلس، في شهر
يوليو/تموز 2019، وأسفر عن مقتل 53 شخصاً، معظمهم من المهاجرين الأفارقة. وضم
تقرير الأمم المتحدة إفادات من ناجين، وأبعاد الحفرة التي تركها التفجير، ودعا إلى
التحقيق في ما قد يرقى لجريمة حرب.

ومع ذلك،
فشل التقرير فشلاً جلياً في تحديد هوية الجناة؛ إذ خلُص إلى أنَّ الفاعل
«دولة أجنبية»، بحسب تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.

ويصف
محللون عزوف الأمم المتحدة عن كشف هوية مدبري التفجير أو حتى التلميح بها، هو مؤشر
على ضعف حظر الأسلحة الذي تفرضه الهيئة الدولية على ليبيا منذ 9 سنوات، وبلغت
انتهاكات هذا الحظر الحد الذي جعل بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا تقول في العام
الماضي إنها تخاطر بتحويله إلى «مزحة ساخرة». 

وتعيث
عدد من الدول فساداً في ليبيا بتزويد الفصائل المتناحرة بالأسلحة والمرتزقة
والمستشارين العسكريين، في معركتها للسيطرة على الدولة الغنية بالنفط.

لكن لم
يحدث أن تعرض أيٌ من هؤلاء اللاعبين الأجانب للمساءلة؛ إذ يتجنبون التحقيق في
تدخلاتهم باستغلال الانقسام الدولي حول ليبيا أو علاقاتهم مع قوى الغرب، مثل
الولايات المتحدة. وأحياناً يفلتون من أية إشارة إليهم. 

ووفقاً
لأربعة من مسؤولي الأمم المتحدة، الدولة الأجنبية مُدبِّرة الهجوم، التي لم يكشف
التقرير عن اسمها، هي دولة الإمارات العربية المتحدة، الحليف الأمريكي والداعم
الأساسي للمشير خليفة حفتر، الذي تحاصر قواته العاصمة طرابلس منذ أبريل/نيسان
2019. 

وقال
المسؤولون الأربعة إنَّ أغلب الأدلة التقنية والظرفية تشير إلى الإمارات، بما في
ذلك حقيقة أنَّ طائراتها الحربية من طراز «ميراج» فرنسية الصنع لديها
القدرة على تنفيذ الغارات الليلة التي دمرت مركز الاعتقال. 

إلى جانب
ذلك، يُرجَّح أنَّ الإمارات هي أكبر مُنتهِك لحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم
المتحدة في 2011، مع انزلاق ليبيا إلى حرب أهلية عقب إطاحة العقيد معمر
القذافي. 

لكن هناك
دولاً أخرى أقحمت نفسها في الصراع أيضاً. ففي المعسكر الداعم لحفتر، تقف مصر
وروسيا والأردن وفرنسا، بالإضافة إلى الإمارات. في حين انحازت تركيا لصف حكومة
طرابلس المُحاصَرة.  

وينشر
مفتشو الأمم المتحدة تقارير كل عام تُوثِق وفرة الأسلحة التي تضخها الدول الأجنبية
إلى ساحة المعركة الليبية من طائرات حربية وطائرات بدون طيار ومدفعية مُوجَّهة
بالليزر وأنظمة دفاع صاروخي، إضافة إلى كمٍ هائل من الأسلحة الصغيرة.

ومع ذلك،
لا تواجه أي من هذه الدول فرصة التعرض للعقاب، أو حتى الانتقاد. إذ كشف مسؤولان
إنه منذ عام 2011، والمفتشون الأمميون يقدمون ملفات تحوي تفاصيل انتهاك العديد من
الدول حظر الأسلحة، ومنها الإمارات، إلى لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن.

لكن لم
يُعاقَب أي مخالفون أجانب على تورطهم في الحرب الليبية سوى اثنين؛ وهما مواطنان
إثيوبيان اتُهِما في 2018 بالاتجار في البشر. 

 وأصبحت
إخفاقات حظر الأسلحة جلية منذ 19 يناير/كانون الثاني، حين التقى قادة العالم في
العاصمة الألمانية برلين لتوقيع إعلان من 55 صفحة تعهدوا فيه بالضغط من أجل
وقف إطلاق النار في ليبيا والتمسك بحظر الأسلحة. لكن، ما لبث الحبر على الورق أن
جف، حتى ازداد تدفق الأسلحة إلى ليبيا استعداداً لجولة جديدة من القتال.

ودخلت سفن حربية تركية إلى المياه الليبية، يوم
الأربعاء 29 يناير/كانون الثاني، ومعها سفينة شحن قيل إنها كانت مُحمَّلة بمركبات
مصفحة موجهة لحكومة طرابلس.

وفي شرق ليبيا، وصلت العشرات من طائرات الشحن إلى
قاعدة جوية تسيطر عليها الإمارات؛ مما أثار تكهنات بأنها تحمل تعزيزات عسكرية
لحفتر.

ودفعت الانتهاكات الصارخة للحظر منذ اتفاقية برلين
مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا، غسان سلامة، للانفجار غضباً يوم الخميس، 30
يناير/كانون الثاني.  

وفي خطاب ألقاه أمام مجلس الأمن، انتقد سلامه
«العناصر الفاعلة المُجرَّدة من المبادئ… التي لا تأخذ الجهود المبذولة
لتعزيز السلام على محمل الجد، فيما تؤكد دعمها للأمم المتحدة»، حتى أنها
«تدعم الحل العسكري، مما ينذر بصراع مخيف واسع النطاق يضاعف من معاناة الشعب
الليبي».

تجدر الإشارة إلى أنَّه بعد تهاون في الاهتمام
بالصراع الليبي، بدأ العالم ينتبه مرة أخرى في يوليو/تموز 2019، بسبب قصف مركز
اعتقال تديره حكومة الوفاق، أسقط عشرات الضحايا من المهاجرين الأفارقة الذين
حوصروا داخل البلد المضطرب. وبالإضافة إلى 53 قتيلاً أبلغت عنهم السلطات الليبية،
أصيب أكثر من 80 شخصاً بجروح.

ومنذ شنَّ حفتر، وهو جنرال سابق في عهد القذافي
وأحد رجال وكالة الاستخبارات الأمريكية سابقاً، هجومه على طرابلس في أبريل/نيسان،
أودى القتال بحياة ما لا يقل عن 2200 شخص من المقاتلين والمدنيين، وشرَّد أكثر من
300 ألف شخص. إلى جانب ذلك، تأثرت أسعار النفط بعد أن أوقفت قوات حفتر معظم إنتاج
ليبيا من النفط.

وتعد الإمارات الداعم العسكري الرئيسي لحفتر،
وتشير العديد من التقارير التي يعدها محققو الأمم المتحدة إلى أنها من كبار منتهكي
حظر الأسلحة. ومع ذلك، تمكنت الإمارات من الإفلات من العقاب، حتى عندما اتُهِمَت
بقتل مدنيين، من خلال الاستفادة من علاقاتها مع حلفاء أقوياء مثل فرنسا والولايات
المتحدة.

وفي هذا الصدد، علَّق فولفرام لاكر، المحلل في
معهد Institute for International and Security Affairs الألماني، ومؤلف كتاب Libya’s
Fragmentation
(انقسام ليبيا)، قائلاً: «يحيط قانون أوميرتا (ميثاق الصمت في المافيا) بدور
الإمارات (في الصراع الليبي)، وذلك لدوافع سياسية بحتة».  

وأوضح لاكر: «لا يريد أحد أن يقطع علاقاته مع
الإمارات لدورها في ليبيا». 

من جانبه، رفض متحدث باسم الإمارات، التي تنكر
رسمياً أي تورط لها في الحرب الليبية، التعليق على اتهامات بأنها المسؤولة عن
تفجير مركز الاحتجاز.

فيما اتهم بعض النقاد بعثة الأمم المتحدة في ليبيا
ولجنة حقوق الإنسان التابعة لها، التي شاركت في كتابة التقرير عن تاجوراء،
بالتساهل مع تدخل فاعلين أجانب في الحرب بعد الفشل في الإشارة لهم صراحةً.

إذ قالت سارة ليا ويتسن من معهد Quincy
Institute for Responsible Statecraft لأبحاث السياسة الخارجية: «الفشل في ذكر أسماء (المتورطين)
مقلق للغاية. يجب على الأمم المتحدة أن تبذل قصارى جهدها لإثبات أنها لا تحجم عن
تحديد هوية مهربي الأسلحة ومنتهكي الحظر».

لكن، قال متحدث باسم بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا
إنَّها نشرت كل ما تعرفه إلى الآن عن حادث التفجير. 

وفي تصريحات غير رسمية، كشف مسؤولون أنَّ الحد
الأقصى من الأدلة المتاحة والتحدي المتمثل في الحصول على معلومات موثوقة في ليبيا
يجعل من الصعب تحديد هوية مرتكبي بعض الهجمات تحديداً قاطعاً، وهو ما ينطبق على
هجوم تاجوراء.

لكنهم
أضافوا أنَّ العائق الأكبر أمام جهودهم هو التنافس الدولي المشحون حول
ليبيا. 

فعندما
يتعلق الأمر بالتحقيق في انتهاكات الحظر، تُحجِم الدول الغربية القوية مثل
الولايات المتحدة وبريطانيا، عن تبادل المعلومات الاستخباراتية بشأن ليبيا، حسبما
يقول مسؤولو الأمم المتحدة، لأنها لا تريد إحراج حلفائها العرب مثل مصر أو
الإمارات.

وأقحمت
دول أخرى نفسها في الفوضى الليبية. ففي الخريف الماضي، نشرت روسيا مرتزقة يدعمهم
الكرملين لدعم الهجوم على طرابلس. ومن بين الدول العربية المتورطة، الأردن وهو من
موردي الأسلحة الرئيسيين لحفتر، بينما تقدم له مصر الدعم اللوجستي والدبلوماسي.
وعلى غير العادة، أعلنت تركيا صراحةً دعمها العسكري لحكومة طرابلس، وهو القرار الذي صوَّت البرلمان التركي بالموافقة عليه الشهر
الماضي. 

في حين تخضع تدخلات فرنسا في ليبيا للتدقيق. وفي
الأسبوع الماضي، اتهم الرئيس إيمانويل ماكرون تركيا بالتراجع عن وعودها بالخروج من
ليبيا. لكن ماكرون نفسه واجه اتهامات بالتدخل هناك، وإن كان ذلك على الجبهة الأخرى
من القتال.

أما الولايات المتحدة فبدت تحت إدارة ترامب غير
مهتمة بالتعامل مع الملف الليبي، باستثناء ما يتعلق بمحاربة تنظيم الدولة
الإسلامية «داعش»، أو إدانة التدخل الروسي المتزايد في الحرب. 

ومع ذلك، كثيرٌ ما بدا المسؤولون الأميركيون
وكأنهم يتسترون على تدخلات حلفائهم الإماراتيين هناك. فمع تصاعد القتال يوم
الخميس، قدَّم مسؤول كبير في البنتاغون، الجنرال ستيفن تاونسند، إفادة أمام
الكونغرس انتقد فيها بشدة التدخل التركي والروسي،
لكنه عزف عن الإشارة إلى الإمارات.

وكان المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، قد
حذَّر العام الماضي من أنه في غياب التدخل لوقف تدفق الأسلحة إلى ليبيا، «سوف
تنزلق إلى حرب أهلية شاملة يمكن أن تؤدي إلى حالة من الفوضى الهوبزية الشاملة أو
إلى تقسيم البلاد».

وجدَّد
مؤتمر برلين، الذي عُقِد في يناير/كانون الثاني 2020، الأمل في تغيير مجريات
الأحداث، لكن الآن مع انخراط جانبي الصراع في القتال، بدأت هذه الآمال
تتلاشى. 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى