منوعات

محنة البن السعودي.. تراث 300 عام نجا بصعوبة من النفط ولكنه يواجه اليوم خطراً أشد

تحاول مجموعة طموحة من المزارعين السعوديين الحفاظ على إنتاج البن السعودي التقليدي في مواجهة التحولات الثقافية وتغير المناخ.

يقول جابر أحمد علي السالمي المالكي إن أسرته كانت تزرع البن الخولاني، وهو نوع من أنواع البن العربي، منذ ما يقرب من 300 عام في حقول تل جازان جنوب غربي المملكة العربية السعودية.

وقال المالكي لموقع Al Monitor الأمريكي: “نستخدم تقنيات الزراعة التقليدية لنجمع مياه الأمطار. وإذا جُمعت بشكل صحيح يمكن للمزرعة تخزين كمية كافية من مياه الأمطار لاستخدامها لمدة ثلاثة أشهر”.

ويعترف المالكي بأن زراعة البن، رغم أنها نوع من الحفاظ على التقاليد، قد تصبح مشكلة.

وقال: “الجزء الأصعب لمزارعي البن هو العمل اليدوي”، وقد يكون هذا هو السبب في سعيه المتزايد لتنويع المحصول. وحاولت مزرعته المزج بين التقنيات التقليدية والأساليب الحديثة. فيما يتولى ابنه مهمة التسويق للبن على مواقع التواصل الاجتماعي، وساعد في بناء علامة تجارية اجتذبت زبائن من الإمارات العربية المتحدة والكويت.

وتضم المزرعة متنزهات صغيرة يمكن للضيوف التنزه فيها بين أشجار القهوة والتين والموز. وتزور الموقع حوالي ست مجموعات يومياً، وثمة زائر جديد من ساحل العاج.

وتجدر الإشارة إلى أن مقالة نشرتها صحيفة The Telegraph عام 2017 صنفت السعودية في المرتبة العاشرة من حيث استهلاك الفرد من القهوة في العالم.

وتتركز ثقافة البن التقليدية في السعودية على الدلة، وهو وعاء قهوة بفتحة على شكل منقار ببغاء كان يُنتج بوفرة في ستينيات القرن الماضي ويوضع على النار في الخلاء. 

ويشار إليها أحياناً باسم القهوة البيضاء، وتُقدم في مناسبات متعددة مثل استقبال الضيوف أو في المطاعم في فناجيل صغيرة، وعادة ما تقدم مع التمر. وجرت العادة على إضافة الحبهان والقرنفل والقرفة والزعفران إلى القهوة، وهو ما يمنحها لوناً ذهبياً.

وتضم منطقة جازان الخصبة أكثر من 79 ألف شجرة بن خولاني تحتضنها تلالها. وبدءاً من النصف الثاني من القرن العشرين، بدأت المنطقة في التوقف عن اعتماد القهوة باعتبارها مصدراً لقوتها الاقتصادية، حيث بدأت مادة أخرى سوداء تجلب الأموال -النفط- في السيطرة على الاقتصاد. وبعدما أصبح المزارعون جنوداً أو موظفين، انخفض عدد أولئك الذين يزرعون القهوة إلى بضع مئات.

وفي الوقت الحالي، تسعى الحكومة السعودية وحكومة منطقة جازان إلى إحياء هذه الصناعة.

إذ تشجعان المزارعين على زراعة الأشجار في الحقول التي طالتها يد الإهمال لعقود في بعض الحالات أو أصبحت مخصصة للرعي. واستمر إنتاج القهوة في مكان آخر، ولكن في كثير من الأحيان على مستويات إنتاج بدائية يدوية، لإحياء هذه الصناعة، واستقدم خبراء من البرازيل وأماكن أخرى لتطبيق الأساليب الحديثة. ورغم أن المالكي لا يقلقه الحصول على المياه، يشكو مزارعون آخرون من أن حفر الآبار يكلفهم الكثير من الأموال.

وقال نايف بن لبدة، أمير محافظة الداير، الذي يبحث عن سبل لحل تحديات المياه لموقع Al Monitor: “لا يستخدم سوى 15% من الحقول الموجودة في الجبل التي تتمتع بإمكانات إنتاج القهوة. ويبهرني شغف المزارعين في محاولتنا استعادة تراثنا”.

ويتمثل جزء من الجهود المبذولة للحفاظ على هذه الأساليب القديمة في زراعة البن في تضمين بُن الخولاني في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي، وهي حملة أطلقتها السعودية رسمياً في مارس/آذار عام 2019.

يُشار إلى أن المنطقة أنتجت 336 طناً من البن عام 2019، لكن المحافظ أوضح أن المنطقة لديها طموحات أكبر. 

إذ تسعى السعودية إلى إنتاج 5000 طن من البن عالي الجودة سنوياً، وفقاً لأهداف التنويع الاقتصادي في الرؤية السعودية لعام 2030.

والهدف هو تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج البن العربي. وبعد ذلك، بحلول عام 2040، يأملون في بدء تصدير البن الذي ينتجونه. 

ويشير المزارعون السعوديون إلى مثال فيتنام، التي أصبحت منتجاً عالمياً في القهوة على مدى العقود القليلة الماضية.

ولكن لن ينتهي المطاف بكل حبوب بُن الخولاني في الدلة. إذ قد يرحب المستهلكون للمنبهات الأكثر شعبية في العالم بالعرض الجديد. 

إلا أن تقريراً نشرته شركة Fairtrade Australia & New Zealand عام 2016 دفع بأن التغير المناخي يمكن أن يهدد بانخفاض الإنتاج العالمي من القهوة إلى النصف.

ويُشار إلى أن السعودية تضم العديد من المقاهي على الطراز الغربي. فمنذ عام 2000، افتتح 150 فرعاً من فروع ستاربكس في البلاد، وتباهي الشركة الأمريكية على الملأ بأنها حققت أهداف “السعودة” بتعيينها عدداً من السعوديين في مناصب عليا.

بدأت الجهود التي تبذلها صناعة البن في السعودية لإنشاء مصانع تحميص البن بطرق خاصة في الرياض عام 2014، حتى إن شركة سعودية لتصدير القهوة صدّرت مشروب القهوة الباردة العربية إلى المملكة المتحدة.

وقال أديب مذاري، الذي يتفق مع أن سلسلة الشركات الأمريكية تميل إلى الإفراط في تحميص حبوب البن لموقع Al monitor: “أنا شخصياً لست من محبي ستاربكس”. يحب مذاري القهوة التي تُقدم بالطريقة التقليدية، لكنه أيضاً من محبي القهوة الباردة وخلطات القهوة الغريبة.

أسس مذاري مقهى كوف -أول مقهى محلي في مدينة جازان المرفئية جنوب غربي السعودية- في الربيع الماضي. وطابور الزبائن أمام مقهى كوف أطول من مثيله أمام البيك- سلسلة مطاعم الدجاج المقلي السعودية التي بدأت في جدة في العقد الماضي وأصبحت مفضلة لدى العديدين. 

يقدم مقهى كوف القهوة التقليدية وكذلك النسخة المحلية لتفضيلات الزبائن المحلية من القهوة العالمية. ويُعرف مشروب القهوة باللبن باللاتيه الإسباني.

يقع مقهى كوف على بعد ساعتين من مزرعة بن، ويحلم مذاري بأن يتمكن في المستقبل القريب من تزويد زبائنه بالقهوة الطازجة من المزرعة إلى الفنجان مباشرة.

وقال مذاري: “المعرفة تمثل تحدياً كبيراً للمزارعين؛ فبعض المزارعين كبار في السن ولا يعرفون التقنيات الحديثة”.

تتمتع قهوة خولاني بجودة عالية، ولكن الحفاظ على معايير الإنتاج بشكل مستدام لا يزال يمثل مشكلة. 

ورغم أن المزارعين قد يستمتعون بظروف شبه مثالية خلال أحد المواسم، فإن ندرة المياه يمكن أن تمثل مشكلة.

ويُذكر أن السعودية حرصت على التمييز بين الجنسين في المقاهي والمطاعم على مدى عقود. 

إلا أن هذه السياسة بدأت في التراجع على مدى السنوات الثلاث السابقة قبل إلغائها في ديسمبر/كانون الثاني عام 2019. 

ففي عام 2016، لفت ستاربكس في الرياض الانتباه الدولي لحظره دخول النساء لفترة وجيزة أثناء تجديد مقره. وفي أماكن أخرى من البلاد، بدأت بعض المقاهي الجريئة في تجاوز الحدود في السنوات الأخيرة. يقول مذاري حانقاً إنهم من البداية لم يسعوا مطلقاً إلى الفصل بين العملاء الذكور والإناث.

وقال مذاري: “حلمي هو بيع مجموعة متنوعة من القهوة السعودية لجميع عملائي، وأعتقد أننا مع القليل من الجهد سنحقق ذلك قريباً”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى