تقارير وملفات إضافية

كيف أدى اقتراح ترامب لتسهيل التجارة الإنسانية مع إيران إلى إحكام الحصار عليها؟

أدى طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اقتراح تسهيل وصول السلع الإنسانية لإيران إلى مزيد من الضغوط على هذه البلاد وتهديد ما تبقى من تعاملاتها التجارية مع العالم.

فقد تحول اقتراح ترامب ضمان وصول إيران إلى السلع الإنسانية، إلى مشكلة كبيرة عقدت وضع هذه الدولة المعقد أصلاً، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي. 

أولاً، في محاولة لضمان حصول إيران على الفائدة الاقتصادية من اتفاقها النووي بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)- الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة وقوى عالمية كبرى أخرى- وافقت أوروبا على إنشاء آلية خاصة لأغراض تسهيل التجارة من وإلى إيران، ويشمل ذلك صادرات النفط الإيراني. 

ولكن سرعان ما تحول هذا الوعد -على النحو المنصوص عليه في البيان الوزاري المشترك الصادر في سبتمبر/أيلول عام 2018- إلى مجرد اتفاق لإنشاء آلية يمكن لإيران من خلالها الوصول إلى المواد الإنسانية في ظل العقوبات الأمريكية. 

وتلك الآلية، المعروفة باسم INSTEX -وهي اختصار لـ “آلية دعم التبادل التجاري”- لم تحقق حتى هذه الأهداف المحدودة للغاية، وفشلت في جهودها المحدودة لإنشاء قناة يمكن لإيران من خلالها تبادل السلع الإنسانية.

وهكذا بدأت أوروبا بالوعد بالوفاء مقابل ما يشكل الأساس للاتفاقية النووية مع إيران وانتهت بآلية هدفها المحدود هو ضمان قدرة إيران على الحصول على السلع الإنسانية الأساسية في ظل معاناتها من خنق العقوبات الأمريكية. 

وفي مواجهة التحدي الاستراتيجي المتمثل في تهديد أمريكا بفرض عقوبات على الدول الأوروبية التي أبقت على علاقاتها التجارية مع إيران، بما يتوافق مع الالتزامات السياسية لأوروبا بموجب خطة العمل المشتركة الشاملة، ارتبكت أوروبا. 

ولمواراة هذه الإخفاقات، اختارت أوروبا أن تنشئ آلية تهدف إلى تسهيل التجارة مع إيران لا تخضع للعقوبة بموجب القانون الأمريكي. بعبارة أخرى، اختارت أوروبا -في اختبار لاستقلالها السياسي عن الولايات المتحدة- صياغة حل لمشكلة غير واضحة.

وكان تأثير ذلك مدمراً، وأقل ما يُقال عنه إنه أصبح فرضاً على إيران، التي طالما نظرت إلى نفسها أنها عانت كثيراً على أيدي الغرب، أن تتحمل الآن المهانة الإضافية المتمثلة في قبولها الحصول على السلع الإنسانية الأساسية ثمناً للقيود المفروضة منذ فترة طويلة على برنامجها النووي بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة. 

وبعيداً عن وعودها بإعادة الاندماج في الأسواق العالمية الذي نتج عن الاتفاقية النووية، وجدت إيران نفسها في وضع أسوأ بكثير مما كانت عليه قبل موافقتها على خطة العمل الشاملة المشتركة، حيث ضاعفت الولايات المتحدة من عقوباتها وفرضت حصاراً قوياً أحادي الجانب على إيران. 

وبدلاً من بناء الثقة بين إيران والولايات المتحدة، لم تؤدِ تحركات ترامب منذ خطة العمل المشتركة لتعزيز السلام إلا إلى تعزيز العداوة المستمرة بين البلدين. وبعد أن فشلت أوروبا في تحدي الولايات المتحدة ودعم التجارة مع إيران بما يتوافق مع التزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، اكتفت، هي الأخرى، بدعم أولئك الذين يحرصون على تحويل البلاد إلى مملكة منعزلة في إيران.

والآن، تروج إدارة ترامب -التي تواجه هي نفسها قلقاً عاماً متزايداً بشأن تأثير العقوبات الأمريكية على الشعب الإيراني- لقناة إنسانية أُنشئت بالتنسيق مع الحكومة السويسرية لضمان وصول الشعب الإيراني إلى السلع الإنسانية. ومع ذلك، تشير نظرة فاحصة إلى هذه القناة إلى أن تأثيرها الكلي قد يزيد من صعوبة وصول إيران إلى المواد الإنسانية.

إن ما يسمى بـ “الآلية الإنسانية” -التي نتجت عن الرغبة في تهدئة المخاوف العامة بشأن آثار العقوبات الأمريكية على الشعب الإيراني- سعت إلى إنشاء نظام يمكن للبنوك الأجنبية من خلاله تلقي تأكيدات مكتوبة من الحكومة الأمريكية بأنها لن تُعاقب على تسهيل التجارة في السلع الإنسانية، بشرط أن تتخذ الحيطة الواجبة فيما يخص الأطراف الإيرانية وتقدم تقارير دورية إلى الحكومة الأمريكية فيما يتعلق بأي معاملات.

وبدلاً من أن توسع هذه الآلية نطاق التجارة المسموح به مع إيران، ستكتفي بدعم التجارة التي ظلت غير خاضعة للعقوبات بموجب القانون الأمريكي الحالي. 

فحتى في حالة غياب ضمانات مكتوبة من الحكومة الأمريكية، لن يكون هناك أي أسباب قانونية لفرض عقوبات على الأطراف التي تسهل التجارة الإنسانية مع إيران شريطة اتخاذ إجراءات الحيطة الواجبة بما يكفي لضمان عدم فرض عقوبات على أي من أطراف التجارة. 

يبدو أن كل ما تفعله ما يسمى بـ “الآلية الإنسانية” هو الربط بين الاستثناءات الإنسانية الحالية وشرط تقديم الأطراف الأجنبية تقارير إلى الحكومة الأمريكية عن أنشطتها المتعلقة بإيران، التي تشمل التقارير المتعلقة بنظرائها الإيرانيين وقواعد العملاء الإيرانيين.

وليس من المستغرب أن هذه الآلية فشلت فشلاً ذريعاً. 

وبدأت المشاكل مع بداية هذه الآلية، حيث أدركت البنوك الأجنبية أن منظميها المحليين منعوا مشاركة معلومات عملائها مع الحكومة الأمريكية، وهو ما كان ضرورياً بموجب الآلية وفشلت إدارة ترامب في اتخاذ أي تدابير استباقية لتعزيز الآلية مع الدول الأخرى من خلال القنوات رسمية أو غير رسمية. 

في الواقع، في جميع التقارير، كانت الجهود الحثيثة التي بذلتها الحكومة السويسرية لضمان وصول الشركات السويسرية المُصدِّرة للمواد الطبية إلى قناة مالية تتلقى من خلالها مدفوعات صادراتها إلى إيران هي ما أدت إلى أول عملية لتنفيذ الآلية، والوحيدة حتى الآن.

وقبل بضعة أسابيع، أعلنت إدارة ترامب أن هناك معاملات أولية من خلال القناة السويسرية. وتشير مراجعة لهذه المعاملات إلى أن إدارة ترامب، في سعيها لإحباط الانتقادات المستمرة لتجاهلها الواضح للعواقب الإنسانية للعقوبات، أنشأت “قناة إنسانية” لا تتسم بأنها محدودة بدرجة ينتفي معها أي تأثير حقيقي على تمكين إيران للوصول إلى السلع الإنسانية الأساسية فحسب، وإنما بتهديدها بطرد البنوك القليلة المتبقية التي تواصل تسهيل التجارة في السلع الإنسانية مع إيران. 

والسبب واضح: إذا قدمت الحكومة الأمريكية ضمانات كتابية لبنوك معينة بأنها لن تُعاقَب على مشاركتها في تجارة غير خاضعة للعقوبات مع إيران، فسوف تحجم البنوك الأخرى عن تسهيل مثل هذه التجارة في غياب الضمان الكتابي. 

ولكن نظراً لأن مثل هذا الضمان الكتابي محظور على العديد من البنوك الأجنبية بسبب قوانين مشاركة البيانات في النظام القضائي المحلي (الذي يمنع البنوك من مشاركة البيانات مع واشنطن) ولأنه من الواضح أن هذا الضمان الكتابي لم يُقدم إلا إلى البنوك السويسرية في هذا الوقت، تحبذ البنوك الأجنبية التي سهلت التجارة في السلع الإنسانية مع إيران حتى هذه المرحلة الابتعاد بسبب المخاطر المتزايدة الناجمة عن هذه الآلية الإنسانية. 

والخوف أمر منطقي: إذ من المرجح أن تنظر الحكومة الأمريكية بعين الشك إلى البنوك التي لا تستفيد من هذه الآلية الإنسانية، بغض النظر عما إذا كانت هذه الآلية تتعلق بالقانون الأمريكي أم لا.

وفي إطار الجهود التي تبذلها لحل مشكلة من صنع يدها (أو على الأقل يبدو أنها تفعل كذلك)، ربما تكون إدارة ترامب قد فاقمت من صعوبات إيران في الوصول إلى المواد الإنسانية الأساسية من خلال دفع بعض الأطراف وتحديداً البنوك إلى الخروج من سوق التعامل مع إيران بالكامل. 

وبدلاً من توسيع نطاق الأنشطة المسموح بها وتقديم التوجيه العام للتخفيف من أي مخاطر كامنة مرتبطة بتسهيل التجارة في السلع الإنسانية مع إيران، لم تفعل إدارة ترامب شيئاً سوى أنها عقّدت واحدة من المجالات القليلة المتبقية في التجارة غير الخاضعة للعقوبات مع إيران. 

وفي الوقت نفسه، تدرس إدارة ترامب اعتبار القطاع المالي الإيراني بأكمله قطاعاً من الاقتصاد الإيراني خاضعاً للعقوبات بموجب الأمر التنفيذي 13902- وهي خطوة من شأنها إلغاء الآلية الإنسانية تماماً وجعل كل التجارة في السلع الإنسانية خاضعة للعقوبة باعتبارها مسألة تتعلق بقوانين الولايات المتحدة. ولا ينبغي للكثيرين أن يتوقعوا أن تفكر إدارة ترامب في هذه العواقب.

ولا داعي للقول إن مثل هذه الأفكار المحدودة لا تفعل شيئاً حيال المشكلة الأكبر المتمثلة في العقوبات الأمريكية التي تحرم فعلياً جيلاً كاملاً من الإيرانيين من الفرص الاقتصادية التي تمكنهم من عيش حياة كريمة أو تؤدي إلى تآكل الفرص المحدودة أمام الولايات المتحدة وإيران لتفادي اندلاع صراع أكبر وحل الأمور الخلافية في نزاعهما طويل الأمد. لكن هذه الأفكار لا تتناول سوى الأمور الفرعية وتتجاهل جسامة التحديات الماثلة أمامنا.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى