ثقافة وادب

عندما تشرد الأوربيون في أصقاع الأرض.. القصة المنسية لمخيمات اللجوء في الشرق الأوسط

عشرات الآلاف من اللاجئين يعبرون المتوسط هرباً من نيران الحروب، وقد تمكن أولئك المحظوظون الذين لم تبتلعهم مياه البحر من الوصول أخيراً إلى مخيمات اللجوء، في دول غريبة، يتحدث سكانها لغةً مختلفة، ويتبنون عادات وتقاليد مختلفة.

كلا، لا نتحدث عن اللاجئين السوريين الذين قصدوا أوروبا عن طريق البحر هرباً من الحرب، بل نتحدث عن آلاف الأوروبيين من إيطاليا واليونان وبلغاريا وبولندا ودول البلقان، الذين فروا إلى الشرق الأوسط، بعد اندلاع نيران الحرب العالمية الثانية. فاستقبلتهم مخيمات في سوريا ومصر وفلسطين وإيران.

مع بداية الحرب العالمية الثانية، تسارعت الأحداث في دول أوروبا الشرقية، فتم احتلال اليونان من قبل الجنود الألمان، كما أن احتلال إيطاليا في العام 1943 كان سبباً لانطلاق أكبر موجة لجوء أوروبية إلى الشرق الأوسط عبر يوغوسلافيا السابقة.

وقد هاجر الأوروبيون من خلال ممر بحري نظمته القوات المتحالفة ضد ألمانيا وأجلت بواسطته مئات الآلاف في اتجاه دول الشرق الأوسط إلى معسكرات اللجوء.

وبعد تصاعُد موجة التصفية العرقية النازية لليهود والغجر والشيوعيين والمسلمين في المناطق المحتلة في وسط وشرق أوروبا، تزايدت أعداد اللاجئين بشكل خرج عن السيطرة وزاد عن حدود استيعاب مخيمات اللجوء في الشرق، وهو ما دفع السلطات البريطانية إلى إغلاق الممر البحري في وجه اللاجئين.

في العام 1942 نظّمت بريطانيا ما يُعرف بـ”إدارة الشرق الأوسط لإغاثة اللاجئين”، وكانت القاهرة مقراً لتلك المنظمة، التي تسلمتها الأمم المتحدة منذ العام 1944.

ساعدت هذه المنظمة ما يقارب 40 ألف لاجئ بولندي وإغريقي ويوغوسلافي، ونظمتهم في مخيمات انتشرت في مصر وجنوب فلسطين وسوريا.

في البداية تم افتتاح مخيمات في منطقة الشط والجطاطبة في مصر، وقد ضمت هذه المخيمات آلاف الهاربين من يوغوسلافيا من صرب وكروات وسلوفينيين، بالإضافة إلى اليونانيين والألبان والبلغار والبولنديين.

ومع تزايُد أعداد اللاجئين اتسعت رقعة المخيمات في مصر لتشمل سواحل البحر الأحمر، والعريش في سيناء، والعامرية في الإسكندرية.

أما في سوريا، فقد كانت حلب ملاذاً لليونانيين المهجرين من تركيا بعد الحرب التركية اليونانية منذ العام 1923، وقد تضاعفت أعداد هؤلاء اللاجئين بعد موجة النزوح الكبيرة التي عصفت بأوروبا الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية.

شاركت إيران كذلك في استقبال عشرات الآلاف من البولنديين الذين فروا من المذبحة النازية ومعسكرات العمل السوفيتية.

إذ تشير التقديرات إلى أن حوالي 300 ألف بولندي وصلوا إلى إيران بين عامي 1939 و 1941، بعد نجاحهم في العبور إلى الشواطئ الإيرانية عبر بحر قزوين، وقد استُقبلوا بأذرع مفتوحة في بلاد فارس.

وقد تمكن البولنديون الفارون إلى إيران من إبقاء لغتهم وعاداتهم حية في معسكر للاجئين، كان يشرف عليه الصليب الأحمر الأمريكي.

لم تكن عملية استقبال اللاجئين في مصر وسوريا وفلسطين عشوائية، فكلما تصل دفعة جديدة من اللاجئين يتوجهون في بداية الأمر إلى مراكز طبية أنشئت خصيصاً للاجئين، وهي في الغالب عبارة عن مخيمات أو مبان فارغة.   

وبعد أن يتلقى اللاجئون العناية الطبية اللازمة ويستعيدون عافيتهم من مشقة الطريق، يصبحون جاهزين للانضمام إلى المخيمات.

إذ يتم تقسيم اللاجئين إلى مخيمات للعائلات والأطفال غير المصحوبين بذويهم، وأخرى للرجال غير المتزوجين والنساء غير المتزوجات.

وذلك بعد أن يحصل كل منهم على بطاقة تعريفية تضم اسمه وحالته الاجتماعية ومستواه التعليمي ومهنته، ومعلومات أخرى عن تاريخ الوصول ورقم جواز السفر.

لم تكن حياة اللاجئين في المخيمات جيدة بكل تأكيد، لكنها لم تكن شديدة السوء كذلك.

فقد تم بناء ملاعب للأطفال ومناطق للترفيه خاصة باللاجئين كما كانت تقدم وجبات الطعام اليومية، بما يتناسب مع عادات وتقاليد كل فئة وجنسية في بعض المخيمات.

وفي حين مارس أصحاب المهن من اللاجئين مهنهم لكسب عيشهم بأنفسهم في بعض المخيمات، كان لاجئون آخرون يتعرضون لظروف عمل قاسية في مخيمات أخرى ويجبرون على القيام بأعمال شاقة.

أما بالنسبة للتعليم، فقد عانت المخيمات من نقص الكادر التعليمي مقابل وجود عدد كبير من الطلاب.

مع ذلك كان الوضع التعليمي في بعض المخيمات أفضل من غيرها، ففي مخيم النصيرات في فلسطين، على سبيل المثال، لم يكن هناك العديد من المشاكل كنقص المدرسين واكتظاظ الطلاب.

كما تولى أحد اللاجئين نشر لوحاته الفنية الخاصة على جدران المدرسة الخاصة بالمخيم، ما جعلها تبدو مبهجة للغاية.

وتبرع العديد من الأشخاص بالمنطقة بالألعاب للأطفال، وهو ما جعل المدرسة توصف من قبل المسؤولين على أنها تقارن بالمدارس الموجودة في الولايات المتحدة.

بعد انتهاء الحرب، عاد العديد من اللاجئين في الشرق الأوسط إلى بلادهم الأصلية، ولا يزال الناجون منهم يحملون ذكريات اللجوء المريرة.

وبالرغم من المعاناة التي ذاقها اللاجئون القدماء بعد إجبارهم على ترك بلادهم هرباً من الحرب، لا نجد تعاطفاً كبيراً مع اللاجئين الجدد اليوم.

فمع تدفق اللاجئين السوريين الهاربين من الحرب إلى الدولة الأوروبية، ترفض بعض الحكومات استقبالهم مثل حكومة بولندا اليمينية، التي تعارض بشدة إيواء أي لاجئ سوري، بينما تعرقل حكومات أخرى إكمالهم لرحلة اللجوء مثل الحكومة اليونانية التي تحاول منع اللاجئين من عبور أراضيها لإكمال طريقهم.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى