لايف ستايل

لماذا يصعب تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا، ولماذا تُصاب البشرية بوباء كل 100 عام؟

تتربَّع مسألة
“فيروس كورونا” اليوم على قائمة المسائل التي تشغل وسائل الإعلام
المختلفة وكذلك أحاديث الناس، كيف لا وقد توفِّي أكثر من 3 آلاف شخص حول العالم
بسببه خلال شهرين، ويوجد أكثر من 90 ألف حالة في أكثر من 70 دولة ومنطقة؟ وما زالت
الأرقام في تزايد يوماً بعد يوم.

وهنا، ممكن أن نطرح
تساؤلات عديدة حول هذا الأمر، أهمها هو لماذا لم يتم تطوير لقاح لهذا الفيروس حتى
هذه اللحظة؟ وكيف يؤثر كورونا على الاقتصاد العالمي؟ وما علاقة كورونا بمرض المئة
عام؟  ولكن قبل البدء بالحديث عن هذه الأمور، لا بد من التعريف بفيروس كورونا
وكيفية انتشاره بهذه السرعة.

فيروس كورونا المستجد أو تفشِّي ذات الرئة الصينية أو ووهان؛ هو
فيروس حيواني المصدر ينتقل للإنسان -على الأرجح- عند المخالطة اللصيقة لحيوانات
المزرعة أو الحيوانات البرية المصابة بالفيروس، كما ينتقل عند التعامل مع فضلات
هذه الحيوانات.

أما عن سبب انتشار
الفيروس بشكل سريع، فيكمن بكل بساطة في أن الفيروس مُعدٍ من شخص لآخر؛ لأنه يؤثر
بشكل رئيسي على الجهاز التنفسي للشخص ويسبب أعراض البرد العادية مثل العطس
والسعال، وعندما يعطس شخص مصاب أو يسعل، تتطاير قطرات الجهاز التنفسي وتنتشر على
الأشخاص المحيطين به أو من يلامس الأشياء التي استخدمها الشخص المصاب.

في حقيقة الأمر لم
تتم معرفة الفترة الزمنية الدقيقة لبقاء فيروس كورونا نشطاً على الأسطح على وجه
الدقة؛ إلا أن بعض المعلومات تشير إلى أن فيروس كورونا ربما يعيش لبضع ساعات على
الأسطح غير المعقمة.

من خلال هذا
السياق، من الممكن تصوُّر مدى انتشار الفيروس بين هذا الكم الهائل من الناس في
عالمنا؛ فكلما زاد عدد الأشخاص في مساحات صغيرة،  ارتفع خطر التعرض لمسببات
الأمراض التي تسبب المرض.

قد يتساءل الكثير
من الناس عن سبب عدم إنتاج لقاح مضاد لفيروس كورونا حتى هذه اللحظة، خصوصاً أننا
في عصر التطور الطبي والتكنولوجي، بالطبع سيكون الجواب البسيط هو أن “العملية
صعبة”، إذاً ما الذي يجعل الأمر صعباً؟

إن فيروس كورونا يندرج تحت فيروسات الحمض النووي الريبي (RNA)، التي تشمل
السارس، والإنفلونزا، والتهاب الكبد الفيروسي “ج”، وشلل الأطفال وفيروس
الإيدز، وفي طبيعة هذه الفيروسات تتطور وتتكاثر بسرعة كبيرة.

هذه المادة الوراثية (RNA) الموجودة أصلاً
على شكل سلسلة واحدة -على عكس الحمض النووي المزدوج (DNA) – طبيعتها أنها تتقطع
بسهولة وتعيد حالة المزج مرة أخرى؛ الأمر الذي يمكّن الفيروسات من التكاثر أسرع،
بل وتقاوم أي علاجات أو لقاحات مضادة مصنوعة من الحمض النووي الريبي، مما يجعل من
المهمة صعبة أمام أي لقاح في القضاء على الفيروس، لدرجة أنها قد تصبح غير مجدية.

فعلى سبيل المثال،
عملت اللقاحات بشكل جيد في إحباط إصدارات معينة من فيروسات الحمض الريبي كشلل
الأطفال، إلا أنه ما زال هناك حالات تُصاب بفيروس شلل الأطفال اليوم، وذلك لأن
الحمض الريبي يعمل على تحصين نفسه ويقاوم اللقاح، وهذا أفضل مثال يبين مدى صعوبة
إحباط الفيروسات حتى بعد إجراء اللقاح.

علاوة على ما تم
ذكره، فإن اللقاحات عموماً، تستغرق سنوات عديدة للوصول إلى السوق، حيث يجب أن تمر
بست خطوات تنموية بما في ذلك مرحلة تطوير سريري ثلاثي المراحل؛ هذا يعني أنه بحلول
الوقت الذي تم فيه تطوير لقاح فعال واعتماده باعتباره سهل الاستخدام، قد نكون أمام
احتمالين.

 أول هذه
الاحتمالات هو انفجار حالة الطوارئ، أما ثانيها فهو انخفاض معدلات الإصابة،
وبالتالي قلة الحاجة الملحة لتطوير لقاح، ويصبح من المحتمل أن تتوقف الأبحاث حول
تطوير اللقاح بل ويتم إهمالها، كما حدث مع لقاح السارس.

فيما أن هناك سبباً
آخر يشكل صعوبة على عملية تطوير اللقاح، يتعلق بقرارات شركات الأدوية من الناحية
الربحية، حيث إن هوامش الربح -على عكس الاعتقاد السائد- من تطوير اللقاحات ليست
مهمة كتلك الخاصة بتطوير أدوية أخرى مثل مسكنات الألم، لمعظم شركات الأدوية، نظراً
لأنها تستغرق الكثير من الوقت والمال، ولعدم قناعة المستثمرين لاستثمار أموالهم في
مجال مكلف وغير مربح.

علينا الأخذ بعين الاعتبار أن أي حدث عالمي سيؤثر على الاقتصاد العالمي بالتأكيد، وهنا ممكن ملاحظة أو توقع كيف سيؤثر كورونا في هذا المجال على شكل نقاط.

أولاً: إن أبرز الأضرار المتوقعة هو أن النمو الاقتصادي قد ينخفض إلى النصف في حال استمرار انتشار الفيروس، حيث تعلق المصانع نشاطها ويبقى العمال في منازلهم؛ ما قد يدفع الاقتصاد العالمي إلى أسوأ حالاته منذ الأزمة المالية العالمية عام 2009، علاوة على تعطيل الصين، أكبر مصدر لتصنيع وتوريد مختلف السلع في العالم، للكثير من مصانعها.

ثانياً: خسائر في
القطاع السياحي لدول كثيرة وكذلك لشركات الطيران، فقد فرضت العديد من الدول قيوداً
على السفر، كما قامت بعض شركات الطيران بقطع الرحلات الجوية وإلغاء السياح لرحلات
العمل والعطلات.

ثالثاً: خسارة
للمطاعم وللمتاجر ومحلات التسوق، حيث إن الكثير من الناس يختارون تجنب الأنشطة
التي قد تعرضهم لخطر العدوى، مثل الخروج للتسوق أو حتى لتناول الطعام في أي مطعم،
مما يعني تراجعاً كبيراً في المبيعات.

رابعاً: زيادة في
مبيعات وأرباح الشركات “المستفيدة” بشكل فردي من هذه الأزمة على مستوى
العالم، كالشركات المنتجة للكمامات، التي أصبحت تباع بأسعار خيالية، وكذلك الشركات
المنتجة للمطهرات.

بعد إعلان تفشي
فيروس كورونا في بداية العام الحالي 2020، تم طرح حقيقة تاريخية غاية في الأهمية؛
وهي أن هناك وباء يضرب البشرية كل 100 عام، على هذا النحو:

في عام 1720، ضرب
الطاعون المضاعف مرسيليا وانتشر منها إلى أوروبا، حيث تظهر السجلات أن البكتيريا
قتلت حوالى مئة ألف شخص فى مرسيليا، ومن المعروف أن البكتيريا انتشرت عبر الذباب
المصاب بهذه البكتيريا.

وقد أجريت تدابير
مشابهة لما يحدث اليوم لمواجهة هذا الوباء، فقد أنشأ المسؤولون عن الصحة في ذلك
الوقت نظاماً للحجر الصحي يخضع لمستويات عديدة، وكانت تستهدف السفن القادمة
والمغادرة من المدينة، وعملوا على حملات تطهير الأماكن التي انتشر بها الوباء، حتى
تعافت البلاد تدريجياً.

كان أول تسجيل
لوباء الكوليرا فى عام 1820، والذي بدأ من الهند لينتشر إلى بلدان جنوب شرق آسيا،
وقد تم تسجيل أكثر من مئة ألف حالة وفاة فى آسيا بسبب هذه البكتيريا، وتشير
التسجيلات العلمية إلى أن الكوليرا بدأت من الناس الذين شربوا الماء من البحيرات
الملوثة بجرثومة “ضمة الكوليرا”، ولم تبين السجلات التاريخية كيف كان
التعامل مع هذا المرض.

اجتاح وباء 
بالإنفلونزا الإسبانية العالم عام 1920، أي قبل 100 عام، حيث كان فيروس إنفلونزا H1N1 قد شهد طفرة جينية، مما
جعله أكثر خطورة من الفيروس العادي، وأصاب هذا الفيروس 500 مليون شخص وقتل أكثر من
100 مليون شخص فى جميع أنحاء العالم، وكان هذا الوباء الأكثر فتكاً فى التاريخ
العلمي المسجل.

في ذلك الوقت كانت
الفيروسات لا تزال حديثة الاكتشاف، ويبدو أن الأطباء حينها لم يدركوا أن الفيروسات
هي التي تسبب هذه الأمراض، ولذلك كان الطريق أمامهم لا يزال طويلاً لاكتشاف
الأدوية المضادة للفيروسات واللقاحات التي تساعد في وقف تفشِّي المرض وتسريع
التعافي منه.

على أية حال، إن
هذه الأوبئة التاريخية المشار إليها تتبع نفس نمط الوباء الفيروسي فى الصين اليوم،
فهل هذه مصادفة يتحملها التاريخ، أم أنها مدبرة من منظمات، خصوصاً أن حرب الأوبئة
“الحرب البيولوجية”، أتقنتها الحضارات الإنسانية منذ القدم، كما أنا
تاريخنا المعاصر حافل بها، ولكن في حال كانت مدبرة أم صدفة، فهي تقود لنفس النتيجة
المؤسفة، حيث يدفع ثمنها الإنسان نفسه. 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى