منوعات

انتداب فرنسي وحرب أهلية وغربة.. أحداث شكلت هوية وديع الصافي والفن الجبلي

إذا كنت من محبي الفن الجبلي اللبناني فلابد
بأنك تسمع الفنان اللبناني وديع الصافي، وهو واحد من رواد هذا الفن الجميل.

اعتبر وديع من رواد الفن الجبلي “نسبة إلى
جبل لبنان”، الذي شبه صوته به لصلابته وقوته، وكانت انطلاقة الصافي الفنية في
العام 1938، حين فاز في مسابقة نظمتها الإذاعة اللبنانية للمواهب الناشئة، ومن بين
عشرات المتسابقين فاز الشاب الموهوب في المسابقة سواء على مستوى الألحان التي
قدمها، أو في مسابقة الغناء عن أغنيته “يا مرسل النغم الحنون” للشاعر
المجهول آنذاك “الأب نعمةالله”.

شكلت الإذاعة اللبنانية مدرسة فنية حينها لكل
المنتمين إليها، فهناك تتلمذ وديع على يد نخبة من الفنانين الذين شكلوا شخصيته
الفنية.

كان لبنان في ذلك الفترة خاضعاً للانتداب الفرنسي الذي استمر من العام 1920-1943، وكان الفن اللبناني يشق طريقه على استحياء وسط الأزمة التي كانت تعيشها البلاد، لكن الصافي تمكن من خلق حالة فنية منفردة تظهر ملامحها على الأغنية الشامية حتى اليوم، وبدأ بأغنيته الأولى التي أطلقها في العام 1940 “طل الصباح”.

في العام 1944 قرر وديع القيام بجولة فنية،
بدأها من مصر، وهناك التقى بالموسيقار المصري الشهير محمد عبدالوهاب، وظلت علاقة
به، وحين قابله عبدالوهاب مجدداً وسمعه يغني أغنيته الشهيرة “ولو”
المأخوذة من أحد أفلامه السينمائية قال “من غير المعقول أن يملك أحدٌ هكذا
صوتاً”، وشكلت هذه الأغنية علامةً فارقة في مشواره الفني وتربع من خلالها على
عرش الغناء العربي، فلُقب بصاحب الحنجرة الذهبية، وقِيل عنه في مصر إنّه مبتكر
“المدرسة الصافية” في الأغنية الشرقية.

 وفي العام 1947 سافر إلى البرازيل وبقي هناك لمدة 3 أعوام
أطلق بعدها مباشرة ألبومه “عاللوما” الذي لاقى نجاحاً مبهراً إذ استخدم
فيه كلمات بسيطة، دارجة.

وفي أواخر الخمسينيات بدأ العمل المشترك مع عدد من الموسيقيين لإحياء مكانة الأغنية اللبنانية، مثل فيلمون وهبي والأخوين رحباني وزكي ناصيف وغيرهم، فشارك في مسرحيات العرس في القرية وموسم العز، وشكل ثنائياً غنائياً ناجحاً مع المطربة صباح في العديد من الأغاني والاسكتشات.

بدأت الحرب الأهلية اللبنانية في العام 1975،
ومع بداياتها لم يحتمل وديع أن يرى بلاده ممزقة بهذا الشكل، فقرر السفر إلى مصر
بعد عام واحد من الحرب، وفي العام 1976 سافر إلى بريطانيا، ومنها إلى باريس ليستقر
هناك، مدافعاً بصوته عن الثقافة اللبنانية والحضارة التي رأى أن الحرب دمرت جزءاً
كبيراً منهما، وبالأغاني التي قدمها والألحان استطاع تجسيد هموم وطنه وكان له دور
رائد في ترسيخ قواعد الغناء ونشر الأغنية اللبنانية في أكثر من بلد ليكون مدرسة في
الغناء والتلحين، ليس في لبنان فقط، بل في العالم العربي.

شارك الصافي في أفلام، من بينها “الخمسة جنيه” من إخراج حسن حلمي وفيلم “موال” و “نار الشوق” مع الشحرورة صباح” وغنى أكثر من 5 آلاف أغنية وقصيدة لحن معظمها، ومنها أغنية “طل الصباح وزقزق العصفور و “لبنان يا قطعة سما” و “صرخة بطل” و “الليل يا ليلى يعاتبني” و “شاب الهوى وشبنا” و “مريت ع الدار” و “لوين يا مروان” و “عصفورة النهرين” و “الله يرضى عليك يا ابني” و “الله معك يا بيت صامد بالجنوب” و “موال يا مهاجرين ارجعوا”.

ألقاب عديدة نالها الصافي من بينها صوت الجبل،
والصوت الصافي، وقديس الطرب، ومطرب الأرز، وعملاق لبنان، ورغم ارتباطه الوثيق
بالأغنية اللبنانية إلا أنه سافر إلى أنحاء مختلفة من العالم وغنى بلغاتٍ مختلفة
منها الفرنسية والبرتغالية والإيطالية، وكان يحمل الجنسية المصرية والبرازيلية
والفرنسية.

كان آخر ظهور لوديع
الصافي على خشبة المسرح في العام 2010، ورغم أنه كان على وشك بلوغ التسعين عاماً
آنذاك، استطاع وديع برفقة المطربة نجوى كرم والمطرب وائل كفوري أن يقدم عرضاً
غنائياً مبهراً ووصلة قصيرة استمر أثرها لشهور تلت، وقدموا العديد من الأغاني
اللبنانية الجبلية.

وبعدها بثلاثة أعوام، وعن عمر يناهز 92 عاماً،
مات وديع، أحد أبرز الأصوات الأصيلة التي شكلت هوية لبنان وتاريخه الفني.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى