تقارير وملفات إضافية

هل خدعنا الإعلام الغربي بالمعجزة الألمانية في مكافحة كورونا.. بالأرقام إليك دول أفضل منها

هل المعجزة الألمانية في مكافحة فيروس كورونا مجرد أكذوبة روجها الإعلام؟

بصرف النظر إذا ما كانت المعجزة الألمانية في مكافحة فيروس كورونا أكذوبة أم لا، فإن من الواضح أن الإعلام الغربي يتجاهل أن هناك دولاً أخرى كان أداؤها أفضل في التعامل مع الجائحة من ألمانيا مثل تركيا وروسيا، والعديد من الدول الأسيوية ولم يشر إليها بالبنان كما فعل مع ألمانيا.

كانت مسوغات إطلاق توصيف المعجزة الألمانية في مكافحة فيروس كورونا الذي صدر في الأغلب من صحف غربية مرموقة تقدم نفسها على أن ديدنها هو الموضوعية والتجرد هو أن ألمانيا لديها عدد كبير من الإصابات وفي نفس الوقت عدد قليل من الوفيات، بالإضافة إلى عدم وجود أزمة في المستشفيات، كما أنها حجمت معدل تصاعد الإصابات، فيما عُرف بتسطيح المنحنى.

ولكن بهذه المعايير فإن العديد من الدول الأخرى تفوقت على ما يسمى بالمعجزة الألمانية.

في 30 أبريل/نيسان 2020، كان عدد الإصابات في ألمانيا 161 ألفاً و539 بينما الوفيات 6467، في حين أن عدد الإصابات في تركيا 117 ألفاً و598 وعدد الوفيات 3081، أي نسبة الوفيات في ألمانيا نحو 4%، أما في تركيا فنحو 2.6%.

وتبلغ نسب الإصابات لعدد السكان في ألمانيا نحو 0.19%، بينما في تركيا نحو 0.14%

أي أقل من ألمانيا بنحو الربع.

ولكن لم يتحدث أحد عن أن ما فعلته تركيا معجزة بل يتم التركيز على أنها أكثر دولة يتفشى فيها الفيروس في الشرق الأوسط، بصرف النظر عن أن الخلاف حول تحديد هوية تركيا هل هي دولة شرق أوسطية أم أوروبية أمر لم يحسمه الأتراك.

يبدو الانحياز الإعلام  الغربي في تغطية أزمة كورونا واضحاً في مواطن أخرى غير ألمانيا.

فعلى سبيل المثال يتم التركيز على فشل إدارة الرئيس الأمريكي اليميني المحافظ دونالد ترامب في الاستجابة للمرض وعدد الإصابات الكبير في أمريكا وتحميله المسؤولية، بينما التجاهل عن أن فرنسا الماكرونية تعرضت لنكسة أسوأ من أمريكا وتكاد تقارب إيطاليا.

وبينما نسب الإصابات لإجمالي السكان في أمريكا تبلغ 0.324% أي أعلى من فرنسا التي تبلغ 0.248% ولكن الفارق ليس كبيراً.

لكن الأهم أن نسب الوفيات لإجمالي عدد الإصابات وعدد السكان في أمريكا أقل من فرنسا.

إذ تبلغ نسب الوفيات إلى عدد المصابين في فرنسا 14.47% وهي نسبة كبيرة تفوق إسبانيا (10.25%) وحتى إيطاليا (13.59%)، ويمكن أن تكون من أعلى النسب في العالم.

في المقابل فإن نسب الوفيات لعدد المصابين أقل كثيراً في الولايات المتحدة وتبلغ 5.79%.

أما نسب الوفيات لعدد السكان وهي مؤشر مُهم يجرى تجاهله رغم أنه معبر حقيقي عن الخسائر البشرية، فإن النسبة تبلغ في الولايات المتحدة 0.0187% (أي 18700 حالة وفاة لكل مليون نسبة من السكان) وهي نسبة وفيات أقل من فرنسا التي يبلغ معدل الوفيات لديها 0.0359% (أي 35900 حالة في المليون).

وكل هذه الأرقام مصدرها تطبيق نبض في يوم 30 أبريل/نيسان 2020.

لكن الإعلام الغربي الذي أغلبه ليبرالي ويساري مثلما يتجاهل دعم ماكرون، فتى الليبرالية المدلل، للجنرال المتقاعد خليفة حفتر الذي يهوى الانقلاب على المؤسسات الدستورية الليبية سواء كانت مؤيدة له أو معارضة، فإنه يتجاهل أيضاً أن تجربة فرنسا الماكرونية في مكافحة المرض لا تقل سوءاً -إن لم تكن أسوأ- من تجربة أمريكا الترامبية.

فبينما تخصص بعض الصحف الأوروبية صفحات وأقساماً لانتقاد التجربة الأمريكية في مكافحة الفيروس، ونوادر ترامب في هذا الشأن، فإنه لا أحد يتحدث عن ارتفاع كبير في نسب الوفيات في فرنسا رغم أنه يفترض أنها واحدة من أكثر دول العالم تقدماً، كما أنها دولة تتبع سياسات تركز على الإنفاق على الصحة العامة والتعليم وغيرها من الخدمات الموجهة للمواطنين ولا تتبع النموذج الرأسمالي الأمريكي المتطرف الذي طالما انتقدته الصحافة الغربية.

كما أن روسيا التي تأخر المرض في الوصول إليها ما زالت تتمتع بنسبة قليلة للغاية بشأن نسبة الوفيات لعدد الإصابات، وكذلك نسب الإصابات لعدد السكان.

ورغم ذلك لا تحظى بأي إشادة في قدرتها على مواجهة المرض.

بل تم التركيز على أن عدد وفيات كورونا تخطى حاجز الألف، علماً بأن نسبة الوفيات إلى الإصابات ما زالت قليلة، إذ تقارب 1 %.

وبصرف النظر عن استبدادية بوتين فإنه يفترض أن قيم الصحافة الغربية تؤكد أن اتجاهاتها في التغطية وتقييمها للتجارب ليس له علاقة بالانتماء الأيديولوجي للأنظمة.

كيل المديح بشكل مبالغ فيه لألمانيا أظهر انحيازات الصحافة الغربية القديمة.

وتجاهلت هذه الصحافة أن التجربة الألمانية ليست معجزة إلى حد كبير، إذ قورنت بتجارب أخرى غير تجارب أوروبا الغربية، لكن الصحافة الغربية قارنت المذبحة الإيطالية بالوضع الألماني الجيد نسبياً فجعلتها معجزة.

كما تجاهلت الصحافة الغربية أن ألمانيا احتوت المرض من خلال حملة إغلاقات كبيرة أدت إلى توقف الإنتاج بشكل كبير، في حين أن هناك العديد من الدول الأخرى نجحت في التصدي للمرض أو الوصول نفس النسب التي حققتها ألمانيا أول أقل من حيث عدد الوفيات مقارنة بالإصابات دون إغلاق مرافق الإنتاج الأساسية.

فتركيا التي تتجاهل وسائل الإعلام الغربية أن نسبة الوفاة لديها أقل من ألمانيا لم توقف الإنتاج واكتفت بفرض حظر تجول انتقائي يشمل فئات معينة من الشعب (الأطفال والمراهقين وكبار السن)، إضافة إلى أوقات وأيام بعينها ترتبط في الأغلب بالعطلات.

كما تركز الصحافة الغربية على المخاطر التي يواجهها الاقتصاد التركي في مواجهة الأزمة جراء تراجع السياحة والصادرات بينما تتحدث بخجل شديد على أن جزءاً من قدرة أنقرة على مواجهة المرض يرجع إلى البنية الصحية المتطورة التي بنتها تركيا خلال عهد حزب التنمية والعدالة هي البنية التي تفوقت فيها على دول  لها نفس مستوى متوسط الدخل والظروف الاقتصادية لتركيا.

كما تجاهلت الصحافة الغربية إلى أن لدى تركيا نظاماً صحياً كبير الحجم نسبياً مقارنة بعدد سكانها، نظراً لأنها دولة رائدة في السياحة العلاجية، حيث تحتل المركز الثالث في هذا الإطار بعد الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية.

لم يبرز الإعلام الغربي أن تركيا قدمت مساعدات للعديد من الدول الغربية إضافة لتصدير معدات طبية لدول عدة في مقدمتها إسبانيا وركز على تأخر وصول بعض المواد الطبية التي طلبتها مدريد من أنقرة، رغم أنه من الطبيعي في مثل هذه الظروف أن هناك قيوداً وتأخيرات على تصدير المعدات الطبية.

ولكن الأغرب أنه تم تصوير هذا التأخير في إيصال المواد الطبية على أنه عملية قرصنة على المساعدات، كما حدث من قبل التشيك مع إيطاليا أو أمريكا مع فرنسا، علماً أن القرصنة في الحالتين التشيكية والأمريكية استهدفت معدات قادمة من دولة ثالثة.

أما عندما تؤخر دول أو حتى تمنع تصدير معدات طبية في أزمة مثل هذه لا يعد قرصنة على الإطلاق، علماً أن أغلب دول العالم منعت تصدير المعدات الطبية، حتى أن الصين ظلت لفترة تمنع تصدير الكمامات حتى من شركات غربية تصنعها على أراضيها.

وبينما نالت ألمانيا الميركلية النصيب الأكبر من مديح الإعلام الغربي تم تقزيم تجارب ناجحة أخرى (ولكن لحسن الحظ لم يتم تجاهلها بالكامل) مثل اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة، وهي دول لم تقلل نسب الوفيات فقط بل نسب الإصابات أيضاً.

ولم يتم التركيز أيضاً على الإغلاقات الصارمة التي نفذتها عدد الدول العربية في محاولة لمنع تفشي الفيروس ومنها دول عربية غير نفطية مثل الأردن أو تونس.

وسارعت العديد من التحليلات إلى تفسير قلة الإصابات بالدول العربية إلى عدم الكشف عن مقدار التفشي الحقيقي للمرض.

لم تقتصر ازدواجية التغطية الإعلامية على أزمة كورونا، بل إنها قديمة قدم الإعلام نفسه.

فقد نالت ميركل إشادة كبيرة لاستقبالها مليون مهاجر سوري رغم أن هناك دول أقل في السكان وأكثر فقراً بكثير استقبلت أعداداً أكبر من المهاجرين السوريين.

فتركيا التي عدد سكانها يقارب عدد سكان ألمانيا استقبلت نحو 3 ملايين لاجئ سوري، أما لبنان الصغير المعقد بتركيبته السكانية والذي يعاني من عجز مالي مزمن وكثافة سكانية من أعلى الكثافات في العالم فاستقبل نحو مليون ونصف المليون لاجئ سوري، أي ما يعادل نحو ثلث عدد  سكانه لينضموا إلى نحو 400 ألف لاجئ فلسطيني يستضيفهم هذا البلد العربي الصغير منذ عقود.

والأردن الذي يعد واحداً من أفقر دول العالم في مجال المياه والذي يعد فعلياً دولة بلا موارد ونصف سكانه من اللاجئين الفلسطينيين، فقد استقبل بدوره أكثر من مليون لاجئ سوري.

ورغم كل هذه المشاكل وغيرها من دول الشرق الأوسط التي استقبلت اللاجئين السوريين فإنها لم تنل الثناء الذي حصلت عليه “ماما ميركل”، كما لقبها الإعلام الغربي في عام 2016.

علماً بأن ألمانيا تحديداً تكاد تكون الدولة الوحيدة من بين كل الدول التي استقبلت أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين كانت في حاجة إليهم فعلياً؛ لأنها تعاني من نقص في العمالة، كما أن قوتها الاقتصادية تجعل تكلفة استقبال اللاجئين محدودة.

هذا الانحياز الإعلامي الغربي لألمانيا تحديداً، بالإضافة إلى أنه جزئياً نتيجة إيجابيات كثيرة لدى برلين بالفعل، ونتيجة حالة انبهار قديمة بالكفاءة الألمانية. ولكن له أيضاً أسباب جدت حديثاً.

السبب الأهم لهذا الانحياز الإعلامي لألمانيا ينبع من أنه مع تراجع الأحزاب الاشتراكية والليبرالية في الغرب بات يُنظر لميركل على أنها قائدة الليبرالية العالمية في الوقت الحالي، رغم أنها في الأصل تنتمي إلى حزب محافظ يُسمى الحزب المسيحي الديمقراطي وتعتز بثقافتها المسيحية المحافظة.

كما أن ألمانيا فعلياً باتت هي الزعيمة الفعلية للاتحاد الأوروبي، وبرلين تقدم نفسها للعالم في عهد ميركل على أنها رأس الحكمة العالمية، ودولة ذات سياسات أخلاقية رفيعة.

علماً بأنه في الدوائر الأكاديمية تدور انتقادات حادة للسياسات الألمانية المالية في الاتحاد الأوروبي، وهناك شعور بأن ألمانيا حولت الاتحاد إلى مستعمرتها الخاصة.

ولا ينسى كثير من اليونانيين موقف برلين الصارم خلال أزمتهم المالية، وهو الموقف الذي أجبرهم على بيع فضياتهم في إطار السياسات التقشفية التي فرضتها ألمانيا على بلادهم لتسديد ديونها.

في المقابل فإن ألمانيا تسعى إلى أن تقدم نفسها للأوروبيين على أنها قائدتهم في مواجهة العالم الخارجي، وتنحو كثير من الدوائر الألمانية إلى افتعال خصومات مع دول مثل أمريكا تحت قيادة ترامب وتركيا تحت قيادة أردوغان، بينما يتم التقليل من الانتقادات الموجهة لدور ألمانيا في أوروبا الذي يعتبره البعض إمبريالياً.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى