آخر الأخبار

أسبوع هزّ أمريكا.. القصة الكاملة للاحتجاجات التي جعلت 75 مدينة تنتفض، حتى وصلت لمقر ترامب

في يوم الإثنين 25 مايو/أيار 2020، كان الوضع هادئاً في مدينة مينيابوليس بولاية مينسوتا الأمريكية، والناس يكملون حياتهم بالشكل الطبيعي، لكن مع حلول المساء بدأت اللحظة التي كانت سبباً في هزّ الولايات المتحدة لأيام متواصلة، عندما أوقف عناصر من الشرطة سيارةً ترجَّل منها 3 أشخاص، بينهم جورج فلويد، الذي بات اسمه الأكثر تداولاً حول العالم في الوقت الحالي، بعد مقتله بسبب طريقة الاعتقال.

ما قبل عاصفة الاحتجاجات: بدأت عملية الاعتقال بالطريقة المُعتادة، حيث وُضعت القيود في يدَيْ فلويد، وأُجبر على الوقوف أمام الحائط، ثم الجلوس انتظاراً لاقتياده إلى السيارة، لكن قبل وضعه فيها سقط أرضاً، وبدأ الناس يصوّرون آخر لحظات حياة فلويد.

شرطي اسمه ديريك شوفين قرَّر التعامل بعنف مع فلويد، الذي تم توقيفه بتهمة الاحتيال، إذ ظهر وهو يجثو بوزن جسده على رقبة فلويد، أثار المشهد صدمة المارّة في الشارع، توسلوا إليه مراراً ليرفع ركبته عن فلويد، لكن دون جدوى، حتى فلويد نفسه توسل إلى الشرطي بصوت مخنوق، وأطلق عبارته التي أصبحت رمزاً لاحتجاجات أمريكا الحالية: “أرجوكم لا أتنفس”.

استمرّ هذا المشهد لدقائق حتى بدأت الأنفاس الأخيرة لفلويد بالخروج من جسده، فنُقل إلى المستشفى وانتهت هناك حياته، لكن هذه النهاية كانت في الوقت نفسه بدايةً لأعنف وأوسع احتجاجات تشهدها أمريكا في العام 2020.

اجتياح الشوارع: الشخص الذي صَوَّر الحادثة لم ينتظر طويلاً، فذهب إلى شبكات التواصل ونشر الفيديو، ثم تداولته وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم.

كان وقع الفيديو صادماً لكل من شاهده، وكفيلاً بأن يدفع الأمريكيين إلى اجتياح الشوارع للتعبير عن الغضب، على الرغم من المخاوف من فيروس كورونا الذي يضرب البلاد.

بدأت الاحتجاجات في مدينة مينيابوليس، حيث ولد وقُتل فلويد البالغ من العمر 46 عاماً، حتى الآن بدت الأمور تحت السيطرة، وفي محاولة لامتصاص الغضب أعلن رئيس بلدية مينيسوتا، جاكوب فراي، الثلاثاء 26 مايو/أيار 2020، فصل الضباط الأربعة الذين تورطوا في الحادثة.

لكن ذلك لم يُقنع الغاضبين بالتهدئة، فتضخّم الحشد، وأصبح المحتجون بالآلاف، وواصلوا تظاهراتهم يومي 27 و28 من مايو/أيار 2020، وتحوّل الاحتجاج إلى مواجهة أمام مركز للشرطة، وردّ عناصر منهم بإطلاق الغاز المسيل للدموع والطلقات المطاطية، وتخلّل الاحتجاجات عمليات سطو صوَّرتها لقطاتٌ تلفزيونية من طائرة هليكوبتر، وفقاً لوكالة رويترز.

يوم التصعيد الكبير: في التاسع والعشرين من مايو/أيار 2020، بدأت الأمور تخرج عن السيطرة في مينسوتا، واستدعى حاكم الولاية تيم والز، قوات الحرس الوطني للمساعدة في استعادة الأمن، ثم فُرض حظر تجول في مدينة مينيابوليس الواقعة ضمن الولاية، ورغم ذلك لم تتوقف الاحتجاجات، فخرق متظاهرون الحظر وتجمعوا بالشوارع حول مركز للشرطة أُضرمت فيه النيران.

بالتزامن مع ذلك تم اعتقال الشرطي ديريك شوفين، ووُجهت له اتهامات بالقتل من الدرجة الثالثة، لكن ذلك لم يكن كافياً للمحتجين وعائلة فلويد، التي طالبت باتهام شوفين بالقتل من الدرجة الأولى، وإنزال أقسى العقوبات بحقه.

حتى ذلك الحين، كان ترامب يراقب ما يجري، واتصل على عجل بعائلة فلويد للتعزية، لكن تغريدة له أجَّجت الاحتجاجات، وأسهمت في زيادتها بالولايات المتحدة.

كعادته لجأ ترامب إلى حسابه على تويتر، وبدأ يُهدد المتظاهرين، ويلوّح باستخدام الجيش لقمع الاحتجاجات، وكتب يقول: “هؤلاء الرعاع يشوهون ذكرى جورج فلويد، ولن أسمح بحدوث ذلك. تحدّثت للتو مع الحاكم تيم والز، وأخبرته بأن الجيش معه قلباً وقالباً. سنسيطر على أي صعوبة، لكن عندما يبدأ السلب والنهب يبدأ إطلاق الرصاص. شكراً لكم”.

اعتُبرت هذه التغريدة بمثابة تحريض على العنف، وهو ما أزعج المتظاهرين، وكذلك موقع تويتر نفسه، الذي بادر إلى حذف التغريدة في خطوة جريئة ضد الرئيس الأمريكي.

الاحتجاجات تتوسع: في يوم الجمعة 30 مايو/أيار 2020، اتخذت الاحتجاجات طابعاً أوسع في الولايات المتحدة، وبدأت تتزايد أعداد المدن التي شهدت مظاهرات غاضبة على مقتل فلويد.

آلاف المحتجين خرجوا عند مركز باركليز في ولاية نيويورك، مع انتشار المظاهرات بأنحاء أخرى من الولايات المتحدة، وشارك نحو ألف شخص في احتجاج بمدينة أتلانتنا التي شهدت أعمال عنف.

كذلك شهدت مدينة ديترويت اندلاع احتجاجات، كما تكرر المشهد أيضاً في مدن دنفر وهيوستن ولويزفيل، وجميعها طالبت بالعدالة، وبإيقاف الاعتقالات التعسفية التي يتعرض لها الأمريكيون أصحاب البشرة السوداء.

الاحتجاج عند مقر ترامب: استمرت الاحتجاجات والمواجهات بين الشرطة والمحتجين في ولايات عدة، حتى يوم السبت 30 مايو/أيار 2020، لكن اللافت فيها وصول الاحتجاجات إلى محيط البيت الأبيض، حيث مقر الرئيس ترامب.

أظهرت مقاطع فيديو عدة اشتباكات بين المتظاهرين وعناصر الخدمة السرية، والشرطة الوطنية، لإبعاد المتظاهرين عن سور البيت الأبيض، كما تكرّرت الأحد 31 مايو/أيار 2020، الاحتجاجات عند مقر ترامب، وشهدت إشعال حرائق في محيطه.

لكن المتظاهرين كانوا مدفوعين في احتجاجاتهم، الأحد، بغضب أكبر، بعد تهديد ترامب لهم بأن الكلاب ستكون بانتظارهم لو تجاوزوا سور البيت الأبيض، مشيداً بطريقة تعامل عناصر الخدمة السرية مع المتظاهرين.

This is currently happening outside the White House pic.twitter.com/kiG6ozAzur

في خريطة نشرتها The New York Times، الأحد، أشارت الصحيفة إلى أن عدد المدن التي خرجت فيها احتجاجات على قتل فلويد وصل إلى 75 مدينة.

اضطر عدد من الولايات الأمريكية إلى فرض حظر للتجول، حيث فرض عمدة لوس أنجلوس حظراً للتجول بعد يوم من الاحتجاجات تخلله 500 اعتقال، واتُّخذت خطوات مشابهة في سان فرانسيسكو، ومقاطعة ميامي في فلوريدا، وتزامن ذلك مع تقارير عن زيادة في أعداد الاعتقالات والإصابات بين صفوف المحتجين والشرطة.

أشارت الصحيفة الأمريكية نقلاً عن مسؤولين في البنتاغون أن وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، ورئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميلي، تحدّثا مع حاكم ولاية مينسوتا، والز، للتعبير عن رغبتهم في نشر وحدات من الجيش، لكن الحاكم رفض العرض، واكتفى بالاستعانة بعناصر من الشرطة الوطنية البالغ عددهم 13.200.

بحسب صحيفة Washington Post فإن عدد المدن التي شهدت حظراً للتجول في أنحاء أمريكا بلغ 20، بينما تم استدعاء الحرس الوطني في 12 ولاية.

المشهد الحالي في أمريكا: حتى لحظة كتابة هذه السطور لا يبدو أن الأمور تتجه نحو التهدئة في الولايات الأمريكية، فحتى ساعات الصباح بتوقيت الشرق الأوسط كانت الاحتجاجات مندلعة في ولايات أمريكية عدة.

في المقابل يحاول مسؤولون أمريكيون عبر لغة التهديد إبطاء حركة الاحتجاجات، أملاً في وضع حدٍّ لها، حيث هدد المدعي العام الأمريكي وليام بي بار المتظاهرين، وقال إن الأشخاص الذين يتحدون فرض حظر التجول ويحاولون التحريض على الشرطة ويتسببون بالأضرار سيواجهون اتهامات فدرالية.

وبالنظر إلى ما وراء مشاهد الاحتجاجات، فإن هذه المظاهرات التي تجتاح ولايات أمريكية عدة تأتي وسط استمرار انتشار كورونا بين الأمريكيين، وإن كان بوتيرة أقل، وليس واضحاً بعدُ ما إذا كانت الاحتجاجات ستتسبَّب في زيادة الإصابات، إلا أنه بالنسبة للمتظاهرين يُعد تحقيق العدالة لفلويد أكثر أهميةً من الفيروس على ما يبدو.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى