تقارير وملفات إضافية

فيروس كورونا كشف المستور.. كيف يدفع العالم ثمناً باهظاً لانتشار “الترامبية”؟

قبل أن يبتلى العالم بالجائحة الأكثر قسوة في التاريخ الحديث كانت هناك تحذيرات من جانب محللين سياسيين ومفكرين من انتشار مصطلح “الترامبية” في القاموس السياسي الدولي، ثم جاء وباء كورونا ليُسقط ورقة التوت عن رمز المصطلح ومن يتشبهون به في سياساته وأساليبه، فما قصة من يتصدرون قائمة الفشل في معركة الوباء؟

“الترامبية” مصطلح مشتق من اسم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أصبح نموذجاً يحتذيه عدد من السياسيين حول العالم، ويشير المصطلح إلى توصيف ساكن البيت الأبيض اليميني المتعصب الذي يرفع شعار “أمريكا أولاً” ولا يلقي بالاً للقانون الدولي أو حقوق الإنسان، ويستخدم لغة تتسم بالحدة، ويفعل ما يراه صواباً، بغضّ النظر عن مدى دستوريته أو قانونيته، ويرفع شعار “الدولة العميقة” تحاربني، وعندما تتحداه الصحافة أو يتعرض لانتقادات يكون رده من كلمتين “أخبار مفبركة” .

باختصار، “الترامبية” مرادف لخلاصة أفكار اليمين المتطرف التي تتمحور حول عنصرية الرجل الأبيض تجاه كل ما هو ومَن هو مختلف عنه، والقومية الشعبوية القائمة على توجيه الخطب الرنانة لقطاع محدد من الشعب وهم أنصار ذلك الفكر، ولا يمكن بالطبع ربط ظهور ذلك الفكر بعام 2016 حينما فاز ترامب فجأة برئاسة أمريكا.

فاليمين المتطرف بسياساته وسياسييه كان موجوداً وحاضراً قبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض، لكن المؤكد هو أن وجوده رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية مثَّل نقطة دفع هائلة، وشجع كثيراً من السياسيين والزعماء حول العالم للتمادي في تنفيذ سياسات عنصرية بصورة لم يشهدها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ولا يقيم أصحاب تلك السياسات وزناً للعلم أو القيم الديمقراطية أو حقوق الإنسان بشكل عام.

وقبل التطرق لقائمة الزعماء الذين فشلوا في إدارة معركة وباء كورونا، نذكر بقائمة مَن حقّقوا نجاحاً باهراً في تلك المعركة، واللافت فيها أن غالبية، إن لم يكن جميع مَن في تلك القائمة من النساء أو الزعيمات، لدرجة أن مجلة فوربس الأمريكية قد نشرت تقريراً حول قصة “القيادات النسوية” في معركة الوباء.

ذلك التقرير رصد الفارق الكبير الذي أحدثته النساء الحاكمات في سبعة بلدان في طريقة تعاملهن مع أزمة جائحة كورونا؛ أنجيلا ميركل في ألمانيا، وكاترين جاكوبسدوتير في آيسلندا، وإيرنا سولبرغ في النرويج، وتساي إنغ ون في تايوان، وسانا مارين في فنلندا، وجاسيندا أرديرن في نيوزلندا، وميتي فريدريكسون في الدنمارك.

وعلى النقيض من تلك القائمة، نجد أن ثلاث دول تتصدر قائمة الأكثر تضرراً من الفيروس، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، تليها البرازيل، ثم الهند، سجلت الولايات المتحدة أكثر من 3 ملايين و833 ألف مصاب وأكثر من 142 ألف وفاة، وتخطّت الإصابات في البرازيل 2 مليون و75 ألفاً، بينما تم تسجيل ما يقرب من 79 ألف وفاة، ودخلت الهند نادي المليون إصابة، بعد أن سجّلت مليوناً ونحو 79 ألف إصابة، وما يقرب من 29 ألف وفاة، بحسب موقع وورلدميترز كورونا اليوم الأحد 19 يوليو/تموز.

يلقب الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو بترامب البرازيل، ويسير على خُطى ساكن البيت الأبيض بمنتهى الدقة، ومنذ وصوله للحكم قام بتغيير جذري في السياسات الخارجية للبلاد، لتتطابق مع السياسات “الترامبية” حالياً -الأمريكية سابقاً- ثم جاءت كارثة وباء كورونا لتكشف التشابه بين الرجلين في معالجة المشكلة ذات الطابع الصحي.

ونبدأ بأحدث تصريحات بولسونارو بشأن الفيروس، حيث قال أمس السبت، 18 يوليو/تموز، إن تدابير العزل العام التي جرى فرضها للحدّ من انتشار فيروس كورونا المستجد “تقتل“، كما أنها “تخنق” اقتصاد البلاد، مضيفاً: “من دون الرواتب والوظائف سيموت الناس”، في إشارة إلى القيود التي فرضتها بعض الولايات والبلدات، وقال إن “العزل العام يقتل”، مضيفاً أن بعض الساسة خنقوا الاقتصاد بفرض تطبيق حظر التجول.

تصريحات الرئيس تأتي بعد أيام من إعلان إصابته بالفيروس، وقال لأنصاره إنه يشعر بأنه على ما يرام على الرغم من الفيروس، ونَسَب من جديد ما يتمتع به من صحة إلى استخدام عقار هيدروكسي كلوروكوين لمكافحة كوفيد-19، على الرغم من عدم وجود دليل علمي على ذلك، قائلاً لأنصاره “أنا دليل حي (على نجاح هذا العقار)”.

والمعروف أن أول من روّج لعقار هيدروكسي كولوروكوين كعلاج لكوفيد-19، بل وأيضاً كدواء يقي من الإصابة بالمرض هو ترامب، ويرجع ذلك إلى 19 مارس/آذار الماضي، وأثبتت التجارب العلمية التي أُجريت في كثير من البلاد، ومنها أمريكا والبرازيل، عدم فاعلية الدواء في علاج المرض الناتج عن فيروس كورونا ولا الوقاية منه، لكن الرئيس البرازيلي مازال مُصراً على رأيه “الترامبي”.

ولدى ترامب وبولسونارو قائمة ممتدة من التصريحات التي روّجت لمعلومات مضللة بشأن الفيروس، وهو ما وضع كلا الرئيسين في مواجهة مع مسؤولي الصحة في البلدين، وأقال الرئيس البرازيلي وزيري صحة بسبب الخلاف حول إجراءات مكافحة الوباء، بينما وصل الخلاف بين ترامب أمريكا وخبير الأوبئة الأبرز في إدارته أنطوني فاوتشي إلى حد تبادل الاتهامات حول المسؤولية عن الاستجابة الفاشلة للوباء في البلاد.

ويتعرض الرئيس البرازيلي لانتقادات لاذعة، حتى من أقرب حلفائه، مثل عمدة ساو باولو جواو داريو، الذي وصف بولسونارو نفسه بأنه “فيروس أخطر من كورونا”، مضيفاً “إنه أمر مذهل أن يكون لدينا فيروسان يحتاجان لأن نحاربهما؛ فيروس كورونا وفيروس بولسونارو”، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.

أما الدولة الثالثة في قائمة الفشل في معركة الوباء فهي الهند، التي يقودها أيضاً زعيم يميني شعبوي متطرف هو ناريندرا مودي، الذي يتبنّى سياسات معادية للديمقراطية، وتستهدف الأقلية المسلمة في الديمقراطية الأكبر عالمياً من حيث عدد السكان، وفي الوقت الذي وصلت أغلب دول العالم للتعايش مع فيروس كورونا، تواجه الدولة المليارية من حيث عدد السكان ارتفاعات قياسية في أعداد المصابين بالفيروس.

وقد نشرت شبكة CNN الأمريكية مقالاً، اليوم الأحد 19 يوليو/تموز، لشانكار أيار، المحلل السياسي والاقتصادي الهندي البارز، بعنوان “كوفيد-19 فضح فشل الهند في توفير حتى أبسط التزاماتها نحو الشعب”، ألقى فيه الضوء على أكاذيب حكومة مودي بشأن الوباء، ومنها على سبيل المثال بيان وزارة الصحة في 1 يونيو/حزيران الماضي، وقت رفع إجراءات الإغلاق، والذي جاء فيه: “من بين أعلى 15 دولة سجلت أعلى رقم من الإصابات بكوفيد-19 -وبها تقريباً نفس عدد سكان الهند- سجلت 34 ضعفاً في حالات الإصابة و83 ضعفاً في الوفيات مقارنة بالهند”.

لكن بعد أقل من 60 يوماً على ذلك البيان تخطّت الهند مليون إصابة بالفيروس، وتحتل الآن المركز الثالث عالمياً بعد الولايات المتحدة والبرازيل، لكن الأخطر أن منحنى الإصابات في البلاد يصعد بسرعة الصاروخ.

كانت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية قد نشرت تقريراً مطولاً أجرت فيه مقابلات مع دبلوماسيين ونشطاء حقوقيين ومسؤولين أجانب من أربع قارات، لتقييم حكم ترامب بعد مرور أكثر من عامين، وكان هناك إجماع على أن وصوله للبيت الأبيض و”البلطجة” على الحلفاء الديمقراطيين، والاستهزاء بالقيم الأمريكية التقليدية، “أدى لتغذية الحكم الشمولي حول العالم بصورة واضحة”، لكن جائحة الوباء أسقطت ورقة التوت عن “الترامبية” حول العالم بصورة واضحة للجميع، باستثناء من لا يزالون يؤمنون بها بالطبع.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى