منوعات

هل يُمكن إعادة الديناصور والماموث وغيرها من الحيوانات المنقرضة إلى الحياة؟ ما الفائدة من ذلك؟

تخيّل أنك مسافر إلى براري سيبيريا لرؤية حيوان الماموث الضخم المنقرض يجوب موطنه الطبيعي، أو أنك تقترب من نمر تسماني حي في إحدى حدائق الحيوانات (هو حيوان مُخطط، جرابي، يُشبه الكلب، ويعرف أيضاً باسم الثيلاسين).

قد يبدو الأمر مستحيلاً، ولكن بفضل التطورات التي طرأت على تقنيات الاستنساخ والتعديل الجيني، يبدو احتمال استنساخ الحيوانات المنقرضة ممكناً أكثر من أي وقت مضى.

تدور مسألة استعادة الكائنات المنقرضة حول تخليق عدد من الحيوانات السليمة صحياً والحيوية وراثياً، والتي يتسنّى إطلاقها في البرّية حيث تتمكن من التكاثر بشكل طبيعي والمساهمة الإيجابية في البيئة، ولكن الأمر ليس متعلّقاً فحسب بإعادة الموتى إلى الحياة.

فمن الممكن أيضاً استخدام نفس التقنيات المُبتكرة المساهمة في إحياء الأنواع المنقرضة للمساعدة في إنقاذ الأنواع الحية التي شارفت على الانقراض.

فكيف تكون إذاً استعادة الحيوانات المنقرضة؟ وما هي حدود ذاك العلم؟ وهل نحتاج حقاً إلى إعادة الحيوانات التي ماتت قبل زمن طويل إلى الحياة.

إن استعادة الكائنات المنقرضة هو علم ينبثق إلى حدٍ كبير من التطوّر، ولكنّه يمضي قدماً بوتيرة سريعة، كانت أولى العلامات الفارقة في هذا العلم خلال عام 2003، حين استعاد علماء أوروبيون ماعز جبال البرانس Pyrenean ibex، وهو نوع من الماعز الجبلي الذي انقرض قبلها ببضع سنوات.

للأسف، ماتت النعجة الوليدة بعد دقائق من ولادتها، لذا لم تكن تلك أول حيوان يعود إلى الحياة بعد الانقراض فحسب، بل كانت كذلك أوّل حيوان ينقرض مرّتين.

ومنذ ذلك الحين، عكف العلماء على تحسين وسائلهم وتطوير تقنيات جديدة لاستعادة الكائنات المنقرضة.

وفق مجلّةScience Focus  البريطانية، فإن البروفيسور مايكل آرتشر وزملاؤه في أستراليا يعملون على إعادة الضفدع من فصيلة gastric-brooding إلى الحياة، وهو حيوان مميز يرعى صغاره في معدته قبل خروجهم مُكتملي النمو.

حتى الآن، أنتج الفريق أجنة تتحوّل “تقريباً – وليس تماماً” إلى شراغف صغيرة.

الخطوة التالية هي تحفيز هذه الأجنة لتتحول إلى ضفادع، وهو أمر يقتنع آرتشر بأن الباحثين سيحققونه.

في أمريكا، يعمل العلماء على إعادة حمام Passenger pigeon، وهو طائر ذو صدر وردي اللون كانت أسرابه تحلّق ذات يوم بالمليارات.

وكذلك فراخ Heath hen التي عاشت قبل انقراضها في السهول المغطاة بالأشجار القصيرة بنيوإنجلاند.

وفي بريطانيا، يدرس الباحثون ما إذا كانوا سيستعيدون ما يسمى “بطريق الشمال” أو The Great Auk أم لا.

كما يحاول الباحثون في جنوب إفريقيا استعادة حيوان الكواجا Quagga، وهو مخلوق غريب يشبه الحمار الوحشي ولكن تبدو الخطوط على مقدّمة جسده.

وفي كوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة، تتسابق ثلاثة فرق منفصلة لاستعادة حيوان العصر الجليدي الأكثر شهرة، وهو الماموث المغطّى بالصوف Woolly Mammoth.

الأمر يعتمد على الأنواع، إذ تستخدم بعض المشاريع التهجين الرجعي Back-Breeding.

فعلى سبيل المثال، ترتبط حيوانات كواجا بالحمر الوحشية الحية. لذلك يختار العلماء الحمر الوحشية التي تشبه إلى حد كبير حيوانات الكواجا وتركها تتكاثر. وهدفهم هو تخليق حيوانات تشبه الكواجا عبر الأجيال المتعاقبة.

ومع ذلك، فإن ثمة مشاريع أخرى تنتهج تقنيات التلقيح بالمساعدة (التلقيح الاصطناعي)، وبعض التقنيات الوراثية المنمّقة إلى حد ما.

ويستخدم بعض الباحثين الاستنساخ، فيما يستخدم آخرون علم الخلايا الجذعية؛ على سبيل المثال، يهدف البروفيسور جورج تشيرش في كلية الطب بجامعة هارفارد إلى تخليق ماموث عن طريق “تعديل” جينات الماموث الموجودة في خلايا الفيل.

لا، لا يمكن أن يتطابق كلاهما، فحين استيلاد فيل أُضفي عليه الحمض النووي للماموث، لن يكون ماموثاً حقيقياً.

وسيتميّز بفراء طويل أشعث، وطبقات سميكة من دهون الجسم، وهيموجلوبين يمكنه نقل الأكسجين بأنحاء الجسم في درجات حرارة دون الصفر.

كما سيكون هذا حيواناً شبيهاً بالماموث، ولكنه في الواقع فيل خضع حمضه النووي للتعديل حتّى يتمكّن من العيش في الأجواء الباردة، ويمكن تسميته آنذاك إذا أردت بـ”مامو-فيل”.

وإضافة إلى ذلك، فنحن ندرك في الوقت الراهن أن جميع الحيوانات هي نتاج لحمضها النووي والبيئة التي تعيش فيها، فضلاً عن التفاعل بين الاثنين.

ومن ثم، فإن نواتج تلك التجارب حديثة العهد التي أُعِدت مختبرياً، ونَمَت في رحم فيلة معاصرة، وتربّت في عالم شهد تغييراً جذرياً عمّا كان عليه حين انقرض الماموث قبل آلاف السنين، ستختلف عن شبيهتها التي وُجدت في العصر الجليدي. فهذه كلّها عوامل تجتمع على تقليص الشبه بين الوليد الجديد والماموث الأصلي المغطّى بالصوف.

ولكن هل هذا بالأمر المهم؟ سيجادل الكثيرون بأنه إذا كان الحيوان المُستعاد بعد انقراضه يبدو ويتصرف مثل سلفه، فهذا جيد بما فيه الكفاية.

للأسف (أو لحسن الحظ)، ليس من الممكن استحضار النسخة الحقيقية الديناصورات، فهناك قيود على الأنواع التي يتسنّى إخضاعها للاستعادة بعد الانقراض، إذ يحتاج العلماء أوّلاً إلى الوصول إلى مصدرٍ للحمض النووي للحيوان.

ويأتي ذلك أحياناً من العيّنات المحفوظة بالمتاحف، أو من الخلايا التي تُجمع من الحيوانات الحية والمجمدة في أنحاء بعيدة. في بعض الأحيان يمكن أن تأتي من الحفريات.

ولكن الحمض النووي يتحلل بمرور الوقت، وهو ما يعني ببساطة أنه بعد بضعة ملايين من السنين لم يعد هناك حمض نووي. ومن المعروف أن الديناصورات انقرضت قبل 65 مليون سنة، لذلك فقد فُقِد حمضها النووي إلى الأبد.

وإذا كنت تأمل في مقابلة طائر الدودو، رمز الانقراض، فلا تنتظر بلهفة أيضاً. فعلى الرغم من أن تلك الطيور قد ماتت في آونة حديثة نسبياً -قبل بضع مئات من السنين- إلا أن مثواها الأخير، وهو جزيرة موريشيوس، كان ببساطة حاراً للدرجة التي يتعذّر معها الحفاظ على الحمض النووي.

هناك الكثير من الأسباب الوجيهة لإعادة الحيوانات المنقرضة إلى الحياة. فإن جميع الحيوانات تؤدّي أدواراً مهمة في النظم البيئية التي تعيش فيها، لذلك عندما تُستعاد الأنواع المفقودة، تُستعاد بالتبعية تلك “الوظائف” التي كانت تؤديها يوماً.

كانت حيوانات الماموث المغطّى بالصوف، على سبيل المثال، تحترف أعمال البستنة.

لقد حرثوا الشتلات، وأكلوا العشب، وسمّدوا الأرض برَوَثهم الغني بالعناصر الغذائية. ولكن حينما اختفى نوعهم، توقّفت أعمال البستنة، وانخفض التنوّع البيولوجي، وحلّت السهوب الشاسعة الخضراء بسهول جرداء تفتقر إلى الأنواع الحيّة.

إذ تشير الدراسات إلى أنه إذا أُعيد هؤلاء الرُعاة العمالقة إلى أقاصي الشمال، سيُعزز التنوع البيولوجي مرة أخرى.

وقد ينطبق الأمر على حيوانات أُخرى إذا ما أُعيدت إلى الحياة بعد انقراضها.

لذلك فإن استعادة الأنواع بعد انقراضها يتيح سبيلاً لتعزيز التنوع البيولوجي والمساعدة في استعادة صحة النظم البيئية المعطوبة.

وربما تعد أداة حماية، فعن طريق اختيار إعادة الحيوانات الفريدة وراثياً – مثل ضفدع gastric-brooding أو النمر التسماني يمكننا استبدال فروع كاملة من شجرة الحياة، وليس فقط مجرّد أغصان.

وهناك كذلك فوائد يمكن للبشر اغتنامها. بطريقة ما، كانت الضفدعة gastric-brooding تحوّل معدتها إلى رحم مؤقت.

وتوقفت عن إنتاج حمض المعدة لهذا الغرض حتّى لا تهضم صغارها. وإذا تمكن العلماء من معرفة التغييرات التي تنطوي عليها تلك العملية، فقد يقود ذلك إلى علاجات لقرحة المعدة أو مساعدة الأشخاص على التعافي من جراحات المعدة.

في كل يوم، يختفي ما بين 30 و150 نوعاً من على وجه كوكبنا، وتشير الدراسات إلى أن معدلات الانقراض اليوم أعلى ألف مرة مما كانت عليه خلال عصور ما قبل ظهور الإنسان.

استعادة الكائنات المنقرضة هي عملية تبدأ بخلق حيوان واحد في المختبر ثم تنتهي -بعد سنوات عديدة- بإطلاق تلك الحيوانات المُستدامة في البرية أو في بيئتها الأصلية.

مثلاً، يعتقد أن نمر تسمانيا قد انقرض قبل 80 عاماً، ومنذ ذلك الحين وحتّى الآن، ظلت غاباته الأصلية على حالها تقريباً، وهو ما يعني إمكانية عودة تلك الأنواع المنقرضة إلى مواطنها.

على صعيد آخر، فإن فأر جزيرة الكريسماس المنقرض لن ينعم بحظٍ جيد، فمنذ انقراضه قبل أكثر من 100 عام، امتلأت جزيرة كريسماس بالأنواع الغازية التي يُحتمل أن تُشكّل أزمة، لذا في هذه الحالة، يجب إيجاد موطن بديل مناسب.

قد يبدو ما سنقوله شيئاً غريباً، ولكن أحد المرشحين المثاليين لتطبيق علم استعادة الكائنات المنقرضة هو حيوان لا يزال على قيد الحياة.

لم يبق على قيد الحياة من حيوانات وحيد القرن الأبيض الشمالي بهذا الكوكب سوى اثنين، وكلاهما من الإناث، وتعيشان في محمية أُول بيجاتا في كينيا.

لكنهما طاعِنتان في الشيخوخة، ومريضتان للغاية، وقريبتا الصلة بالتهجين الطبيعي.

لذا فإن وحيد القرن الأبيض الشمالي “منقرض وظيفياً”؛ بعد أن كان يجوب المراعي الإفريقية ذات التنوّع البيولوجي، والحفاظ عليه يعدّ شكلاً من أشكال استعادة الكائنات المنقرضة.

ولأسباب عديدة، من الأسهل أن تستعيد حيواناً انقرض في الماضي القريب أكثر مما يتسنّى لك مع حيوان انقرض منذ زمن قاتم وبعيد.

ولكن من الأسهل التركيز على تلك الكائنات التي مازالت معنا. ومن ثمّ، فإن وحيد القرن الأبيض الشمالي هو حالياً محور مشروع استعادة الأنواع المنقرضة.

يعارض بعض الناس استعادة الأنواع المنقرضة بحجة أنها عملية غير طبيعية، وهم قلقون بشأن التعديل الوراثي، فيما يجادل المؤيدون بأن كافّة التقنيات التي يطورها العلماء لإنجاح استعادة الأنواع المنقرضة لها نظائر طبيعية في البرية.

على سبيل المثال، ثمّة أنواع من السحالي تتكاثر عن طريق الاستنساخ، بينما تنبثق عملية تحرير الجينات لإعادة الماموث من نظام المناعة البكتيرية البدائي.

ومثلما صار التلقيح الصناعي تقنية طبية مقبولة، يأمل الباحثون المتخصصون بمجال استعادة الأنواع المنقرضة أن تتبدد المخاوف بشأن تجاربهم ما إن يثبت هذا العلم جدواه.

كما يزعم المنتقدون أيضاً أن استعادة الأنواع المنقرضة يسرق التمويل والاهتمام من الجهود التقليدية الرامية إلى الحفاظ على البيئة.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى