آخر الأخبار

تكلفتها الحقيقية لا تتجاوز 250 ألف جنيه.. لماذا تباهى السيسي بإنفاقه 600 ألف جنيه على “شقق الإسكان الاجتماعي”؟

أثارت تصريحات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أثناء افتتاحه لحي الأسمرات 3 عن أن تكلفة الشقة على الدولة بدون أرض أو مرافق 600 ألف جنيه، علاماتِ استفهامٍ واستنكار، لكن المتابع للأزمة الحاصلة بين الحكومة والمواطنين الذين تم نقلهم لتلك المناطق يستطيع أن يستنتج أنها تمثل رداً حاسماً على احتجاجات وتظاهرات المتضررين الذين تم أو سيتم نقلهم للمناطق الجديدة، وآخرهم أهالي منطقة “مأوى الصيادين” بمحافظة الإسكندرية، حيث اعتدت عليهم قوات الأمن؛ إثر احتجاجهم على أمر الدولة بهدم منازلهم ضمن إزالة المناطق العشوائية.

هؤلاء يقولون إن الحكومة خدعتهم وتجبرهم على إخلاء مساكنهم لكي يهدموها ويستثمروا أراضيها بالمليارات نظراً لموقعها المتميز فبعضها مثل “مثلث ماسبيرو” وجزيرة الوراق يقع على النيل أو بالقرب منه يتراوح سعر المتر فيها بين 30 – 60 ألف جنيه، في المقابل يزعمون أن الشقق البديلة التي وفرتها لهم الدولة كتعويض لهم تكلفت 600 ألف جنيه “حفظاً لماء الوجه” أي أن المتضررين ممن تركوا سكنهم مستفيدون على عكس الحقيقة.

وتؤكد التصريحات الحكومية النظر على أنه تم انتشال المواطنين من المناطق العشوائية وغير الآدمية وارتقت بهم إلى مكان من العشوائيات مقابل أجر رمزي قيمته 400 جنيه يدفعونها شهرياً وطالب الرئيس المصري وسائل الإعلام بتسليط الضوء على ما فعلته الدولة مع مواطنيها وأنها أعطتهم شققاً “بديلة” تصل تكلفتها إلى 600 ألف جنيه.

حاول “عربي بوست” أن يتقصى حقيقة المبلغ المذكور وما هو مدى مطابقته لتكلفة الشقة الفعلية، وهل بالفعل “مصر وقفت جنب المواطن.. وطبطبت عليه؟”.

كان الرئيس المصري قد قال ذلك متحدثاً عما أنجزته الدولة لمواطنيها في مشروع الأسمرات 3 فقال “الدولة رغم ظروفها الصعبة وقفت جنب أهلها وبتدي الشقة اللي تمنها 600 ألف جنيه  بدون ثمن الأرض والمرافق، وواصل: “بقول 600 ألف جنيه، لما يتحطوا في البنك يجيبوا 9 آلاف جنيه في الشهر يعني أكتر من 90 ألف جنيه في السنة..”.

هذه هي المرة الثانية خلال أربعة شهور التي يتم فيها الإشارة إلى أن تكلفة الشقة تصل إلى 600 ألف جنيه، كانت المرة الأولى في مارس/آذار الماضي حين صرح الدكتور عاصم الجزار وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات، في ندوة بعنوان “رؤية استراتيجية للعمران في مصر”، إن التكلفة الحقيقية للشقة في مشروع “الإسكان الاجتماعي” تبلغ 600 ألف جنيه، بينما يأخذها المواطن الذي يفوز في القرعة وتنطبق عليه الشروط بـ240 ألفاً فقط بمقدم بسيط وتقسيط مدته 20 سنة”، وهذا يعني أن الدولة تتحمل فرق التكلفة مراعاة لظروف محدودي الدخل!

من وجهة نظر الناشط السياسي محمد عبدالرحمن الحاصل على درجة الماجستير في الاقتصاد وشرحها لـ “عربي بوست” أن الدول تتجه لإقامة مدن جديدة بهدف التنمية وخلق فرص حياة جديدة لمواطنيها، لكن في مصر الوضع مختلف حيث اتجهت الدولة للمضاربة في الأراضي من خلال نظام القرعة والمزادات، وفي الفترة الأخيرة أصبحت الدولة تلعب دور المستثمر العقاري أيضاً، وهو اتجاه هدفه الاحتكار وجمع الأموال، فليس من المنطق أن تكون الدولة تاجر أراض ومستثمراً عقارياً وتسوق عقاراتها وفق شروط تفيد المضاربين.

ويضيف أنه لا يجب أن يتعامل الرئيس مع الدولة على أنها شركة هو رئيسها، فالحكومة مهمتها الأساسية خدمة المواطنين وليس المتاجرة عليهم من أجل التكسب والربح.

ويوضح أن الشقق في الأحياء البديلة للعشوائيات مساحتها تتراوح بين 75 و90 متراً، فكيف لوحدة سكنية بهذه المساحة أن تتكلف 600 ألف جنيه من غير حساب سعر الأرض والمرافق؟!.

يحدد عبدالرحمن بعض أوجه القصور في مشروع الأسمرات، مثل أن الدولة تؤجر الوحدات السكنية ولا تملكها بنسبة زيادة سنوية، فالعقد به شروط ظالمة مثل أنه عقد إيجار مدى الحياة دون تمليك، ولا يحق إجراء أي تغيير في الوحدة، ما يعني باختصار أن كلام السيسي بأن مصر وقفت إلى جانب المواطنين لا معنى له لأن المواطن لن يمتلك الوحدة بصرف النظر عن أن ثمنها 600 ألف أو حتى 600 مليون، فالشقة سوف تظل ملكاً للدولة، إذا حصل زلزال أو أي ما يدعو لانهيار العقار، فالمالك ليس له نصيب ولا حصة من الأرض.

ويشير الباحث إلى أن نائب وزير الإسكان لشؤون تطوير العشوائيات سابقاً، عرض على أهالي مثلث ماسبيرو في مارس/آذار 2017، الحصول على تعويض نقدي بقيمة 60 ألف جنيه عن الغرفة الواحدة، بالإضافة إلى 40 ألف جنيه كتعويض عن ترك المسكن بشكل عام، ومن يمتلك غرفتين سيأخذ 160 ألف جنيه، متسائلاً كيف تفعل وزارة الإسكان هذا وهي تعلم أن سعر وحدة سكنية في مشروع تطوير العشوائيات يبلغ 600 ألف جنيه؟! وهل من المنطقي وفقاً لكلام الرئيس أن يكون الإيجار الشهري 5 أو 6 آلاف جنيه لوحدة سكنية تتكون من غرفتين وصالة بينما الحد الأدنى للأجور 2000 جنيه؟

ويعتقد الباحث أن تلك التصريحات ما هي إلا نوع من الدعاية المضادة لما قامت به الدولة في الفترة الماضية من نزع ملكيات في مناطق بولاق أبو العلا وجزيرة الوراق، بخلاف قانون نزع الملكيات للمنفعة العامة الذي أقره البرلمان الأسبوع الماضي.

ما يؤكد على كلام الباحث بأن المبلغ المذكور ما هو إلا دعاية مضادة وغير مطابقة لتكلفة الشقة، ما قاله مصدر بهيئة المجتمعات العمرانية لـ “عربي بوست” بأن المرحلة الأولى من مشروع الأسمرات أقيمت على مساحة 65 فداناً ملك محافظة القاهرة، وتضم 6258 وحدة سكنية بتكلفة حوالي 850 مليون جنيه، بتمويل من موازنة المحافظة وصندوق تطوير العشوائيات، بخلاف القيمة الفعلية لثمن الأرض المقامة عليها.

أنشئت المرحلة الثانية، من المشروع بتمويل من صندوق “تحيا مصر” على مساحة 61 فداناً، بقيمة تعاقدية 700 مليون جنيه، وتضم 4722 وحدة سكنية، بخلاف إنشاءات المباني الخدمية والمرافق.

وهذا يعني أن الشقة تكلفت في 2016 ما يقرب من 135,826، وفي 2018 زادت التكلفة قليلاً لتصل إلى 148,242 ألف جنيه للشقة، فهل يعقل أن يزيد سعر الشقة في المرحلة الثالثة بشكل خيالي، بحسب كلام وزير الإسكان المصري ليصل إلى 600 ألف جنيه؟!.

الحديث عن أن تكلفة الشقة تساوي 600 ألف جنيه يتنافى أيضاً مع ما ذكرته جريدة أخبار اليوم  الحكومية بأن المرحلة الثالثة من مدينة الأسمرات لتطوير العشوائيات بحي المقطم، تبلغ تكلفتها 1.8 مليار جنيه وتم تنفيذها خلال عام ونصف العام. ويقام المشروع على مساحة 65 فداناً، ويحتوي على 124 عمارة بإجمالي 7304 وحدات سكنية، وتضم العمارة الواحدة 60 وحدة سكنية.

وهذا يعني أن الشقة تكلفتها 246,440 جنيهاً تقريباً، مع مراعاة أن تلك التكلفة ‏محمل عليها عدد من الخدمات المتضمنة في المشروع، منها 4 ملاعب متعددة الاستخدامات إضافة إلى آخر خاص بكرة القدم، بجانب مسجد وكنيسة وحديقة مخصصة للأطفال، ومدرستين للتعليم، و5 حضانات لخدمة السكان إضافة إلى 4 وحدات صحية متكاملة، بجانب 146 محلاً تجارياً متنوع الاستخدام ومخبز إلكتروني إضافة إلى 6 منافذ توزيع للخبز، وساحة انتظار بسعة 100 سيارة، فضلاً عن ناد رياضي واجتماعي وملاعب وحمامات سباحة، ومن المفترض أن تكلفة كل هذه الإنشاءات الخدمية متضمنة في التكلفة الإجمالية للمشروع، ما يعني أن تكلفة الشقة بعد استبعاد تكاليف الخدمات ستقل عن 246.440 ألف جنيه المشار إليها.

لم يتمالك محمد ع وهو مهندس مدني صاحب شركة مقاولات نفسه من الغيظ متحدثاً مع نفسه بصوت مرتفع “مش معقول”، بعدما شاهد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وهو يصرح أثناء افتتاحه المرحلة الثالثة من سلسلة إسكان الأسمرات، فيقول إن تكلفة الشقة الواحدة في المشروع 600 ألف جنيه فقط.

يروي المهندس الأربعيني قصة تبرر غيظه، وهي عن فوزه في مناقصة طرحتها هيئة المجتمعات العمرانية على المقاولين ضمن مشروع الإسكان الاجتماعي في إحدى المدن الجديدة، وأعطته الهيئة قطعة أرض مساحتها 406 أمتار على أن يقوم ببناء عمارة مكونة من 24 شقة مقسمة إلى أرضي وخمسة أدوار متكرر (4 شقق في الدور اثنتان منها بمساحة 90 متراً والأخريان بمساحة 75 متراً) وما يستلزم ذلك من أعمال الحفر وطبقة الإحلال والخرسانة والخرسانة المسلحة والبناء والتشطيب بمواصفات معينة وكل ذلك مقابل 6 ملايين و48 ألف جنيه يحصل عليه من الهيئة أي أن تكلفة الشقة ستكون 252 ألف جنيه فقط.

ويردد المهندس “أكيد في حاجة غلط لأن معنى إن الشقة تكلفتها 600 ألف جنيه يعني أنا انضحك عليا وكان مفروض آخد 14 مليون و400 ألف جنيه بمعنى أن ليا عند الحكومة كدا 8 ملايين و352 ألف جنيه”.

وعند سؤاله عن هامش الربح الذي حققه من ذلك المشروع قال إنه يتفاوت من شخص لآخر فهناك من يعرفون تدبير أحوالهم من خلال خامات أقل وتحقيق مكاسب من أعمال التشطيبات أو التوفير في مواد البناء، لكن الربح الطبيعي في الشقة الواحدة يتراوح بين 10 و20 ألف جنيه فقط، وهو هامش ربح قليل.

لكن غيظ المهندس الشاب تحول إلينا عندما طلبنا منه إطلاعنا على العقد بينه وبين هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة قائلاً بصوت أقرب إلى الصياح “إنتوا فاكريني محمد علي” في إشارة للمقاول الذي نشر عدة فيديوهات يهاجم فيها الرئيس المصري ويتهمه ببناء قصور رئاسية دون حاجة لذلك.

الرقم الذي أعلنه الرئيس المصري لم يصدم المهندس محمد فقط وإنما صدم معه آلاف المصريين الذين تساءلوا عن مدى صحة الرقم المعلن، وهل يقصد به سعر التكلفة، أم السعر السوقي مع الوضع في الاعتبار أنه في كلتا الحالتين فإن الأرض ملك الدولة وتكاليف البناء تنخفض في المشروعات السكنية الضخمة كما هو معروف لكل من يعمل في مجال المقاولات والبناء.

 بحث بسيط وعشوائي على “أوليكس” كان هناك إعلان عن شقة بكمبوند دجلة بالمز في 6 أكتوبر معمار المرشدي أمام مشروع ابني بيتك قريبة من ميدان جهينة ومول مصر المرحلة الأولى بسعر 210 ألف جنيه خالصة كل المدفوعات بما فيها وديعة الاستلام واشتراك النادي والصيانة.

والملفت أن الشقة المعروضة من المالك مباشرة، أي أنها غير مدعومة من الدولة، ومن المؤكد أنه سيكسب من بيعها فكيف لمؤسسات الدولة التي يفترض أنها لا تسعى للربح أن تكلف الوحدة السكنية أكثر من ضعفي تكلفتها على القطاع الخاص الذي يشتري الأرض ويسعى للربح؟!

على الجانب المقابل ترى نشوى حسن التي تعمل في وزارة الإسكان أن الدولة منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مقاليد الحكم فى 2014 اختارت أن تتعامل بشكل حازم مع كل الملفات الشائكة التي عانت منها مصر، لتلحق بركب التنمية العمرانية والاقتصادية.

وتشدد على أن لا أحد يستطيع إنكار أن الحكومة اقتحمت خلال السنوات الست الماضية ملفاً شائكاً عانت منه لعشرات السنين، وهو ملف تطوير المناطق العشوائية غير الآمنة، والمناطق غير المخططة، من أجل توفير حياة كريمة للمواطنين بتلك المناطق، حيث أنفقت الدولة المليارات على هذا الملف.

ولا ترى نشوى مشكلة في الرقم الذي أعلنه الرئيس المصري ولا مبالغة فيه، حيث تقول إن الدولة بعد أن بنت الوحدات السكنية وجهزتها للسكن، قامت بفرشها أيضاً بالأثاث والأجهزة الكهربائية، ليتسلم المواطن وحدته الجديدة على المفتاح، وبدون مقابل “مجاناً” وكل ما يدفعه هو إيجار شهري لا يتخطى الـ 400 جنيه، والجاحدون فقط هم من يغضون البصر عن إنجاز مئات الآلاف من الشقق التي ساهمت في تقليل أسعار العقارات والأراضي.

وتختتم كلامها قائلة “أنتم مالكم يقول 600 أو مليون أو مليار هو حد من اللي أخذها دفع حاجة من جيبه؟!” 

بين المؤيدين والمعارضين هناك من فسر رقم الـ600 ألف باعتباره نوعاً من تجهيز الرأي العام لأسعار الشقق “المغالى فيها” في مشروعات “الإسكان المتوسط” مثل “سكن مصر” و”دار مصر” ومشروع “جنة” الذي تم طرحه 19 يوليو/تموز.

حيث قال السيسي في كلمته أيضاً، إن “أي مواطن سيتقدم للحصول على وحدة سكنية سيحصل عليها، وستُيسر له الدولة ذلك، كل مواطن في مصر هيطلب شقة هنديهاله”.

ويرى بشير عماد وهو اسم مستعار لمهندس ثلاثيني يعمل في إحدى شركات المقاولات الكبيرة التي تعمل في مشروعات حكومية أن هذه الأسعار تعني أن الجهات الحكومية صاحبة تلك المشروعات تحقق ربحاً يصل إلى الضعف في حالة السداد الكلي للمبلغ الذي يتراوح بين 364 ألفاً و1.674.270 جنيهاً.

أما في حالة التقسيط المطروح من الدولة فالأمر يختلف، فعلى سبيل المثال في مشروع “جنة” بلغ سعر أقل شقة 754 ألف جنيه، يتم دفع نسبة الـ30% وتصل إلى 226 ألفاً، ويتبقى 483 ألف جنيه، بنظام التمويل العقاري؛ حيث يصل سعر القسط إلى 4041 جنيهاً شهريّاً.

أما بالنسبة إلى أغلى شقة للإسكان المتوسط في مشروع جنة، فسجلت مليونًا و674 ألفاً؛ حيث يبلغ الـ30% من ثمن الشقة 502 ألف جنيه، ويتبقى مليون و171 ألفاً، و9795 جنيهاً شهريّاً، بمعنى أن إجمالي المبلغ المدفوع بعد سداد الأقساط سيكون 2,852,800.

ويوضح أن تكلفة الوحدة السكنية التي تبلغ مساحتها 100 متر التي يقوم بها القطاع الخاص، ومنها شركته تتراوح بين ٢٨٠ ألفاً إلى ٣٨٠ ألف جنيه حسب المكان، لكن في كل الأحوال فإن متوسط سعر المتر بالتشطيب يصل إلى 3000 جنيه شامل الخرسانات والواجهات والسلالم والأسطح والمناور وتقسم كالتالي: 30٪؜ خرسانات و45٪؜ تشطيبات و25٪ ؜أعمال كهروميكانيكية.

ويقول إن أي شركة خاصة تضع لنفسها في الغالب هامش ربح 25% وفي المقابل يكون لمالك الشقة حصة في الأرض.

لذلك أثارت الأسعار المعلنة والتي تفوق القدرة المالية لغالبية أفراد الطبقة الوسطى والتي يتطلب شروط بعضها أن يكون الحد الأدنى للمرتب 9000 جنيه شهرياً غضب الكثيرين.

رغم تأكيد هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة على لسان مصدرها الذي تحدث معه “عربي بوست” في السطور السابقة على أن الأراضي التي تبني عليها الدولة مشروعاتها السكنية مملوكة لها، إلا أن باحثاً اقتصادياً يشير إلى أنها أراض تابعة للجيش الذي يمتلك بحسب إحصائيات دولية ما يتراوح بين 80 إلى 90% من أراضي مصر.

ويضيف الباحث الذي رفض ذكر اسمه أن الجيش تحول إلى أكبر مستثمر في الأراضي بمصر، بعد أن منحه (الجيش) السادات، حق امتياز إدارة جميع الأراضي غير الزراعية وغير المستثمَرة بموجب قرار رئاسي صادر عنه في عام 1977، ما جعل المؤسسة العسكرية أكبر قيّم على الأراضي الحكومية في البلاد، معطياً سيطرة لا محدودة على الأرض لجهاز إدارة المساحة العسكرية، إحدى إدارات الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة المصرية، والآن فإن القوات المسلحة تستحوذ على ما بين 80 – 90% من أراضي مصر بحسب تقديرات موقع “ميدل إيست آي” في تقرير له صدر عام 2016..

ويشير الباحث إلى أن هناك تقريراً تحت عنوان “الأرض في مصر: صراع النفوذ والثروة والبقاء” يرصد أن تحويل الجيش لمستثمر كان يحتاج لقرار آخر. 

وفي عام 2014 صدر قانون معني بتنظيم الأراضي التي يرفع الجيش يده عنها. وفي هذا القانون استُحدث بند يتيح للمؤسسات الفرعية التابعة للقوات المسلحة تكوين شركات إما منفردة أو بالشراكة مع القطاع العام أو الخاص، وهو ما يعنى تسهيل تحويل الأراضي العسكرية للأغراض المدنية والصناعية والاستثمارية ومشاركة الجيش بقيمة هذه الأراضي فقط، بعدما كان المعمول به في عصر الرئيس الأسبق مبارك تخصيص 5% من مساحة الأراضي المبنية للجيش.

واستكمالاً لسياسات التخصيص المباشر، أصدر السيسي قراراً جمهورياً رقم 57 لسنة 2016، خصص أراضي العاصمة الإدارية الجديدة وتجمّع زايد العمراني المزمع إنشاؤهما على ما يناهز 16 ألف فدان، لـ”جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة”، كي يضطلع بتنفيذ المشروع. 

كما نص القرار على إنشاء شركة مساهمة تتولى إدارة اﻷراضي، وتضم مساهمات من جهازي مشروعات أراضي القوات المسلحة، ومشروعات الخدمة الوطنية. 

وأصدر الرئيس قراراً رقم 108 لسنة 2018 بالموافقة على إعادة تخصيص قطع من أراضي الدولة في “العلمين” (إحدى مدن محافظة مطروح على البحر الأبيض المتوسط) لاستخدامها في إنشاء “مدينة العلمين” السياحية الجديدة عليها.

 وكان أبرز ما جاء في متن القرار المنشور بالجريدة الرسمية هو القيام بعمليات إعادة تخصيص ونقل ملكية بين أكثر من جهة، من وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي والقوات المسلحة، إلى “هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة”.

وبهذه الإجراءات بات الجيش يقف كشريك رئيسي لأي استثمار عقاري أو خدمي على الأرض، ولهذا لم يكن غريباً -كما يقول الباحث- أن يناشد الرئيس عبدالفتاح السيسي، الفريق محمد زكي وزير الدفاع علناً، أن يمنح الحكومة قطعة أرض لتنفيذ مشروعات سكنية لسكان العشوائيات والمتضررين من الزلازل.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى