ثقافة وادب

الأنظمة العربية هي الوحيدة التي استخدمتها ضد شعوبها.. تاريخ الأسلحة الكيميائية في يوم إحياء ذكرى ضحاياها

لأكثر من ألفي عام حوَّلت براعة الإنسان السموم الطبيعية والاصطناعية إلى أسلحة حرب. من الكبريت والزرنيخ إلى السارين والخردل، غازات سامة دمارها شامل وضحاياها بالآلاف، لكن اللافت في تاريخ الأسلحة الكيميائية هو أن بعض الأنظمة العربية كانت الوحيدة التي استخدمتها لإبادة فئات من شعوبها بصورة جماعية، سواء في العراق أو سوريا وحتى الجزائر.

ضحايا الأسلحة الكيميائية
كانوا على جدول أعمال مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في دورته العشرين، التي انعقدت عام 2015.

قرّر وقتها المؤتمر أن
يكون يوم 30 من نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام هو يوم إحياء ذكرى جميع ضحايا الحرب الكيميائية.

يهدف هذا الاحتفال أن يتيح الفرصة لتأبين ضحايا الحرب الكيميائية، وتجديد التأكيد على التزام منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، في القضاء على تهديد هذه الأسلحة، وتعزيز أهداف السلم والأمان والتعددية.

يتكون السلاح الكيميائي
من عدة مركبات كيميائية، عادةً ما تكون سامة.

استُخدمت الأسلحة الكيميائية على نطاق واسع في أثناء الحرب العالمية الأولى،
متسببة في مقتل 100 ألف وملايين من الجرحى، مع ذلك لم تستخدم الأسلحة الكيميائية
في أثناء المعارك التي جرّت في أوروبا في أثناء الحرب العالمية الثانية.

وبعد انتهاء تلك الحرب
تزايدت المخاوف من انتشار هذه الأسلحة، وأدت تلك المشاعر إلى وجود رغبة حقيقية في
حظر استخدامها، وهو ما أدى إلى التفكير في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية عام
1993.

وفي 29 أبريل/نيسان 1997
دخلت اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية حيز التنفيذ، لتصبح أول اتفاق متعدد
الأطراف في العالم لنزع السلاح، وينص على القضاء على فئة كاملة من أسلحة الدمار
الشامل خلال إطار زمني محدد، وهو الحدث الذي تَوج سنوات عديدة من المفاوضات
المضنية.

اتفقت كافة الدول الأطراف
في المنظمة على نزع السلاح الكيميائي، وذلك بتدمير كل ما قد تحوزه من المخزونات من
الأسلحة الكيميائية ومرافق إنتاجها، وتدمير كل الأسلحة الكيميائية التي قد تكون
خلّفتها في الماضي على أراضي دول أطراف أخرى.

كما تنص الاتفاقية على
إمكانية إجراء تفتيش مستعجل يُجرى بناءً على الشك، وهو يتيح لأية دولة من الدول
الأطراف إذا ساورتها شكوك بشأن عدم امتثال دولة طرف أخرى للاتفاقية، أن تطلب من
المدير العام أن يوفد فريق تفتيش إلى الدولة المشكوك في تنفيذها لبنود الاتفاقية.

وتعهدت الدول الأطراف
بالالتزام بإجراء عمليات تفتيش في أراضيها في أي وقت، وفي أي مكان من دون أن يكون
لها الحق في أن ترفض ذلك.

لكن الأسلحة الكيميائية
ليست وليدة عصرنا الحديث، فهي كانت موجودة في العصر القديم.

فقد كان دخان الزرنيخ
معروفاً لدى الصينيين في عام 1000 ق.م، وتصف كتابات طائفة المويست في الصين
استخدام الدخان الناتج عن حرق النباتات والخضراوات السامة في الأنفاق التي حفرها
الجيش.

وتحتوي الكتابات الصينية
الأخرى التي يرجع تاريخها لنفس الفترة على مئات الوصفات لإنتاج الدخان السام أو
المهيج للاستخدام في الحرب، إلى جانب العديد من الروايات عن استخدامها.

في العصر الحديث المبكر
اقترح ليوناردو دافينشي استخدام مسحوق من الكبريتيد والزرنيخ تحديداً في القرن
الخامس عشر، ومن خلال رمي السم بين سفن العدو، فإنه سيؤذي كل من يتنفسون، يستنشقون
المسحوق، ومن غير المعروف ما إذا كان هذا المسحوق قد تم استخدامه بالفعل أم لا.

وفي عام 1672، استخدم كريستوف برنهارد فون جالين، أسقف مونستر الألمانية، خلال حصاره لمدينة جرونينجن الهولندية، العديدَ من المواد المتفجرة والحارقة، والتي كان بعضها يحتوي على عبوة شملت «ديث نايت شايد»، والتي تنتج أبخرة سامة.

وفقاً للموسوعة البريطانية، استخدمت الأسلحة الكيميائية بشكل موسع لأول مرة
في الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، والتي تسببت في أكثر من مليون إصابة لحقت
بالمقاتلين في ذلك الصراع وقتلت ما يُقدر بنحو 90 ألف.

ومنذ ذلك التاريخ، تم
استخدام الأسلحة الكيميائية عدة مرات، وأبرزها في الحرب العراقية الإيرانية
(1980-1988).

كانت هناك ثلاث مواد
مسؤولة عن معظم الإصابات والوفيات الناجمة عن الأسلحة الكيميائية خلال الحرب
العالمية الأولى، وهي: الكلور والفوسجين وغاز الخردل.

ينتج غاز الكلور سحابة
صفراء اللون تهيج على الفور العينين والأنف والرئتين والحلق لمن يتعرضون له، كما
أن الجرعات العالية بما فيه الكفاية منه تؤدي إلى الاختناق.

أما الفوسجين، فتنبعث منه
رائحة مثل القش المتعفن، يكون عديم اللون، ولكن بعد يوم أو يومين من تلقي الجرعات
المميتة منه تمتلئ رئات الضحايا بالسوائل، ويختنقون ببطء.

وعلى الرغم من أن الألمان
كانوا أول من استخدم الفوسجين في ساحة المعركة، إلا أنه أصبح السلاح الكيميائي
الأساسي للحلفاء، وكان الفوسجين مسؤولاً عن 85% من وفيات الأسلحة الكيميائية خلال
الحرب العالمية الأولى.

أُطلق على غاز الخردل اسم
ملك غازات المعركة، وهو مثل الفوسجين، آثاره ليست فورية، لكن له رائحة قوية، بعد
ساعات من التعرض له تصبح عيون الضحايا مُحتقنة بالدماء، وتصبح مؤلمة بشكل متزايد،
وبعض الضحايا قد يعانون من العمى المؤقت.

ويمكن لغاز الخردل أيضاً
تلويث الأرض التي تم نشره فيها.

وخلال عقود من المواجهة
في الحرب الباردة (1945-1991) بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، بنت
الدولتان مخزونات هائلة من الأسلحة الكيميائية.

لكن انتهاء الحرب الباردة
أجبر الدولتين على الموافقة على حظر جميع الأسلحة الكيميائية من الأنواع التي تم
تطويرها خلال الحرب العالمية الأولى (الجيل الأول)، الحرب العالمية الثانية (الجيل
الثاني)، والحرب الباردة (الجيل الثالث).

مثل الأسلحة النووية
والأسلحة البيولوجية يتم تصنيف الأسلحة الكيميائية في كثير من الأحيان كأسلحة دمار
شامل.

وبموجب اتفاقية الأسلحة
الكيميائية (CWC) لعام 1993، يُحظر استخدام الأسلحة الكيميائية في الحرب، كما
تُحظر جميع أشكال التطوير والإنتاج والحيازة والتخزين والنقل.

لكن لم تتخل جميع البلدان
عن أسلحتها الكيميائية، فمثلاً استخدمت بعض الأنظمة الأسلحة الكيميائية لتهديد
الأعداء الذين يُعرضونها للخطر بشكل خاص في الخارج وحتى داخل بلدانهم.

وقد أدى التهديد المستمر للأسلحة الكيميائية بالعديد من الدول إلى إعداد دفاعات ضدها وممارسة ضغوط دبلوماسية على الدول المعارضة أو غير الممتثلة للالتزام باتفاقية الأسلحة الكيميائية.

ظهرت الأسلحة الكيميائية في الدول العربية عدّة مرات، ومنها:

1– استخدام إيطاليا للأسلحة الكيميائية ضد الليبيين

تم استخدام الغاز السام
ضد الليبيين في وقت مبكر من شهر يناير/كانون الثاني عام 1928، عندما ألقى
الإيطاليون غاز الخردل من الجو، ابتداءً من أكتوبر/تشرين الأول 1935 واستمر حتى
الأشهر التالية.

2- استخدام المصريين للأسلحة الكيميائية في حرب اليمن

وحصل المصريون على
الأسلحة الكيميائية لأول مرة في أوائل الستينيات، واستخدموها خلال تدخلهم في شمال
اليمن.

ووفقاً لبعض التقديرات
الأمريكية، يُعتقد أن مصر نفذت 32 هجوماً شملت استخدام الغاز السام، بما في ذلك
استخدام غاز الأعصاب، بين عامي 1963 و1967.

ومن المرجح أن هذه
الذخائر قُدمت للمصريين بواسطة الاتحاد السوفيتي، لكن بعض المصادر التاريخية ترجح
الحصول عليها من المخزونات البريطانية من غاز الخردل، الذي تم التخلي عنه في مصر
بعد الحرب العالمية الثانية.

3– استخدام الأسلحة الكيميائية في الحرب بين إيران والعراق

في حرب الخليج الأولى عام
1980، قتلت الأسلحة الكيماوية التي استخدمها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين
وجرحت العديدَ من الإيرانيين والأكراد العراقيين.

ووفقاً للوثائق العراقية،
تم الحصول على المساعدة في تطوير الأسلحة الكيميائية من شركات في العديد من
البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة وألمانيا الغربية وهولندا والمملكة المتحدة
وفرنسا.

حوالي 100 ألف جندي
إيراني كانوا ضحية لهجمات العراق الكيماوية، كما أُصيب كثيرون بغاز الخردل.

ووفقاً لمنظمة المحاربين
القدامى، قتل غاز الأعصاب حوالي 20 ألف جندي إيراني على الفور.

4– استخدام الأسلحة الكيميائية في بلدة حلبجة الكردية العراقية

في مارس/آذار 1988، تعرضت
بلدة حلبجة الكردية العراقية لعدة مواد كيميائية أسقطت من الطائرات الحربية، وقد
تضمَّنت غاز الخردل وعوامل الأعصاب السارين والتابون و VX وربما السيانيد.

قُتل ما بين 3200 و5000
شخص، وأصيب ما بين 7000 و10,000 شخص، وتُشير أغلب الأدلة إلى أن النظام العراقي
كان مسؤولاً عن الهجوم.

5- بشار الأسد يستخدم الأسلحة الكيميائية ضد السوريين

تم استخدام غاز السارين
والخردل والكلور مرة أخرى خلال النزاع في سوريا، أدت العديد من الإصابات إلى رد
فعل دولي، وخاصة هجمات الغوطة عام 2013، وقد أكد مفتشو الأمم المتحدة استخدام غاز
السارين.

وفي آب/أغسطس 2016، ألقى
تقرير سري صادر عن الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية باللوم الصريح على
الجيش السوري لبشار الأسد، لإلقاء أسلحة كيميائية (قنابل الكلور) على بلدات: تلمنس
في أبريل/نيسان 2014، وسرمين في مارس/آذار 2015، والخردل في بلدة ماريا في
أغسطس/آب 2015.

اتهمت العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الحكومة السورية بشن عدة هجمات كيميائية، ما أدى إلى انضمام سوريا إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية، وبدأ تدمير الأسلحة الكيميائية السورية.

منذ فجر الحرب، سعى الناس إلى طرق جديدة لقتل بعضهم البعض، في السطور
التالية ستجد بعض اللحظات البارزة في
الحرب الكيميائية
عبر العصور.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى