ثقافة وادب

علي بن عباس الأهوازي.. الطبيب المسلم الذي نافس كتابه ابن سينا

ما زالت قائمة الأطباء المسلمين الأوائل الذين أثروا في حضارة التاريخ الإنساني طويلة، فهناك الكثير من أطباء عرب ومسلمين ساهموا مساهمةً عظيمة في بناء الأسس العلمية والتطبيقية في مجال الطب، وأحد هذه الأسماء اللامعة هو الطبيب الرائد علي بن عباس الأهوازي.

وُلد علي بن عباس في منطقة الأهواز، شرقي إيران حالياً، ولا أحد يعلم تاريخ ميلاده، كما اختلف المؤرخون في تحديد تاريخ وفاته، فمنهم من يقول إنه تُوفي عام 994، ومنهم من حدد وفاته في عام 1010، ولكنهم لا يختلفون أنّه توفي في بغداد بعد أن دخل في خدمة عضد الدولة بن بويه، وأصبح طبيبه.

عُرف ابن عباس باسم المجوسيّ؛ لأن عائلته كانت قبل الإسلام من أصولٍ زرادشتية (مجوسية)، ولقد تعلَّم الطب على يد أبي ماهر موسى بن سيار، ويُخبرنا عن ذلك المؤرخ والطبيب العربي جمال الدين القفطي في كتابه “إخبار العلماء بأخبار الحكماء”.

يقول القفطي عنه إنه “طبيبٌ فاضل كامل، فارسي الأصل، يُعرف بابن المجوسي، قرأ عَلَى شيخ فارسي يُعرف بابن ماهر، وطالع هو واجتهد لنفسه، ووقف على تصانيف المتقدِّمِينَ”.

اهتم الأهوازي منذ بداياته بدراسة أنواع النباتات ومنافعها، وصناعة العقاقير منها، وقام بدراسة كتب من سبقه من الأطباء العرب واليونانيين، وأصبح ملماً بكافة النواحي النظرية الطبية، ومن ثم طبَّق معرفته باعتماده منهج التجربة واستخلاص النتائج وإجراء الفحوص السريرية على المرضى، ليصبح أبرع طبيب في زمانه في علاج الأمراض التي كان مستعصياً علاجها.

كما اتبع الأهوازي منهج النقد العلمي بالأدلة والبراهين من كتب المؤلفين الذين سبقوه في مجال الطب، خاصة ما ألَّفه اليونانيون في هذا المجال مثل أبقراط وجالينوس، الذي قال إنهما لم يتحدثا كثيراً عن علاج الأمراض، وجمع ملاحظاته النقدية في كتابه “الملكي”، الذي كتب فيه عبارة: “فإني سأعالج في كتابي كل ما يلزم للحفاظ على الصحة وشفاء الأمراض، والمستلزمات التي يجب على كل طبيب قدير مستقيم أن يعرفه”.

 اشتهر الأهوازي بكتابه المسمى “كامل الصناعة الطبية الضرورية” والمشهور باسم “الملكي”، يؤكد الأهوازي أن سبب تأليفه للكتاب هو عدم وجود كتاب طب كامل يفيد طلاب الطب المبتدئين، فقرر أن يؤلف كتاباً وصفه بأنه جامع كامل لكل ما يحتاج إليه من يدرس الطب.

ولقد تحدث ابن أبي أصيبعة في كتابه طبقات الأطباء عن أن الأهوازي أهدى كتابه الجليل الذي اشتمل على أجزاء الصناعة الطبية إلى الملك عضد الدولة، وكان من المعروف أن عضد الدولة بن بويه أولى اهتمامه بالطب، إذ أسس مستشفيات عدة، أهمها “البيمارستان العضدي” في بغداد، وقد وضع على رأسه الأهوازي.

أما بالنسبة للكتاب الملكي، فإنه يمثِّلُ موسوعةً طبيةً مهمة، ويوضح القفطي أهمية كتاب الملكي بقوله: “مال الناس إليه في وقته، ولزموا درسه إلى أن ظهر كتاب القانون لابن سينا، فمالوا إليه، وتركوا الملكي بعض الترك، والملكي في العَمَل أبلغ، والقانون في العِلم أثبت”، لكنّ هذا الكتاب بقي في القرون اللاحقة محلاً لاهتمام طلبة الطب.

ويتكوَّن الكتاب من جزأين متكاملين يحوي كلٌّ منهما 10 مقالات تحدث فيها عن أمزجة (صفات) أعضاء الإنسان، وتشريح وظائفها، وعن الأمراض المختلفة وذكر أعراضها ومسبباتها، وعن أنواع الأدوية، حتى أنه تحدث عن تصنيع المعجَّنات والدهونات والأشربة والأكحال وغيرها، والأهم من ذلك تفصيله في علم الجراحة.

يعتبر الأهوازي أول من تحدّث عن حركة الرحم في جسد المرأة أثناء الولادة، وبرهانه عن أنّ الطفل في الولادة لا يخرج من تلقاء نفسه، كما كان يعتقد الأطباء من قبله، بل بفضل تقلُّصاتٍ عضلية في الرحم، وقد أكدت ذلك المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه في كتابها “شمس العرب تسطع على الغرب”.

تقول هونكه: “وقد قال أبقراط ومن جاء بعده بأن الطفل في جوف الأم يتحرَّك بنفسه تلقائياً، ويخرج بواسطة من هذه الحركة من الرحم، فجاء علي بن عباس ليكون أول من قال بحركة الرحم المولِّدة التي تدفع بالثمرة (الجنين) إلى الخروج بواسطة انقباض عضلاته”.

كما شرح الأهوازي في كتابه الملكي مرض الخرَّاج في رحم الأم، وفي حلقه، وعن سرطان الجوف الداخلي، وغيرها من التوصيفات المرضية التي توجد داخل أمعاء الإنسان، أو رحم الأمهات، وعن حركة القلب والشرايين وحقائق عن داء الدرن، وتشخيص داء السرطان.

وكان الأهوازي من أوائل الذين أشاروا بشكلٍ متواضع إلى وجود شبكةٍ شعرية بين الشرايين والأوردة، وكان أول من أشار إلى صعوبة شفاء مريض السل الرئوي بسبب الحركة الدائمة للرّئة، وتحدث عن علاج نوع من أنواع الأورام اسمه “أم الدم”.

كما وصف علاج كسر الفك السفلي بالتجبير، وأجاد في عملية استئصال اللوزتين الجراحية، واستخراج حصيات المثانة، حيث إنه كان أول من وصف عملية الشق الجراحي لاستخراج الحصاة من الكلية، فيما استخدم القناطير لاستخراج البول من مثانة المريض المصاب بعسر البول.

نال كتاب الكامل الملكي شهرة واسعة في أوروبا، وأثر تأثيراً عظيماً في بناء الطب هناك، حيث كان الكتاب من أوائل الكتب التي ترجمها قسطنطين الإفريقي ونسبها إلى نفسه ونشره بين البلدان الأوروبية، إلى أن جاء المترجم إتيان الأنطاكي عام 1127، وقام بترجمة الكتاب مرة أخرى، وبحث عن مصدر الكتاب ونسبه لصاحبه الحقيقي، وصار الكتاب منهجاً يُدرس في جميع المدارس الطبية الأوروبية وقتها.

وقد وصفت المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه بأن “كتابه تحفة علمية رائعة، وكان كتاباً ملكياً بالفعل كعنوانه، ولا يزال يستحق إعجابنا وتقديرنا حتى العصر الذي نعيش فيه”، واليوم يتم الاحتفاظ بمخطوطة الملكي في مكتبة جامعة برينستون (نيوجيرسي) بالولايات المتحدة الأمريكية.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى