ثقافة وادب

طرق اندثرت وأخرى لا تزال موجودة، كيف كان القدماء يحفظون طعامهم من التعفن؟

حفظ الطعام واحدة من المشاكل التي واجهت القدماء منذ فجر الحضارة البشرية، إذ كان عليهم أن يبقوا طعامهم بعيداً عن الحشرات والقوارض، والأهم من ذلك كان عليهم أن يحفظوه من التعفن كي يبقى صالحاً للأكل أطول فترة ممكنة، وبالرغم من عدم وجود تكنولوجيا متطورة لديهم كما لدينا الآن استطاع أجدادنا النجاة بابتكار أساليبهم الخاصة، التي ما زال بعضها شائعاً إلى يومنا هذا.

وإذا كنتم تتساءلون عن تلك الأساليب التي اتبعوها لحفظ الطعام، ستجدون التفاصيل الكافية في هذا التقرير:

وفقاً لما ورد في  مجلة Discover الأمريكية، فإن بعض أساليب حفظ الطعام المتبعة قديماً، مثل التجفيف والتخمير، ما زالت شائعة حتى يومنا هذا، بينما انقرضت أساليب أخرى مع تطور الزمن كدفن الزبدة في المستنقعات بعد لفها جيداً بنسيج متين، وذلك للحفاظ على طعمها أطول فترة ممكنة.

وعلى مر السنوات، وجد علماء الآثار أدلة على مجموعة متنوعة من أساليب حفظ الطعام التي استخدمها أسلافنا، إليكم أبرزها:

يعتبر المصريون القدماء “ملوك التمليح” إذ إنهم أول من اكتشف هذه الطريقة لحفظ طعامهم لا سيما الأسماك، التي كانت متاحة طوال العام بسبب حفظها بهذه الطريقة.

إذ استخدم الفراعنة الملح البحري الخشن لحفظ كافة أنواع الأسماك واللحوم.

أما شعب السامي، وهم السكان الأصليون في الدول الإسكندنافية، فقد اعتادواعلى صيد حيوان الرنة في الخريف والشتاء، وكانوا يحفظون اللحم بالتجفيف أو التدخين، ويخمِّرون اللبن إلى جبن “في صورة كتل صلبة متراصة قد تدوم لسنوات”.

وإلى جانب هاتين الطريقتين يعتقد العلماء أن الشعوب القديمة قد لجؤوا كذلك للتدخين والتخليل، والتخمير والتبريد في المبردات الطبيعية، مثل التيارات المائية والحفر تحت الأرض، وذلك لحفظ طعامهم.

وبالتأكيد تنجح جميع هذه الأساليب المختلفة بحفظ الطعام لفترات طويلة لأنها تعمل على إبطاء النمو الميكروبي.

فعلى سبيل المثال تحتاج الكائنات الحية الدقيقة إلى قدر معين من الرطوبة لنقل العناصر الغذائية والفضلات إلى داخل وخارج الخلايا وبالتالي فإن تجفيف الطعام يسهم في موت هذه الكائنات.

كذلك يمنع التجفيف الأكسدة ونشاط الإنزيمات، والتي تسبب تغيرات في  نكهة الطعام ولونه.

بدلاً من العثور على فُتات طعام -مثل كتلة من لحم غزلان مجفف تعود إلى 14 ألف عام- اكتشف علماء الآثار، في كثير من الحالات، آثاراً لجهود حفظ الطعام.

لم يتمكن علماء الآثار من اكتشاف كتلة من لحم الغزال المجفف تعود إلى 14 ألف عام على سبيل المثال، لكنهم في المقابل عثروا على العديد من الآثار التي تدلنا على طرق حفظ القدماء لطعامهم.

على سبيل المثال، في موقع سويدي يرجع تاريخه إلى ما بين 8600 إلى 9600 عام مضت، اكتشف الباحثون حفرة على شكل مزراب مليئة بأكثر من 9000 من عظام الأسماك، وفقاً لدراسة نُشرت عام  في Journal of Archaeological Science.

في مكان آخر في الموقع ولكن خارج هذا المزراب، كانت بقايا الأسماك الأكثر انتشاراً هي أسماك الفرخ الأوروبي وأسماك الكراكي الرمحي.

ولكن داخل الحفرة، كانت معظم العينات من سمك الروش، وهي سمكة عظمية صغيرة يصعب تناولها بدون نوع من التجهيز.

أظهر حوالي خُمس فقرات عيّنات الروش آثار التلف الحمضي، وخلصت الدراسة إلى أن هذه الحفرة كانت تستخدم للتخمير، مما يجعلها أقدم دليل على الأغذية المُخمّرة.

بالمثل، في دراسة أجرتها Journal of Anthropological Archaeology لعام 2019، حلل علماء الآثار أكثر من 10 آلاف عظمة حيوانية عُثر عليها في موقع يعود إلى 19 ألف عام تقريباً في الأردن.

حوالي 90% من العينات كانت من الغزلان، وقد عُثر عليها إلى جانب آثار نيران المخيمات وحفر يتراوح عمقها ما بين 2 إلى 4 بوصات، والتي من المحتمل أنها كانت تحمل عارضات دعم لبناء بسيط. واستناداً إلى هذا الدليل، وطريقة ذبح الغزلان وتحطيم عظامها، يرى مؤلفو الدراسة أن اللحوم كانت تدخن في هذا المكان.

ربما لا تزال بعض البقايا القديمة قابلة للاستهلاك في يومنا هذا، أو قابلة على الأقل للاستخدام لصنع وجبة أو مشروب جديد.

في العام الماضي، أعاد باحثون من الجامعة العبرية في القدس إحياء خلايا الخميرة التي عُثر عليها في الأواني الفخارية القديمة.

نظراً لهيئتها، يُعتقد أن هذه الأواني كانت أباريق جعة، وقد جاءت من أربعة مواقع أثرية تعود إلى فترات تتراوح بين 5000 و2000 عام.

بعد تنشيط الخمائر الخاملة وتحديد تسلسل الجينوم الخاص بها، استخدم العلماء الفطريات لتحضير الجعة. وفقاً لدراستهم المنشورة في مجلة mBio لعام 2019، اعتبر أعضاء منظمة Beer Judge Certification Program المعنية بالتثقيف حول هذا المشروب، أن المشروب الذي أعدّه هؤلاء العلماء صالح للشرب، ومماثل في اللون والرائحة للجعة الإنجليزية.

في ما يتعلق بالأطعمة، عُثر على حوالي 500 كتلة من الزبدة التي تعود إلى عصور قديمة في مستنقعات أيرلندا وإسكتلندا.

منذ العصر البرونزي على الأقل، أي قبل حوالي 5 آلاف عام، حتى القرن الثامن عشر، دفن الناس في هذه الأماكن نوعاً من الزبدة الحامضة فائقة الدهنية في المستنقعات.

يناقش الباحثون السبب وراء دفن الزبدة، سواء كان ذلك بعرض تقديم قرابين شعائرية أو بغرض التخزين أو لتحميض نكهتها.

أياً كان الدافع المنطقي لذلك، تعطّل النمو الميكروبي والتحلل في المستنقعات؛ تلك الأراضي الرطبة الحمضية قليلة الأكسجين.

لذا صمدت كتل الزبدة المنسية لآلاف السنوات.

بعضها كان ضخماً للغاية، بما في ذلك قطعة عمرها 3000 عام، تزن 35 كيلوغراماً اكتُشفت في عام 2009، وأخرى تعود إلى 5000 عام، تزن 45 كيلوغراماً عُثر عليها في عام 2013.

يؤكد علماء الآثار أن زبدة المستنقعات صالحة للأكل من الناحية النظرية، لكنهم ينصحون بعدم استخدامها.

يُذكر أن طاهٍ مشهور أخذ عينات من بقايا قديمة واستضافه ستيفن كولبير في برنامجه The Late Show. 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى