ثقافة وادب

لماذا لم تضمن دائماً تشريعات الحكم في الإسلام وصول الحاكم العادل؟ عن كتاب «أشواق الحرية وموقف السلفيين من الديمقراطية»

كتاب مثير في قدرته على ابتكار الأسئلة التي تدفع بالعقل إلى التفاعل مع قضية الكاتب.. والكتاب يعرض لمواقف أطراف مختلفة في مواقعها الفكرية من الديمقراطية، ولكنه نص في العنوان الفرعي على السلفية دون غيرها، ربما لقدرتها أكثر من غيرها على اجتذاب عدد أكبر من المعارضين للديمقراطية بحكم امتلاكها لناصية الخطاب الديني.

بداية
يرى الكاتب أن وجود العدل والإنصاف وحماية حقوق الناس، كان أمراً مرتبطاً في
المجتمعات المسلمة عبر التاريخ بأمر قد لا يكون إلا ابن المصادفة، وهو وجود حاكم
تقي يخاف الله على رأس السلطة، ولو كان الأمر سوى ذلك ما كان حنين الأمة يتجه
دائماً نحو أفراد كانوا للأمة مثالاً للعدل المنشود، فأنت تسمع عن عمر بن عبدالعزيز
ونور الدين زنكي وآخرين.

ولكن
ما الضابط الذي يضمن للأمة أن تحصل على حاكم من هذا النوع!؟ وهل شيوع التقوى في
الأمة كاف لضمانة أن من يصل للحكم سيكون على الأغلب من هذه العينة؟ إن ندرة
الأمثلة العمرية لمؤشر على أن تقوي آلامه وتدينها لم يكونا كفيلين بتحقيق وصول
الحاكم العادل إلى السلطة إلا في أحيان قليلة ولذا فإن وجود آلية تجعل من وجود
الحاكم الصالح احتمالاً كبيراً أمر لا بد منه، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال تحسين
طرق اختيار الحاكم، ومراقبة عمله، والقدرة على كف يده عن الظلم، والقدرة على
تغييره بشكل سلمي يغني الناس عن العنف، وبحسب تجربة البشرية تكفلت الآليات المسماة
ديمقراطية في الدول الغربية بذلك، والسؤال الذي يقتحم الذهن عند الوصول إلى اتفاق
حول الفكرة السابقة هو: ألا تتكفل الشورى وهي سابقة تحفظ للإسلام بذلك؟، إن الشورى
مبدأ ولا شك يحقق ذلك ولكن كيف؟ إن المبادئ والأهداف هي الغاية، ولكن الغاية لا
تتحقق دون وسائل وآليات والديمقراطية هي الآليات المتوافرة حالياً، ولا يمنع هذا
من تطوير هذه الآليات لتلافي ما ينشأ من عيوب حينما تطبق، بل لعل أكثر نقد
للديمقراطية إنما يجيء من المجتمعات التي تمارسها، وهذه النقود توصل دائماً إلى
التحسينات ولم تفض أبداً إلى الإلغاء بمعنى العودة إلى نظام الفرد المتغلب، أو إلى
نظام المستبد العادل في أحسن الأحوال.

ويحدث
لبس عند الحديث عن الديمقراطية إذ يظن أنها مرادف للعلمانية أو لليبرالية.. ظن
يفنده المؤلف، كما ويعتقد البعض خطأ أن الديمقراطية هي في حقيقتها مذهب فكري وليست
مجموعة من الآليات!، كما وتثار أسئلة استنكارية مثل وماذا لو اختارت جموع الشعب
ألا تحكم بالشريعة؟ أو ألا تفتح الديمقراطية باباً واسعاً لأن تمثل الأمة بمن لا
يعدون أهلاً للحل والعقد؟ وإن صح ذلك أليس هذا دليلاً على الفساد؟ ثم هل تحمي
الديمقراطية اختيار الشعب الواعي فيتجه إلى اختيار الأجدر بتمثيله والآمن على
مصالحه ونحن نرى أن سلطة المال والإعلام في أمريكا تستعمل الشعب لكي تصل إلى من
تريده هي لا من يريده الشعب؟ وفي المقابل هل لدينا نظام بديل؟ وكم ننتظر حتى ينشأ
نظام بديل؟ وأليس من الأسهل استحياء التجربة وتطويرها بالممارسة وبالتفاعلات التي
ستحدث بشكل طبيعي مع التجربة؟ وهل لا يمكن تطبيقها -كما يقول الليبراليون الذين
يجدون ملاذاً في الاستبداد- إلا بعد خلق المواطن ذي العقل الديمقراطي؟ ولو كان هذا
مقبولاً، أوليس المواطن ذو العقل الديمقراطي قابلاً للتكون بشكل أفضل بالممارسة
الديمقراطية لا قبلها؟

كل
هذه الأسئلة وغيرها يجيب عليها الكاتب، وحتى لو لم تكن إجابته تكفيك فإنها كفيلة
بأن تضع تفاعلات التفكير بالدرجة المناسبة لتحفز عقلك للأرق وحواسك للقلق حتى تصل
إلى الإجابة.

صالح الشحري هو طبيب فلسطيني واستشاري أمراض نساء و توليد. مهتم بالشأن الثقفي وقضايا المجتمع وسبق أن كتبت عدة مقالات في موقع huffpost النسخة العربية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى