صوت الغرب القديم والطبقة العاملة الفقيرة في الجنوب الأمريكي.. هذه قصة موسيقى الكانتري

حتى وإن لم تكن من هواة الموسيقى، فهناك على الأقل فيلم واحد قد شاهدته، وسمعت في خلفيته موسيقى الكانتري، وربما تحب سماعها ولا تعرف تحديداً ما اسمها أو تصنيفها.

موسيقى الكانتري واحدة من أوائل أنواع الموسيقى الشعبية في أمريكا، هي موسيقى نشأت في ولايات جنوب أمريكا بمزيج من الموسيقى التراثية Folk Music الآتية من الجزر البريطانية، والموسيقى الكُنسية Church music وموسيقى البلوز Blues Music التي ينسب تأسيسها إلى مجتمع الأفارقة الأمريكيون في نهايات القرن التاسع عشر.

وبينما كانت الدولة الحديثة نسبياً تكاد تخرج من صراعات أهلية وحروب كبرى، كان لدى الأمريكيين في الجنوب الذي شكل (ملح الأرض) في أمريكا نوع جديد من الموسيقى يمكنه أن يساعدهم في رسم هوية ثقافية وموسيقية، كما ساعدهم في أحلك فترات مرت بها الولايات المتحدة الأمريكية.

في نهايات القرن التاسع عشر، كانت موسيقى البلوز تحتل المشهد في ساحة الموسيقية الشعبية في أمريكا، بجوار الموسيقى الكُنسية؛ ولمّا كانت موسيقى البلوز -الأكثر انتشاراً وقتها- في الأساس ابتكار ينتمي لعرق السُّود الواردين من إفريقيا والذين عانوا لعقود طويلة من استعباد العرق الأبيض؛ ولكن الأحوال في الجنوب الأمريكي المنعزل عن الحضارة والعمران في أمريكا كانت تختلف؛ أراد الرجل الأبيض البسيط، الذي لم يختلف كثيراً عن جاره الأسود، أن يجد ترفيهاً يساعده في عناء حياته، ويعبر عن هويته بعيداً عن إقحام نفسه على نوع من الموسيقى رآه الكثير من أبناء العرق الأبيض أنه فن (جيد ولكنه لا يعبر عناّ).

ومن قلب مزيج من مزارع الأبقار والحانات المحلية وموسيقى Hillbilly الخاصة بالمزارعين، وتراث المهاجرين الأيرلنديين.. برز هذا النوع من الموسيقى والغناء، ولاقى استحسان الجموع، ومن ثم كانت الانطلاقة الأولى بنهاية العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر.

ما الذي يميز موسيقى الكانتري وأشهر آلاتها الموسيقية؟

بالطبع أول أعمدة موسيقى الكانتري هي آلة الغيتار الصوتي (الخشبي) Acoustic Guitar، ولكن الذي يميزها عن غيرها من الموسيقى الوترية وجود آلات أخرى شهيرة في هذا النوع منها؛ آلة المندولين وآلة أتوهارب الوترية autoharp وآلتي الكمان والبانجو الوتريتين.

بحسب الوثائقي The Story Of Country Music؛ بدأت في نهايات عشرينيات القرن العشرون وتحديداً عام 1927 أول تسجيلات موسيقية للكانتري على يد رائد موسيقى الكانتري (جيمي رودجرز) والذي مزج في موسيقى الكانتري ما بين العزف والغناء والتغني  بالصياح -ما يعرف باسم غناء شمال أوروبا وسويسرا Yodeling- وهو ما جعله أول أساطير موسيقى الكانتري التي ساهمت في انتشارها من الجنوب إلى الشمال، ثم الغرب حيث كان عالم الأثرياء والمشاهير وأستوديوهات هوليوود الوليدة.

لكن في بداية الثلاثينيات عصف بالولايات المتحدة أضخم الأزمات الاقتصادية في التاريخ الحديث والتي عرفت باسم الكساد الكبير Great Depression إثر الأزمة المالية في بورصة وول ستريت؛ ومنها عانى المواطن الأمريكي من الطبقات المتوسطة والفقيرة معاناة كبيرة؛ ولم يكن هناك مهرب في هذه الفترات العصيبة سوى الترفيه، وهنا كانت موسيقى الكانتري تتحول من نمط المزارع القروي إلى نمط أكثر إثارة في أعين الشعب الأمريكي؛ عالم الغرب القديم ورعاة الأبقار.

هنا بدأ مغنو الكانتري في الظهور في عروضهم على المسارح بأزياء وقبعات رعاة الأبقار وحملوا الغيتارات الخشبية؛ والتحقت صورة راع البقر المغني، المهندم الشجاع الذي يجيد الغناء في الانتقال إلى وعي الشعب الأمريكي، والذي سمع في خلفية حلمه بحياة رغدة؛ موسيقى الكانتري، وكانت هذه كما أطلقت عليها هوليوود: روح الغرب.

وخلال العقود التالية وحتى الخمسينيات بدأت موسيقى الكانتري في نزع ثوب (موسيقى الشعب البسيط) لترتدي ثوباً آخر ألبستها إياه استديوهات هولويوود الفخمة ومسارح نيويورك الكبرى؛ رغم محاولات الكثير من مغني الكانتري التمسك بالطابع الأصيل لهذا النوع من الموسيقى؛ إلا أن النهضة الصناعية وتسارع الإيقاع في حياة الأمريكيين ومرورهم بحربين عالميتين في أقل من 4 عقود جعلا موسيقى الكانتري على القمة بعدما برزت من القاع الأمريكي وتحولت بدورها إلى نوع من (الترفيه التجاري)، مثلها مثل أفلام هوليوود.

لا تزال موسيقى الكانتري على قيد الحياة، فبرغم أنها خسرت في الستينيات الملايين من جماهيرها لصالح الوافدة الشابة الأكثر حيوية: موسيقى الروك آند رول؛ إلا أنه وحتى اليوم لا تزال موسيقى الكانتري تتمتع بشعبية لا بأس بها وإن لم تكن بالانتشار ذاته من 4 أو 5 عقود.

وكما رسخت هوليوود مبدأ ربط موسيقى الكانتري بالغرب قديماً، وهو ما لا يزال مستمراً حتى في الموسيقات التصويرية لمشاهد ولايات الغرب والجنوب، جهلت الآن هوليوود موسيقى الكانتري بمثابة (تراث أمريكي) يثير دائماً في مخيلة أي مشاهد -حتى غير الأمريكيين- خيال يرتبط بالصحاري الأمريكية ونباتات الصبّار وراع البقر الذي يرمز إلى أمريكا نفسها.

تحتوي أيضاً موسيقى الكانتري على عدة تصنيفات فرعية شهيرة وأشهر من غناها:

Old-time Music:  The Carter Family

Honky Tonk: Hank Williams

Western Swing: Bob Wills & His Texas Playboys

Outlaw Country: Johnny Cash

s60 Country Rock: The Byrds

s07 Country Rock: New Riders of the Purple Sage 

Later Country Pop: Carrie Underwood – Blake Shelton – Jason Aldean

المصدر