ثقافة وادب

ليون تروتسكي.. أهم قادة الثورة الروسية الذي قتله رفيقه بفأسٍ في رأسه!

أدى النشاط الثوري للشاب ليون تروتسكي إلى صدور أمرٍ بنفيه إلى سيبيريا المتجمِّدة للمرةِ الأولى. وعندما أشعل فلاديمير لينين ثورة روسيا الشيوعية على القيصر عام 1917، كان تروتسكي مشاركاً له بصفته مفوِّض الحرب في الحكومة السوفييتية الجديدة، فقد ساعد في هزيمة القوى المعارضة للسيطرة البلشفية.

مع تطور الحكومة السوفييتية، انخرط في صراعٍ دامٍ على السلطة ضد جوزيف ستالين، وخسر الصراع، ما أدى إلى نفيه مرةٍ أخرى، وفي النهاية أدى إلى مقتله بطريقةٍ مأساوية. وربما تكون قصة تروتسكي أقوى مثال على الثورة التي تأكل أبناءها.

وُلد ليون تروتسكي (اسمه الحقيقي ليف دافيدوفيتش برونشتاين) في يانوفكا بأوكرانيا، التي كانت حينها جزءاً من الإمبراطورية الروسية الممتدة. وُلد في 7 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1879، بينما كانت الإمبراطورية الروسية في أوجها تحت قيادة قيصرٍ قوي، سرعان ما سيخلفه ابنه الشاب الذي سيكون أمامه عمرٌ طويل من الحكم.

ولم يكن تروتسكي ولا القيصر ولا ابنه الشاب يعرفون حينها، أن هذا الطفل الأوكراني سيكون أحد أهم الأشخاص الذين سيقضون على روسيا القيصرية وأسرة رومانوف الممتدة في الحكم روسيا منذ ثلاثة قرون.

كان والداه، ديفيد وآنا برونشتاين، مزارعَين يهوديَّين ميسوري الحال. ذهب تروتسكي إلى المدرسة في أوديسا وعمره 8 سنوات، ثم انتقل عام 1896 إلى نيكولاييف بأوكرانيا، لقضاء سنته الدراسية الأخيرة، وأثناء وجوده هناك، انبهر بالماركسية. وفق ما نشره موقع Biography.

وفي عام 1897، وعندما كان عمره 18 عاماً، ساعد تروتسكي في تأسيس اتحاد عمال جنوب روسيا، فأُلقي القبض عليه بعدها بعام. قضى عامين في السجن قبل محاكمته وإدانته وإرساله إلى سيبيريا المتجمِّدة لمدة أربع سنوات.

خلال وجوده في السجن، التقى ألكسندرا لفوفنا وتزوجها، وهي رفيقة ثورية حُكم عليها أيضاً بالنفي إلى سيبيريا. وخلال وجودهما هناك، أنجبا ابنتين.

بعد قضاء عامين من عقوبته هرب ليون تروتسكي من المنفى عام 1902، تاركاً زوجته وابنتيه. زوَّر أوراقه وغيَّر اسمه إلى ليون تروتسكي، وهو لقب سيستخدمه لبقية حياته. تمكن من شق طريقه إلى لندن، حيث انضم إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، والتقى فلاديمير لينين القائد الماركسي الأشهر. وفي عام 1903 تزوَّج تروتسكي بزوجته الثانية ناتاليا إيفانوفنا وأنجبا ولدين.

خلال السنوات الأولى للحزب الاشتراكي الديمقراطي، اندلعت خلافات عديدة بين قيادة الحزب حول شكله واستراتيجيته. كان توجُّه لينين أن يكون حزباً صغيراً من الثوريين المحترفين “أو من سماهم الطليعة الثورية” الذين سيقودون مجموعةً كبيرة من المؤيدين غير المنضمين إلى الحزب.

بينما دعا جوليوس مارتوف إلى تكوين منظمةٍ أكبر وأكثر ديمقراطية تضم كل المؤيدين. حاول تروتسكي التوفيق بين الطرفين؛ مما أدى إلى اصطدامه كثيراً مع قادة المجموعتين. ووقف العديد من الاشتراكيين الديمقراطيين، ومن ضمنهم الشاب الطموح جوزيف ستالين، إلى جانب لينين، وكان ينظر إلى حياد تروتسكي على أنه خيانة للينين.

وفي يوم 22 يناير/كانون الثاني من عام 1905، قتل الحرس الإمبراطوري الروسي متظاهرين غير مسلحين كانوا يتظاهرون ضد القيصر الروسي. عندما وصل الخبر إلى ليون تروتسكي، عاد إلى روسيا لدعم الانتفاضة.

وبحلول نهاية عام 1905، أصبح زعيماً للحركة المناهضة للقيصر. لكن التمرد سُحق تماماً في ديسمبر من العام نفسه واعتُقل تروتسكي، وأُرسل مرة أخرى إلى سيبيريا.

قدَّم تروتسكي أمام المحكمة دفاعاً عاطفياً زاد من شعبيته بين نخبة الحزب. وفي يناير/كانون الثاني 1907، هرب تروتسكي من السجن مرةً أخرى وسافر إلى أوروبا، ليمضي هناك 10 سنوات من النفي بمدنٍ مختلفة، من بينها فيينا وزيورخ وباريس ونيويورك، مُمضياً معظم الوقت في الكتابة للمجلات الثورية الروسية، ومنها مجلة برافدا، وداعياً إلى سياسة مناهضة الحرب.

بعد الإطاحة بالقيصر الروسي نيكولاس الثاني، في فبراير/شباط 1917، اتجه تروتسكي من نيويورك إلى روسيا. لكن الشرطة السرية للقيصر (أوكرانا) أقنعت السلطات البريطانية باحتجازه في هاليفاكس بكندا.

ظل تروتسكي محتجزاً لمدة شهر، قبل أن تطالب الحكومة الروسية المؤقتة بالإفراج عنه. وبعد وصوله إلى روسيا في مايو/أيار 1917، تطرَّق سريعاً إلى بعض المشاكل التي ظهرت في روسيا ما بعد الثورة.

رفض الحكومة المؤقتة، لأنه شعر بأنها غير فعالة، ورأى رئيس الوزراء الجديد، ألكسندر كيرينسكي، أن تروتسكي يمثل تهديداً كبيراً فقبض عليه وأودعه في السجن. وأثناء السجن قُبِل تروتسكي عضواً في الحزب البلشفي، وأُفرِج عنه بعد فترةٍ وجيزة، وانتُخب رئيساً لمجلس سوفيات بتروغراد، الذي كان من معاقل المعارضين للحكومة المؤقتة.

في نوفمبر/تشرين الثاني 1917، أُطيح بالحكومة المؤقتة تماماً، وشكِّل المجلس السوفييتي لمفوضي الشعب، وانتُخب فلاديمير لينين رئيساً له.

كان دور ليون تروتسكي الأولُ في الحكومة الجديدة، مفوِّض الشؤون الخارجية والوصول لسلامٍ مع الألمان. بدأت المحادثات في يناير/كانون الثاني 1918، وكانت لدى ألمانيا قائمة طويلة من المطالبات بأراضٍ وتعويضات.

أراد تروتسكي التمهل مع الحكومة الألمانية؛ على أمل أن تهزمها دول الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، أو تعاني من تمردٍ داخلي. لكن لينين شعر بأن السلام مع ألمانيا ينبغي أن يتم؛ حتى يتمكنوا من التركيز على بناء حكومةٍ شيوعية في روسيا. اختلف تروتسكي مع هذا الموقف، واستقال من منصبه.

لكن لم يلبث أن عاد إلى صفوف الحزب، فبعد سيطرة البلاشفة على الحكومة السوفييتية، أمر لينين بتشكيل الجيش الأحمر (اللون الأحمر نسبة للشيوعية)، وعين ليون تروتسكي قائداً له.

كانت أوامر الجيش الأولى هي تحييد الجيش الأبيض (المكون من الاشتراكيين الثوريين المعارضين للسيطرة البلشفية) في الحرب الأهلية الروسية. أثبت تروتسكي أنه قائد عسكري بارز، إذ قاد جيشاً قوامه 3 ملايين إلى النصر.

كانت المهمة صعبة، فقد واجه تروتسكي حرباً امتدت في بعض الأحيان إلى 16 جبهة مختلفة. وقد أعاقه أيضاً أن بعض أعضاء القيادة السوفييتية، ومن ضمنهم لينين، تدخلوا في الاستراتيجية العسكرية، وغيَّروا توجيهات جهود الجيش الأحمر، وألغوا بعض أوامر تروتسكي شخصياً.

وفي أواخر عام 1920، انتصر البلاشفة أخيراً في الحرب الأهلية وسيطروا على الحكومة السوفيتية تماماً. بعدما استسلم الجيش الأبيض، انتُخب تروتسكي عضواً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، وكان من الواضح أنه الرجل الثاني في الاتحاد السوفييتي، بعد لينين.

خلال شتاء عامي 1920 و1921، وبينما تتحول الحكومة السوفييتية من الحرب الأهلية إلى أعمال وقت السلم، نشب جدالٌ حاد حول دور النقابات العمالية.

فقد دعا تروتسكي إلى سيطرة الدولة على النقابات العمالية تماماً، على خلفية قناعته بأنه لا ينبغي أن يكون لدى العمال ما يخشونه من الحكومة الشيوعية الداعمة للعمال أساساً. وجادل بأن هذا من شأنه أن يمنح المسؤولين سيطرةً أكبر على العمل ويزيد الاندماج بين الحكومة والبروليتاريا (الطبقة العاملة).

انتقد لينين، تروتسكي، واتهمه بمضايقة النقابات، والتخلي عن دعمه للبروليتاريا، واستفحل الخلاف بين الرجلين، واستفاد منه مسؤولون آخرون، من بينهم جوزيف ستالين، الذي كان دائم الانحياز إلى لينين ليكسب دعمه.

تشبَّث تروتسكي بموقفه ورفض تغييره، فكبر الخلاف، وخشِي لينين من أن يؤدِّي الصراع إلى انشقاق الحزب. وخلال اجتماعٍ عُقد في المؤتمر العاشر للحزب في مارس/آذار 1921، وصلت القضية إلى ذروتها، عندما استبدل العديد من أنصار تروتسكي في الحزب بمساعدي لينين.

تخلى تروتسكي أخيراً عن موقفه المعارض، وليُظهر ولاءه للينين، أمر بقمع تمرد كرونشتاد (انتفاضة للبحارة وعمال الشحن والتفريغ؛ احتجاجاً على التكتيكات البلشفية القاسية). لكن الضرر بينهما كان قد وقع بالفعل، وفقد تروتسكي الكثير من نفوذه السياسي خلال النزاع.

تعرَّض لينين في عام 1918 لعملية اغتيال فاشلة، أصابته رصاصة في رئتيه وكتفه، ولكن إصابةً أخرى في عنقه تسببت في انهيار صحته، وفي تعرَّضه لنوبات دماغية كانت السبب في وفاته أخيراً عام 1924.

وبحلول عام 1922، كانت ضغوط العملية السياسية والنوبات المتكررة بسبب محاولة الاغتيال الفاشلة، سبباً في اندلاع نزاعٍ من نوعٍ آخر: من سيخلف لينين؟

كان لتروتسكي سجلٌّ ممتاز كقائدٍ عسكري ومسؤول، وبدا أنه الخيار الطبيعي بين قادة وأعضاء الحزب الشيوعي. لكنه أساء إلى كثيرين في المكتب السياسي (اللجنة التنفيذية للحزب الشيوعي).

ووحَّد ستالين جهود مجموعة من أعضاء المكتب السياسي لمعارضة تروتسكي. وفي الشهر السابق فقط، كان لينين قد عيَّن ستالين في المنصب الجديد للأمين العام للجنة المركزية. ومع أنه لم يكن منصباً مهماً في ذلك الوقت، إلا أنه أعطى لستالين السيطرة على تعيينات أعضاء الحزب كلها، وسرعان ما عزز سلطته، وبدأ في جمع حلفاء ضد تروتسكي.

وبين عامي 1922 و1924، حاول لينين مواجهة بعض نفوذ ستالين، ودعم تروتسكي في عِدَّة مناسبات، لكن سكتةً دماغيةً ثالثة أعجزت لينين، وأطلقت يد ستالين تماماً في إخراج تروتسكي من السلطة.

توفي لينين في 21 يناير/كانون الثامي 1924، وصار تروتسكي معزولاً ووحيداً، فتفوَّق عليه ستالين. ومن تلك اللحظة فصاعداً، أبعد تروتسكي من كل الأدوار المهمة في الحكومة السوفييتية، وفي النهاية طُرد من البلاد.

أُبعِد تروتسكي تدريجياً من السلطة والنفوذ على يد ستالين وحلفائه، في الفترة بين عامي 1925 و1928، وقد شوَّهوا دور تروتسكي وسجله العسكري في الثورة الروسية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 1927، طُرد تروتسكي من اللجنة المركزية للحزب، ونُفي في يناير/كانون الثاني التالي، إلى منطقة ألما آتا النائية تماماً، وتقع في كازاخستان الحالية. لكن ذلك لم يكن بعيداً بما فيه الكفاية بالنسبة لستالين، لذلك نفى تروتسكي في فبراير/شباط 1929، إلى خارج الاتحاد السوفييتي تماماً.

وفي السنوات السبع التالية، عاش ليون تروتسكي في تركيا وفرنسا والنرويج قبل وصوله إلى مكسيكو سيتي.

واصل تروتسكي الكتابة في منفاه وتوجيه النقد إلى ستالين والحكومة السوفييتية. وخلال الثلاثينيات، أجرى ستالين عمليات تصفية سياسية، واتهم تروتسكي، غيابياً، بأنه متآمر رئيسي وعدو للشعب والثورة.

وفي أغسطس/آب 1936، اتهم 16 من حلفاء تروتسكي بمساعدته في الخيانة. أُدين جميع الـ16، وأُعدموا. ثم شرع ستالين في اغتيال تروتسكي نفسه.

انتقل تروتسكي عام 1937 إلى المكسيك، واستقر في النهاية بمدينة مكسيكو سيتي، حيث واصل انتقاد القيادة السوفييتية.

وفي الأشهر الأولى من عام 1940، كانت صحة تروتسكي تتدهور، وكان يعلم أنه مستهدف. فكتب وصيته التي قدَّم فيها أفكاره الأخيرة للأجيال القادمة، ودحض اتهامات ستالين له بالخيانة.

وفي 20 أغسطس/آب 1940، هاجم رامون ميركادير، وهو عميلٌ متخفٍّ للشرطة السرية بالاتحاد السوفييتي، تروتسكي بينما كان جالساً على مكتبه في مكسيكو سيتي، بفأسٍ يستخدمه متسلقو الجبال الجليدية، محطِّماً جمجمته.

نُقل تروتسكي إلى المستشفى، لكنه توفي بعد ذلك بيوم واحد عن عمر ناهز 60 عاماً.

ونتيجة لسيطرة ستالين الشمولية وكراهيته لتروتسكي، شوِّهت سمعة تروتسكي لعقودٍ طويلة في الاتحاد السوفييتي. لكن بعد 10 سنوات من انهيار النظام السوفييتي، في عام 2001، أُعيدت سمعة ليون تروتسكي رسمياً من قِبل الحكومة الروسية.

استُعيد إرثه، ليُعتبر أذكى مفكِّر في الثورة الشيوعية، وسمعته كعاملٍ لا يكل ولا يمل، وخطيبٍ مفوَّه، ومديرٍ حازم.

ويعتقد بعض المؤرخين أنه لولا خضوعه للينين أثناء الثورة البلشفية، لكان تاريخ الاتحاد السوفييتي مختلفاً تماماً. لكن تروتسكي سمح لذكائه وغطرسته بأن يثيرا عداوة من هم أقل قدراتٍ منه. وفي النهاية، أبعد الكثيرين عنه، مفسحاً المجال لرجال مثل ستالين كي يستفيدوا من ذلك الوضع.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى