ثقافة وادب

كان كازينو ثم أُعلن لبنان دولة من شرفته.. لماذا اجتمع ماكرون بالقادة اللبنانيين في قصر الصنوبر؟

بقصر الصنوبر في بيروت، جمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأطراف اللبنانية المتنازعة، على طاولة مستديرة؛ للنظر فيما بعد كارثة انفجار ميناء بيروت. وبغضّ النظر عن مقررات الاجتماع نفسه، فإن اختيار قصر الصنوبر كمقر لهذا الاجتماع يحمل دلالات تاريخية تعود عقوداً للوراء وترمز إلى تاريخ العلاقات الفرنسية اللبنانية الطويل.

لم يجتمع ماكرون بالأطراف اللبنانية في قصر بعبدا، حيث مقر رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي تتعرض ولايته الرئاسية لموجة احتجاج شعبي عارمة؛ ولا في مقر رئاسة الحكومة بوسط بيروت التي تعيش في عزلة عربية ودولية بسبب ولائها لحزب الله، ولا في بيت الوسط حيث مقر رئيس الوزراء السابق سعد الحريري المقرّب من ماكرون شخصياً.

اختار الرئيس الفرنسي مقر السفارة الفرنسية أو قصر الصنوبر الموجود في بيروت، والذي يعد مقر السلطات الفرنسية منذ عام 1918.

كان القصر مقراً للمفوضين الفرنسيين الساميين، منذ الجنرال جورج بيكو في العام 1918 حتى الجنرال كاترو عام 1941 .

وسكنه الجنرال شارل ديغول عام 1942 بصفته قائداً لفرنسا الحرة. وبعد الاستقلال تحول إلى مقر للسفراء الفرنسيين.

ولعل أشهر لحظات هذا القصر السياسية هي عندما تم إعلان قيام دولة لبنان الكبير من على شرفة القصر سنة 1920 من قِبل الجنرال غورو.

وبحسب صحيفة النهار اللبنانية، فإن الفرنسيين هجروا القصر خلال الحرب اللبنانية الأهلية، بسبب موقعه الخطِر على خطوط التماس، فاحتلته الميليشيات المتقاتلة، وطاله الدمار نتيجة الرصاص والقذائف، ثم تعرَّض لدمار أكبر في أثناء الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 لمدينة بيروت.

في ذلك العام تحوَّل القصر إلى مستشفى تابع للجيش الفرنسي ومقر عام للمراقبين الدوليين إثر دخول “القوات المتعددة الجنسية” إلى لبنان، حيث بقيت فيه 4 سنوات.

وبعد انتهاء الحرب الأهلية عام 1989، بدأ الرئيس الفرنسي آنذاك، جاك شيراك، مشروع ترميمه بعدما دُمر بالكامل، ليتم افتتاحه رسمياً عام 1998.

ولأنه يتوسط أشجار الصنوبر دائمة الخضرة صيفاً وشتاءً، تمت تسميته بقصر الصنوبر.

لكن القصر لم يشيّده الفرنسيون بدايةً، إذ بدأ تشييده عام 1916 ليكون كازينو أو صالة قمار من اللبناني ألفرد موسى سرسق.

إذ أقر والي بيروت آنذاك، عزمي بك، ترخيصاً لبناء مكان لقاء راقٍ لنخبة المدينة، يتضمن كازينو ومضماراً لسباق الخيل.

واستأجر رجل الأعمال سرسق الأرض، الأرض البالغة مساحتها 600 ألف متر مربع لمدة 40 عاماً من بلدية بيروت. وسرسق كان يعمل مسؤولاً بالسفارة العثمانية في باريس حتى بداية الحرب العالمية الأولى، وأراد أن ينشئ “نادي عزمي” لرجال لبنان النبلاء وأبناء العائلات الثرية البيروتية كأول صالة قمار أو كازينو في لبنان.

لكن الحرب العالمية سبقت ولم يتم افتتاح الكازينو، بل اضطر صاحبه إلى تحويله لمستشفى، ثم نادٍ عسكري قبل أن تتنازل العائلة عن حقوقها بالقصر للدولة الفرنسية لقاء مليون و850 ألف فرنك فرنسي.

أما الأرض فبقيت مستأجرة من بلدية بيروت حتى عام 1972، إلى أن اشتراها السفير الفرنسي إثر اتفاق مع محافظ بيروت آنذاك شفيق أبو حيدر، وأصبحت ملكاً لفرنسا.

يتميز القصر بطرازه المعماري الذي يدمج بين الإرثين العثماني والعربي، تزينه قناطر من كل الجوانب وأدراج واسعة تؤدي إلى داخله.

استخدم المرمِّمون زجاجاً ملوناً لنوافذه الخشبية، بينما حُفرت على الجدران الخارجية آيات قرآنية بالخط العربي.

أما أثاث القصر فيمزج بين الطراز الأوروبي والطراز الشرقي، وينتشر في 3 صالونات مفتوحة بعضها على بعض.  

الصالون الأول يُسمى الصالون الكبير (من تصميم المهندس الفرنسي ميشال إيكوشار)، إضافة إلى الصالون العثماني وصالون الموسيقى، الذي يضم آلة بيانو وثريات متدلية من زجاج المورانو.

وتمت الاستعانة بالصور القديمة لترميم القاعات وتحديداً القاعة العثمانية بجدرانها الخشبية المنقوشة والمزخرفة والبركة الرخامية.

أما مكتب السفير، فتتوسطه صورة للجنرال غورو وهو يعلن استقلال دولة لبنان الكبير، وصورة أخرى للرئيس شارل ديغول وهو ينزل من طائرة في بيروت.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى