لايف ستايل

لا يوجد طعام جيد أو سيئ وكل شيء مسموح.. 6 خرافات حول الأكل الحدسي

حظي الأكل الحدسي بكثير من الاهتمام في وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية خلال السنوات الأخيرة. وفي حين يعيش كثير من الناس علاقات أكثر تعقيداً مع الطعام، بسبب جائحة كورونا وتأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية على المدى البعيد؛ يبدو أنّ الاهتمام بالأكل الحدسي سيستمر؛ من أجل علاج اضطرابات الأكل التي ستنجم عنه.

ويأتي تزايد الاهتمام مصحوباً بمزيد من المفاهيم الخاطئة والخرافات الشائعة حول ماهية الأكل الحدسي وكيفية عمله.

وبحسب أخصائية التغذية كريستي هاريسون، فإن أول شيءٍ يجب توضيحه هو أنّ تناول الأكل بشكلٍ حدسي يختلف عن “مفهوم الأكل الحدسي”. 

إذ إنّ تناول الأكل بشكلٍ حدسي، وهو أحد جوانب “الأكل الحدسي”، يصف أسلوب الأكل أو تناول الطعام بالفطرة وتحديداً لدى المواليد الجُدد، حيث نمُدُّ أيدينا إلى الطعام حين نشعر بالجوع أو نحتاج لطمأنة، ثم نتوقّف عن تناول الطعام حين نشعر بالشبع أو الاكتفاء. 

ولكن  “مفهوم الأكل الحدسي” يشير إلى المصطلح الذي استخدمته أخصائيتا التغذية المعتمدتان إيفلين تريبولي وإيليز ريش لوصف فلسفتهما الغذائية، وطريقة إدارة العلاقة الفطرية مع الطعام حين تُبعدنا عنها الضغوطات والتأثيرات الخارجية.

ومفهوم الأكل الحدسي عبارةٌ عن مجموعةٍ من المبادئ -أو نموذج فعلي- لتناول الطعام، إلى جانب ما يتعلّق بالطعام وجسدك، بحسب ما نشرته مجلة Self الأمريكية. 

إذ طوّرت إيفلين وإيليز المفهوم بوصفه طريقةً لمساعدة الأشخاص العالقين في دورة عبثية من اتباع نظام غذائي (حمية) واضطرابات تناول الطعام حتى يُعيدوا التواصل مع غرائزهم الفطرية الخاصة بالطعام.

إذ تعتمد خياراتك فيما يتعلّق بنوعية الطعام وتوقيت تناوله على جوعك واكتفائك الشخصي، وليس القواعد الخارجية المتعلّقة بما يجب أن تأكله أو لا تأكله وتوقيت تناوله.

وبحلول وقت بلوغنا، يعجز كثيرون منا عن الحفاظ على تلك الطريقة الفطرية في التعامل مع الطعام. 

إذ تتداخل كثير من القوى الخارجية مع غرائزنا المُتعلّقة بالطعام بدءاً من الأمن الغذائي والبالغين الذين يطلبون من الأطفال إنهاء الطبق بالكامل، وصولاً إلى الرسائل المنتشرة حول نوعية الأغذية “الصحية” أو “السريعة” (التي تُعتبر “جيدة” أو “سيئة” بالتبعية)، وانتهاءً بالإعلانات ووسائل الإعلام والثقافة الشعبية التي تُروّج لمُثلٍ مستحيلة عن النحافة، وتنمُّر الأقران وتوبيخ البالغين على وزن أطفالهم الزائد.

وبعد استقبال عديد من الرسائل الخارجية -فضلاً عن تجربة محاولات فقدان الوزن واتباع الحميات الغذائية التي قد تستغرق سنوات- نصبح بحاجةٍ إلى مساعدة في إعادة التواصل مع حكمتنا الفطرية المتعلّقة بالطعام. 

وهنا يأتي دور مفهوم الأكل الحدسي الذي يُساعدنا على تفسير سبب استخدام عديد من المختصين في مجال الرعاية الصحية لتلك المبادئ حالياً.

وبإمكانك قراءة المزيد عن المبادئ العشرة هنا:

وبعيداً عن المبادئ، لا بد من التطرق إلى الخرافات السائدة عن مفهوم الأكل الحدسي.

حين تُحرم من أطعمة بعينها (حتى وإن كانت محظورةً عقلياً فقط)؛ فمن الطبيعي أن تُسرف في تناولها خلال الأيام الأولى من الأكل الحدسي.

تُسمى هذه الفترة مرحلة شهر العسل، وفيها تعجز عن الاكتفاء من الحلويات ورقائق البطاطس والخبز والبرغر، إلى جانب أيّ شيء كنت تحرم نفسك منه في السابق. 

لكن العكس قد يكون صحيحاً أيضاً، إذ يفقد الطعام جاذبيته عموماً بمجرد فقدانه صفة المحرمات، وبعد أن ينتهي شعور الحرمان منه. 

وحين تتناول طعاماً بعينه بانتظام؛ تبدأ في اعتياده ويفقد ذلك الطعام الذي لا يُقاوم، جاذبيته الخاصة.

وبمجرد حدوث ذلك يشعر عديد من الناس بحريةٍ أكبر لتناول مجموعةٍ متنوعة من الأطعمة، ومنها بعض الأطعمة التي كانت محظورةً في السابق وأطعمة أخرى يتناولونها بسبب الحميات الغذائية المُتبعة. 

ويُواصل اكثيرون اشتهاء الأطعمة الممتعة مثل الكيك والبرغر، لكنهم يبدأون أيضاً في الاستمتاع بجد ويرغبون في كثير من الأطعمة الأخرى، التي ستشمل بنهاية المطاف أشياء مثل الفاكهة والخضراوات.

وربما يبدو الأمر إجمالاً أشبه بحلمٍ بعيد المنال في حال شعرت حالياً بأنّك عالق داخل دائرة مُفرغة من اشتهاء الطعام والشعور بالذنب بعد تناول الأطعمة التي تعتبرها “سيئة”، لكن واقع الأمر هو أن الحرمان في حد ذاته هو ما يخلق ذلك الشعور الخارج عن السيطرة مع الطعام بالنسبة لكثير من الناس. 

وحرمان نفسك من أطعمة بعينها يزيد جاذبيتها، ولكن حين ينتهي الحرمان الجسدي والعقلي؛ تستطيع في نهاية المطاف التوقّف عن الشعور بانجذابٍ لا يُقاوم لتلك الأطعمة.

من أسباب شيوع هذا الخطأ في الفهم هو اعتماد اثنين من مبادئ الأكل الحدسي على احترام الجوع وتعلُّم الشعور بمؤشرات الشبع. 

ولكن تذكّر أنها لا تُمثّل سوى مبدأين فقط من المبادئ الـ10، ويجب ممارستها في سياق المبادئ الأخرى كافة، ومن ضمنها رفض عقلية الحِميات الغذائية التي قد تُحوّل مبادئ الجوع والشبع إلى قواعد صعبة وسريعة. 

وبنهاية المطاف، فإنّ هوس تناول الطعام بمعدلات “مثالية” من الجوع والشبع يُحوّل الأكل الحدسي في الواقع إلى حميةٍ غذائية، وهذا هو نفس السلوك والعقلية التي يسعى مفهوم الأكل الحدسي للإقلاع عنها.

ونحتاج عادةً إلى تناول الطعام قبل الشعور بالجوع؛ من أجل رعاية أنفسنا، والبعض يفعل ذلك قبل الذهاب إلى اجتماعٍ طويل يعلمون أنّهم لن يحصلوا على الطعام خلاله. 

والعلاقة المسالمة مع الطعام تشمل أحياناً أيضاً تناول الطعام في غياب الجوع لأسبابٍ اجتماعية أو لمجرد المتعة، مثل تناول كيك للاحتفال بعيد ميلاد صديق.

ومبدأ الشبع مُعقّد بشكلٍ خاص، لأنّه حين يتعافى الناس من حرمان الطعام في البداية؛ تتعرض مؤشرات الشبع الخاصة بهم للقمع عادةً، ويشيع بينهم تناول الطعام إلى درجة الانزعاج. 

لكن الخبر السار هو أن مؤشرات شعور الأشخاص بالشبع يُمكن أن تعود لطبيعتها بعد تعافيها من الحرمان (الذي قد يشمل العمل مع خبراء العلاج المختصين في اضطرابات تناول الطعام)، رغم أنها قد تكون عملية طويلة.

لا يُمثّل الأكل الحدسي خطةً لفقدان الوزن، ربما يفقد بعض الناس الوزن عن غير قصد بالطبع حين يبدأون في ممارسة الأكل الحدسي، لكنّ الآخرين ربما يكتسبون وزناً بسبب تغيير أسلوب الحياة، بينما سيظل البعض بوزنهم نفسه تقريباً. 

تقول مُؤلفة كتاب “سئمت المرض: دليل التداعيات الطبية لاضطرابات الأكل”، الدكتورة جينيفر غوادياني، لمجلة Self الأمريكية: “إنّ الأكل الحدسي ضروريٌّ جداً للتعافي من اضطرابات الأكل. ولديَّ إيمانٌ عميق بمبادئ الأكل الحدسي، لدرجة أنني أنصح بها مرضاي من جميع أشكال وأحجام الجسم -ممن لديهم تاريخ من اضطرابات الأكل- رغم أنّني طبيبةٌ عامة ولست أخصائية تغذية”.

وفكرة أن الأكل الحدسي لا يُمكن استخدامه في التعافي من اضطرابات الأكل هي خرافةٌ تستند إلى الاعتقاد الخاطئ بأن الأكل الحدسي يعتمد فقط (أو بنسبةٍ كبيرة) على الجوع والشبع. 

وصحيح أن اضطرابات الأكل تزيد صعوبة الاعتماد على مؤشرات الجوع والشبع، لأن الأكل المضطرب قد يُسبِّب اضطرابات في الجهاز الهضمي مثل تأخير إفراغ المعدة، والإمساك، والغثيان، والانتفاخ الذي قد يُشعِر الناس بالشبع سريعاً ويُفقدهم شعور الجوع.

ويُمكن القول إنّ رفض عقلية الحمية الغذائية، والتصالح مع الطعام، وتحدي شرطة الطعام، واستعادة المتعة والاكتفاء في الطعام، واحترام جسدك أمورٌ مُهمة لمساعدة الناس على التعافي من اضطرابات الأكل وسلوكيات الأكل المضطرب دون السريري. 

وفي عام 2010، شرع الباحثون في دراسة ارتباط الأكل الحدسي بنتائج الصحة العقلية وسلوكيات الأكل المضطرب. وتتبّعت الدراسة التي أجراها نحو 1.500 مشارك من مرحلة المراهقة وحتى أوائل البلوغ، على مدار 8 سنوات. 

وباستخدام البيانات حول علامات الأكل الحدسي والصحة العقلية وتقدير الذات وغيرها؛ وجد الباحثون أن “زيادة الأكل الحدسي في سن المراهقة والزيادات الأكبر في الأكل الحدسي على مدار فترة الدراسة -التي استغرقت 8 سنوات- كانت مرتبطةً بتقليل احتمالات الإصابة بأعراض الاكتئاب الشديد، وقلة تقدير الذات، وعدم الرضا عن الجسم، والسلوكيات غير الصحية للتحكّم في الوزن، وسلوكيات التحكّم المفرط في الوزن، وتناول الطعام بنهم في مرحلة المراهقة”. 

وخلصوا إلى أن الأكل الحدسي “يَعِد بصحةٍ نفسية وسلوكية أفضل”، وربما يُمثّل تدخّلاً قيِّماً من أجل “تحسين الصحة النفسية وتقليل سلوكيات الأكل المضطربة”.

حين يسمع الناس بطبيعة الحال أن الأكل الحدسي يشار إليه على أنه نهجٌ لمكافحة الحميات الغذائية؛ يتساءلون: ماذا عن الأشخاص الذين يحتاجون اتباع نظامٍ غذائي لأسبابٍ صحية؟ 

الأكل الحدسي متوافقٌ مع العلاج بالتغذية الطبية، بل يُمكنه تعزيز العلاج أيضاً، وذلك عبر منح الناس توجيهات بشأن التغذية المعتدلة (آخر مبادئ الأكل الحدسي العشرة)، مع دعم المبادئ الأخرى أيضاً.

وفي حال إصابة الشخص بداء السكري على سبيل المثال، فإنّ نهج الأكل الحدسي سيشمل مساعدة المريض على استكشاف علاقته الكلية مع الطعام ومعرفة متى يدخل في دورة الحرمان-النهم مع الكربوهيدرات (وهو نمطٌ شائع للغاية، لأن الكربوهيدرات تحتاج للإدارة عند الإصابة بالسكري، وتجري شيطنتها أيضاً في ثقافة العافية الرائجة). 

بينما سيُساعدهم أخصائي الأكل الحدسي على احترام جوعهم حتى لا يقعوا فريسةً للنهم، وسيُساعدهم كذلك على التصالح مع الكربوهيدرات، إلى جانب إدراك أن لديهم تصريحاً غير مشروط بتناول الطعام، علاوةً على مساعدتهم في تعلُّم قياس معدل السكر في الدم والاستماع إلى مؤشرات الجسم لتُخبرهم بتأثير مختلف الأطعمة عليهم؛ حتى يتمكّنوا من تحديد توازن العناصر الغذائية الأمثل لأجسادهم. 

وباختصار، يُمكن أن يُساعد الأكل الحدسي الناس على الشعور بمزيد من الاستقلالية ضمن نطاق التوجيهات التي يتبعونها في العلاج بالتغذية الطبيعية.

وكشف البحث أنَّ تمتُّع الأشخاص بالاستقلالية في اكتشاف الأمور بأنفسهم على هذا المنوال قد يُؤدي بهم إلى تطوير سلوكيات رعاية ذاتية أكثر استدامة على المدى البعيد، بدلاً من التقييد أو النهم أو التردد في ترتيب الأولويات بين الاهتمام والرعاية الذاتية واللامبالاة الكاملة.

يعتمد الأكل الحدسي على محاولة بذل كل ما بوسعك لرعاية احتياجاتك للطعام في أي موقف، وليس أن تكون في تناغمٍ مثالي مع حالات الاشتهاء لدرجة أنك لن تتناول سوى أطعمةٍ بعينها فقط لإرضاء هذا الاشتهاء. 

وتنفيذ هذا السلوك مُمكن، لكن سيختلف فقط في الشكل إن كُنت من ميسوري الحال اقتصادياً. 

وحين تعاني من انعدام الأمن الغذائي ستجد أن الأكل الحدسي قد يعني اكتشاف كيفية احترام جوعك بقدر الإمكان في نطاق ميزانيتك، والعثور على وسائل للحصول على الطعام بانتظام، مع رفض عقلية الحميات الغذائية، وعدم الحكم على أي طعام أو شكل جسم بوصفه أعلى أو أدنى من الناحية الأخلاقية. 

ومع انعدام الأمن الغذائي ربما تعجز عن تناول الطعام وفقاً للجوع والشبع طوال الوقت، أو اختيار الأطعمة التي تُسعدك وتُرضيك في كل وجبة. 

لكن الأكل الحدسي لا يتعلق بتلبية كامل المبادئ الواردة على القائمة، إذ إنه عبارةٌ عن ممارسة وعقلية، وليس حالةً ثابتة الوجود. وهو بمثابة قدرة فطرية على الارتباط بالطعام الذي يستحق الجميع -من الحالات الاجتماعية والاقتصادية كافة- فرصةً في الحصول عليه.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى