منوعات

غزة كوكبٌ آخر؟ 5 ملاحظات على مسلسل “فوضى” الإسرائيلي على Netflix

صدر على نتفلكس الموسم الثالث من مسلسل فوضى، المُسلسل الإسرائيلي الناجح والحاصل على جوائزٍ. وكعادته أثار هذا الموسم الكثير من الجدل حول مجريات أحداثه وشخصياته. وفي حين اعتبره الإسرائيليون محاولة موضوعية لنقل جوانب من الصراع بين الطرفين، انتقدت أقلام فلسطينية وعربية إسرائيلية العمل.

الناشط جورج زيدان على سبيل المثال نشر مقالاً على صحيفة هآرتس الإسرائيلية، وصف فيه العمل بـ”الجاهل وغير الصادق والعبثي”، وبأنه تحريض ضد الفلسطينيين.

ولفت في مقاله إلى أخطاء ثقافية كانت لتنسف العمل بأكمله، نظراً لأن أحداث هذا الجزء تدور في قطاع غزة، حيث يتسلل عملاء مخابرات إسرائيليون.

موقع Middle East Eye البريطاني نشر مقالاً للكاتب الصحفي أزاد عيسى، أشار فيه إلى الدهشة والاستنكار اللذين أثارهما المسلسل بسبب تجسيده “المُشوق” للمُستعربين الإسرائيليين، وعناصر الوحدات السرية الذين يقضون أيامهم مُحاولين التسلل إلى الضفة الغربية المُحتلة وقتل “الفلسطينيين الأشرار”.

يوضح التقرير أن بطل المُسلسل دورون كافيليو (ليئور راز، الذي اتسمت شخصيته ببعض العنف على غرار شخصية رامبو الشهيرة) يستهدف هذه المرة عائلة ذات صلة بحماس في الخليل، حيث يتخفّى دورون كمدرب لمُلاكم فلسطيني شاب موهوب يُدعى بشار حمدان (علاء دقة). 

عندما تنكشف هوية دورون كأحد المُتسللين يترتب على ذلك تبادل لإطلاق النار. يُقتل في إثره أحد قادة حماس في الضفة الغربية وتُتهم عائلة حمدان بالخيانة. 

وفي نهاية المطاف يُختطف شابان إسرائيليان ممن يتلقون تدريباً عسكرياً تمهيدياً. 

ثم تبدأ عملية نقلهم لاحقاً عبر نفق يؤدي إلى غزة، ما يُطلق العنان لمهمة إنقاذ إسرائيلية يتعذر فهمها، على حد تعبير الكاتب.

وعلى غرار موسميه الأول والثاني، قال الكاتب إن العمل التلفزيوني جدير بالإعجاب ومُفعم بالحيوية وأجواء المُؤامرة. 

ولكنه أشار إلى أن المسلسل لا يفسر أبداً سبب قلق الإسرائيليين وشعورهم الشديد بانعدام الأمان ولا سبب مُواصلة الفلسطينيين التفكير في مُخططات لمهاجمة الإسرائيليين. 

ويلفت إلى تصوير المسلسل انتهاك الوحدة الإسرائيلية القواعد توخياً لمصلحة “الوطن”، وتجاوز استجوابات غير منطقية من جانب لجان تقصي الحقائق فيما يتعلق بسلوكها، بينما لا يفصل الفلسطينيون عن الموت سوى مشهدٍ واحدٍ. 

واعتبر الكاتب أن مُسلسل فوضى أو Fauda استند إلى ثقافة شعبية تُستخدم كشماعة تُعلق عليها فوضى نموذج الاستيطان الإسرائيلي. 

وقال “إن حلقة تبلغ مُدتها 45 دقيقة محمّلة بأحداث دامية ناطقة باللغتين العبرية والعربية، تكاد تكون أشبه بما يرد في كتب الرسوم الهزلية، وقد ينتهي بك الحال وقد تعمقت أكثر في الجانب النفسي الذي تستند إليه بعض من صهيونية إسرائيل الليبرالية”.

وفيما يلي خمس مُلاحظات رئيسية أشار إليها تقرير Middle East Eye عن مسلسل فوضى:

“No amount of sex or violence or good drama can cover the fact that #Fauda is merely another means of glorifying Israeli brutality and terrorism.” https://t.co/hl15i2fotM

وفقاً لمسلسل فوضى، قد تكون القوات الإسرائيلية الخاصة بمثابة قتلة مُتحجري القلوب، إلا أنهم سيُقدمون المُساعدة دائماً لمن يستفيد من الاحتلال الإسرائيلي (الرفاق الفلسطينيون الذين يُسمونهم المُتعاونين، أو العميل). 

في الموسم الأول مثلاً تودد دورون إلى الطبيبة شيرين العبد (لايتيتيا عيدو)، ابنة العم الفلسطينية، والخطيبة فيما بعد لأحد نُشطاء حماس في الضفة الغربية المُحتلة.

أما في الموسم الثالث فيُهمل دورون ابنه ويُصبح بمثابة أب لبشار. وفي وقتٍ لاحقٍ يقتل جهاد (خليفة ناطور) والد المُلاكم الشاب، بعد أيامٍ من عودته من أحد السجون الإسرائيلية. 

عندما يلجأ بشار إلى العنف، يُلمح دورون إلى ذلك قائلاً: “نحن مَن حوّلناه إلى ذلك”، ويُصبح مهووساً بـ”إنقاذه”. 

يشير كاتب التقرير إلى تأكيد مسلسل فوضى على فكرة تفاني الفلسطيني من أجل الأسرة. 

فضمن أحداث المسلسل يُخير الفلسطينيون مراراً بين أبنائهم أو الحركة، ودائماً ما يختارون عائلاتهم ويخونون الحركة.

وعادة ما يكون الدافع الوحيد لرغبتهم في الانضمام للحركة هو الرغبة في الثأر بعد خسارة أحد أفراد العائلة. 

وبفعل ذلك يظن مُسلسل Fauda أنه يُضفي طابعاً إنسانياً على الفلسطينيين. فما يرغب في القول إنهم ليسوا مُجرد رجالٍ مُلثمين مُتعطشين للدماء يتجولون ويصيحون “الله أكبر”. 

إلا أن مُقايضته تلك تؤدي إلى مُقايضة أخرى؛ فدائماً ما يُرجع السبب في تدمير خطط الفلسطينيين إلى “الغباء والجشع والعاطفة والشهوة، وكل فلسطيني لا يفصله عن التخلي عن قضيته سوى بضع صفعات”، بحسب ما استنتج الكاتب.

وينحصر تصوير النضال من أجل فلسطين في المسلسل في خانة الثأر، والاستشهاد بوصفه أسهل الخيارات المُتاحة. 

ويبدو أن ما يُحاول مُسلسل Fauda قوله هو أن المُقاومة الفلسطينية تقوم على أرواح أشخاص غاضبين.

وعلى النقيض من ذلك قد يكون الجنود الإسرائيليون مُعتلّين اجتماعياً، بل وقد ينتهكون القوانين الإسرائيلية، إلا أنهم لا يتنكرون لقضية بلدهم.

يطمئن المسلسل قلقهم، فدائماً ما سيجد النظام طريقة لإعفائهم من عواقب أفعالهم، مهما بلغت درجة مُخالفتها للقانون. 

إلا أن بعض الأفعال لا يُمكن أن يُكفر عنها. ففي الموسم الثالث، يقتل أفيخاي (بوعز كونفورتي) قناص الوحدة السرية البارع جندياً زميلاً خلال إحدى المهام عن طريق الخطأ، ولا يتمكن من الفرار بفعلته.

@netflix⁩ showing their Zionist agenda once again #Fauda https://t.co/viI1qhXVFR

في الموسم الثالث، يقع الاختيار على أبو مُحمد، قائد الجناح العسكري لحركة حماس، للعب نمط الشخصية الشريرة كما في سلسلة أفلام جيمس بوند. 

وأبو محمد وسيم وفصيح، يرتدي سُترة من الجينز بياقة من الفرو، له قصة شعر يتخلل السواد فيها شعره الأشيب، وهو رقيق؛ إذ يهمس بصوتٍ خفيض: “ترفق بها”، عندما تُنقل إحدى الرهائن الفتاة الحسناء يارا زرهي (ريف نيمان) إلى موقعٍ آخر. 

إلا أنه الاستثناء الوحيد، فهو الإرهابي المضياف و”المُعقد”، بحسب ما يصور المسلسل. 

يتناقض نموذجه بشدة مع مئاتٍ من نُشطاء حماس، الذين يصورهم المسلسل على أنهم ضخام غِلاظ ومُقنعون ومُسلحون بالمدافع الرشاشة الخفيفة ومُعدات التمويه.

ورغم ذلك، لا يمكن مقارنتهم بفئة من العُملاء الإسرائيليين الذين يُباشرون عملهم داخل قبو أحد المُتعاونين في غزة. 

وبحسب ما ذكر تقرير الصحيفة فإن مُعظم المواقف الإنسانية التي خلقها مسلسل فوضى أو Fauda كانت من خلال الشخصيات الفلسطينية به. 

ولكن مع عرض تتر النهاية، ينتهي بهم الأمر وهم عربٌ مجهولو الاسم والهوية “يموتون بمثل الأعداد الغفيرة التي يموت بها الهنود الحُمر في أحد أفلام الغرب الأمريكي من إخراج جون واين”.

إن كانت الضفة الغربية بمثابة ساحة لعب للجيش الإسرائيلي، حيث يتمكن الجنود على الأقل من اللهو بالطائرات الآلية وبشن الغارات وعمليات الضم، فغزة في هذا المسلسل عالم آخر. 

في الموسم الثالث يُعاني إيلي (ياكوف زاده دانيل)، قائد وحدة مُكافحة الإرهاب، من نوبة ذُعر وسط مدينة غزة أثناء مُهمة سرية. 

تعرض بالطبع لصدماتٍ نفسية عنيفة، شأنه في ذلك شأن كل الإسرائيليين الذين اضطلعوا بالمهام السابقة من قبل تلك المدينة التي يتخيلونها على أنها “جحيم الله على الأرض، التي تأبى أن تموت” بحسب وصف الصحيفة. 

وبينما ينهار إيلي على الأرض، تقترب امرأة فلسطينية وتسأله إن كان بحاجة إلى المُساعدة، فيما يُمكن أن يُعتبر أكثر المشاهد التلفزيونية إثارة للسُّخرية في العصر الحديث، برأي الكاتب.

بدورها كتبت الناشطة الإسرائيلية من أصول إيرانية أوري نوي، أن مسلسل فوضى يصور غزة على أنها أرض خيالية “ليست حقيقية بالكامل، بمعنى أن هُناك أشخاصاً حقيقيين يعيشون بها، ورغم ذلك هي مُخيفة وعُدوانية في آنٍ واحدٍ”. 

يمتد هذا الشعور ليشمل أماكن التصوير نفسها، فقد صُوِّرت المشاهد في قُرى إسرائيلية/عربية فقيرة، حيث كان القرويون فيها “ودودين ومُتعاونين بشكلٍ غير معقول“. 

أما بالنظر إلى الكيفية التي صُوِّرت بها غزة، “فنلاحظ أنها جزيرة نائية وغامضة، الحياة بها وضيعة وفوضوية، والفلسطينيون لا يزيدون كثيراً عن كونهم مُجرد دعائم بدون هدف أو غاية، كان حريٌّ بهم تصوير المشاهد على كوكب المريخ”، وفق ما ذكر التقرير.

في الموسم الثالث تُختطف يارا وتبكي بلا توقف رغم إطعامها الحمص والخبز الطازج، وإمطارها بعناية واحترامٍ مُبالغ فيهما من قبل خاطفيها.

تُعد يارا تجسيداً للبراءة، وهدف الحفاظ على سلامتها هو ما يُبرر تحول عُملاء الدولة الإسرائيلية إلى وحوش. 

لكن في قرارة النفس، يمتلك هؤلاء الجنود الإسرائيليين وتلك القوات الخاصة، كما تعرفون، المشاعر أيضاً، كما يقول الكاتب ساخراً.

ويضيف: “يجري تذكيرنا مراراً وتكراراً، بالتأكيد، أن قوات مُكافحة الإرهاب الإسرائيلية تنتهك القانون، بمزيدٍ من عمليات القتل خارج إطار القانون، ولكن هذا بهدف حمايتنا (من الواضح أن “نا الدالة على جماعة الفاعلين” تستبعد أياً من الفلسطينيين “الأشرار”- في الواقع مُعظم الفلسطينيين”). 

ويضيف: “هي فقط مُستمرة في تطبيق ما ظلت السلطات الإسرائيلية تفعله على مر العقود السبعة الماضية أو ما شابه ذلك”.

وختم تقرير صحيفة Middle East Eye بالإشارة إلى أن الأحداث المثيرة وطريقة تصوير الفلسطينيين والصراع مع الإسرائيليين في المُسلسل ما زالت تستمد أجواءها من العام 1948 أكثر من العام 2020. 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى