تقارير وملفات إضافية

السعودية تبدو متحرجة من التطبيع العلني كالإمارات، ولكنها تحتاج إسرائيل في مهمة عاجلة تتعلق بمواطنيها

هل تقيم السعودية علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل بعد الخطوة الإماراتية أم أنَّ وضع المملكة الحساس دينياً قد يؤدي إلى أن تتأنى في اتخاذ مثل هذه الخطوة المثيرة للجدل؟

يرى محللون أن قرار الإمارات تطبيع العلاقات مع إسرائيل قد يساهم في تعزيز تقارب السعودية مع الدولة العبرية، في الوقت الذي تسعى فيه الرياض إلى جذب الاستثمارات لتمويل تحوُّلها الاقتصادي الطموح.

واللافت أن السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد في العالم العربي، التزمت الصمت بشأن الاتفاق، لكنَّ مسؤولين لمَّحوا إلى أنه من غير المرجّح أن تتبع الرياض، على الفور، خطى حليفتها الإقليمية الرئيسية، حسبما ورد في تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية.

مما لا شك فيه أن توقيت الإعلان ترك كثيراً من الدبلوماسيين والمحللين في حالة من عدم اليقين. ولكن، من نواحٍ عديدة، لم يكن ذلك مفاجئاً. تعمل إسرائيل ودول الخليج -الإمارات والبحرين على وجه الخصوص، ولكن المملكة العربية السعودية أيضاً- على زيادة علاقاتها الثنائية لسنوات.

على الرغم من التركيز في الغالب، على تبادل المعلومات الاستخباراتية، فقد وسعوا تعاونهم في عدد من المجالات الأخرى، والمشاركة في التدريبات العسكرية المشتركة، والمبادرات الدبلوماسية، والبحث والتطوير، والاستثمار، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.

وبالنسبة إلى عزيز الغشيان الأستاذ بجامعة “إسيكس” والمتخصص في سياسة المملكة تجاه إسرائيل، فإن “التطبيع الإماراتي الإسرائيلي يفسح المجال لتوسيع العلاقات السعودية الإسرائيلية غير المباشرة”.

وقال: “أعتقد أن التقارب السعودي الإسرائيلي سيزداد عبر الإمارات”.

وتواجه السعودية معضلة الحسابات السياسية الحساسة قبل أي اعتراف رسمي بالدولة العبرية. وكما حدث مع الاتفاق الإماراتي، فإن هذه الخطوة سينظر إليها الفلسطينيون على أنها خيانة لقضيتهم.

لكن المملكة تبدو كأنها بدأت بالفعل تقارباً مع إسرائيل في السنوات الأخيرة، وهو تحوّل قاده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حتى عندما أعرب والده، العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، عن دعمه الثابت لقيام دولة فلسطينية مستقلة.

قد تفتح الصفقة الآن الباب أمام ممالك الخليج الأخرى لتحذو حذوها.

ولكن من غير المرجح أن يتحول التعاون المحدود القائم بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية إلى تطبيع في أي وقت قريب، ففي نهاية المطاف، كرَّس الملك سلمان عقوداً من حياته للقضية الفلسطينية، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان متورط حالياً في التعامل مع السياسة الداخلية الحساسة. وهو يستعد لخلافة والده، حسب الموقع الأمريكي.

ومع ذلك، قد تشجع المملكة العربية السعودية، البحرين على تبنّي التطبيع: لطالما نظرت الرياض إلى شريكها الأصغر في المنامة على أنه وسيلة للتفاعل غير الرسمي مع القدس، وقد تفعل ذلك بِحريةٍ أكبر في إطار التطبيع.

كانت الكراهية المشتركة تجاه إيران وخطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) حافزاً مُهماً لهذا التحالف الناشئ بين الدول الخليج وعلى رأسها السعودية، وإسرائيل.

شجعت إدارة ترامب ذلك، وحرصت على احتواء إيران بقدر ما هي حريصة على دعم موقف إسرائيل الإقليمي، وتأمين نوع من الإرث الإقليمي.

وقد يدفع العداء المشترك لإيران إلى جانب محاولات جذب الاستثمار الأجنبي لتمويل خطة التحول الاقتصادي “رؤية 2030” الخاصة بالأمير محمد، المملكة إلى الاقتراب من إسرائيل أكثر من أي وقت مضى.

وأحد الركائز الأساسية في “رؤية 2030” مشروع “نيوم”، المنطقة الضخمة باستثمارات بقيمة 500 مليار دولار على الساحل الغربي للمملكة، بينما يقول خبراء إن إسرائيل قد يكون لها دور فيها، من خلال مجالات تشمل التصنيع والتكنولوجيا والأمن السيبرياني.

قال محمد ياغي الباحث بمؤسسة “كونراد أديناور” الألمانية، إن إنشاء المنطقة “يتطلّب السلام والتنسيق مع إسرائيل، خاصة إذا كانت المدينة ستُتاح لها فرصة أن تصبح منطقة جذب سياحي”.

ومن المقرر بناء “نيوم” بالقرب من منتجع إيلات الإسرائيلي على طول المياه الحساسة جيوسياسياً للبحر الأحمر وخليج العقبة.

وكتب ياغي بورقة بحثية، في أبريل/نيسان، أن دول الخليج تسعى بشكل متزايد، للحصول على التكنولوجيا الإسرائيلية؛ لمراقبة مواطنيها ولشراء صواريخ دقيقة لا ترغب الدول الغربية في بيعها لها.

وسعت المملكة العربية السعودية إلى إبقاء تقاربها مع إسرائيل بعيداً عن الأعين.

وعلى الرغم من الصمت الرسمي تجاه الإعلان عن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، سعت وسائل الإعلام السعودية الموالية للحكومة، بشكل متكرر، لاختبار رد الفعل العام، من خلال نشر تقارير تدعو إلى توثيق العلاقات مع إسرائيل.

وكتب الإسرائيلي نافي شاحار، الأسبوع الماضي، لموقع قناة “العربية” باللغة الإنجليزية: “أتوقع مستقبلاً ينطوي على إنشاء نظام بيئي مشترك عالي التقنية بين دول (مجلس التعاون الخليج)، يُعرف باسم وادي السيليكون”.

ويشير بذلك شاحار، وهو مؤسس شركة استثمارية تُركز عملها على التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل، إلى نظير إقليمي لوادي السيليكون في الولايات المتحدة.

وقال: “الآن، أكثر من أي وقت مضى، من مصلحة إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي زيادة التعاون التجاري”.

يرى مراقبون أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي دعم الأمير محمد في أعقاب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في إسطنبول عام 2018، يتمتع بدور كبير في مسألة حمل المملكة على الاعتراف رسمياً بإسرائيل.

لكن يبدو أن السعودية تقاوم ضغوط واشنطن، لأنها تواجه عواقب أكثر من الإمارات.

قال غاريد كوشنر، مستشار ترامب، في نهاية الأسبوع: “أعتقد أنه من المحتم أن تكون بين السعودية وإسرائيل علاقات طبيعية تماماً، وأن تكونا قادرتين على القيام بكثير من الأشياء العظيمة معاً”.

وأضاف كوشنر في مقابلة مع قناة “سي إن بي سي” التلفزيونية: “من الواضح أن المملكة العربية السعودية كانت رائدة في مجال (التطوير)، ولكن لا يمكن تغيير مسار سفينة حربية بين ليلة وضحاها”.

من جهته، قال مارك شناير، الحاخام الأمريكي الذي تربطه علاقات بالمملكة والخليج، لوكالة فرانس برس، هذا الأسبوع، إن قيادة المملكة لها “آراء متضاربة من جيل إلى آخر”.

واعتبر شناير أن “المبادرة الجريئة من قِبل الإمارات ستقوِّي نفوذ الأجيال التي ترغب في حدوث ذلك الآن”.

وتابع: “هذا الإعلان من الإمارات سيحوّل العلاقات الحالية غير المباشرة بين السعوديين وإسرائيل إلى علاقات رسمية مباشرة”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى