تقارير وملفات إضافية

أمريكا تضغط بقوة لإنجاحه.. هل ينهي اتفاق وقف إطلاق النار الأخير الصراعَ الليبي المستمر منذ 6 سنوات؟

في بيان مفاجئ للمجلس الرئاسي الليبي يوم الجمعة، 21 أغسطس/آب 2020، أعلن فيه رئيس المجلس السيد فايز السراج الوصول لاتفاق حول وقف إطلاق النار ونزع السلاح من مدينتي سرت والجفرة، وتولي قوة أمنية شرطية من طرفي النزاع الليبي الأمن في المنطقة، ورفع القوة القاهرة على حقول النفط لإعادة إنتاجه وبيعه عن طريق المؤسسة الوطنية للنفط التي ستضع عوائد النفط في المصرف الليبي الخارجي، بحيث لا يتصرف أي من القوى السياسية في هذه العوائد إلى حين الوصول لحل كامل وشامل للأزمة الليبية.

هذه الأخبار بلا شك تطور هام في مسار الأزمة الليبية، كما أنها توحي بنهاية صراع دام لأكثر من ست سنوات زاد من فشل الدولة الليبية ومؤسساتها، إلا أنه يوحي بأن كافة الأطراف الليبية لم تعد قادرة على الاستمرار في هذا النزاع، كما أن القوى الدولية خاصة الولايات المتحدة -كما تشير معلومات مؤكدة- هي التي أقنعت أطرافاً وأجبرت أخرى على القبول بهذا الحل لمعضلة سرت والجفرة. 

النشاط الدبلوماسي الأمريكي ارتفعت وتيرته قبل شهر من الآن وأوضح موقف الإدارة الأمريكية عقب اللقاءات التي جرت بين مسؤولين مصريين وأمريكيين، كما أن نقاشات جرت بين الرئيس ترامب والسياسي أكدت فيها القاهرة أنها ستوافق على المقترح الأمريكي بنزع السلاح في سرت والجفرة. 

في نفس السياق أجرى الرئيس التركي والرئيس الروسي محادثات عبر الهاتف حول المسألة الليبية، وأعلنت الخارجية التركية إمكانية الوصول لحل مع روسيا في الشأن الليبي، أعقب ذلك زيارات للخارجية القطرية ووزارة الدفاع التركية للعاصمة الليبية طرابلس، ولم تنته التصريحات الأمريكية من الحديث عن قرب الوصول لحل للنزاع الليبي عبر نزع السلاح ووضع قيود مؤسساتية على المؤسسات الليبية -لاتزال في طور الإعداد- وذلك بمراجعة حسابات مصرف الليبي المركزي وديوان المحاسبة وغيرها من المؤسسات.

ورغم أن الجانب المصري رحّب بالمبادرة وكذلك الأطراف الدولية كافة الإيطالية البريطانية والفرنسية والكندية والألمانية والقطرية والإماراتية، فإن عقيلة صالح الرئيس السابق لمجلس النواب الليبي لم ينفك أن يشترط القبول بالمبادرة المصرية، وهذا لا معنى له لأن المبادرة المصرية تستند لمؤتمر برلين الذي صدّق على مخرجاته مجلس الأمن وكافة الدول المعنية بالشأن الليبي، وحتى الجانب المصري لم يعد يتحدث عنه باعتبار أن وقف إطلاق النار إذا استمر سيعني تلقائياً الدخول في حوار سياسي لإيجاد حل دائم للأزمة الليبية. 

هذا السياق سيثير تساؤلات حول هذا الاتفاق ويمكن رصد ثلاثة نماذج تفسيرية للمواقف الأمريكية كلها ستؤثر على إمكانية استمرار هذا الحل الذي اقترحته أمريكا. الأول هو أن الولايات المتحدة تسعى لتهدئة الأوضاع في ليبيا إلى أن تنتهي الانتخابات الأمريكية في نوفمبر القادم. وهذا سيعني أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يريد أن يقول للشعب الأمريكي ها أنا استطعت أن أنهي هذا النزاع الذي ابتدأه الرئيس باراك أوباما والديمقراطيون في ليبيا عام 2011، وهذا قد يبين أنه قد نجح في سياسته الخارجية بعد التطبيع الإمارات الإسرائيلي الأخير. 

تفسير آخر يرى أن النشاط الأمريكي جاء بعد تصاعد الوجود الروسي في ليبيا، ووجهة نظر أخرى ترى أن أمريكا لم تنفك عن إدارة الأزمة الليبية وأن التنسيق التركي الأمريكي أثناء حرب طرابلس كان قائماً، كما أن نشاطاً محموماً لتنظيم إنتاج الطاقة في شرق المتوسط لم ينته من الولايات المتحدة الأمريكية، ويبدو الرأي الأخير هو الأرجح حسب بعض المصادر، دون أن نبعد أهمية الانتخابات في هذا النجاح الأمريكي في الأزمة الليبية، لكن هل سيستمر الفرقاء الليبيين في تغليب لغة العقل والحرص على مصلحة الوطن؟ هذا سيعتمد على المسار الذي سيأخذه الحل في ليبيا. 

وهذا المسار يعني أن الحديث الآن عن إنتاج مجلس رئاسي جديد والعودة للتفاوض وفق الخطة الأممية التي وضعها غسان سلامة والحوارات العسكرية فيما يعرف 5+5 والتي جرت في جنيف بين قيادات عسكرية من الشرق والغرب.

وكان رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري وعقيلة صالح ينويان اللقاء في المغرب قبل أن يعلن السراج إعلان وقف إطلاق النار، الجدير بالذكر أن لجان الحوار قد أعدت من قبل البعثة الأممية قبل العدوان على طرابلس، وأن الذي يؤخر الذهاب لمفاوضات سياسية هو خلو منصب رئيس البعثة بعد استقالة غسان سلامة لأسباب صحية، وأن نائب سلامة سيتفانى وليامز ليس من صلاحياتها قيادة هذا الحوار بعد أن شارفت مدتها على الانتهاء، ويدور جدل طويل بين القوى الدولية حول من يتولى منصب رئيس البعثة في ليبيا. 

هذا الخيار سيعتمد على قدرة البعثة والأطراف الدولية على التمييز بين مسارين: الأول هو تسوية النزاع ويعني وفق أدبيات الأمم المتحدة الوصول لحل فيه وقف إطلاق للنار بضمانات دولية وهذا عادة ما تلجأ إليه الدول لأنه يوفر حالة من الاستقرار تحقن فيها الدماء ويعطي مساحة للبحث عن حل، هذا الحل عادة ما يكون فيه تصميم كامل للنظام السياسي بما يخدم مصالح كل الأطراف المنخرطة في النزاع. 

هذا الخيار لا يستمر لفترة طويلة لأنه عادة ما تندلع الحرب في أي لحظة بعد تسوية النزاع؛ لذا سنجد أن مصطلحاً آخر تستعمله أدبيات الأمم المتحدة وهو تحول النزاع وفيه ينظر للأسباب التي أدت للنزاع والبدء في حلها وفق إطار شامل يشمل وقف إطلاق النار وعودة المهجرين والنازحين وإجراءات العدالة الانتقالية وإصلاح القطاع الأمني والعسكري نزع سلاح المليشيات ودمجها وإصلاح القطاعات الأمنية والعسكرية (DDR و (SSR وإصلاح المؤسسات الإدارية للدولة. 

تصريحات عقيلة صالح حول إنشاء مجلس رئاسي جديد، مع توارد أنباء حول رغبته في تولي منصب الرئاسة أو أن يكون أحد أعضاء هذا المجلس والحديث عن المبادرة المصرية التي لا تزال تتعامل مع الدولة الليبية كمجموعة من الميليشيات يشير إلى أن الحل المطروح هو حل ظرفي مرحلي، لكن وجود أطراف دولية كتركيا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية -إذا لم يكن شأنها متعلق بالانتخابات فقط- يوحي بأن الحل المطروح سيكون دولي يعبر عن توازن القوى الدولية في شمال إفريقيا وشرق المتوسط، وهذا سيعني في النهاية أن الحوار سيكون شاملاً لكنه لن يرعي المسارات الطبيعية للأزمة الليبية إلا بالقدر الذي يضمن استمرار الاتفاق بين هذه القوى، وهذا يعني في النهاية أنه سيستمر ويتحول لوقف شامل لإطلاق النار لكن مع وجود إشكالات ستظل قائمة إلى حين الوصول لحل دائم عبر الانتخابات أو الدستور. 

وهذا هو الحل الذي طرحه المجلس الرئاسي منذ بداية العدوان على طرابلس وهو الذهاب لانتخابات برلمانية ورئاسية تنهي أزمة الشرعية في ليبيا. وعندما وردت أسئلة حول أي قاعدة دستورية ستجرى هذه الانتخابات كان الرد بأن ستكون هناك وثيقة دستورية تنظم هذه الانتخابات، الجدير بالذكر أن اتفاق الصخيرات قد رهن حل الأجسام القائمة بكتابة الدستور والاستفتاء عليه وانتخابات جديدة، جاء ذلك في المادة 23 من نص الاتفاق حين يقول:

 (1- بدون الإخلال بالصلاحيات التشريعية لمجلس النواب، يقوم مجلس النواب ومجلس الدولة بتشكيل لجنة مشتركة بينهما، قبل شهرين من انتهاء عمل الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، مهمتها اقتراح مشروعي قانوني الاستفتاء والانتخابات العامة الضروريان لاستكمال المرحلة الانتقالية والتشريعات الأخرى ذات الصلة، وتقدم مشاريع القوانين لمجلس النواب لإقرارها. 

2 – يلتزم مجلس النواب ومجلس الدولة وحكومة الوفاق الوطني بتعزيز التعاون والتنسيق فيما بينهما لتوفير أجواء مناسبة لإجراء الاستفتاء على الدستور وإجراء الانتخابات العامة والتداول السلمي للسلطة). 

ورغم ما يفهم من هذه المادة أن مجلس النواب ومجلس الدولة هما المخولان بإجراء الانتخابات والاستفتاء على الدستور الذي بالفعل انتهي منذ أكثر من سنتين، فإن الخلل الجسيم الذي أصاب الاتفاق في تطبيقه سيجعل البحث عن حلول موسعة خارج إطار مجلس الدولة ومجلس النواب أمراً مبرراً، إذ إن الاتفاق لم يطبق إلا في وجود أجسام وسلطات جديدة إلا أن روح الاتفاق وأهدافه التي أقرتها ديباجته لم ير النور أبداً. 

هنا ترد مسألة قانونية وهي أن الاتفاق جعل حل النزاعات مرتبطاً بلجنة الحوار وهذا قد جعل الدائرة الدستورية الليبية خارج إطار الاتفاق، والاتفاق نفسه أقر على تجاوز المحكمة الدستورية مؤقتاً نظراً لأوضاع البلاد لمعرفة برناردينو ليون رئيس البعثة السابق أن المحكمة قد أبطلت انتخابات مجلس النواب من الأساس، لذا فإنه كيف يمكن للجنة الحوار وفقاً للاتفاق أن تؤدي دور حل النزاع وهي اللجنة التي لم تجتمع منذ الاتفاق وهي لا تملك أي صلاحيات قانونية، هكذا يبدو أن الذهاب للانتخابات لن يكون كتسلسل منطقي كما هو في المادة السابقة بل كوسيلة لإيجاد شرعية جديدة بعيدة عن الأطراف التي ينظر إليها كثيرون على أنها عائق أمام الحد الدائم في ليبيا. 

رأي آخر يطرحه بعض النشطاء وهو العودة للقواعد الدستورية في ليبيا سواء في دولة الاستقلال أو الإعلان الدستوري أو اتفاق الصخيرات أو الدستور الذي أعدته لجنة منتخبة لصياغة الدستور. ويمكن أن يفهم هذا الطرح على أنه بحث عن قواعد حاكمة للسلوك السياسي للفاعلين في المشهد الليبي. 

إذا عدنا لأدبيات النزاعات الدولية سنجد الحديث عن تلك القواعد الحاكمة هو الحل الوسط بين رفض نتائج الانتخابات أو استخدامها من بعض القوى للعودة للحرب بعد رفض نتائجها حين تنشأ شرعية جديدة واستخدام الانتخابات من الأطراف الدولية لإطالة أمد النزاع أو التحكم في المشهد من خلال تصميم النظم الانتخابية أو محاولة كل دولة إيصال حلفائها لسدة الحكم للسيطرة على صناعة القرار في البلد. وهذا من الناحية النظرية كما ذكرت هذه الأدبيات هو الأصوب لكن يظل توازن القوى واستمرار المطامع من القوى الخارجية والطموحات الشخصية لبعض السياسيين مانع أساسي من السير الصحيح في المرحلة الانتقالية. 

بطريقة ستظل إمكانية الانزلاق لحالة من الجمود أو النزاع السياسي مستمرة، لكن على كل حال عودة إنتاج النفط ليس بالحدث الهين في ليبيا فهو شريان الحياة الرئيسي وأن الانتقال من العسكري للسياسي أياً كانت الخيارات هو مرحلة جديدة في النزاع الليبي وأن خيار الوصول لمرحلة دائمة بأي وسيلة كانت هو الذي سيحول النزاع الليبي إلى فرصة حقيقة لتصميم نظام سياسي يعيد الأمن والاستقرار في ليبيا فعلى كل حال فإن “عَدَّ الرؤوس خير من قطعها”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى