ثقافة وادب

عاش حياة قصيرة مليئة بالبطولات وكرّمته إيطاليا بعد رحيله.. قصة “المحارب الأسود” الصومالي جورجيو مارينكولا

بعد مرور 75 عاماً على وفاته، تطلق إيطاليا اسم “جورجيو مارينكولا” على محطة مترو قيد البناء في العاصمة روما، وقد كان مارينكولا الإيطالي – الصومالي واحداً من رموز الثورة الإيطالية ضد الفاشية، وقد قُتل فيما يعرف باسم “المذبحة النازية الأخيرة”.

تعرَّفوا معنا على حياة  “المحارب الأسود” الذي كان يحلم بإتمام دراسة الطب والعودة يوماً إلى إفريقيا لعلاج المرضى، ثم اتجه نحو النضال المسلح دفاعاً عن مبادئه.

عاش المناضل الإيطالي ذو الأصول الصومالية جورجيو مارينكولا حياة قصيرة وُصفت بـ”البطولية”، إذ توفي عن عمر يناهز الـ22 عاماً وبدلاً من العودة إلى حياة الراحة والسكينة بعد أشهر في الأسر، صمم على الدفاع عن مبادئه حتى لفظ آخر أنفاسه مما خلد ذكراه إلى يومنا هذا.

عندما وُلد مارينكولا في عام 1923 كانت الأراضي الصومالية محتلة من قِبل إيطاليا، وكان يطلق عليها اسم أرض الصومال الإيطالية، وقد اعتاد كثيرون من المستعمرين الإيطاليين الزواج من نساء صوماليات، إلا أنهم قلما يعترفون بشرعية أطفالهم منهن، لكن والد مارينكولا الذي عمل لسنوات كضابط في الجيش الإيطالي كان مختلفاً.

فقد التقى الإيطالي جوسييه مارينكولا بالصومالية أشكيرو حسن في مدينة ماهاداي الواقعة على ضفاف نهر شبيلي شمال مقديشو، وتزوجها وأنجب منها طفلين هما جورجيو وإيزابيلا.

وكان جوسييه مؤمناً أن ولديه هما مواطنان إيطاليان فسافر بهما إلى مدينة بيتزو كالابرو في إيطاليا ليترعرعا هناك مع عائلته.

تمكَّن أبناء مارينكولا من تحقيق النجاح في إيطاليا، ففيما اختارت إيزابيلا مجال الفن والتمثيل، اتجه جورجيو إلى دراسة الطب في جامعة روما بنية العودة إلى إفريقيا لمساعدة الفقراء وعلاج المصابين بالأمراض المزمنة، وفقاً لما ورد في موقع Black Past.

وبالرغم من وقوف إيطاليا وزعيمها موسوليني إلى جانب هتلر إبان الحرب العالمية الثانية، فقد تبنَّى جورجيو مارينكولا أيديولوجية مناهضة للفاشية، وقرر الانضمام إلى قوات المقاومة في عام 1943 متأثراً بأفكار حزب العمل السري المناهض للفاشية (Partito d’Azion) الذي انتهج سياسة حرب العصابات العنيفة عام 1943 عندما أعلن النازيون إيطاليا منطقة حرب محتلة.

ومنذ ذلك الحين بدأ مارينكولا بالمشاركة في الغارات ضد الجيش الألماني في مقاطعتي روما وفيتربو، حتى ترقى إلى رتبة ملازم في الحزب.

بعد ذلك تلقَّى مارينكولا تدريباً من مديرية العمليات الخاصة، وهي وكالة بريطانية تدعم مجموعات المقاومة في الأراضي المحتلة من قِبَل ألمانيا.

وخلال هذا الوقت تعرَّف على السياسي والدبلوماسي المستقبلي إدجاردو سوجنو الذي أشار في مذكراته إلى مارينكولا باسم “المحارب الأسود”.

وقد تم اختياره مع مجموعة من رفاقه لتنفيذ مهمة في الأراضي التي تتواجد فيها القوات الألمانية، حيث هبط بالمظلة في مقاطعة بييلا للمساعدة في هجمات حرب العصابات على العدو وأصيب بجروح في ساقه.

وقد أثبت شجاعة منقطعة النظير عندما تم اعتقاله واحتجازه من قِبَل الألمان في يناير/كانون الثاني 1945، حيث حاولوا إجباره على قراءة نص ينتقص من حركة المقاومة في بث إذاعي، ولكن مارينكولا فعل العكس تماماً فقد تحداهم على الهواء قائلاً: “الوطن يعني الحرية والعدالة لشعوب العالم، ولهذا أحارب الظلم” لكن ما لبث أن انقطع البث بعد تعرُّض مارينكولا للضرب وهو لا يزال على الهواء.

لحُسن الحظ، بعد سجن مارينكولا لمدة ثلاثة أشهر في معسكر اعتقال بولزانو انسحبت قوات الأمن الخاصة النازية من المعسكر مخلّفة وراءها المساجين لينالوا حريتهم.

ولكن بدلاً من أن يلجأ مارينكولا باحثاً عن الأمان في دولة مجاورة مثل سويسرا، قام بالالتحاق بفصيل حزبي في وادي فييمي في مقاطعة شمال إيطاليا.

وفي إحدى المواجهات مع جنود ألمان منسحبين عند نقطة تفتيش في 4 مايو/أيار 1945، تم إطلاق النار على مارينكولا وقتل مع خمسة وعشرين من الثوار والمدنيين الآخرين فيما يُعرف باسم المذبحة النازية الأخيرة التي ارتكبها الألمان بحق المقاومين الإيطاليين.

ومن المفارقات أن وفاته جاءت بعد يومين فقط من استسلام ألمانيا النازية لقوات الحلفاء في برلين.

وتقديراً لبطولة مارينكولا وتضحياته حصل بعد وفاته على أعلى وسام عسكري لبلاده وهو الميدالية الذهبية لشجاعة (Medaglia d’Oro al Valor Militare) وذلك في عام 1953.

في البداية لم يكن من المقرر تسمية محطة المترو باسم المناضل جورجيو مارينكولا، بل كان من المقرر تسميتها باسم “أمبا أرادام إيبينو” في إشارة إلى الحملة الإيطالية في إثيوبيا عام 1936 عندما أطلقت القوات الفاشية بوحشية العنان للأسلحة الكيميائية وارتكبت جرائم حرب في معركة أمبا أرادام الشنيعة.

لكن في ظل الاحتجاجات المناهضة للعنصرية التي اجتاحت العالم بأجمعه ضد مقتل الأمريكي جورج فلويد، طالب نشطاء بتكريم اسم جورجيو مارينكولا الإيطالي ذي الأصول الصومالية.

كما أثارت تسمية المحطة باسم معركة قتل فيها العديد من الأفارقة الأبرياء سخط الشارع الإيطالي.

وأخيراً، صوَّت مجلس مدينة روما في أغسطس/آب 2020 على تسمية محطة المترو باسم جورجيو مارينكولا.

ووفقاً لما ورد في موقع BBC، فإن هذا التكريم قد يكون خطوة لإعادة تقييم الإيطاليين لماضيهم الاستعماري في القارة الإفريقية.

إذ إن النشطاء المناهضين للعنصرية يريدون أكثر بكثير من مجرد إعادة تسمية محطة مترو باسم مارينكولا، فهم يرغبون بتسليط الضوء على تاريخ إيطاليا الاستعماري، ويسعون إلى دفع السلطات في روما نحو نزع مظاهر الحقبة الاستعمارية من المدينة.

ونذكر من تلك المظاهر تمثال الصحفي الإيطالي المثير للجدل إندرو مونتانيلي، الذي دافع عن الاستعمار واعترف بالزواج من فتاة إريترية تبلغ من العمر 12 عاماً أثناء خدمته العسكرية في الثلاثينيات، والذي تم تشويهه من قِبَل نشطاء مناهضين للعنصرية خلال الاحتجاجات التي رفعت شعار Black Lives Matter “حياة السود مهمة”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى