ثقافة وادب

طرد واعتذار وانتقاد ثم دعم.. العلاقات الكويتية الفلسطينية دراما دبلوماسية بامتياز

بعد تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، تباينت مواقف الدول العربية بين مؤيد ورافض، أو من اكتفى بتصريحات خجولة من مسؤولين دون الرؤساء. فكيف سيؤثر تاريخ العلاقات الكويتية الفلسطينية الحافلة بـ”المطبات الدبلوماسية” على المضي قدماً بالتطبيع؟

وكانت الكويت إحدى الدول التي لم تدل بتصريح رسمي، إلا أن “مصادر حكومية” كويتية مطلعة، ذكرت لصحيفة محلية، أن موقف الكويت من التطبيع مع إسرائيل “ثابت، ولن يتغير”.

فما هو هذا الموقف، وهل طوت الكويت فعلاً صفحة الشرخ الذي تسبب به دعم ياسر عرفات لغزو صدام حسين للكويت؟

المصادر الحكومية المجهولة التي تحدثت لصحيفة القبس أكدت على نهج سياسة الكويت الخارجية على مدى عقود في دعم القضية الفلسطينية ومساندتها، باعتبارها “قضية العرب الأولى”، والقبول فقط، في حلّها، بما يقبل به الفلسطينيون. 

وقالت إن “الكويت على موقفها وستكون آخر دولة تطبِّع مع إسرائيل”.

وبالفعل، ظهر موقف الكويت الداعم للشعب الفلسطيني، والرافض للتطبيع بشكل كبير خلال الأيام القليلة التي تلت إعلان اتفاقية السلام بين الإمارات وإسرائيل برلمانياَ وشعبياً على الشكل التالي:

في 14 أغسطس 2020

أصدرت 7 قوى وتكتلات سياسية كويتية رفضها القاطع للتطبيع، في بيان مشترك.

في 16 أغسطس 2020

أعلنت 16 جمعية ورابطة كويتية رفضها التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.

في 18 أغسطس 

وقع 41 نائباً -من أصل 50- في مجلس الأمة الكويتي، على بيان أكدوا فيه أن الكويتين بجميع أطيافهم لن يقبلوا أي تراجع عن التزام حكومة بلادهم بقضية العرب والمسلمين الأولى.

أما شعبياً، فتم إطلاق وسم #كويتيون_ضد_التطبيع على مواقع التواصل الاجتماعي.

كما نظم مواطنون كويتيون وقفة احتجاجية أمام السفارة الفلسطينية، مساء 18 أغسطس/آب، للتأكيد على تضامن الكويتيين مع الشعب الفلسطيني.

بعد إعلان خطة “صفقة القرن” الأمريكية في مطلع العام الحالي، أبقت الكويت على خطابها التأييدي للقضية الفلسطينية في المنصات الدبلوماسية، إذ أعلن مجلس الأمة (البرلمان) الكويتي، رفضه القاطع للصفقة.

وفي أثناء المؤتمر الطارئ للاتحاد البرلماني العربي المنعقد في العاصمة الأردنية عمان، في 8 فبراير/شباط من العام 2020، أمسك رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم، نسخة من “صفقة القرن” المزعومة، وألقاها في سلة النفايات.

كما قاطعت الكويت سابقاً مؤتمر ريادة الأعمال الدولي في البحرين، في 18 أبريل/نيسان من العام ذاته، على خلفية مشاركة وفد إسرائيلي.

إلا أن الكويت حضرت مؤتمر “وارسو” للسلام في الشرق الأوسط، الذي عقد عام 2019 في العاصمة البولندية يومي 13 و14 فبراير/شباط، بهدف التصدي لنفوذ إيران في المنطقة، والذي جمع دولاً عربية من ضمنها الكويت وإسرائيل.

وفي مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي الذي عُقد في روسيا عام 2018، هاجم الغانم  رئيس وفد “إسرائيل” قائلاً له: “اخرجوا من القاعة إن كانت لديكم ذرة كرامة، يا محتلون يا قتلة الأطفال”، على الملأ.

كما استثمرت الكويت مقعدها في الأمم المتحدة، حيث تقدم مندوبها لدى مجلس الأمن، منصور العتيبي، في مايو/أيار 2018، بمشروع لحماية المدنيين الفلسطينيين بقطاع غزة والضفة الغربية.

لن نخون ولو خانت كل العرب ???#التطبيع_خيانة #كويتيون_ضد_التطبيع pic.twitter.com/0XxAaW4WeX

وفي عام 2014، أعلنت الحكومة الكويتية أنها ستقاطع 50 شركة بسبب دورها في المستوطنات الإسرائيلية، في خطوة رحّب بها نشطاء لحركة المقاطعة BDS.

جدير بالذكر أن طبيعة العلاقات بين الكويت وفلسطين ليست وليدة اللحظة، وإنما لها خلفية تاريخية كبيرة جمعت بين الشعبين، بدأت منذ ثلاثينيات القرن الماضي وتحديداً في عام 1936.

وقتها، قدّم فريق تربوي فلسطيني إلى الكويت، بطلبٍ من الشّيخ أحمد الجابر الصباح، أمير الكويت العاشر، توجه به إلى الحاج أمين الحسيني، المفتي العام للقدس، لإدخال التعليم الحديث إلى الكويت، وكانت الكويت وفلسطين تحت الاستعمار البريطاني في تلك الفترة.

وقد تألف الفريق في حينه من مُدرّسين فلسطينيين هم: أحمد شهاب الدين، وجابر حديد، وخميس نجم، ومحمد المغربي، وتم الاتفاق بين الصباح والحسيني أن تكون رواتبهم تصرف مناصفة من الحكومة الكويتية والمجلس الإسلامي الفلسطيني الأعلى.

وبالفعل، ساهمت هذه البعثة التدريسية في تطوير التعليم في الكويت مساهمة مؤثرة، واستقرت بعض الأسر الفلسطينية هناك في ذلك الوقت.

ولكن بعد نكبة عام 1948، بدأت هجرة اللاجئين الفلسطينيين من دول الجوار إلى الكويت، التي كانت لا تزال تحت حكم الاستعمار البريطانيّ.

وبحسب الكاتب والمحلل الكويتي من أصل فلسطيني، شفيق ناظم الغبرا، في كتابه “النكبة ونشوء الشتات الفلسطيني في الكويت“، فقد قدر عددهم حتى العام 1948 بالمئات من حملة الشّهادات، والمديرين والموظفين. 

ووفقاً للكتاب، فقد طوّر هؤلاء فيما بينهم “عائلةً كبيرةً واحدةً”، وعملوا جاهدين على تأمين فرص عملٍ لأقربائهم ومعارفهم المهجّرين بواسطة سلطة العلاقات الشخصيّة.

وتبعاً لذلك، دخلت الكويت الدفعة الثانية من المُدرسين الفلسطينيين، بمساعدة رئيس مجلس التعليم (المعارف) في الكويت عبدالله الجابر الصباح، وشخصياتٍ كويتية أخرى متضامنة مع اللاجئين.

وقد ساهم اللاجئون الفلسطينيون في تشكيل الهيكل الذي اعتمدت عليه قطاعات النفط والتصنيع الكويتية، وكذلك في مجال التعليم والصحافة والإعلام، كما أنه لم تنحصر مشاركتهم في الكويت على القطاعات المدنية، فقد تسلم الفلسطينيون أيضاً مناصب ومهام في الجيش والشرطة الكويتية.

استمر التدفق الفلسطيني إلى الكويت في الخمسينيات والستينيات عقب نكسة 1967، حتى وصل عدد الجالية الفلسطينية في الكويت حتى عام 1991 حوالي 400 ألف نسمة، من مجموع سكان البلاد الذي كان حينها مليوني نسمة.

في تلك الفترة، كانت العلاقات بين الجالية الفلسطينية والمجتمع الكويتي في أحسن أوضاعها، بل شهدت الكويت المحطة الأولى لإقامة وتأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”، بين عامي 1957 و1958، بعد وصول ياسر عرفات إلى الكويت من مصر، حيث التقى برفيقه خليل الوزير، بحسب كتاب “خلف الأسطورة” للمؤلفين الإنجليزيين أندرو جورز وتوني والكر.

وكانت الكويت أول دولة التزمت بقرارات القمة العربية عام 1964، حيث سمحت للفلسطينيين بإجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني وفتح مكتب للمنظمة في الكويت، وكذلك السماح بإقامة مدارس خاصة بالطلبة الفلسطينيين في نهاية الستينيات، وكذلك دعم تأسيس الاتحاد العام لعمال فلسطين بحسب دراسة “العلاقات الكويتية الفلسطينية 1961-1987” للمؤلف الفلسطيني جهاد البطش.

ويقول البطش إن الكويت “كانت من أوائل الدول العربية التي وافقت على إقامة معسكرات لتدريب الفلسطينين على أرضها، وفتح أبواب معسكرات المتطوعين والمجندين، حيث خصصت أسبوعاً للفلسطينيين، قامت من خلاله وبشكل رسمي بجمع أموال وتبرعات لصالح الصندوق القومي الفلسطيني، وذلك بمجرد انتهاء المؤتمر الفلسطيني الأول 1964”.

وعلى الرغم من أن الكويت لم تدخل في حرب رسمياً مع إسرائيل، إلا أنها دستورياً تُعد في حالة حرب معها.

وهذه الحالة العدائية نابعة من مرسوم أميري صدر في 26 مايو/أيار 1957 الخاص بمقاطعة البضائع الإسرائيلية، ثم تلاه القانون رقم 21 لسنة 1964 في شأن القانون الموحد لمقاطعة إسرائيل. 

وفي 5 يونيو/تموز 1967، صدر مرسوم أميري وقع عليه آنذاك أمير الكويت الحالي الشيخ صباح الأحمد الذي كان يتولى منصب وزير الخارجية، بإعلان قيام الحرب الدفاعية بين دولة الكويت والعصابات الصهيونية بفلسطين المحتلة؛ علماً أن هذا المرسوم ما زال قائماً حتى يومنا هذا. 

ولكن فترة السبعينيات شهدت توتراً في الساحة الكويتية تجاه القضية الفلسطينية، خصوصاً بعد حرب عام 1973، واندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، التي يُشار إلى تورّط الفلسطينيين فيها.

نشأت بعض المخاوف لدى المجتمع الكويتي، نتيجة تولّد شعور بأن القضية الفلسطينية لن تنتهي بعودة الفلسطينيين إلى بلادهم، وأصبح هناك تخوف من توطينهم.

كما دخلت الكويت في منعطف حاد بعد حلّ مجلس الأمة الكويتي عام 1986، بسبب بعض الأزمات التي تعرّضت لها البلاد، الأمر الذي أسهم في زيادة التحسس الرسمي من وجود جاليات غير كويتية في البلاد.

وبدأت بعض الإجراءات التي استهدفت الفلسطينيين ووافدين آخرين مثل تقليل فرص دخولهم في المدارس والجامعات؛ بل ظهرت قوانين لتقليل عدد حاملي رخص قيادة السيارات من الوافدين، وقانون يفقد الأبناء إقامتهم في الكويت بمجرد وصولهم سن الـ18. 

في المقابل استمر الدعم المالي للداخل الفلسطيني، إذ خلال الفترة ما بين 1973-1987، زادت قيمة التحويلات المالية من دول الخليج للضفة الغربية وقطاع غزة إلى 250 مليون دولار سنوياً، جاء 70% منها من الكويت.

دخلت العلاقات الكويتية الفلسطينية في مرحلة أخرى، بعد قيام حرب الخليج الثانية عام 1990، إثر غزو الرئيس العراقي السابق صدام حسين للكويت؛ انقسم المجتمع الفلسطيني هنالك ما بين مؤيد ومعارض.

ولكن وقوف منظمة التحرير الفلسطينية إلى جانب صدام حسين الذي كان يدعم القضية الفلسطينية، ضرب جذور العلاقة مع الكويت، بعد أن وصفت فلسطين الهجمات على العراق بأنها “خطر غاشم” و”عدوان يستوجب التصدي”.

كما زار ياسر عرفات بغداد أثناء الحرب، مؤكداً “موقف الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير الحازم إلى جانب العراق”.

وبحسب الغبرا، فقد دخل حوالي 200 من فلسطينيي المنظمات العربية البعثية إلى الكويت ليشاركوا الشرطة العراقية في عملياتها ضد الكويتيdن، ما أدى إلى تدهور العلاقات.

وبسبب ذلك، غادر نحو 200 ألف فلسطيني الكويت لأسباب مختلفة؛ وبسبب مساندة عرفات لموقف صدام، شهد منتصف مارس/آذار 1991، بعد تحرير الكويت من الجيش العراقي، رحيل باقي الفلسطينيين بشكل شبه كامل (200 ألف شخص).

بعد غزو أمريكا للعراص وسقوط نظام صدام حسين العام 2003، أي بعد أكثر من 10 سنوات على التباعد بين البلدين، بدأت العلاقات الكويتية الفلسطينية تتحسن مع تغيّر القيادات في فلسطين، واعتلاء محمود عباس رئاسة السلطة الفلسطينية.

قدّم عباس اعتذاراً رسمياً باسم منظمة التحرير الفلسطينية للكويت وشعبها سنة 2004، عن موقف المنظمة تجاه الغزو العراقي للكويت عام 1990، عقب وصوله إلى مطار الكويت، وواصلت الكويت تقديم الدعم المادي والسياسي للقضية الفلسطينية.

وفي سبتمبر/أيلول 2014، وقّع الجانبان الفلسطيني والكويتي اتفاقية لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وتعزيز المشاورات السياسية، كانا بمثابة العودة الحقيقية على الصعيد الرسمي، فيما تحسنت العلاقات بينهما بشكل مميز، حين هاجم رئيس مجلس الأمة الكويتي، مرزوق الغانم، وفد الاحتلال، خلال المؤتمر الـ137 للاتحاد البرلماني الدولي، الذي انعقد في أكتوبر/تشرين الأول عام 2017، بمدينة سانت بطرسبورغ الروسية.

استمر تحسن العلاقات، إذ عادت الساحة الكويتية تشكل قاعدة تمد الشعب الفلسطيني بالمال والدعم السياسي، كما بدأ الفلسطينيون بالعودة إلى الكويت من العام 2012، وحالياً يبلغ عددهم 80 ألف شخص، ما استدعى إعادة فتح السفارة الفلسطينية، بعد نحو ربع قرن من الانقطاع.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى