ثقافة وادب

“فيلق بلاد العرب الحرة”.. عندما حاول العرب التخلُّص من الاحتلال البريطاني بالتحالف مع الألمان

تبدأ الحكاية بقصةٍ نعرفها جميعاً: الاستعمار البريطاني ووعد بلفور بإقامة وطنٍ قوميٍّ لليهود على أراضي فلسطين العربية الإسلامية. سيطر الاستعماران البريطاني والفرنسي على العالم العربي وقطّعاه أشلاء خلال القرنين الثامن والتاسع عشر، وأمام هذا الاستعمار المُدمِّر والتحكُّم في مصير الأمم العربية، حاول بعض العرب الاستعانة بالألمان في حربهم ضدّ الاستعمارين الفرنسي والبريطاني، وحاولوا تأسيس فيلق بلاد العرب الحرة خلال الحرب العالمية الثانية للتخلُّص من الاستعمار البريطاني واليهود في فلسطين.

بعدما صدر وعد بلفور البريطاني لليهود بإنشاء وطن قومي لليهود عام 1917، بدأت عمليات النضال والكفاح الفلسطيني ضدّ هذا التأسيس وضدّ الاحتلال أيضاً. وبرز شخصٌ هو الأبرز في عمليات الكفاح والنضال ضد تلك المساعي. هو الشيخ أمين الحسيني مفتي القدس.

ينحدر الشيخ أمين الحسيني من عائلةٍ عريقة في فلسطين هي عائلة الحسيني، وقد درج العُرف على توليهم منصف المفتي العام للقدس. وقد تولّى والده الافتاء طيلة 40 عاماً، ثمّ تولاها من بعده ابنه كامل الحسيني، وعندما توفي كامل تولّى الشيخ أمين مكانه عام 1921.

كان الشيخ أمين قد بدأ نضاله ضد الاحتلال البريطاني وضد الاستيطان الإسرائيلي اليهودي في القدس مبكراً. ففي أبريل/نيسان عام 1920 كانت إحدى المسيرات الدينية الفلسطينية التي تتوجّه إلى مقبرةٍ في أريحا يشاع أن النبي موسى دفن هناك، حولها الشاب أمين (كان حينها 23 عاماً) ورفاقه إلى مظاهرةٍ ضدّ الاستعمار البريطاني.

رفع أمين الحسيني صورة الملك فيصل الأول حاكم سوريا، وصاح في الناس أنّ هذا هو ملككم العربيّ وليس المستعمر الإنجليزي. كانت حصيلة تلك الاحتجاجات قتل 9 وجرح 200 من المسلمين واليهود.

وسيرسم هذا الموقف النضاليّ حياة الشيخ أمين الحسيني طوال حياته. اعتقل الحسيني بعد هذه الأحداث واقتيد إلى سوريا وحكمت عليه محكمةٌ عسكريةٌ بريطانية بالسجن 10 سنوات. إلا أنه صدر عفوٌ عنه بعدما وعد البريطانيين بعدم العودة للتمرد مرة أخرى، لكنّ هذا الموقف كان تكتيكياً فقط، فقد قامت أحداث أخرى بين عامي 1923 و1929 بين المسلمين والعرب من ناحية والاستعمار البريطاني والمستوطنين اليهود من ناحيةٍ أخرى، وكانت أصابع الاتهام البريطانية تشير أيضاً للمفتي أمين الحسيني.

يقول عنه السير تشارلز تارجت الذي كان مستشار المندوب السامي عنه: الحاج أمين الحسيني رجل ذو شخصية ساحرة جداً. لكن مع الوقت أدرك البريطانيون أن الحسيني لم يكن على استعداد لتقديم أي تنازلات، حتى إن الفلسطينيين الذين كانوا لا يعارضون التعاون مع اليهود تم تصفيتهم من قبل أتباعه.

وفي عام 1936 عندما اندلعت ثورة فلسطين الكبرى كان القائد الروحي لهذه الثورة هو الشيخ أمين الحسيني، وقد اعتقله الاستعمار البريطاني ولم يطلقوا سراحه إلا بعدما اكتمل اندلاع الثورة لتخفيف الأوضاع.

وفي عام 1937 اضطر الحسيني للهرب لتجنُّب الاعتقال، ومن منفاه في لبنان أكمل نضاله وكفاحه ضد الاستعمار والاستيطان اليهودي الإسرائيلي. ثمّ سافر مرة أخرى إلى العراق، وبعدما غزت بريطانيا العراق التجأ الشيخ أمين الحسيني إلى السفارة اليابانية في إيران، ومنها وصل إلى إيطاليا من خلال تركيا.

يمكن لنا بسهولة الآن أن نعرف كيف تكوّن فيلق بلاد العرب الحرة، وكيف انحاز جزءٌ كبير من العرب بل والمستعمَرين حينها مثل شاه إيران إلى ألمانيا في حربها ضد بريطانيا وفرنسا المستعمِرَتَين.

قبل هرب الشيخ أمين الحسيني إلى روما كان قد أرسل رسالة إلى هتلر يخبره فيها استعداده للتحالف معه نظراً لوجود عدوٍ مشترك هو بريطانيا وتأسيس وطن قومي لليهود.

لكنّه اشترط اعتراف دول المحور بالاستقلال التام للأقطار العربية المستقلة أو التي لا زالت تحت الانتداب. بل وأن تعلن دول المحور أنه ليست لديها مطامع استعمارية في مصر والسودان، وكذلك بالطبع عدم الاعتراف بأي وطنٍ قوميٍّ لليهود.

قابل الحسيني موسوليني في روما عام 1941، ومنها زار ألمانيا وقابل زعيمها هتلر لمدة ساعة و35 دقيقة، حسب ما دوّن هو لاحقاً في مذكراته.

وبدأت ألمانيا تتعامل مع الشيخ الحسيني باعتباره واجهةً للعرب في ألمانيا، واستغل وزير الدعاية الألمانية جوبلز صورة الشيخ أمين وهو يتفقَّد الجيوش الألمانية لإرسال رسائل للعرب والمسلمين بأنّ ألمانيا ليست معاديةً لهم، ويبدو أنه أراد إرسال رسالة إعلامية للعرب الذين تحت الاحتلالين الفرنسي والبريطاني أن يدعموا ألمانيا ضد الاستعمار.

خلال إقامة الحسيني في ألمانيا دعا المتطوعين، والأسرى العرب لدى الألمان لتأسيس “فيلق بلاد العرب الحرة”. ويبدو أن هذا الفيلق البسيط التدريب تدخّل -تحت قيادة ألمانية- في العراق ودعم السياسي العراقي المناهض للإنجليز رشيد عالي الكيلاني، الذي أصبح رئيساً لوزراء العراق.

شكّل الكيلاني والحسيني رأسي حربة الداعمين للألمان ودول المحور في حربهم ضد الحلفاء (المستعمر البريطاني والفرنسي)، بل إن الكيلاني أسس راديو اسمه “إذاعة برلين العربية”، وكان دائم الخُطَب والتحرُّكات ليشجع العرب على تأييد ألمانيا ومواجهة بريطانيا وفرنسا.

ولا يبدو أن فيلق بلاد العرب الحرة كان ذا تأثيرٍ كبير، فقد غزت بريطانيا العراق لاحقاً، وأصبح مقر الفيلق سوريا، ثمّ يبدو أنه انتقل إلى تونس ولم يكن له أثرٌ كبير أيضاً وسط هذا الموج المتلاطم من الفيالق والجيوش الضخمة المدربة تدريباً عسكرياً متفوقاً.

في النهاية خسر الألمان الحرب، وهرب الشيخ أمين الحسيني إلى سويسرا باعتبارها دولة محايدة، لكن الفرنسيين ألقوا القبض عليه، لكنّه هرب واستقرّ في القاهرة فترة من الزمن، ثمّ توفي في بيروت عام 1974.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى