تقارير وملفات إضافية

إيران، السعودية، أمريكا تصارعت على لبنان ولكنها اليوم تريد إنقاذه.. إلا دولة واحدة تطرح شرطاً مستحيلاً

قد لا تتفق الولايات المتحدة وإيران على شيء قدر اتفاقهما على ضرورة تجنيب لبنان الانهيار.. إذ إن أغلب القوى الدولية والإقليمية تريد تجنب تدهور أوضاع لبنان.

لماذا تتفق هذه القوى على حماية هذا البلد الصغير المثقل بالديون الذي لا يكاد يظهر على الخريطة.

فحتى في حرب 2006 التي تسبب بها هجوم حزب الله حليف إيران على إسرائيل، عملت الولايات المتحدة على أن يقتصر العدوان الإسرائيلي على مناطق الشيعة والبنية الأساسية التي تخدم قوات الحزب وحالت دون امتداد آلة الحرب الإسرائيلية لمناطق الطوائف الأخرى، حسبما قال مصدر لبناني مطلع لـ»عربي بوست».

وعملت فرنسا والدول العربية المنافسة لإيران آنذاك على فرض وقف إطلاق نار ثم سارعت الدول الخليجية في مقدمتها السعودية لإعمار ما خربته، ما وصفته هي ذاتها بمغامرة ميليشيات حزب الله .

فإيران والسعودية وأمريكا وفرنسا كل منها لديها ما تخشى عليه في لبنان .

بدأت هذه الحالة مع فرنسا، فمع صعود الطائفة المارونية في لبنان خلال العهد العثماني على حساب الدروز شملت باريس العلمانية هذه الطائفة الكاثوليكية برعايتها، معتبرة إن هذه الطائفة هي امتدادها بالشرق بثقافة نخبتها الفرنسية ومذهبها الكاثوليكي.

وظهر هذا الدور الفرنسي واضحاً في تأمين وضع مميز لهذه الطائفة في النظام السياسي اللبناني الذي شيد في منتصف القرن التاسع عشر فيما عرف بنظام المتصرفية تحت حكم الدولة العثمانية وصولاً لمنحهم هيمنة شبه كاملة على النظام السياسي اللبناني بعد احتلال الفرنسيين للبنان بعد الحرب العالمية الأولى.

وفي غضون ذلك حاولت روسيا الأرثوذكسية بشكل أقل نجاحاً فرض نفوذ مشابه على الطائفة الأرثوذكسية.

ومع استقلال لبنان تطلع المسلمون لاسيما السنة والدروز أيضاً لدور مصري مشابه في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر.

وتحقق الدور المصري لفترة، ولكن النخب السنية اللبنانية تطلعت لدور سعودي بدا مدعوماً بالبترودولار كما أنه بدا مناسباً أكثر للطبيعة التجارية للرأسمالية السنية وهو الدور الذي سيصل لذروته في عهد رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، في وقت تراجع فيه دور مصر بعد هزيمة يونيو 1967 ليختفي تماماً بعد رحيل جمال عبدالناصر، وإن لم يختف دورها الثقافي والرمزي.

أما الشيعة فقد تأخر ظهور راعيهم الإيراني حيث كان الشيعة أكثر الطوائف فقراً وتهميشاً، كما أن صعودهم بدأ مرتبطاً بالتوجه العروبي اليساري وكانت علاقتهم قوية في البداية مع المنظمات الفلسطينية التي جذبتهم بخطابها المقاوم العروبي اليساري.

ولكن أصبحت سوريا بعد تحولها لحكم طائفي علوي راعية تدريجية للشيعة عبر حركة أمل قبل أن تدخل بقواتها فارضة نفوذها القوة على لبنان.

تأخر النفوذ الإيراني الذي بدأ على استحياء في عهد شاه إيران ثم توسع بشكل مطرد في عهد الثورة الإسلامية.

تصارعت قوى مختلفة على النفوذ خلال الحرب الأهلية التي سرقت من عمر لبنان 15 عاماً بدأت في عام 1975 وانتهت باتفاق الطائف في مطلع التسعينيات الذي فرض معادلة جديدة هي معادلة «س س» أي سوريا السعودية.

وبموجب هذا الاتفاق الذي كان عرابه رفيق الحريري اقتسمت السعودية وسوريا النفوذ على لبنان عبر الطائفتين السنية والشيعية مع تهميش الموارنة نسبياً.

إذ أصبح للسنة الهيمنة على المنصب التنفيذي الأهم هو رئاسة الوزراء بعد تقليل سلطات رئيس الجمهورية الماروني.

وبموجب هذه المعادلة قاد الحريري العملية الاقتصادية التي نالت الأطراف الأخرى نصيباً معتبراً منها بما فيهم رجال الأعمال الشيعة والمسيحيين.

في المقابل هيمنت سوريا على النظام الأمني والجيش برمته ونزعت أسلحة كل الميليشيات إلا الشيعية بحجة أنها تمثل المقاومة.

لتصبح المقاومة وما يترتب عليها من حمل سلاح مقتصراً على الشيعة.

من هنا جاء النفوذ الإيراني الذي ترسخ تدريجياً عبر التحالف مع سوريا واستغلال عباءة المقاومة.

فتركت دمشق العلوية حزب الله حليف حليفتها إيران يكدس السلاح ويقاوم إسرائيل بينما رفيق الحريري يوفر الغطاء الدبلوماسي لمقاومة حزب الله استناداً لتحالفه مع السعودية وكذلك علاقاته الدولية لاسيما مع فرنسا التي أصبح الحريري صديقها المفضل في لبنان وليس أي زعيم مسيحي آخر كما جرت العادة.

وأسفرت هذه المعادلة عن تعمير لبنان بأموال الخليج وبصورة أقل الغرب بينما تحررت البلاد بالسلاح الإيراني بعد خروج إسرائيل من كافة الأراضي اللبنانية باستثناء مزارع شبعا.

ولكن هذه المعادلة اختلت بعد خلاف الحريري الأب مع بشار الأسد حول تجديد ولاية الرئيس إميل لحود حليف دمشق المسيحي ووصلت الأزمة لذروتها باغتيال الحريري واندلاع ثورة الأرز الأمر الذي أدى لخروج القوات السورية من لبنان .

 هنا بدا أن النفوذ السوري والهيمنة الشيعية مرشحة للتقلص، خاصة مع عودة القيادات المسيحية للساحة بعد الخروج السوري خاصة وأنها بدت أقرب في المواقف السياسية والطبيعية الاجتماعية للسنة من الشيعة.

  ولكن حدث العكس، فخلال سنوات النفوذ السوري راكم حزب الله القوة العسكرية، كما راكم الشعبية في أوساط الشيعة عبر مساعداته الاجتماعية الممولة إيرانياً والتي تقدم بطريقة أكثر كفاءة بعيداً عن بيروقراطية الدولة وفساد النخب.

 كما راكم الحزب للنفوذ لدى القوى السنية والدرزية والمسيحية التي كانت موالية لسوريا بل إنه نجح في التحالف مع العماد ميشال عون الذي يعد الزعيم المسيحي الأكثر شعبية والأشد عداء لسوريا الأسد التي طردته قواتها من قصر الرئاسة الذين كان قد استولى عليه في نهاية الحرب الأهلية.

وأصبحت إيران بديلاً لسوريا راعية للطائفة الشيعية عبر قوة حزب الله التي ظهرت قدراتها المدمرة في الداخل خلال اقتحام بيروت فيما عرف بإحداث 7 أيار/شباط 2008.

أدى خروج الحزب منتصراً من حرب 2006 إضافة لإظهاره الاستعداد لاستخدام سلاحه في الأزمات الداخلية واتساع تحالفاته إلى هيمنته الفعلية على القرار اللبناني الداخلي عبر منع تشكيل أي حكومة لا يوافق عليها وهو النفوذ الذي  وصل ذروته بإيصال حليفه المسيحي ميشال عون للرئاسة.

ولكن ظلت هناك جانب من المعادلة السابقة قائماً وهو أن اقتصاد لبنان قائم على الدعم الدولي وبالأكثر الخليجي مع انفتاح لافت للبلاد الخاضعة فعلياً لولاية الفقيه على المجتمع الدولي خاصة في الجوانب المالية والثقافية.

وظلت السعودية ودول الخليج والمجتمع الدولي تدعم لبنان رغم تعزز النفوذ الإيراني.

إلى أن جاء الملك سلمان للسلطة في السعودية وعين نجله الأمير محمد ولياً للعهد والذي جاء لمقاربة تقوم على العداء الصريح لإيران والتصدي لنفوذها، فألغت المملكة هبة تعهد بها الملك السابق عبدالله بقيمة 3 مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني من فرنسا.

بل وصل الأمر بالأمير محمد إلى احتجاز حليف المملكة الأول في لبنان رئيس الوزراء سعد الحريري، مخيراً لبنان بين السعودية وحزب الله.

وهو خيار ليس بيد اللبنانيين الذين لا يستطيعون نزع سلاح حزب الله الذي لم تستطع إسرائيل أقوى دولة بالشرق الأوسط هزيمته.

ولكن رغم الهيمنة الإيرانية الواضحة على النظام السياسي اللبناني فإن لبنان مازال مهماً للقوى الأخرى ومازال لديها في لبنان ما تخشى عليه ولذا فإن هؤلاء الخصوم الذين يتواجهون في ساحات النفوذ والمعارك في المنطقة يرفقون بلبنان ويراعون طبيعته الخاصة.

وإليك الأسباب التي تجعل القوى الإقليمية والدولية تحاول حماية لبنان من السقوط.

يعتبر الاستثمار الإيراني في لبنان عبر حزب الله الاستثمار الأقدم في المنطقة والأنجح والأقل تكلفة.

فإيران لم تقدم أي مساعدات مباشرة للدولة اللبنانية واكتفت بتقديم مساعدات قليلة مقارنة بما دفعته السعودية وهي تصل حصراً تقريباً عبر حزب الله ويعتقد أنها لم تزد في ذروتها عن 700 مليون دولار سنوياً.

في المقابل نالت طهران هيمنة شبه كاملة على درة الشرق الأوسط، البلد الذي يحتل موقعاً استراتيجياً ولديه أفضل تعليم ونظام مصرفي في المنطقة، مما يجعله واجهة النفوذ الإيراني على العالم.

وحزب الله هو درة التاج الإيراني والنموذج الذي يراد تكراره في باقي البلدان العربية التي يتواجد فيها الشيعة.

فهو الحزب الذي يظهر بمظهر المقاوم المترفع عن المناصب والأموال والذي يقدم نفسه على أنه بعيد عن الفساد والهدر الذي يميز النخب السياسية اللبنانية التي أودت بالبلاد لكارثة.

والحزب لم يثبت فقط كفاءته في مواجهة إسرائيل بل أيضاً في هزيمة الثورة السورية وداعش وأصبح بمثابة أداة لتوطيد النفوذ الإيراني عبر التدريب وتقديم النموذج للميليشيات الشيعية الأخرى في المنطقة خاصة إن صورته مختلفة في محيطه عن الصورة الفوضوية للحوثيين والحشد الشعبي المتهمين بممارسة انتهاكات ضد السنة وحتى ضد المحيط الشيعي مثلما حدث من هجمات منسوبة للحشد الشعبي ضد الاحتجاجات العراقية مؤخراً.

مشكلة إيران أنه بقدر تزايد هيمنتها على لبنان بقدر ما إن قدراتها محدودة أو معدومة لدعمه مالياً وحتى دبلوماسياً في مواجهة الأزمات الاقتصادية أو أي عقوبات أمريكية.

كما أن سلاحها الذي يحمله حزب الله لا يكفي وحده لحماية لبنان من أي اعتداء إسرائيلي دون ضغط دولي يوقف مثل هذا العدوان المحتمل.

وفي الوقت ذاته فإن طهران لن تسمح بإنهاء نفوذ حزب الله أو تقليصه إذا كان هذا شرطاً لأي محاولة دولية أو عربية لإنقاذ لبنان اقتصادياً.

 تراجع نفوذ فرنسا في لبنان منذ أن بلغ ذروته بعد الحرب العالمية الأولى عندما كان لبنان مستعمرتها المفضلة والموارنة هم طائفتها المدللة في الشرق حتى أن الموارنة كانوا يسمون فرنسا الأم الحنون ويدعون لأنفسهم نسباً فرنسياً يعود للأسرة الكارولنجية التي حكمت باريس في العصور الوسطى متبرئين من نسبهم العربي القح الذي يعود لعهود ما قبل الإسلام والذي أثبته المفكر اللبناني المسيحي كمال صليبا في كتابه الشهير «بيت بمنازل كثيرة».

ولكن مازال لفرنسا ما تريد حمايته في لبنان الخاضع للنفوذ الإيراني.

مازالت باريس ترى في لبنان المصبوغ بصغبة فرنسية عبر مؤسساته التعليمية وتقاليده الاجتماعية نموذجاً فرانكفونياً تود له الاستمرار.

ومازالت الطائفة المارونية تلعب دوراً كبيراً يتزايد مؤخراً في الحياة السياسية اللبنانية، ودوراً أكبر في الحياة الثقافية والاقتصادية لهذا البلد العربي الصغير.

وتزايد الاهتمام الفرنسي بلبنان مع تعزز علاقتها بآل الحريري زعماء الطائفة السنية وهي العلاقات التي بلغت ذروتها في عهد رفيق الحريري والرئيس الديجولي الراحل جاك شيراك.

كما أن فرنسا كدولة أوروبية لديها ما تخشاه من انهيار لبنان، إذ قد يؤدي ذلك إلى دفع عدد كبير من اللاجئين السوريين إلى التوجه إلى أوروبا.

إذ لا يزال لبنان البلد الذي يستضيف العدد الأكبر من اللاجئين قياساً إلى عدد سكانه. 

ويوجد فيه ما يزيد على 950 ألف لاجئ سوري مسجل في سجلات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في حين أن تقديرات الحكومة اللبنانية لمجموع السوريين النازحين تبلغ 1.5 مليون شخص.

ويحاول بعض هؤلاء اللاجئين الآن بالفعل، الانتقال إلى تركيا. 

ولا ينبغي للاتحاد الأوروبي والسفارات الأوروبية الكبرى، التي تستحضر حالة الطوارئ التي مرت بها الدول الأوروبية إثر التزايد الكبير في أعداد اللاجئين، ألا يقللوا من شأن ذلك، بل عليهم إعداد خطط طوارئ في أسرع وقت لمنع تكرر هذه الأزمة مرة أخرى، حسبما يقول ماركو كارنيلوس، الدبلوماسي الإيطالي السابق.

ويضيف كارنيلوس في مقالة منشورة بموقع Middle East Eye البريطاني، إن الطريقة الوحيدة لفعل ذلك، هي ضمان وجود «حكومة فعالة» في لبنان، وإنقاذ البلاد من الأوضاع الاقتصادية الكارثية التي تثير سخط سكانها.

ومن ثمَّ، فإن الديناميات السياسية التي أصابها الشلل على مدى الأعوام الخمسة عشر الماضية، لم تعد قابلة للاستمرار. علاوة على ذلك، فإن لبنان لم يعد يحتمل أن يكون الساحة حيث تسوّي الولايات المتحدة وإيران والسعودية ووكلاؤهم، خصوماتهم.

وظهر الاهتمام الفرنسي بلبنان جلياً مؤخراً في تحرك الرئيس إيمانويل ماكرون لإطلاق سراح سعد الحريري من محبسه المهين في الرياض، وكذلك في مؤتمر «سيدر3» الذي عقدته فرنسا في باريس لإنقاذ الاقتصاد اللبناني.

ولكن الدعم الفرنسي ومن خلفه الأوروبي مشروط بتحسين كفاءة الإدارة الحكومية اللبنانية ووقف الفساد الذي هو المجال الوحيد الذي تتفق فيه النخب اللبنانية الحاكمة.

رغم العداء الامريكي القوي لحزب الله فإن واشنطن كانت تميز دوماً بين الحزب الذي يهيمن على السياسة اللبنانية وبين لبنان كبلد منفتح ومتعدد الطوائف.

ومازالت أمريكا تحت قيادة الرئيس دونالد ترامب تتعامل نسبياً بهذا المنظور رغم تشديدها العقوبات على حزب الله، إذ تحرص ألا تدمر هذه العقوبات النظام المصرفي اللبناني.

يعود الاهتمام الأمريكي بلبنان إلى القرن التاسع عشر عبر البعثات التعليمية والدينية التي قدمت تعليماً منافساً للتعليم الكاثوليكي ذي الصبغة الفرنسية.

ونظرت واشنطن للبنان كواجهة حديثة للعالم العربي ومكان تتنازع فيه القوى الرأسمالية التي أغلبها مسيحية مع التيارات اليسارية والقومية.

ولكن واشنطن في الأغلب كانت تعلم باستحالة حسم هذا النزاع، وقد ظهر ذلك واضحاً في التفاهم المصري الأمريكي عام 1958 بين الرئيسين المصري جمال عبدالناصر الأمريكي دوايت إيزنهاور الذي أفضى لوصول قائد الجيش اللبناني فؤاد شهاب آنذاك للرئاسة كحل وسط بين طلبات الزعماء المسلمين ذوي التوجهات العروبية وبين السياسيين المسيحيين الذين يريدون الانعزال عن العالم العربي.

ودوماً تسامحت الولايات المتحدة مع الحالة اللبنانية ودعمت البلاد بأشكال مختلفة رغم أن سوريا ومن بعدها إيران كانتا تسيطران على النظام السياسي اللبناني منذ نهاية الحرب الأهلية.

ويظهر ذلك في دعم الجيش اللبناني الذي يعتمد بشكل كامل تقريباً على السلاح الأمريكي رغم علاقات هذا الجيش الوثيقة منذ اتفاق الطائف بسوريا وبحزب الله حالياً.

وألمحت الولايات المتحدة بعد اندلاع التظاهرات لاستعدادها لحشد دعم دولي للبنان شريطة تطبيق إصلاحات حقيقية تنقذ البلاد.

إذ نقلت قناة «الحرة» الأمريكية (رسمية) عن مسؤول أمريكي، دون الكشف عن هويته قوله: «عقود من الخيارات السيئة والفساد في لبنان دفعت الدولة إلى حافة الانهيار السياسي، وندعم حق اللبنانيين في التظاهر السلمي». 

وأضاف المسؤول: «الالتزام بتنفيذ إصلاحات ذات مغزى يمكن أن يفتح الأبواب أمام دعم دولي بمليارات الدولارات للبنان، وهدا أمر يعود للبنانيين».

كما تعلم الولايات المتحدة أن إنهيار لبنان اقتصاديا وانزلاقه للفوضى لن ينهي قوة حزب الله بل يجعل حليفتها إسرائيل أقل استقراراً، وهو أمر تشير إليه فترة الحرب الأهلية اللبنانية التي شهدت عمليات متعددة ضد إسرائيل، دفعت الأخيرة لغزو لبنان لتجد نفسها غارقة في المستنقع اللبناني.

تبدو السعودية القوة الأكثر رغبة في إنهاء المعادلة القائمة في لبنان وطرح معادلة مختلفة هي «إما نحن أو حزب الله».

إذ تبدو الرياض في عهد الأمير محمد بن سلمان عازمة على التخلي عن كرمها التقليدي الذي كان يسمح بتقديم المساعدات الاقتصادية والدعم السياسي لحكومة يقودها حليفها الحريري في ظل سيطرة فعلية لحزب الله وحلفائه.

صدر الأمير الشاب لا يبدو رحباً ومتفهماً لحقيقة أن لا الحريري ولا غيره قادرون على القضاء على حزب الله المنتشرة خلاياه في أزقة المدن ويتحصن مقاتلوه في كهوف لبنان الوعرة.

فترك لبنان يسقط اقتصادياً لن يقضي على حزب الله، بل سيخلق فوضى ويجعل السلاح الذي يحتكره الحزب أعلى صوتاً.

كما أن هذه الفوضى سيكون المتضرر الأكبر منها هو الطائفة السنية الأقل تسلحاً وعنفاً بحكم طبيعتها الحضرية كسكان مدن وأرياف عكس الطوائف الأخرى المتحصنة في الجبال.

كما أن انهيار الاقتصاد اللبناني سيكون له أثر كبير على اقتصادات دول الخليج التي مازالت تمتلك أرصدة واستثمارات في لبنان حتى لو تراجعت خلال السنوات الماضية.   

فلبنان أكثر من أهمية من أن يترك يسقط وأصغر من أن يحل مشاكله بنفسه بعد أن تعود شعبه ونخبته على اللجوء للحلفاء المتنافسين لإنقاذه وقت الأزمات التي لعب هؤلاء الحلفاء دوراً في التسبب بها. 

أما النخب فهي تستغل تدخل هؤلاء الحلفاء لإنقاذ نفسها وتجديد حكمها مع وعود لا تنفذ بالإصلاح. .

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى