تقارير وملفات إضافية

المطار للشيعة والأمن للسنة والكازينو للموارنة.. غرائب النظام اللبناني الذي أوصل الطائفية للجيش وحتى الإعدام

فجأة تحوَّل زعماء الطوائف اللبنانية إلى مصلحين، يطالبون بالتخلي عن النظام اللبناني الطائفي المعقد، الذي جعلهم ملوكاً فعليين في هذا البلد الصغير المكون من 18 طائفة.

ودعا العديد من القادة اللبنانيين في الأيام الأخيرة، تحت ضغط المجتمع الدولي، وخاصة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون واللبنانيين الناقمين على أدائهم، إلى التخلّي عن “النظام الطائفي” الذي يتحكم بمفاصل الحياة السياسية، إلا أنّه من غير الواضح بعد الشكل الذي قد يتخذه هذا التغيير.

وبات يُنظر من جانب كثيرين إلى هذا النظام على أنّه “علّة العلل” وفي أساس الفساد والهدر وعدم الكفاءة والزبائنية التي تُتهم الطبقة السياسية بها، بعدما كان ينظر له دوماً بأنه سبب تفرّد لبنان عن باقي البلدان العربية، حيث تمتعت البلاد بمستوى دخل أعلى من أي بلد عربي غير نفطي، ومستوى تعليم عال، ومساحة من الحريات الاقتصادية والسياسية أعلى من أغلب بلدان العالم العربي والشرق الأوسط.

ولكن بالنسبة إلى العديد من اللبنانيين، فإن انفجار الرابع من أغسطس/آب في مرفأ بيروت، الذي أوقع 188 قتيلاً على الأقل وأكثر من 6500 جريح، وعزته السلطات إلى حريق في مستودع خزّنت فيه كميات ضخمة من نترات الأمونيوم منذ أكثر من 6 سنوات، جاء بمثابة القشة التي قصمت ضهر البعير، بعد قرن من تأسيس دولة لبنان الكبيرة.

يعد الانقسام سمة من سمات الجغرافيا اللبنانية، بسبب الطبيعة الجبلية المعقدة، وهو ما يظهر في تعدد الدويلات الفينيقية رغم عظمة هذه الحضارة، وكذلك الحروب الأهلية بين الدروز عندما كانوا أغلبية سكان جبل لبنان (قلب البلاد التاريخي) قبل بضعة قرون.

ويمكن اعتبار الدروز هم الأصول الأولى للكيان اللبناني الحالي، إذ كانوا يمثلون أغلبية في جبل لبنان، قلب البلاد، ولكن لأسباب تاريخية مرتبطة بأن الزيادة السكانية لديهم قليلة غالباً (الدروز لا يبشرون بمذهبهم، ولا يتزوجون من خارج الطائفة، وليس لديهم تعدد زوجات)، إضافة إلى هجرات بعض المجموعات الدرزية إثر حروب أهلية، تحوّل جبل لبنان إلى غالبية مارونية لأسباب عدة، من بينها نشاط الموارنة التجاري والزراعي، وتحقيقهم لتقدم اقتصادي وحضاري مبكر بفضل صِلاتهم مع الغرب، إضافة إلى هجرتهم المبكرة لمناطق ذات غالبية شيعية (يعتقد أنها أصبحت شبه خالية في عهد المماليك، الذين أجهضوا تمردات السكان الشيعة)، أو لمناطق درزية بسبب نقص العمالة الزراعية لدى الدروز.

وبدأ الصراع الطائفي والطبقي في لبنان يتبلور في القرن التاسع عشر، تحت حكم الدولة العثمانية، بعد أن بدأ الفلاحون الموارنة يطالبون بحقوقهم ضد أصحاب الأرض الموارنة والدروز، فيما عُرف بـ”عامية إنطلياس“، وتقدم هذه الهبة نموذجاً لكيفية تحول كل التحركات اللبنانية من الحقوق الاقتصادية للطائفية.

فقد تعامل أصحاب الأرض الدروز بقلق مع هذه الهبة، وسرعان ما توترت العلاقة التاريخية بين الطائفتين، بعدما أصبح الموارنة أغلبية، وازداد التدخل الغربي لاسيما الفرنسي، خاصة بعد الفتنة التي قامت في الشام في العقد السادس من القرن التاسع عشر، وأصبحت فرنسا حامية رسمية للموارنة، وتم تأسيس متصرفية جبل لبنان، التي كانت بداية النظام الطائفي الذي أعطى الأولوية للمسيحيين، ولاسيما الموارنة، وكان السنة والشيعة خارج هذا الصراع الماروني الدرزي لأن مناطقهم كانت بعيدة.

ولكن عندما أسّس الفرنسيون لبنان الكبير عام 1920، قاموا بضم بيروت المحاذية لجبل لبنان (قلب البلاد في ذلك الوقت)، ثم ضموا مناطق البقاع والجنوب وعكار التي تكثر فيها السهول، بناء على طلب بطريرك الموارنة، حتى لا تتكرر المجاعة التي حدثت في الجبل خلال الحرب العالمية الأولى، بسبب نقص الحبوب التي يصعب زراعتها بالجبل.

وكان هذا القرار نقمة على المسيحيين، فرغم أن لبنان ظلّ ذا أغلبية مسيحية بعد ذلك لسنوات، حيث شكل المسيحيون في عام 1932 نسبة 58.7% من اللبنانيين مقابل 40% من المسلمين.

ولكن هذا الوضع تغير عبر عقود، نتيجة هجرة المسيحيين الكبيرة للخارج، إضافة إلى أنهم كانوا أكثر الطوائف حداثة، ما أدّى إلى تخليهم مبكراً عن الزواج المبكر والأسر الكبيرة.

والنتيجة أنه في عام 2018 تبدلت هذه النسب، وانخفضت نسبة المسيحيين إلى 30.6%، وارتفعت نسبة المسلمين إلى 69.4%.

تتعايش في لبنان حتى الآن 18 طائفة، رغم حرب أهلية (1975-1990) أودت بحياة عشرات الآلاف من اللبنانيين، وكانت الى حد بعيد، في بعض مراحلها، حرباً بين مسلمين ومسيحيين و(أحياناً حرب بين مسيحيين ومسيحيين).

وتتوزع منذ بداية التسعينات مقاعد البرلمان مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، في عرف فريد من نوعه في الدول العربية.

ولا يوجد في لبنان إحصاء رسمي لكيفية توزيع السكان طائفياً منذ العام 1932، أي فترة الانتداب الفرنسي، وذلك تحسباً لأي مطالبات بإعادة توزيع المحاصصة الطائفية، إلا أن تقديرات غير رسمية منذ سنوات تفيد أن عدد اللبنانيين داخل لبنان 4,6 مليون.

وتقسم المناصب والبرلمان في لبنان مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، ولكن في التفاصيل تعطى أكبر حصة للطائفة المارونية، ثم السنة والشيعة (نفس عدد المقاعد)، يلي ذلك الروم الأرثوذكس، وبعدهما الدروز والروم الكاثوليك (نفس عدد المقاعد).

توزيع مقاعد البرلمان على الطوائف المسيحية

64 مقعداً للطوائف المسيحية، يأخذ الموارنة منها 34 مقعداً، والروم الأرثوذكس 14 مقعداً، والروم الكاثوليك 8 مقاعد، والأرمن الأرثوذكس 5 مقاعد، أما الأرمن الكاثوليك فيأخذون مقعداً واحداً ومثلهم الإنجيليون، أما بقية الأقليات المسيحية فيحق لها مقعد واحد أيضاً.

توزيع مقاعد البرلمان على الطوائف المسلمة

64 مقعداً للطوائف المسلمة، يأخذ السنة 27 مقعداً، والشيعة 27 مقعداً، والدروز 8 مقاعد، والعلويون لهم مقعدان.

ولا يعلن رسمياً عن أكبر الطوائف في لبنان من حيث العدد، ولكن يعتقد أن الطائفة الشيعية في المرتبة الأولى من حيث العدد، وشكلت نسبة 31.6% من اللبنانيين، وجاء السنة في مرتبة متقاربة، وشكلوا نسبة 31.3%، وذلك فقاً لإحصاءات ذات طابع علمي أجرته المؤسسة الدولية للمعلومات، ولكنها تظل إحصاءات غير رسمية.

ويعتقد أن عدد الناخبين السنة أكثر من الشيعة، نظراً لأن نسبة الأطفال في أوساط الشيعة أكبر.

وتشير بعض التقديرات إلى نسبة الموارنة 21% من السكان، والذين كانوا أكبر طوائف لبنان عند تأسيسه والمتحكمين فعلياً في البلاد، ومازال لهم النصيب الأكبر من المناصب ومقاعد البرلمان.

يليهم 8% روم أرثوذكس، و5% من الدروز، و4%من الروم الكاثوليك، والـنسبة المتبقية تنتمي إلى الطوائف المسيحية الأصغر، وأعداد صغيرة جداً من اليهود والبهائيين والبوذيين والهندوس؛ هذه الأرقام اعتمدها أيضاً تقرير الحريات الدينية الدولية الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية عام 2011م.

ويلاحظ أن توزيعة النظام السياسي تحابي الدروز مقارنة بباقي المسلمين، ويرجع ذلك إلى أن الدروز كانوا الطائفة المهيمنة والمؤسسة للبنان بضعة قرون، قبل أن يتحول جبل لبنان الذي كان يطلق عليه جبل الدروز قديماً لأغلبية مسيحية، ولذلك ظل للدروز وزن نسبي كبير بفضل دورهم التاريخي، إضافة إلى مهاراتهم في التحالفات، ولكونهم مقاتلين أشداء، بحيث كان يصعب تجاهلهم في الصراعات الكبيرة التي شهدها لبنان.

نصّ الميثاق الوطني الذي اعتمد مع استقلال لبنان في 1943، على أن يكون رئيس الجمهورية مسيحياً مارونياً، ورئيس الحكومة مسلماً سنياً، ورئيس البرلمان مسلماً شيعياً.

وجرت الانتخابات التشريعية الأولى بعد الاستقلال عام 1947، واختار اللبنانيون 55 نائباً، بحسب توزيع طائفي قام على اختيار 5 نواب مسلمين مقابل كل 6 مسيحيين.

وبعد 15 عاماً من حرب أهلية مدمرة، نصّ اتفاق الطائف الذي تمّ التوصل إليه في 1989، ووضع حدّاً لاحقاً للحرب على إلغاء الطائفية السياسية، إلا أن كثيراً من التسويات التي تضمنها، بالإضافة إلى الممارسة الفعلية، رسخّت نفوذ الزعماء الطائفيين.

ونصّ الاتفاق على إنشاء مجلس شيوخ يمثل الطوائف، لكن هذا المجلس لم يبصر النور بعد.

وعمّق تنفيذ اتفاق الطائف الذي نصّ على المناصفة في المجلس النيابي بين المسيحيين والمسلمين، عملياً، الطائفية في توزيع المناصب، وأصبح ينسحب على كل الوظائف في الدولة. ولم يعد ممكناً تعيين أي موظف في منصب عال، أو اتخاذ أي قرار لا يحظى بموافقة ممثلي المكونات الطائفية الرئيسية.

وأدت الصيغة التوافقية إلى شلل الدولة، وباتت كل انتخابات رئاسية أو تشكيل حكومة مصدر أزمة سياسية جديدة، لضرورة التوافق على الاسم بين كل القوى السياسية الممثلة للطوائف في تسويات سياسية هشّة اعتادت عليها البلاد.

تقليدياً، ينظر المسيحيون اللبنانيون، خاصة الموارنة، إلى النظام الطائفي اللبناني باعتباره نعمة، وسبباً لتفرّد لبنان، الذي كان يوصف بسويسرا الشرق، لأنه منح المسيحيين وزناً نسبياً أكبر من حجمهم السكاني، وضمن لهم حرياتهم الدينية التي يرون أنها مفتقدة في باقي الدول العربية.

في المقابل، قبل اتفاق الطائف كان المسلمون ينظرون للنظام على أنه ظالم بالنسبة لهم.

وساهم اتفاق الطائف الذي أُبرم عام 1989 في إنهاء حرب أهلية استمرت 15 عاماً، عبر وساطة ودعم مالي سعودي ويد باطشة سورية.

وأقرّ الطائف المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في كل المناصب، وقلّل سلطات الرئيس، وزاد سلطات مجلس الوزراء ورئيسه السني، وهو ما اعتبره كثير من المسيحيين غبناً لهم، رغم أن المناصفة ظلت تعطيهم أكبر من وزنهم النسبي (الذي يبلغ نحو الثلث).

ولكن في ظل إضعاف سلطات رئيس الجمهورية، إضافة إلى أن جزءاً من النواب المسيحيين كانوا يأتون بأصوات الناخبين المسلمين الأكثر عدداً، كان المسيحيون يتحدثون عن الظلم الذي لحق بهم بسبب الطائف.

وهو الأمر الذي دفع القوى المسيحية، خاصة التيار الوطني الحر، لتعديل القانون الانتخابي، بإضافة الصوت التفضيلي، ليزيد دور الناخبين المسيحيين في اختيار نوابهم.

الشيعة من الناحية النظرية أقل نفوذاً من السنة، لأن رئيس الوزراء سني، والسنة أكبر من حيث عدد الناخبين، وتفرد حزب الله وحركة أمل بالسلاح، (وهو أمر يقره الدستور باعتبارهم مقاومة) وتحالفاتهم السياسية تجعلهم واقعياً أقوى الطوائف نفوذاً.

ولكن بصفة عامة تشكو كل طوائف لبنان من أنها الطائفة المظلومة.

بالنسبة للبنانيين جميعاً كانت ميزة النظام الطائفي أنه جسد تنوع البلاد، ومنع الحكم الاستبدادي، وأتاح مساحة حرية، وفرت للبلاد القدرة على نظام امتلاك نظام تعليمي قد يكون الأفضل في الشرق الأوسط (بفضل السماح بالتعليم التبشيري الغربي بشكل أساسي وما قابلها من مؤسسات إسلامية منافسة).

وجعلت هذه الحرية البلاد منصة للصحافة والنشر، ومركزاً اقتصادياً متحرراً من سيطرة الدولة، تلاءم مع مهارات اللبنانيين التي لا تُضاهى في التجارة، وجعل البلاد موطناً للمصارف ودور النشر.

وجعل نمط الحياة المتحرر وشبه الغربي وجمال الطبيعة البلادَ المكان المفضل للسياحة العربية، وفي الوقت ذاته، كانت مقراً محبذاً لمراكز الشركات العالمية في الشرق الأوسط.

ولكن في المقابل خلق هذا النظام دولة ضعيفة، وجيشاً لا يستطيع مقاومة الميليشيات المتعددة، ومحاصصة طائفية تمنع اتخاذ القرار، وتؤدي لوصول الأكثر تعصباً للطائفة وليس الأكفأ للمناصب السياسية والإدارية.

كما أن هذه الحرية لم تعن فقط حرية الكلام والعقيدة، ولكن تمخض عنها سهولة مخالفة القانون، التي تبدأ من كسر إشارات المرور إلى نهب المال العام، أو ترك مواد متفجرة في الميناء، مع يقين أي مخطئ أن زعيم طائفته سيحميه، ولذا يخاف اللبنانيون من زعماء طوائفهم أكثر من القانون (والعزل الاجتماعي والاتهام بالخيانة هو أقوى رد تمتلكه الطائفة ضد المتمردين عليها، أو بالأحرى المتمردين على الزعامات الطائفية).

كما أدى تعدد الزعماء إلى نتيجتين ضارتين، لا يوجد في بلاد شخصية قوية عابرة للطوائف، فكل زعيم طائفة تعنيه مصالح طائفته وحزبه حتى قبل الطائفة، وباستثناء شخصيات نادرة كالرئيس فؤاد شهاب، وبشكل جزئي رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري (والأمين العام لحزب الله في الصراع مع إسرائيل)، لم يسع السياسيون لاتخاذ قرارات ذات طابع قومي.

وفي الوقت ذاته فإن كل زعيم طائفة دكتاتور داخل طائفته، أو عندما يتعلق الأمر بحقوق هذه الطائفة.

فاتخاذ القرار يحتاج إلى موافقة أغلب زعماء الطوائف الكبرى، وتخطي أي زعيم طائفة في قرار ما يعني ظلم الطائفة، حتى لو كان مطلب هذا الزعيم تعيين صهره وزيراً حتى لو كان مكروهاً في موطنه المحلي (جبران باسيل صهر الرئيس عون رسب مراراً في الانتخابات البرلمانية في قضاء البترون ذي الغالبية المسيحية).

وفي ظل حكم رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري، أثيرت شبهات فساد كثيرة، ولكن الرجل الذي كان قادراً على التواصل وإقامة الصلات مع كل الزعماء ومنهم خصومه استطاع تنفيذ كثير من المشروعات الاقتصادية، منها إعمار بيروت، حتى لو كانت تراعي مصالحه ومصالح قادة الطوائف بالأساس.

اليوم هذه المشروعات أصبحت محل جدل (البعض يرى تجربة الحريري سبب ديون البلاد)، ولكن بعد الحريري لم ينفذ شيء، وأصبحت البلاد، فيها فساد بلا مشروعات، ومع توالي الأزمات في المنطقة فقد لبنان مصدر دخل رئيسياً هو السياحة الخليجية، وكذلك الدعم الخليجي المالي الذي كان عادة ينقذ البلاد من أزماتها، ولكن واصلت الحكومة تمويل العجز بالاقتراض من المصارف التي خاطرت بدورها بأرصدة المودعين، لاسيما الصغار، بينما هرب كبار المودعين والمتنفذين أموالهم قبل الانهيار، حسبما قال مصدر لبناني مطلع لـ”عربي بوست”.

رغم أن المجتمع اللبناني هو أكثر المجتمعات العربية تحرراً، حتى إنه يناله نقد في هذا الصدد من باقي المجتمعات العربية، فإن الطائفية متجذرة في البلاد لدرجة مثيرة للسخرية.

فالمؤسسات الحكومية ولاسيما الأمنية والعسكرية موزعة بين الطوائف والقوى السياسية، وحتى المهن ونقاباتها تسود فيها طوائف بعينها.

فالمطار ينظر له بشكل كبير على أنه خاضع لنفوذ الشيعة، ولاسيما حزب الله، بينما كازينو لبنان، والذي له أهمية اقتصادية وتاريخية كبيرة في البلاد، خاضع لنفوذ القوى المسيحية، خاصة حزب القوات اللبنانية، وإلى حد التيار الوطني الحر.

والجيش ينظر له على أنه منطقة نفوذ خاصة للمسيحيين (رغم أن أغلب جنوده سنة)، لاسيما مسيحيي 8 آذار، الموالين لسوريا، وله علاقة جيدة بحزب الله، وخاصة مخابرات الجيش، والمناصب الكبرى فيه للمسيحيين، خاصة قائد الجيش، بينما رئيس الأركان يجب أن يكون درزياً، وهذا يعني أن وليد جنبلاط يجب أن يكون له دور في اختياره مع مراعاة رأي منافسه على الزعامة الدرزية طلال أرسلان.

بينما الأمن العام ينظر له كجهاز أمني شيعي، حيث يترأسه اللواء الشيعي عباس إبراهيم (لا يعني ذلك أن أغلبية العاملين شيعة).

والأمن الداخلي يخضع لنفوذ تيار المستقبل السني، حتى لو خرج من الحكم، خاصة شعبة المعلومات التي تمثل الجهاز الاستخباراتي النظير لمخابرات الجيش والأمن العام.

ويصل الأمر في الأجهزة الأمنية إلى أنه إذا وقع انفجار إرهابي في منطقة سنية تحقق فيه شعبة المعلومات، أما إذا وقع تفجير في منطقة شيعية فتحقق فيه مخابرات الجيش أو الأمن العام.

مع ملاحظة أنه بصفة عامة ازداد نفوذ قوى 8 آذار مع مرور السنوات، خاصة حزب الله، على مجمل الحياة في لبنان، مع تراجع نفوذ 14 آذار.

وتصل المفارقة الطائفية إلى درجة ضرورة مراعاة التوزيعة في عمليات الإعدام.

وفي هذا الصدد يقول مصدر مطلع على الشأن اللبناني لـ”عربي بوست”، إنه في إحدى المرات تم الانتظار حتى يتم تجمع عدد كاف من المحكوم عليهم بالإعدام ينطبق عليهم التوزيعة الطائفية لتنفيذ الحكم فيهم، مع مراعاة المحاصصة الطائفية.

وفي عام 1958، وقعت جريمة عُرفت في ذلك الحين بـ”جريمة التكميل“، إذ ارتكب صاحبها إبراهيم النابلسي جريمة قتل ثلاثة أشخاص وقُبض عليه وحُكِم عليه بالإعدام.

إلى هنا الخبر عادي، إلا أننا نكتشف أن القاتل مسلم والضحايا مسيحيون. أثارت هذه القضية المشاعر الطائفية، وحصلت بعض الاحتجاجات، تطالب بتأجيل الإعدام إلى أن يتم ارتكاب جريمة على يد مسيحي ويُعدم الاثنان في الوقت نفسه! على كل تم إعدام التكميل بعد تردد ساد الحكومة في ذلك الحين.

مع تراكم الأزمات وآخرها انهيار اقتصادي غير مسبوق، خرج مئات الآلاف إلى الشارع، مطالبين برحيل الطبقة السياسية مجتمعة، وطالب كثيرون بسقوط نظام المحاصصة الطائفية.

ولم يجد المتظاهرون آذاناً صاغية، وتراجع التحرك في الشارع مع انهماك اللبنانيين بهمومهم المعيشية المتراكمة، ثم انتشار وباء كوفيد-19.

وجاء انفجار مرفأ بيروت ليفجر غضب اللبنانيين مجدداً، لكن رافقته هذه المرة ضغوط سياسية دولية قادتها فرنسا بدرجة أولى، ودعا رئيسها إيمانويل ماكرون إلى وضع “ميثاق سياسي جديد” وإجراء “تغيير حقيقي”.

واستبقت أبرز القوى السياسية زيارة ماكرون الثانية إلى بيروت، خلال أقل من شهر، بالمطالبة بتغيير النظام الطائفي.

ودعا الرئيس اللبناني ميشال عون في كلمة الأحد “إلى إعلان لبنان دولة مدنية”، معتبراً أنّ ذلك “يعني خَلاصه من موروثات الطائفية البغيضة وارتداداتها”.

وكرّّر رئيس البرلمان نبيه برّي الدعوة ذاتها الإثنين، مناشداً الفرقاء الجديين ملاقاته في “منتصف الطريق”.

ولاقت دعوة ماكرون إلى وضع “ميثاق” جديد انفتاحاً، أبرزه من حزب الله، الذي قال أمينه العام حسن نصرالله الأحد “نحن منفتحون على أي نقاش هادف في هذا المجال (…) لكن لدينا شرط أن يكون هذا النقاش وهذا الحوار اللبناني بإرادة ورضا مختلف الفئات اللبنانية”.

ولا يثق لبنانيون كثر بقدرة المسؤولين الحاليين المتجذرين في السلطة على التغيير، ولا بوجود إرادة حقيقية لديهم لتطبيق ما يدعون إليه.

وبينما تقابل تصريحات القادة اللبنانيين بحتمية التغيير بالترحاب والاهتمام الخارجي، فإن اللبنانيين يعلمون أن قادتهم سياسون مراوغون، وأن هدفهم تغيير عنوان النظام الطائفي حتى يتسنى الحصول على غوث مالي خارجي ينقذ هذا النظام.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى