تقارير وملفات إضافية

هل تقوّي صفقات السلاح موقف اليونان أمام تركيا، أم أن هناك طرفاً ثالثاً سيستفيد منها؟

“طائرات الرافال الفرنسية ستحمينا”، تبدو هذه هي الرسالة التي تحملها صفقات السلاح اليونانية، التي تسعى لها أثينا بهدف تقليل اختلال التوازن العسكري اليوناني مع تركيا، في ظل استمرار التوتر بين الجانبين.

ورغم دعوات تركيا للحوار، فإن وساطة ألمانية وأخرى من قبل الناتو أفشلت من قبل اليونان، التي يبدو أنها بتشجيع من فرنسا، تميل للتشدد، مع توقعها أن تجد دعماً أوروبياً، يبدو أنه غير مضمون.

ومن الواضح أن اليونان تجد تشجيعاً من المحور المعادي لتركيا، الذي يضم فرنسا ومصر والإمارات.

وسبق أن نفّذت مصر مناورات مع اليونان، ومؤخراً انضمت طائرات مقاتلة من فرنسا والإمارات العربية المتحدة إلى القوات المسلحة اليونانية، لإجراء مناورات عسكرية مشتركة، انطلاقاً من قاعدة سودا البحرية في جزيرة كريت. كما انضمت القوات الإيطالية إلى التدريبات، علماً أن روما من أقرب الدول الأوروبية لتركيا، ويبدو أن انضمام إيطاليا للمناورات هدفها إبراء الذمة، خاصة أنها جاءت بعد مناورات مع تركيا.

ولكن الأمور تشي بحدوث تصعيد، أو على الأقل الابتعاد عن تسوية، بإعلان الحكومة اليونانية أنها تناقش خططاً لشراء طائرات عسكرية جديدة من فرنسا، وسط تحركات تركيا للتنقيب عن الهيدروكربونات في المياه، التي تطالب بها أثينا في شرق البحر المتوسط.

ونقلت رويترز عن مسؤول يوناني قوله إنه لم يتم التوصل إلى اتفاق حتى الآن، ما يتعارض مع التقارير الإخبارية اليونانية التي تفيد بأنه تم بالفعل التوصل إلى اتفاق لشراء 18 طائرة مقاتلة من طراز رافال.

ونقلت رويترز عن المسؤول قوله “نجري محادثات مع فرنسا، وليس فقط مع فرنسا من أجل زيادة الإمكانات الدفاعية لبلادنا”، مضيفاً أن المناقشات تشمل “شراء طائرات”.

ويبدو هذا القرار لافتاً، ليس فقط في ضوء الفارق الكبير بين اليونان وتركيا في القوة العسكرية لصالح الاخيرة، بل أيضاً بالنظر للوضع الاقتصادي لليونان، حيث خرجت في عام 2018 من ثالث خطة إنقاذ دولية، وتعاني من الآثار الاقتصادية لتفشي جائحة فيروس كورونا، ومع ذلك تنوي إنفاق جزء من احتياطياتها النقدية التي تقدر بمليارات اليورو على قطاع الدفاع.

تحاول اليونان منذ عقود دمج وخصخصة شركاتها الدفاعية الخاسرة، وعانت البلاد من الفساد، والذي أفضى لأزمة اقتصادية حادة، أعقبتها سياسات مالية شديدة التقشف فرضها الاتحاد الأوروبي.

وقامت  القوات المسلحة اليونانية، مثلها مثل المجتمع بأسره، بتخفيضات في الميزانية خلال أزمة اقتصادية وتقشفية استمرت ما يقرب من عقد من الزمان.

وما يظهر على السطح من صفقات السلاح اليونانية المحتملة هو شراء 18 طائرة رافال فرنسية، وهي الطائرات التي عانت لإيجاد زبون لها في الأسواق الدولية، قبل أن تكون مصر أول مشترٍ لها بعد الإطاحة بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي.

وتعتبر الرافال طائرة مميزة جداً في القصف الأرضي، ولكن الطائرة المزودة بمحركين، تواجه مشكلة ضعف تسارعها وسرعتها وصغر الرادار، ما يجعلها غير مميزة في القتال الجوي بين الطائرات، كما أن الطائرة باهظة الثمن، ما يجعل هناك حاجة لشراء عدد كبير من الطائرات لتحدث فرقاً.

كما أن الطائرة لا تمثل فارقاً في الأداء مع النسخ المتطورة من الطائرات إف 16، التي تمتلكها تركيا (وتقوم بتجميعها)، وقد لا تكون أفضل حتى منها حتى في مجال القتال الجوي.

ميزة الرافال الرئيسية هي المدى البعيد، وهو ما يجعلها مناسبة لدولة مثل مصر في مواجهة إثيوبيا.

وتعتبر تركيا ثالث دولة في العالم من حيث عدد الطائرات الإف 16، حيث تمتلك 240 طائرة منها مقابل 153 طائرة لليونان، إضافة إلى نحو 40 طائرة ميراج 2000، ما يجعل تجسير تلك الفجوة يحتاج إلى أموال ضخمة، خاصة أن الطائرات الغربية عامة مرتفعة الأسعار.

كما أن استيعاب المقاتلات الحديثة تدريبياً وفنياً مسألة تستغرق وقتاً، الأمر الذي يجعل صفقة الرافال مفيدة بالأساس لميزانية شركات التسليح الفرنسية أكثر منها لليونان.

 تاريخياً كانت تركيا إمبراطورية برية في الأغلب، بحرية في بعض الأحيان، في المقابل كان اليونانيون أمة بحرية تجارية بالأساس، وفي حرب البلقان التي حاربت فيها ثلاث دولة أوروبية هي بلغاريا وصربيا واليونان- تركيا، كان أداء اليونان سيئاً مقارنة ببلغاريا وصربيا باستثناء في البحر.

إذن البحر يفترض أنه ميزة اليونان الرئيسية في مواجهة تركيا، التي تفوق اليونان 8 مرات في السكان، و4مرات في حجم الاقتصاد.

ولكن المفارقة أن القوة البحرية تمثل نقطة قوة تركيا الرئيسية حالياً، إذ تعتبر أنقرة أكبر قوة بحرية في شرق المتوسط، كما أنه فيما يتعلق بالقوة البحرية تحديداً، تعتمد تركيا على نفسها بشكل كبير، ولديها مشروعات قيد الإنجاز لإنتاج قطع بحرية متعددة محلياً، منها غواصات وحاملة طائرات خفيفة، خاصة أن تركيا تعتبر دولة مهمة عالمياً في صناعة السفن مدنياً وعسكرياً.

الأهم أن أي نزاع عسكري قد يتطور لحرب برية، وهي نقطة تتفوق فيها تركيا تاريخياً على اليونان  الأصغر سكاناً، حيث يجمع الجيش التركي بين نقطتي قوة، فهو جيش شرق أوسطي لديه عدد كبير من الجنود والدبابات، على غرار جيوش الشرق الأوسط (يعتمد على التجنيد الإجباري عكس معظم الجيوش الأوروبية)، وهو جيش حديث على الطراز الأوروبي، ولديه قدرات الناتو الحديثة.

تبدو استراتيجية اليونان معتمدة على شيء واحد؛ الحلفاء، وتحديداً فرنسا ومصر والإمارات، وقد تكون معها السعودية، إضافة إلى إحراج ألمانيا وتحويلها من وسيط إلى طرف.

وتاريخياً انتصرت تركيا على اليونان في كل الحروب، إلا إذ تدخل الغرب لدعم أثينا، وحتى في بعض الحالات لم يكن التدخل الغربي فعالاً.

فلمدة ثلاثين يوماً في عام 1897، تنازع الخصوم في شرق البحر الأبيض المتوسط على وضع جزيرة كريت، التي أراد سكانها الاستقلال عن الدولة العثمانية. وأصبح هذا الصراع يُعرف باسم “الحرب المؤسفة”.

أرسلت النمسا والمجر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والروس وكذلك البريطانيون سفناً حربية إلى جزيرة كريت، في محاولة للحفاظ على السلام. على الرغم من تعاطفهم إلى حد كبير مع اليونانيين -باستثناء الألمان- فقد حذروا اليونانيين غير المستعدين من الانخراط في الأعمال العدائية. لم تلق تحذيراتهم آذاناً مصغية وتلقى اليونانيون هزيمة.

المفارقة أن قادة الغرب يبدون أقل حكمة اليوم، إذ إن فرنسا تحديداً تشجع اليونان على التصعيد، ولكن إذا تحول التوتر إلى صراع على الأرض، فهل تخاطر فرنسا بجنودها من أجل اليونانيين.

وحتى مصر تحت قيادة الرئيس السيسي -التي تشجع اليونان على التصعيد مع تركيا- الذي وعد دول  الخليج فور توليه بدعم عسكري في حال تعرضها لأي عدوان عبر كلمته الشهيرة “مسافة السكة”، ولكن عندما تورطت السعودية في حرب اليمن لم يرسل جندياً، بل حافظ على اتصالات غير مخفية مع الحوثيين، وانسحبت الإمارات التي تشجع اليونان على التصعيد مع تركيا من حرب اليمن، تاركةً شريكتها السعودية غارقة في هذا المستنقع.

رغم كل هذه التوترات فإن احتمالات الحرب الشاملة مستبعدة، ولكن نتيجة التصعيد سوف تكون في الأغلب صفقات سلاح ترهق الاقتصاد اليوناني الذي يحاول التعافي، فيما بدأت تركيا تعتمد على نفسها في التسليح وتقلل الاستيراد، ما يقلل من عبء عمليات التسليح عليها، بينما ستزداد الفجوة بين الشعبين الجارين، التي يمكن رأبها باتفاق يراعي مصالح الجميع.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى