تقارير وملفات إضافية

هل تقدم باقي دول الخليج على التطبيع مع إسرائيل؟ الإجابة لا حتى الآن لهذه الأسباب

يعد 13 أغسطس/آب 2020، يوماً مفصلياً في تاريخ منطقة الشرق الأوسط، إذ شهد اتفاقاً لتطبيع العلاقات لأول مرة بين دولة خليجية “الإمارات” وإسرائيل، برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تبعه تطبيع بحريني. مفصلية الحدث هنا ليس كونه فقط يرتبط بالقضية المركزية في المنطقة “القضية الفلسطينية”، إنما أيضاً لسياقات وأهداف وتداعيات هذا التطبيع على كل الإقليم، وتوازنات القوى وصراع المحاور الإقليمية داخله. وهو ما يدفع البعض للتساؤل: هل يمكن لبقية دول الخليج أن تحذو حذو الإمارات والبحرين، في شكل يشبه تساقط أحجار الدومينو؟

هناك عاملان يلعبان دوراً محورياً في التحكم في قرار دول الخليج بالتطبيع مع إسرائيل، الأول داخلي يتعلق بتركيبة النظام السياسي الداخلي وتوجهاته، والثاني خارجي يتعلق بالأدوار الإقليمية التي تقوم بها هذه الدول، ومدى انسجامها مع قرار التطبيع من عدمه من ناحية، وبصراع المحاور الإقليمية المشتعلة حالياً، والذي يدفع بعض دول الخليج للتحالف مع إسرائيل في مواجهة تركيا وإيران من ناحية أخرى.

كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، في 18 سبتمبر/ أيلول الجاري، عن أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أراد أن يوقع اتفاق تطبيع مع إسرائيل بعد الإمارات والبحرين، إلا أن والده الملك سلمان عارض ذلك، ولفتت إلى أن العاهل السعودي صُدم بشدة عند إعلان ترامب عن توقيع إسرائيل والإمارات اتفاقاً لـتطبيع علاقاتهما. وذكرت أن سبب هذه الصدمة أن ولي العهد السعودي لم يبلغ والده مسبقاً بالاتفاق بين تل أبيب وأبوظبي، خشية أن يعارض والده الاتفاق، لدرجة أنه (لو علم الملك) لما كان بالإمكان أن توقع الإمارات اتفاقاً مع إسرائيل بهذه السهولة.

 وخلال اجتماع بين كبير مستشاري ترامب جاريد كوشنر وولي العهد في السعودية، أبلغه محمد بن سلمان أن والده لن يقبل باتفاق تطبيع مع إسرائيل، مؤكداً أن أقصى ما يمكن أن تفعله المملكة في الوقت الحالي هو المساهمة في انضمام البحرين إلى اتفاق التطبيع مع إسرائيل. وأشارت إلى أنه بعد إعلان اتفاق التطبيع الإسرائيلي الإماراتي طلب الملك سلمان من وزير خارجيته إعادة التأكيد على التزام بلاده بإقامة دولة فلسطينية، والتزامهم بالمبادرة العربية للسلام، والتي تشترط حل القضية الفلسطينية قبل التطبيع مع إسرائيل.

وبالتالي فإن الملك سلمان مازال ملتزماً بالرؤية التقليدية العربية والسعودية بشكل خاص، والتي تعني في المحصلة رفض التطبيع مع إسرائيل وفق المعطيات الحالية. والدافع الرئيسي يكمن في خصوصية الحالة السعودية ورمزيتها في العالم الإسلامي، لاحتضانها الحرمين الشريفين، وهو ما تستمد منه دورها الإقليمي الفاعل في المنطقة. وفي ظل اشتداد الصراع الإقليمي بين السعودية من ناحية وتركيا وإيران من ناحية أخرى، والتنافس بينهم حول قيادة العالم الإسلامي، فإن تطبيع المملكة قد يمكن أنقرة وطهران من تبني خطاب واستراتيجية تقوم على انتزاع الدور الإقليمي القيادي للعالم الإسلامي من السعودية كحد أدنى، والدعوة لتدويل المقدسات الإسلامية في مكة والمدينة كحد أقصى.

ومع ذلك، هناك متغير يمكن أن يدفع السعودية نحو التطبيع، وهو لحظة وصول محمد بن سلمان للعرش؛ ليس فقط لعدم وجود مانع لديه تجاه تلك الخطوة، بل أيضاً لرغبته في تقديم قرار التطبيع مع إسرائيل مقابل نيل الدعم الأمريكي لتنصيبه عاهلاً سعودياً. ولعل تصدير خطاب بأن والده رافض للتطبيع بينما هو موافق عليه للخارج متعمد؛ لربط مصير التطبيع السعودي مع إسرائيل بشخص بن سلمان ووصوله للعرش. وبالتالي فإن العامل الداخلي حالياً يقوم بدور معوق للتطبيع، وإن كان هذا العامل مرجح أن يتغير مع وصول محمد بن سلمان للعرش. أما الترتيبات الخارجية الإقليمية وصراع المحاور، فإنها تدفع السعودية لخطوة التطبيع، إذ إن الدولتين اللتين طبّعتا علاقاتهما مع إسرائيل تعدان ضمن المحور الإقليمي السعودي. كما أن التحالف المرجح أن يترتب على هذا التطبيع يتعامل مع أنقرة أو طهران كتهديدات مشتركة، والأخيرتان ضمن خصوم السعودية الحاليين. وهو ما سيمثل دافعاً إضافياً لمحمد بن سلمان في إنجاز خطوة التطبيع مع إسرائيل حينما تحين الفرصة المناسبة.

بعد موجة التطبيع الرسمية الأخيرة، أعلنت قطر عن موقفها الرافض له بشكل غير مباشر، من خلال دعوتها لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس ضمن قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة. وفي الحالة القطرية تلعب العوامل الخارجية دون الداخلية، متمثلة في صراع المحاور الإقليمية من ناحية والدور الإقليمي الذي تضطلع به من ناحية ثانية الدور الأبرز في تحديد موقفها الرافض للتطبيع وفق المعطيات الحالية.

بالنسبة للدور الإقليمي، وبرغم كونها دولة صغيرة الحجم وفق مقومات قوة الدولة، فإن قطر تمتلك دوراً إقليمياً فاعلاً في منطقة الشرق الأوسط، بالأخص بعد ثورات الربيع العربي 2011. وارتكز هذا الدور بشكل أكبر على مفهوم القوة الناعمة، من خلال دعم الثورات العربية في موجتها الأولى وحركات التغيير السياسي، كما ارتبط أيضاً بدعم حركة المقاومة الإسلامية حماس سياسياً واقتصادياً. ومن ثم قدمت قطر نفسها كنموذج داعم للشعوب أكثر منها للأنظمة، وتدرك قطر أن خطوة التطبيع ستكون إيذاناً بانتهاء هذا الدور.

أما صراع المحاور، فإن قطر وتركيا يجمعهما تحالف استراتيجي في مواجهة الإمارات والبحرين والسعودية. وهو ما يحول دون تطبيع قطر علاقاتها مع إسرائيل، أولاً لكون المحور المنافس لقطر هو المتبني لموجة التطبيع الحالية، وثانياً لاحتمالية تشكيل إسرائيل والإمارات تحالفاً هجومياً إقليمياً ضد تركيا، ما قد يدفع قطر للتضامن مع تركيا. وبينما تعد الإمارات الطرف الرافض لحل الأزمة الخليجية، بالتالي قد تستغل تحالفها الجديد مع إسرائيل في الضغط نحو استمرار الأزمة، ما يعني استمرار فاعلية التحالف التركي القطري الإقليمي، في مواجهة الحلفاء الجدد، والحيلولة دون تطبيع قطري إسرائيلي.

وتشهد المنطقة حالياً محاولات أمريكية جديدة لحل الأزمة الخليجية، ويمكن قراءة هذه المحاولة كرغبة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لدفع قطر نحو التطبيع مع إسرائيل، في مقابل حل الأزمة الخليجية، ولا يبدو أن النجاح سوف يكون حليف هذه المحاولة أيضاً، سواء لأولوية الانتخابات الأمريكية القادمة على أي ملف آخر، أو لعدم ترجيح إقدام قطر على التطبيع وفق المعطيات الإقليمية الحالية. لذلك صرح تيموثي لندركينغ، نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الخليج، بأنهم متفهمون للموقف القطري من التطبيع.

تلعب العوامل الخارجية دون الداخلية الدور الأبرز في التأثير على موقف عُمان من التطبيع. ورغم أن سلطنة عمان لم تطبع علاقاتها بشكل رسمي مع إسرائيل حتى الآن، فإنها أقرب الدول الخليجية لتلك الخطوة، بناءً على التواصل العلني المتكرر بين الطرفين، سواء بالزيارات الرسمية، كزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لعمان عام 2018. أو الاتصالات الهاتفية كاتصال وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي مع نظيره الإسرائيلي غابي أشكينازي، في 17 أغسطس/آب الماضي، أي بعد أيام من التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، لكن في المقابل، تجمع عمان علاقات جيدة مع إيران، ما مكّنها من لعب دور إقليمي بارز في الوساطة بين الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية من ناحية، وإيران من ناحية أخرى، يساعدها على ذلك سياسة الحياد الإيجابي التي تتبعها السلطنة.

من ثم فإن عمان وفي ظل إقدامها على خطوة التطبيع ستضع في اعتبارها بُعدين مهمين، الأول الخشية من خسارة إيران كشريك استراتيجي، والثاني وهو مترتب على الأول، وهو الخشية من خسارة دور الوساطة الذي تقوم به بين إيران وخصومها. خاصة أن موجة التطبيع الحالية لا تشبه موجة التطبيع القديمة، التي شملت مصر والأردن، إذ تأتي الموجة الحالية في ظل سياق تصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران، ما يعني أن التطبيع الحالي سوف يُرتب سلاماً دافئاً وتحالفاً إقليمياً خليجياً إسرائيلياً.

وبالتالي فإن عمان أمام سيناريوهين:

إما تأجيل تلك الخطوة والاكتفاء بالتواصل السياسي مع إسرائيل من وقت لآخر دون إعلان تطبيع رسمي للعلاقات، أو أن تُقدم السلطنة على خطوة التطبيع، دون الدخول في تحالف إقليمي مع إسرائيل، وهو المرجح أن يتم بين إسرائيل والإمارات، للمحافظة على توازنات دقيقة في علاقاتها مع جميع الأطراف الإقليمية المتصارعة.

في 21 سبتمبر/أيلول الجاري، أكد مجلس الوزراء الكويتي دعم خيارات الشعب الفلسطيني، بإقامة دولة مستقلة على حدود 1967، عاصمتها القدس الشرقية، وذلك بعد أيام من تصريحات ترامب حول اقتراب الكويت من تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وفي الحالة الكويتية تلعب العوامل الداخلية والخارجية معاً دوراً محورياً في التأثير على موقف الكويت المعارض لخطوة لتطبيع مع إسرائيل في الوقت الحالي.

بالنسبة للداخل، تتمتع الكويت بميزة تميزها عن بقية دول الخليج، في كونها تمتلك برلمان “مجلس الأمة”، يشرع قوانينها، ويتكون من 50 عضواً يُنتخبون كل 4 سنوات بالاقتراع الشعبي الحر. تركيبة الحكم الداخلية هذه دفعت الكويت لأن تكون صاحبة موقف قوي داعم للقضية الفلسطينية. ولذلك بعد موجة التطبيع الأخيرة وقّع 41 نائباً من مجلس الأمة بياناً، أكدوا فيه موقف الكويت الثابت لمناهضة التطبيع مع إسرائيل، وشددوا على أن الكويتيين لن يقبلوا أي تراجع عن التزام حكومة بلادهم بالقضية الفلسطينية.

بالنسبة للعوامل الخارجية، فإن الكويت متمسكة بموقف حيادي تجاه أزمات المنطقة، بما فيها الأزمة الخليجية، وبشكل أقل تجاه الصراع مع إيران. كما تمتلك علاقات جيدة مع تركيا، تعاظمت بعد الأزمة الخليجية، والتي سعت الكويت ومازالت للقيام بدور الوساطة لحلها. وبالتالي فإن العوامل الخارجية وصراع المحاور الإقليمية تمثل معوقات لتطبيع الكويت علاقاتها مع إسرائيل؛ لإدراكها أن موجة التطبيع الأخيرة جزء من إعادة ترتيب المنطقة، وصراع المحاور فيه، ومن ثم رغبتها في عدم الانخراط بتلك الصراعات.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى