تقارير وملفات إضافية

أثينا وأنقرة تريدان التفاوض، ولكن فرنسا لا.. هل تورُّط صفقات السلاح اليونان في أزمة مالية جديدة؟

رسائل متناقضة تتبادلها أثينا مع أنقرة، فبعد تصعيد التوتر وظهور تفاصيل صفقة التسليح اليونانية الضخمة، أعلن رئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس، استعداده للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في حال تم خفض التوتر بين البلدين، مؤكداً أن بلاده لا تعتزم الدخول في سباق تسلح، فهل تتجه اليونان وتركيا للتهدئة أم التصعيد؟

واعتبر ميتسوتاكيس عودة سفينة التنقيب التركية “عروج رئيس” إلى الساحل أنطاليا أنها “خطوة إيجابية”، وأنهم مستعدون للدخول في المحادثات الاستكشافية مع تركيا، رغم تأكيد أنقرة أن السفينة عادت لأنطاليا للصيانة.

واللافت أن هذه التهدئة من اليونان والتي قابلها تهدئة مماثلة من تركيا تأتي بعد تصعيد خطير للتوتر تمثل في تلويح القمة الأوروبية الجنوبية بفرض عقوبات على تركيا مع مطالبتها بإجراء مفاوضات.

وسبق ذلك رفض اليونان للمحادثات التي تحدث عنها حلف الناتو بعد أن أفسدت الوساطة الألمانية بمخالفة تفاهمات وضعت بوساطة المستشارة أنجيلا ميركل بإبرام اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع مصر.

وكان واضحاً أن اليونان تميل للتصعيد، وبدا ذلك واضحاً في حثها هي وقبرص الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات على تركيا.

ووصل التصعيد إلى الذروة بالإعلان عن صفقة سلاح ضخمة ستكون بالأساس مع فرنسا، إضافة إلى اتهامات وجّهتها تركيا لليونان بتسليح الجزر التي يفترض أن تكون منزوعة السلاح وفقاً للاتفاقات بين الجانبين.

لكن بعد كل هذا التصعيد اليوناني الذي اعتمد على دعم فرنسي ومحاولة لتحريض الاتحاد الأوروبي وجعله طرفاً ليس وسيطاً، جاءت التهدئة اليونانية الأخيرة التي تضمنت التأكيد ألا تسلح الجزر منزوعة السلاح.

ورغم أن هذه التهدئة اليونانية جزئياً جاءت استجابة لدعوات تركية، كان أبرزها حديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي بدا واضحاً أنه يركز على فكرة مسؤولية ماكرون عن الوقيعة بين الجانبين وخاطب اليونان بالدولة الجارة.

إلا أنه يبدو أن هناك عوامل ذاتية يونانية ساهمت في هذا الأمر.

أولها أن اليونان تعلم أن الدعم الفرنسي لن يترجم على الأرض في حال وقوع معركة، كما أن أي عقوبات أوروبية على تركيا من شأنها أن تدفع أنقرة للانتقام عبر اليونان نفسها، وأبسط شيء إغراق أراضيها باللاجئين.

ولكن تصريحات رئيس الوزراء اليوناني تشير أيضاً إلى أن صفقة التسليح اليونانية الضخمة التي استخدمتها أثينا للتلويح بالتصعيد قد تكون هي السبب في التهدئة.

ووفقاً لما عُرف من الصفقة، ستستحوذ القوات الجوية اليونانية على سرب مكون من 18 طائرة مقاتلة من طراز رافال، والتي ستحل محل طائرة ميراج 2000 القديمة، كما تخطط أثينا لشراء مروحيات حربية وفرقاطات جديدة.

وأوضح رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس أن أول طائرة من طراز رافال فرنسية الصنع ستصل إلى اليونان في منتصف عام 2021.

في الوقت نفسه، أشار ميتسوتاكيس إلى اقتراح الخبراء لتقوية الأسطول البحري.

وستطلق البحرية اليونانية برنامجاً لأربع فرقاطات جديدة متعددة الأدوار. في الوقت نفسه، ستقوم بتحديث وترقية أربع فرقاطات MEKO-200HN، التي لديها بالفعل. كما سترافق الفرقاطات الجديدة 4 طائرات هليكوبتر MH-60R مضادة للغواصات.

وأوضح ميتسوتاكيس أن “البرنامج طموح، لكن ضمن الإمكانيات المالية والشاملة للبلاد”، مؤكداً أن النهج مختلف حيث يتم إجراء بعض الاستثمارات المهمة.

وحسب الخطة اليونانية سيتم إطلاق صناعة الدفاع اليونانية مرة أخرى، حيث تستثمر الصناديق الأمريكية في تحديث أحواض بناء السفن في إلفسينا بينما سيدخل مستثمر آخر قريباً أحواض بناء السفن في سكارامانغاس، دون فقدان وظائف. واكتملت عملية المناقصة لخصخصة Hellenic Vehicle Industries. كما سيتم إعادة تنظيم صناعة الطيران اليونانية وتحويلها إلى مركز لصيانة الطائرات لمنطقة أوسع.

ومن المتوقع في غضون خمس سنوات إلحاق 15000 مجند جديد بالجيش اليوناني، موقع Greek Times اليوناني.

كما سيتم تعزيز أذرع الفروع الثلاثة للقوات المسلحة اليونانية من خلال تزويدها بالتالي:

– أسلحة جديدة مضادة للدبابات للجيش.

– طوربيدات جديدة للخدمة الشاقة للبحرية.

– صواريخ موجهة جديدة للقوات الجوية.

لكن اللافت أن رئيس وزراء اليونان قال: “لن ندخل سباق تسليح، ولن تتكرر الأخطاء السابقة بخصوص الدفاع”.

بقدر ما تبدو الخطة طموحة فإنها تثير القلق بالنسبة لليونانيين أنفسهم، أول أسباب القلق أنها ستربط اليونان بفرنسا، فحسب الموقع اليوناني يوضح إعلان اليونان عزمها الحصول على 18 طائرة رافال ربط القوات الجوية اليونانية بالصناعة العسكرية الفرنسية لأكثر من 45 عاماً.

طلبت اليونان 40 طائرة ميراج إف 1 من شركة داسو للطيران في عام 1974، ثم 40 ميراج 2000 في عام 1985 وأخيراً 15 ميراج 2000-5 في عام 2000، يتضمن هذا العقد الأخير أيضاً تحديث 10 ميراج 2000 إلى معيار 2000-5 بمساهمة كبيرة من الصناعة اليونانية.

ويبدو أن أثينا قلقة من الاعتماد الزائد على فرنسا، ولذا، ذكرت صحف يونانية، بناءً على مصادر دبلوماسية، أن “النفقات الدفاعية لليونان سيتم تقاسمها بين عدّة دول في الناتو، لكن الحصة الأكبر ستمنح لفرنسا من أجل تعزيز التعاون العسكري الدائم من خلال التدريبات المشتركة”.

ولفتت الصحف إلى أن البلاد تجري في هذه المرحلة مفاوضات مع ألمانيا لشراء طوربيدات بحرية.

ومن المتوقع أن يكتمل مشروع تحديث الأسطول من طائرات “F-16” من قبل شركة “لوكهيد مارتن” الأمريكية بحلول عام 2027 بتكلفة تصل 1.25 مليار يورو.

وتعتزم اليونان خلال الأشهر المقبلة، شراء أسلحة ومعدات حربية بقيمة 1.5 مليار يورو، كمرحلة أولى، وتنوي زيادة من ميزانيتها الدفاعية نحو 3 أضعاف، رغم العجز المتزايد في ميزانية اليونان بسبب تفشي جائحة كورونا.

وأدلى رئيس الوزراء ميتسوتاكيس بتصريحات مفادها أنه “يجب تقديم هذه التضحيات لحماية القوات المسلحة اليونانية، حتى لو كان يعني ذلك تقديم الشعب لتضحيات إضافية دعما لبند التسلح”، في مؤشر لما تحمله هذه الصفقات من مشكلات للاقتصاد اليوناني.

وكل هذا يأتي كمرحلة أولى، من ميزانية جرى رصدها لدعم الإنفاق العسكري بقيمة 10 مليارات يورو.

من الواضح أن الخطة تعزز اعتماد اليونان على فرنسا، وهو أمر ليس جيداً بالنسبة لأثينا.

فأولاً الأسلحة الفرنسية مرتفعة الثمن، بشكل كبير، ويظهر ذلك في الرافال التي تعد طائرة باهظة الثمن مقابل إمكانياتها، كما أن فرنسا دولة معروف أنها  شحيحة ، فلن يتوقع أنها ستقدم مساعدة لليونان حتى لو أكدت دوماً على دعمها في مواجهة تركيا.

لكن الصفقة تثير مخاوف من الدخول في سباق تسلح وقت يتعافى الاقتصاد اليوناني من أزماته، وهو سباق تسلح لن يكون مفيداً كثيراً بالنظر إلى الفارق في الموارد المالية والبشرية بين تركيا واليونان، والأهم أن تركيا باتت تعتمد بشكل كبير على الذات في التصنيع العسكري خاصة البحري والطائرات المسيرة (وتستعد لإنتاج دباباتها الخاصة)، وهذا يعني أن إنفاق أنقرة على زيادة الموازنة العسكرية سيقوم بتشغيل مؤسساتها واقتصادها وعمالتها، عكس اليونان التي تعاني صناعاتها الدفاعية من التعسر.

لكن حتى رغبة اليونان في إحياء صناعة السفن والطيران المتعثرة، فهي تظهر أصلاً الأزمة التي تعاني منها البلاد، ومن الواضح أن محاولات الإنقاذ ستعتمد على دعم أوروبي وأن تكون أسواق هذه المنتجات أوروبية.

لكن المفارقة أن الاتحاد الأوروبي هو نفسه أحد أسباب تعثر هذه الصناعات، وتراجع تنافسيتها أمام تركيا تحديداً.

فصناعة السفن اليونانية تتعثر رغم أن اليونان أمة بحرية بينما تركيا أصبحت من أهم دول العالم في صناعة السفن، وأحد الأسباب أن اليورو المرتفع لا يجعل الترسانات اليونانية قادرة على التنافس مع الترسانات التركية والصينية، وهو أمر ينطبق على العديد من الصناعات، في المقابل، أصبحت تركيا بفضل العديد من العوامل مصنع أوروبا، ومصدر رئيسي للقارة (تركيا أكبر مصدر سيارات لأوروبا) وتزداد تنافسية منتجاتها مع تراجع قيمة الليرة الأمر يعزز تنافسية الصادرات التركية.

أما اليونان فتواجه مصاعب في قطاع الصناعة بسبب فشل الحكومات السابقة والفساد والطبيعة الجغرافية الجزرية المعقدة للبلاد التي ترفع ثمن النقل ولا توفر للبلاد مساحات لإقامة مصانع، وأخيراً بسبب اليورو القوي الذي يجعل منتجاتها مرتفعة الثمن.

وبصرف النظر عن الوعود الفرنسية، تعلم أن اليونان أنها باريس ستكون المستفيد الأول من صفقات السلاح الضخمة، كان هذا واضحاً في صفقة الأسلحة التي كان خصصتها السعودية للجيش اللبناني بأسلحة فرنسية، والتي ألغتها الرياض في النهاية.

ومن المعروف أن الميزانية العسكرية لليونان، التي بلغ حجمها الإجمالي 7.24 مليار يورو عام 2008، انخفضت إلى 3.75 مليار في 2018، بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد منذ أكثر من 10 سنوات.

وبالنظر إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد قد تقلص إلى نحو الربع بسبب الأزمة المالية التي شهدتها البلاد خلال السنوات العشر الماضية، إلا أن حجم الميزانيات التي يجري رصدها لتعزيز الإنفاق العسكري تشهد زيادة ملحوظة منذ عام 2018، وفي ظل تداعيات كورونا هل تجد اليونان في أزمة اقتصادية جديدة قد تكون الرابعة، أم تجنح لخيار التفاوض الأقل تكلفة.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى