منوعات

ثنائيات غنائية: أم كلثوم وأحمد رامي.. 50 عاماً من الحب والإبداع

ثنائي مثير للفضول لكونهما عملاقين في الغناء والشعر قدما معاً أعمالاً خالدة، ولكون قصة حب أحمد رامي لأم كلثوم صنعت حالة من الدهشة والإعجاب وربما الشفقة كونها قصة لم تنتهِ ولم تكتمل، تحمل فيها رامي عذاب ولوعة الحب وأنتج بفضلها أيضاً أروع أعماله وأعمال أم كلثوم.

وُلد شاعر الشباب أحمد رامي في نهايات القرن التاسع عشر في أغسطس من عام 1892م بالقاهرة، لأب مصري من أصل شركسي فجده لأبيه الأميرلاي الشركسي “حسين بك الكريتلي”، نشأ وترعرع في حي السيدة زينب في قلب القاهرة، ودرس في مدرسة المعلمين حتى تخرج فيها عام 1914 م ليسافر بعدها إلى باريس في بعثة من أجل تعلم نظم الوثائق والمكتبات واللغات الشرقية ودرس فى فرنسا أيضاً اللغة الفارسية في معهد اللغات الشرقية وساعده ذلك في ترجمة “رباعيات عمر الخيام”

عمل في عصبة الأمم، ثم عاد إلى مصر ليستقر بشكل نهائي عام 1945 حيث عين مستشاراً للإذاعة المصرية، ثم نائباً لرئيس دار الكتب المصرية.

دراسته ورحلته بفرنسا وعمله بعصبة الأمم خلقت منه شاعراً غير عادي، مُفوهاً ومُفعماً بالأحاسيس والرومانسية والمشاعر الدافئة، لاتزال قصائده وأبياته شاهدة  على عبقريته الفنية، ولاشك أن الشراكة التي جمعت بينه وبين “أم كلثوم” أكسبت أعماله خلوداً فوق خلودها، كما أنه لاشك أن هذه الشراكة أضافت لأم كلثوم الكثير، فقد تعدى دور رامي بهذه الشراكة كونه شاعراً مميزاً فقد، فأصبح صديقاً ومعلماً يكرس يوم إجازته في تعليم أم كلثوم علوم اللغة العربية والأدب والشعر ويناقش معها قصائد منتقاة اختارها لها بنفسه.

الحب من النظرة الأولى كان عنوان بداية أول لقاء جمع بين “رامي” وكوكب الشرق، ففي يوم الخميس 24 يوليو من عام 1924، دعاه صديقه السيد محمد فاضل، ليسهر معه في حديقة الأزبكية، وفي هذه الليلة وللمرة الأولى استمع لأم كلثوم تشدو بدون آلات موسيقية، وما إن فرغت المطربة الشابة من الغناء، حتى دنا منها؛ وباغتها: مساء الخير يا ستي، وردت أم كلثوم: مساء الخير، فقال رامي: أنا حاضر من غربة ونفسي أسمع قصيدتي، فطنت أم كلثوم وقالت: إزيك يا سي رامي.. وغنَّت: “الصَبُّ تفضحُهُ عيونُه.. وتَنمُّ عن وَجْدِ شجونِه”، ومن لحظتها سرى دبيب الحب في قلب “رامي”.

تعلق أحمد رامي بأم كلثوم تجاوز مرحلة الحب – على حد وصفه – ووصل إلى حد التقديس، واعترف رامي بهذا الحب العميق في حوار صحفي كان قد أجراه معه الكاتب محمد تبارك بعد رحيلها، قائلاً: “أحببت أم كلثوم حتى التقديس.. ولم أندم لعدم زواجي منها.. والآن أعاني الاكتئاب منذ أن غابت عن الدنيا.. ولم يبق عندي سوى الدموع. فقد بكيت كثيرا في طفولتي وشبابي.. والآن أبكي أكثر بعد رحيلها”.

أما أم كلثوم فحين سألتها إحدى المذيعات عن “رامي”، فقالت عنه: “إنه شاعري يحترق لينير طريقي”، وكانت تؤكد دائماً أنها تحب فيه الشاعر وليس الرجل، لكن رامي يقابل هذا بعدم القدرة على إنكار حبه، فيصف عدم مقدرته على التحكم في مشاعره بقوله: “ح أفضل أحبك من غير ما أقولك.. إيه اللي حير أفكاري، لحد قلبك ما يوم يدلك.. على هواي المداري”، بل إنه رغم زواجه وإنجابه أطفالاً إلا أنه كان لا يخجل في التعبير عن حبه لـ”الست”، ولعل أغنية: “جددت حبك ليه بعد الفؤاد ما ارتاح.. حرام عليك خليه غافل عن اللي راح” تعكس ذلك وتثبت مدى تعلقه بها، ويقال إنه بسببها اشتعلت نار الغيرة في قلب السيدة “عطا الله” زوجة رامي.

يكشف “توحيد” نجل رامي، بحوار أجرته معه جريدة “فيتو” أن عمَّاته هن اللاتي علمن “أم كلثوم” الحياة القاهرية، وكيف ترتدي الملابس العصرية، وكيف تتصرف كفتاة قاهرية؛ فأم كلثوم كانت تقضي أوقاتاً كثيرة من حياتها في منزل العائلة، لافتاً إلى أن والده تفرغ لأم كلثوم طيلة 12 عاماً قبل أن يتزوج، وظلت تزوره في منزله، حتى تزوج عام 1936.

رغم هذا القرب بينهما والحب الكبير الذي حمله رامي لأم كلثوم لم تتطور هذه العلاقة إلى الارتباط، فرغم هذا الحب الكبير لم يكن رامي نفسه يريد له أن يصل للزواج.. يحكي “توحيد”: “طبعاً رامي كان يحب أم كلثوم لكن لم يكن يريد الزواج منها، وقد سألته ذات مرة: لماذا لم تتزوج أم كلثوم؟ فأجاب: “لو تزوجتها هبطل أكتب شعر”.. كما تساءل: كيف أسمح لزوجتي أن تقف لتغني أمام الرجال؟! ليجيب على نفسه: “بالطبع كنت سأجعلها تترك الغناء وأمنعها منه، وهذا سيكون أسوأ شيء أفعله للغناء”.

أقرأ أيضًا : ثنائيات غنائية: أم كلثوم وأحمد رامي.. 50 عاماً من الحب والإبداع

يستطرد “توحيد”: “والدي كان جاداً وصارماً في بيته، وكان يفصل بين حياته الفنية وبين حياته الخاصة”، مشيرا إلى أن “أم كلثوم” لم تزُر والده في بيته، بدءاً من اليوم الذي ارتبط فيه بوالدته.

كل قصيدة كتبها رامي لأم كلثوم عبرت عن مشاعره لها طيلة مشواره معها، فمعظم القصائد تعبر عن موقف أو مناسبة أو إحساس أحسه لها خلال مراحل معرفته بها، وحسبما يقول كتاب “حكايات منسية” لـ”محمد أمير” فإن رامي كتب نصف أغاني أم كلثوم من أول قصيدة الصب تفضحه عيونه، إلى آخر أغانيها “يا مسهرني” التي كتبها كعتاب لأم كلثوم عندما ظلت أياماً لم تسأل عنه فكتب فيها “ما خطرتش على بالك يوم تسأل عني دي عينيا مجافيها النوم يا مسهرني”.

أنتجت هذه الرحلة 137 أغنية، جسدت الجانب الأكبر من تراث أم كلثوم الغنائي الخالد، لم يتقاضَ رامي أجراً عن أي منها، تعبيراً عن عشقه غير المحدود.

من بين هذه الأعمال: على بلد المحبوب 1935 – كيف مرت على هواك القلوب 1936 – افرح يا قلبى 1937 – النوم يداعب جفون حبيبي 1937 – فاكر لما كنت جنبي 1939 – اذكريني 1939 – يا ليلة العيد 1939 – ياطول عذابي 1940 – هلت ليالي القمر 1942 – غلبت أصالح 1946 – غنى الربيع 1946 – ياللي كان يشجيك أنيني 1949 – سهران لوحدي 1950 – يا ظالمني 1951 – أغار من نسمة الجنوب 1954 – ذكريات 1955 – عودت عيني 1958 – دليلي احتار 1958 – هجرتك 1959 – حيرت قلبي معاك 1961 – أقبل الليل 1969 – جددت حبك ليه 1952.

عاش رامي متيماً بأم كلثوم حتى رحيله، برحيلها أصيب رامي بنوبة اكتئاب اعتزل على إثرها كل شيء وظل حبيس منزله إلى أن دُعي لحفل ذكراها الأولى مطلع فبراير /شباط عام 1976، فوقف أمام الرئيس الراحل أنور السادات والأديب يوسف السباعي والكاتب رشاد رشدي، بأكاديمية الفنون، ليلقي قصيدته الأخيرة التى كتبها في رثائها، وقال في أبياتها 

ما جال في خاطري أنّي سأرثيها

بعد الذي صُغتُ من أشجى أغانيها

قد كنتُ أسمعها تشدو فتُطربني

واليومَ أسمعني أبكي وأبكيها

وبي من الشَّجْوِ..من تغريد ملهمتي

ما قد نسيتُ بهِ الدنيا ومـا فـيها

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى