لايف ستايل

كيف تتمكن مطاعم “البوفيه المفتوح” من كسب المال؟

إذا سبق لك الذهاب إلى مطعم “بوفيه مفتوح”، فأنت تعلم على وجه التحديد أنّ واحداً على الأقل من أصدقائك سيذهب جائعاً للغاية محاولاً أكل أكبر قدر ممكن من الطعام وأكثر من قيمة المال الذي دفعه.

الامر الذي قد يدفعك للسؤال حول ما هي أرباح البوفيه المفتوح؟ وما الذي يمكّن هذه الأماكن من الاستمرار في العمل، لا سيما مع السرية التي تفرضها المطاعم عند التحدث عن ممارساتهم العملية، مما يجعل الأمر غامضاً بعض الشيء. 

في بادئ الأمر قد لا يبدو الأمر منطقياً خاصة عند رؤية أطباق رواد المطعم الآخرين المكدسة بالأطعمة، وربما تجد أشخاصاً يعودون مراراً وتكراراً لملء أطباقهم، ومن المحتمل أن يؤدي كل ذلك إلى هدر كميات كبيرة من الطعام.

بالتأكيد لا يساعد ذلك على جني أي أرباح، أليس كذلك؟ ولكن دعونا نلقي نظرة عما يحدث في تلك المطاعم، والجانب الاقتصادي الغريب الذي يسمح لمطاعم البوفيه المفتوح بتحقيق الأرباح، وفق ما ذكره موقع Mashed الأمريكي.

أولاً، لنتحدث عن آلية عمل هذه المطاعم، هناك نظرية اقتصادية تقول إن مطاعم “البوفيه المفتوح” لا ينبغي أن تكون ناجحة، وهي نظرية “الاختيار السالب”.

وتصف صحيفة The Economic Times هذه النظرية بأنها الموقف الذي يواجه فيه البائع خسائر محتملة لا يمكنه السيطرة عليها، ويمكن حدوث تلك الخسائر، من الناحية النظرية، لأي وكل عميل يتعامل مع البائع.

هذه مخاطرة كبيرة بكل تأكيد، وتقول مجلة Forbes إن نفس المبدأ ينطبق على بعض المجالات مثل التأمين، حيث لا يملك البائع أي سيطرة على مخاطر الخسائر المحتملة.

وفي حالة المطاعم، عادة ما تكون المخاطر بسيطة إلى حد ما، إذ لن يتمكن الجميع من تناول طعام أكثر مما دفعوا مقابله، وحتى إذا اعتقد الكثيرون أنهم قادرون على ذلك، تلجأ تلك المطاعم إلى بعض الحيل الأخرى للتأكد من عدم حدوث ذلك.

كما أنّ هناك أمراً آخر ينبغي أن تأخذه تلك المطاعم في اعتبارها، وهو تحديد الأسعار.

إذ لا يمكنهم وضع أسعار زهيدة جداً، لأنهم سيخسرون لا محالة، ولكن إذا كانت الأسعار باهظة، لن يذهب الأشخاص إلى تلك المطاعم لأنهم سيعتقدون أنهم لن يحصلوا على قيمة تستحق هذا المبلغ.

لذا، تحقيق التوازن في الأسعار أمر بالغ الأهمية لهذا النوع من المطاعم.

أحد الأمور التي تساعد مطاعم البوفيه المفتوح هو أن نفقاتهم العامة تختلف عن المطاعم التقليدية.

إذا سألت أي صاحب مطعم سيخبرك أن النفقات العامة تلتهم جزءاً كبيراً من أرباحه، ولكن النفقات العامة لمطاعم البوفيه المفتوح أقل بشكل كبير جداً، وذلك بفضلك أنت؛ ربما لا تلاحظ أنك في الواقع تتولى عملهم نيابة عنهم. 

في هذا النوع من المطاعم، يخدم العميل نفسه، حتى أن بعض المطاعم تترك العميل يحصل على مشروبه بنفسه.

وهذا يعني عدم حاجة تلك المطاعم إلى طاقم عمل لخدمات التقديم، مما يوفر الكثير من النفقات المخصصة للرواتب.

ونظراً لعدم القلق أو الاهتمام البالغ بشأن فخامة الأطباق أو طريقة تقديمها، ولأن قوائم الطعام تعتمد بشكل كبير على مجموعة من الأصناف العادية، فهذا يغير بشكل كبير من نوعية الطهاة الذين تحتاج إليهم تلك المطاعم في مطابخها.

وغالباً تُعد الكثير من الأطباق مسبقاً، مما يقلص عدد الأشخاص المطلوب توظيفهم في المطبخ. حتى أن بعض المطاعم، مثل مطاعم الشواء، يطهو العملاء طعامهم بأنفسهم.

تمثل تكاليف الطعام الجزء الأكبر من تكاليف تشغيل المطاعم، ولا تعد مطاعم البوفيه المفتوح استثناء لتلك القاعدة.

مثلاً فإن تكاليف الطعام تتراوح عادة بين 30% و35% من تكلفة الوجبة، وتعتبر تلك النسبة معيارية في مجال خدمات تقديم الطعام.

لذا، إذا كان سعر مكونات الوجبة 10 دولارات، فهذا يعني أن سعر الوجبة للعميل سيكون 30 دولاراً، ويشمل ذلك كل النفقات العامة إلى جانب الربح أيضاً.

قد تنجح هذه الطريقة بشكل مباشر في تحديد أسعار قائمة طعام معظم المطاعم، ولكن في مطاعم البوفيه المفتوح، لا نعرف مقدار ما سيأكله كل شخص على وجه التحديد.

ولكنهم مع ذلك يلتزمون بنفس المعيار والنسبة المئوية اعتماداً على متوسط استهلاك الطعام، ولهذا ينجحون في تحقيق الأرباح.

لذا، حتى إذا جاء شخص ما وتناول ثلاثة أضعاف ما قد يتناوله الشخص الطبيعي، لن يصل مطعم البوفيه المفتوح إلى خانة الخسارة بعد، لأنهم السعر الذي يفرضونه يشمل تكاليف الطعام والنفقات العامة وأرباحهم المنتظرة.

كما أن وجود هذا العميل لا يفرض أي عبء إضافي على النفقات العامة للمطعم، لذا لا يكلفهم في الواقع أي شيء. ولذلك حتى إذا اعتقد العميل أنه تناول طعاماً قيمته أكثر من السعر الذي دفعه، سيظل هناك هامش ربح للمطعم.

وبالتأكيد ليس جميع رواد المطعم قادرين على تناول الطعام بنفس الكمية التي تناولها هذا العميل النهم، ولكن حتى إذا وجد المطعم أن تقديراتهم لمتوسط ما يتناوله الفرد منخفض قليلاً، يمكنهم تعديل هذا المتوسط وتعديل الأسعار بما يتناسب مع التقديرات الجديدة.

مثلما نسعى جميعاً بمختلف الطرق إلى تقليص الهدر في منازلنا، تتبع مطاعم البوفيه المفتوح بعض الطرق والحيل أيضاً.

تمتلك شركة Ovation Brands حوالي 330 مطعم بوفيه مفتوح في 35 ولاية أمريكية، ولديهم الكثير من البيانات حول كل جانب من جوانب عملهم.

لذلك فإنهم يراقبون ويتابعون كل شيء، بما في ذلك كميات الهدر والنفايات الأسبوعية، ويدخلونها إلى نموذج حاسوبي ضخم.

وهذا يتيح لهم تتبع مقدار ما يأكله العملاء ومقدار الهدر، ويتيح لهم أيضاً تعديل قوائم الطعام بناء على الأطعمة الشائعة التي يقبل العملاء عليها، ويمكن أن يتغير كل ذلك أكثر من مرة على مدار العام.

على سبيل المثال، يكون الإقبال أكبر على السلطات في شهر يناير/كانون الثاني، وعلى الأسماك في نهاية الأسبوع.

ويساعدهم ذلك على التخطيط المسبق لوضع الأطعمة التي سيقبل عليها العملاء بالكميات المناسبة.

كما يعدلون طريقة تقديم الأطباق للحد من الهدر، فعلى سبيل المثال، وصلت تقديراتهم إلى أن نسبة الهدر ستتراوح بين 5% و25% في كل قدر، لذا استخدموا قدوراً صغيرة.

كما عدلوا قوائمهم لتقديم المزيد من الأطعمة الفردية مسبقة التقسيم، وانعكس ذلك على النتيجة النهائية للحد من الطعام المهدر.

ألقت مجلة Psychology Today نظرة على ما يحدث في صف البوفيه المفتوح، وأطلقوا عليه مقياس “ملء بطن العميل بأرخص الطرق”.

لا يرغب أحد في وجبة تبدو رخيصة المظهر والمذاق، ولكن مطاعم البوفيه المفتوح لن تحقق أي أرباح إذا قدمت أفخم أنواع الأطعمة وشرائح اللحم.

لذا، تعتمد تلك المطاعم على التنوع والكثير من الأطعمة التي يمكن تحضيرها بمكونات معينة؛ مكونات رخيصة ولكنها عالية الجودة ومتعددة الاستخدامات.

بالنسبة للكثير من مطاعم البوفيه المفتوح، تعتبر الخضراوات هي تلك المكونات المثالية.

غالباً سترى الكثير من أطباق الخضراوات في تلك المطاعم، لأنهم يشترون الخضراوات بكميات كبيرة وأسعار قليلة.

إذ يمكن استخدام مكونات مثل الجزر والبطاطس في الكثير من الأطباق المتنوعة، كما توفر الخضراوات الرخيصة ميزة إضافية بتوفير خيارات كثيرة أمام العملاء الذين يهتمون بصحتهم.

في المرة القادمة، تحقّق من عدد أطباق الخضراوات المعروضة، ثم ابحث عن أطباق الأرز والمعكرونة. هذه الأنواع من الأطعمة الرخيصة جداً ستضمن ملء بطون العملاء وشعورهم بالشبع.

إذا نظرت إلى أصناف الأطعمة التي تقدمها تلك المطاعم، ستجد الكثير من الأطعمة والمكونات الموسمية والمحلية.

وتقول مجلة Psychology Today إن هناك فائدتين من الاعتماد على تلك المكونات.

أولاً، إذا كان الوقت الحالي يمثل موسماً لأطعمة أو مكونات معينة، سوف تتمكن المطاعم من الحصول عليه بكثرة وبأسعار زهيدة، خاصة عند الشراء بسعر الجملة.

يمكنك أن ترى ذلك بنفسك في محلات البقالة. على سبيل المثال، ستجد كيلو الطماطم في موسمها أرخص كثيراً من سعر حبتين منها في غير موسمها، أليس كذلك؟

وينطبق نفس الأمر على مصادر الأطعمة المحلية إذا كان أحد المطاعم محظوظاً بما يكفي بوجوده في مدينة ساحلية، يمكنه أن يصبح زبوناً دائماً للصيادين هناك والحصول على الأسماك والمأكولات البحرية المختلفة بأسعار ممتازة.

ثانياً، هذا الأمر مفيد جداً من الناحية التسويقية ويجعل صورة المطعم جيدة، فعندما تجد قوائم الطعام كُتب عليها “مصادر محلية” أو “أطعمة موسمية”، سوف يشعر العملاء بأنهم سيحصلون على أطعمة طازجة ومميزة، مما يدفعهم إلى العودة مراراً وتكراراً.

والآن، فكر بشأن المشروبات. من المستبعد أن تدخل إلى أي مطعم لتناول وجبة دون طلب مشروب، أليس كذلك؟ ولكن في حالة مطاعم البوفيه المفتوح، على الأغلب لن تجد سعر الوجبة شامل المشروب، وهذا لأن المشروبات إحدى الطرق التي يجنون بها جزءاً كبيراً من أرباحهم.

شركة الاستشارات المالية The Motley Fool قامت بالبحث عن الحيل التي تجني بها مطاعم البوفيه المفتوح أرباحها، ووجدت أن أرباح المشروبات كبيرة ومخفية في نفس الوقت.

وهذا لأن المطاعم عندما تبيع المشروبات، لا يكون سعرها بنفس المعيار “الثلث” المستخدم لتحديد سعر وجبة الطعام، بل يمكن أن يصل هامش الربح في المشروبات إلى 90%.

وهذا ما دفع سلسلة مطاعم البوفيه المفتوح العملاقة Old Country Buffet إلى وقف ممارساتها المتمثلة في تضمين المشروبات داخل سعر الوجبات.

وحتى المطاعم التي لا تزال تقدم المشروب ضمن سعر الوجبة أصبحت تعيّن مسؤولاً عن إحضار المشروبات للعملاء بدلاً من آلات الخدمة الذاتية، وذلك للحد من مرات إعادة التعبئة للعميل الواحد، مما يضمن لهم أرباحاً أكبر.

تقول مجلة Psychology Today إن أكبر العوامل التي تؤثر على عادات تناول الطعام في مطاعم البوفيه المفتوح هي الأدوات التي تُقدم للعملاء.

لن ترى أبداً في تلك المطاعم أطباق العشاء الكبيرة أو وعاء كبيراً للحساء، بل سترى أطباقاً صغيرة بمختلف أنواعها، كما ستحصل على صينية لحمل كل تلك الأطباق الصغيرة.

ولكن لن تتمكن من تكديس الطعام في تلك الأطباق، وهذا يحد من مقدار ما يمكنك وضعه في كل طبق.

إذ يعلم موردو المطاعم هذه الحيلة، ويوردون لمطاعم البوفيه المفتوح أدوات مصممة خصيصاً لهم من الأطباق وحتى الفضيات من المعالق والشوك التي تكون أصغر حجماً، ولكن ليست صغيرة بما يكفي لكي تلاحظ ذلك. 

والآن، فكر في تصميم مطاعم البوفيه المفتوح. ستجد الكثير من أوجه التشابه بين تلك المطاعم وبعضها البعض.

وتقول مجلة Psychology Today إن هناك أسباباً وراء وضع كل شيء في مكانه مما يساعد المطاعم على تعظيم أرباحها.

أولاً، ستدخل على قسم السلطات، والخضراوات، وإذا كنت في مطعم صيني، ستجد الأرز، والأرز المقلي، والمعكرونة.

هذه أرخص المكونات، التي تغريك بملء طبقك على الفور. وعلى مسافة أبعد، بعدما يكون طبقك شبه ممتلئ، سوف تجد أصنافاً أخرى مثل اللحوم أو الأسماك.

وتحقق أيضاً من طريقة تقديم الطعام؛ ستجد مغارف ضخمة وعميقة عند تعبئة الأرز والخضراوات، ثم ملاقط صغيرة لتعبئة أجزاء صغيرة من اللحم.

لذا، سيطلب ملء طبقك بالكثير من قطع اللحم وقتاً طويلاً، مما يضع عليك ضغطاً بسبب تعطيل الصف من ورائك، لذا نميل إلى وضع القليل لمواصلة التحرك بسرعة.

كما ستجد أن القدور التي تحتوي على الأطعمة الغالية أقل امتلاء بشكل عام، مما يحثك بشكل خفي على أخذ القليل منها، حتى يكون هناك ما يكفي الجميع. بينما ستُقدم المكونات الأرخص في قدور عملاقة، يمكنك أن تأخذ منها ما تشاء دون الشعور بتأنيب الضمير.

تحتاج خدمات البوفيه المفتوح في النهاية إلى إرضاء الناس وجذبهم للعودة مرة أخرى. وقد يبدو من المنطقي أنَّ البوفيه الأرخص سيجذب زبائن أكثر، لكن هناك جانب سيكولوجي غريب يقول عكس ذلك.

في تجربة أجرتها إحدى الجامعات الأمريكية لمعرفة ما إذا كان سعر خدمات البوفيه يؤثر في الزبائن، وعرضت التجربة على فريقين من الزبائن، وطلبت من أحدهما دفع 4 دولارات والآخر 8 دولارات، تبيَّن أنَّ الفريق الذي دفع أكثر شعر برضا أكبر عن التجربة بأكملها، وهذا يوحي بشيء عن ديمومة خدمات البوفيه.

صحيح أنَّ السعر البخس يجلب مزيداً من الزبائن، لكن الزبائن الذين يدفعون أكثر شعروا بارتياح أكبر وزادت احتمالات عودتهم.

وهذا ما تريد المطاعم حدوثه على المدى الطويل، ويعني أيضاً أنَّ إضافة بعض الدولارات إلى السعر قد تُترجَم إلى ارتفاع مطرد في الأرباح على المدى الطويل.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى