ثقافة وادب

صاحبها وُصِف بـ “تاجر الموت”.. قصة تأسيس “جوائز نوبل” وعلاقتها بالديناميت

في كل عام تُمنح جوائز نوبل المؤلفة من 6 جوائز للمؤسسات والأفراد الذين قدموا مساهمات بارزة للعالم في مجالات هي؛ السلام، والطب، والأدب، والفيزياء، والكيمياء، والاقتصاد، وتنسب إلى عالم الكيمياء السويدي ألفريد نوبل.

وُلد العالم ألفريد نوبل في عام 1833 لأسرة فقيرة في العاصمة السويدية ستوكهولم، وفي عمر الـ 9 سنوات انتقل رفقة عائلته إلى مدينة سانت بطرسبرغ الروسية حيث وجد والده عملاً هناك في مجال صناعة المتفجرات لصالح قيصر روسيا نيكولاي الأول، الأمر الذي حسّن قليلاً من وضعهم المادي، وبالتالي تمكنوا من إرساله إلى المدرسة.

كان ألفريد طفلاً غير عادي، فقد برع خلال سنوات دراسته بالكثير من المجالات، خاصة العلوم الطبيعية، ومن بينها الكيمياء، إضافة إلى تحدثه بعدّة لغات بطلاقة هي الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية، الروسية إضافة إلى لغته الأم السويدية.

عندما بلغ نوبل 17 عاماً انتقل إلى العاصمة الفرنسية باريس وبعدها بعام انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة الكيمياء، وهناك حصل على أول براءة اختراع سجلت باسمه بعد اختراعه “عداد الغاز” وذلك في عام 1857.

بعد خسارة روسيا لحرب القرم مع الدولة العثمانية في عام 1856 ووفاة القيصر نيكولاي الأول، قرر القيصر الجديد للإمبراطورية ألكسندر الثاني عدم الاعتماد على المتفجرات التي كان يصنعها والد ألفريد، وبالتالي قررت الأسرة العودة إلى بلادهم السويد.

وهناك استطاع والد نوبل إقناع الجيش السويدي بدعمه من أجل صناعة صاروخ يسير بشكل ذاتي، إضافة لتحسين صناعة مادة النتروغليسيرين السائلة المتفجرة التي اخترعها في عام 1847 أحد زملاء نوبل السابقين وهو أسكانيو سوبريرو. 

وبعد موافقة السويديين بدأ نوبل بمساعدة والده على تحسين صناعة النتروغليسيرين وإيجاد طريقة لاستخدامها في الصواريخ.

وخلال 4 سنوات من العمل المضني تمكّن العالم السويدي في عام 1863 من تحويل هذه المادة المتفجرة إلى حبيبات سهلة الاستخدام، إضافة إلى اختراع الصاعق، وهي ما سُميت بـ”الديناميت” وهو الذي يعد أحد أعظم الاختراعات في ذلك العصر بما يتعلق في مجال المتفجرات، وقد حصل على براءة اختراعه في عام 1867.

وخلال حياته تمكن نوبل من جمع أكثر من 300 براءة اختراع منها الجيلاتين المفعم بالنار المعروف باسم “الجلجنيت” التي تمتلك قوة انفجارية أكبر من الديناميت، إضافة إلى الباللتسيت عديمة الدخان التي لا تزال تستخدم كمادة متفجرة في الصواريخ حى الآن.

في عام 1888 قرأ نوبل نعيه عندما أخطأت إحدى الصحف الفرنسية بينه وبين شقيقه لوجفيج الملقب بـ “روكلفر الروسي” الذي توفِّي في مدينة كان الفرنسية، ولقبته بـ “تاجر الموت” بسبب اختراعه الديناميت، بحسب ما ذكره موقع The Conversation.

حفّز هذا النعي الخاطئ ألفريد نوبل لأن يراجع نفسه في كل ما قدمه من إنجازات وقرر أن يترك إرثاً طيباً يذكره به الناس عند موته، وذلك عن طريق التبرع بمعظم ثروته التي جمعها من تصنيع المواد المتفجرة من أجل إنشاء جوائز سنوية توزع على من يتركون أثراً طيباً في الحياة.

وقبل وفاته بعام، وتحديداً في 1895، طلب نوبل في وصيته أن يتم تأسيس 5 جوائز سنوية هي (الكيمياء، الفيزياء، الأدب، الطب، والسلام) بحيث يفوز بها كل شخص استطاع أن يقدم اكتشافاً مهماً للبشرية في تلك المجالات بمبلغ مادي يؤخذ من أمواله، خاصة أنه لم يتزوج طيلة حياته ولم يكن له أي وريث شرعي.

أمّا جائزة نوبل للعلوم الاقتصادية فقد أصبحت الجائزة السادسة التي تقدم وبدأت في تاريخ 1969 رغم عدم ورودها في الوصية الأصلية.

وترك العالم الكيميائي بعد وفاته في عام 1896 ثروة تُقدر بحسب قيمة الدولار بالوقت الحالي بنحو 300 مليون دولار.

لا شكّ أنّ الأسباب التي دفعت نوبل إلى إنشاء جوائز تخص الطب والكيمياء والفيزياء والأدب واضحة لأهميتها بالنسبة للبشرية، ولكن الأساس المنطقي من أجل إنشاء جائزة للسلام تبدو أقل وضوحاً.

ويفسر بعض العلماء قرار نوبل بمنح جائزة للسلام إلى علاقة غرامية أقامها مع امرأة نمساوية تدعى بيرثا فون سوتنر.

وتعود قصة تلك العلاقة إلى إعلان وضعه نوبل في إحدى الصحف عندما كان مقيماً في العاصمة الفرنسية باريس يبحث من خلاله عن “امرأة ناضجة، تعرف عدة لغات، للعمل كسكرتيرة ومشرفة على منزله”.

فعملت سوتنر لدى نوبل مدة عامين قبل أن تقرر تركه للزواج من أحد النبلاء والأثرياء في النمسا.

ورغم زواجها بقيت سوتنر التي كانت داعية سلام وصحفية وكاتبة على تواصل دائم مع المخترع السويدي حتى وفاته، ودائماً ما كانت تحثه من خلال رسائلها على نشر السلام في العالم، ولذلك يعتبرها العالم المحفز الأساسي التي دفعت نوبل من أجل إنشاء هذه الجائزة.

في عام 1905 كانت بيرثا فون سوتنر أول امرأة تحصل على جائزة نوبل للسلام، وثاني امراة تفوز بإحدى الجوائز بعد ماري كوري التي فازت بنوبل للفيزياء في عام 1903 مشاركة مع زوجها بيار كوري.

بدأ توزيع جوائز نوبل بعد وفاته بـ 5 سنوات، أي في عام 1901، عندما أقيم حفل كبير في الأكاديمية الملكية الموسيقية في مدينة ستوكهولم السويدية.

وكان الألماني فيلهلم كونراد رونتغن أول شخص يفوز بجائزة نوبل للفيزياء وذلك بعد اكتشافه الأشعة السينية التي فتحت آفاقاً جديدة في مجالي الفيزياء والطب.

بينما كان الهولندي ياكوبس فانت هوف أول فائز بجائزة نوبل للكيمياء لاكتشافه قوانين الديناميك والضغط الأسموزي في المحاليل (مقياس ميل المحلول) إضافة إلى وضعه معادلة الديناميكا الحرارية الكيميائية.

أما جائزة نوبل في الطب الأولى فكانت من نصيب الألماني إميل فون بهرنغ الذي طور مصلاً لعلاج مرضى الخناق والكزاز.

في حين كان الفرنسي رينه سولي برودوم أول شخص يفوز بجائزة نوبل للأدب لاعتباره أحد مجددي الشعر عن طريق الوقوف في وجه المذهب الرومانسي القديم الذي يعتبره تجسيداً للعواطف الساذجة والمشاعر السطحية ودعم مذهب البرنسيه الذي يعد تجسيداً حقيقياً للمعنى والوعي.

أما بالنسبة لجائزة نوبل للسلام الأولى فكانت من نصيب شخصين، السويسري جان هنري دونانت والفرنسي فريدريك باسي، لما قدماه من أعمال تخص السلام في العالم، مثل تأسيس الرابطة الدولية الدائمة للسلام، وجمعية أصدقاء السلام الفرنسية، ولجنة الصليب الأحمر.

تمكن العرب منذ بدء تاريخ توزيع نوبل من الفوز بـ 8 جوائز، أولاها كانت من نصيب الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات، إذ فاز بجائزة نوبل للسلام بعد توقيعه اتفاقية كامب ديفيد التي كانت أول اتفاقية سلام تتم بين إسرائيل ودولة عربية.

أما الجائزة الثانية فكانت من نصيب الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، عندما منح جائزة نوبل للسلام لمبادرته “السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط” التي تنص على إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967.

ثالث جائزة من نصيب العرب كانت للكاتب المصري نجيب المحفوظ الذي فائز بجائزة الأدب، لما قدمه من أعمال أدبية واقعية، نقل الكثير منها إلى أعمال تلفزيونية وسينمائية.  

أما محمد البرادعي فقد كان ثالث مصري يفوز بجائزة نوبل، والثاني عن جائزة السلام، لجهوده المبذولة في احتواء انتشار الأسلحة النووية عندما كان يعمل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

في حين كان العالم المصري أحمد الزويل أول عربي يفوز بجائزة نوبل للكيمياء وذلك لأبحاثه المؤثرة في مجال كيمياء الفيمتو واختراع ميكروسكوب يقوم بتصوير أشعة الليزر يمكن من رؤية الجزيئات أثناء التفاعلات الكيميائية.

فيما كانت اليمنية توكل كرمال أول امرأة عربية تفوز بالجائزة والتي كانت أيضاً جائزة السلام، وذلك بعد تأسيسها لمنظمة “صحفيات بلا حدود” ولدورها المؤثر في الثورة اليمنية 2011.

أما الجائزة السابعة فكانت من نصيب الرباعي الراعي للحوار الوطني التونسي المؤلف من (الاتحاد العام التونسي للشغل، الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة الصناعات التقليدية، الهيئة الوطنية للمحاميين، الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان) الذين فازوا بجائزة نوبل للسلام لمساهمتهم في إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي في تونس والخروج بالبلاد من أزمة سياسية نشأت بعد الربيع العربي.

والجائزة الأخيرة كانت من نصيب العراقية نادية مراد التي كانت إحدى الأسيرات لدة تنظيم داعش، وقد فازت بجائزة نوبل للسلام مشاركة مع طبيب كونغولي “دينيس موكويغي” لجهودها في إنهاء استخدام العنف الجنسي كسلاح في الحروب.

في عام 2016 كان “الدفاع المدني الحر” في سوريا أحد أبرز المرشحين للفوز بجائزة نوبل للسلام لجهوده المبذولة في إنقاذ حياة آلاف الأشخاص من تحت الأنقاض بسبب قصف قوات النظام السوري للمدنيين الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.

لكن الجائزة ذهبت إلى الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس لجهوده في إيقاف الحرب الأهلية في بلاده.

ليفتح هذه الاختيار الباب أمام التفكير في الآلية التي تعمل خلالها اللجنة على تقديم الجوائز وتذكرنا بجوائز سابقة كانت مثيرة للجدل تم تقديمها لأشخاص غير جديرين بها.

ومن بين تلك الجوائز كانت جائزة نوبل للطب التي تم تقديمها في عام 1949 للطبيب البرتغالي أنطونيوس إيجاس مونيز لاختراعه عملية فل الفص المخي الجبهي للمرضى الذين يعانون من الوسواس القهري والفصام والاكتئاب، وهذه العملية قد أثبتت فشلها الكامل فيما بعد.

وجائزة نوبل للسلام عام 1953 التي حازها رئيس الصليب الأحمر الأمريكي جورج مارشال مؤسس “مشروع مارشال” لإعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية الذي كان هو نفسه قائداً للقوات العسكرية الأمريكية أثناء الحرب الأمريكية-الفلبينية.

توزع جوائز نوبل للسلام في احتفال رسمي يُقام في 10 ديسمبر/كانون الأول من كل عام، وهو التاريخ الذي توفِّي فيه مؤسس الجوائز ألفريد نوبل.

ويقوم ملك السويد بتوزيع جميع الجوائز في العاصمة ستوكهولم، عدا جائزة نوبل للسلام التي توزع في العاصمة النرويجية أوسلو.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى