ثقافة وادب

مرشح حزب جديد العهد يطالب بإنهاء قانون العبودية.. كيف تسبب فوز أبراهام لنكولن بكرسي الرئاسة في اندلاع حرب أهلية بأمريكا؟

كان لفوز مرشح الحزب الجمهوري أبراهام لينكولن على نظيره الديمقراطي جون بريكنريدج في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1860 سبباً مباشراً في اندلاع حرب أهلية دموية في البلاد استمرت قرابة 5 أعوام.

فبعد الانتخابات التي شهدت واحدةً من أعلى نسب إقبال الناخبين بتاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، قامت عدة ولايات جنوبية وهي (كارولينا الجنوبية، مسيسيبي، جورجيا، لويزيانا، فلوريدا، ألباما) بالانسحاب من الاتحاد الأمريكي وتشكيلها دولة جنوبية مستقلة، خوفاً من إلغاء لينكولن لقانون العبودية الذي أقرته المحكمة الأمريكية العليا قبل الانتخابات بـ4 سنوات.

أدَّت مسألة العبودية إلى تصاعد الخلاف السياسي والتسويات منذ صياغة الدستور الفيدرالي الأمريكي لعام 1787.

ففي السنوات الأولى للأمة الأمريكية الجديدة، تبنَّت عدة ولايات شمالية قوانين العتق، في حين أدَّت التكنولوجيا الحديثة والطلب العالمي على القطن إلى تجذُّر عمالة العبيد في الجنوب.

فانتشرت الزراعة من الولايات الأطلسية وحتى منطقة الخليج (خليج المكسيك)، ونتيجة لذلك، نما عدد العبيد إلى 4 ملايين بحلول عام 1860، وفقاً لما ذكره موقع History Extra البريطاني.

فاعتبر معظم الأمريكيين أنَّ الدستور منح ولايات العبيد المنفردة وحدها حق تقرير مستقبل “مؤسستها الخاصة”، لكنَّ حركة المستوطنين باتجاه الغرب وتوسيع حدود البلاد -من خلال شراء لويزيانا، وضم تكساس، وانتزاع كاليفورنيا ومناطق أخرى بالقوة من المكسيك- أدَّيا إلى أزمات دورية بشأن وضع حيازة العبيد في الأراضي الجديدة والولايات التي تكوَّنت فيها.

كانت انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 1860 هامة جداً في التاريخ الأمريكي فقد غيّر انتصار أبراهام لينكولن النظرة السائدة للحكومة بشأن موضوع العبودية.

ليس لأنَّ لينكولن كان أول مرشح للرئاسة يترشح ببرنامج مناهض للعبودية، بل لأن أحزاب “الأقلية” التي شعرت بالقلق من زيادة ترسخ عبودية المزارع قدَّمت الدعم له.

فأدى ذلك إلى تفاخر الحزب الجمهوري المُؤسَّس حديثاً آنذاك عن كطريق بيان قوي أكد فيه التزامه بكبح العبودية التي وصفها بأنها من بقايا الهمجية.

أدَّى نجاح لينكولن إلى انسحاب ولاية ساوث كارولينا من الاتحاد، وأعلنت الولاية في مؤتمر خاص للانفصال في 20 ديسمبر/كانون الأول أنها اتخذت مكانها “مرة أخرى بين دول العالم”.

وفي غضون شهرين، انضم إليها 6 من ولايات الجنوب الأدنى في تشكيل كونفدرالية مستقلة.

وكان الدستور الأمريكي ينصّ على بقاء الرئيس المنتهية ولايته، الديمقراطي جيمس بيوكانان، في المنصب في الفترة بين الانتخابات وحتى تنصيب لينكولن ليكون الرئيس السادس عشر في 4 مارس/آذار 1861.

وكان بيوكانان يفتقر للسلطة والإرادة لنزع فتيل أكبر أزمة في تاريخ البلاد. وسيتوقَّف حلها على حكمة وشجاعة خليفته.

مثل كل الأحزاب السياسية، كان التنظيم الجمهوري الجديد تحالفاً، وبرزت العناصر المكونة له من السياسات الممزقة في منتصف خمسينيات القرن التاسع عشر، والتي أدَّت إلى فراغ سياسي من خلال القضاء على حزب اليمين وإضعاف منافسيهم الديمقراطيين.

وفتح “قانون كانساس-نبراسكا” لعام 1854، الذي أعدَّه السيناتور الأمريكي ستيفن دوغلاس، وهو ديمقراطي من ولاية إلينوي، منطقة شاسعة عابرة لنهر المسيسيبي، كانت تُعتَبَر سابقاً حكراً على العمل الحر، أمام المستوطنين مُلَّاك العبيد.

وأدَّى الغضب الفوري الذي تفجَّر في الشمال إلى تحالف “مناهض لنبراسكا” على مستوى الولايات يتألّف من الديمقراطيين الساخطين، وأعضاء حزب اليمين المناهضين للعبودية، وأعضاء “حزب الأرض الحرة” المستقلين، وأنصار الإلغاء الكامل للعبودية.

وفي الوقت نفسه، أدَّى تدفقُ المهاجرين، الكثير منهم من الكاثوليك، إلى رد فعل عنيف من السكان الأصليين ما أدَّى إلى توتير الولاءات السياسية أيضاً.

وبحلول عام 1860، كان حزب “الأرض الحرة، والعمالة الحرة، والرجال الأحرار” قد وسَّع برنامجه لتبنّي الملكية العائلية للمستوطنين الغربيين، وتعريفات حمائية، وخط سكة حديد إلى المحيط الهادي.

وحددت صحيفة “The Republican” في مدينة سبرينغفيلد بولاية ماساتشوستس أنَّ قوة الحزب تكمن في “طبقة المصالح المتوسطة الكبرى”، الرجال “الذين يعملون بأيديهم، الذين يعيشون ويعملون باستقلالية، الذين يحملون دعائم المنزل والعائلة، المزرعة والمَشغَل، التعليم والحرية”.

فجعل الجمهوريين معظم دورهم متمثلاً في أنهم حزب الضمير، وعلى هذا الأساس نجحوا في اجتذاب الكثير من الفئات النافذة مثل البروتستانت والمهاجرين المتشددين، وعلى رأسهم الألمان.

التقى قادة الجمهوريين في مدينة شيكاغو خلال مايو/أيار 1860 لاختيار مرشح رئاسي.

وتركَّز الاهتمام في المقام الأول على السيناتور وليام سيوارد، الحاكم السابق لولاية نيويورك، والذي كان يُتوقَّع أن ينال الترشيح.

لكنَّ سُمعته بشأن التشدد، والتي كنت قد تعززت مؤخراً بخطابٍ يُصوِّر الصراع بين العبيد والمجتمعات الحرة باعتباره “صراعاً غير مسؤول”، ألقت بشكوك في عقول المديرين الجمهوريين.

هل بإمكانه الفوز بالأصوات المُحافِظة الضرورية في تلك الولايات في الشمال الأدنى (بنسلفانيا وإنديانا وإلينوي)، والتي عرقلت سابقاً طريق الحزب نحو السلطة؟ بالطبع لا.

وفق الوقت الذي كان داعمو سيوارد يشعرون بالراحة بسبب العوائق التي كان يعاني منها معظم منافسيه، نسوا أن يحسبوا حساب الحصان الأسود، أبراهام لينكولن.

 أدَّت مناظرات لينكولن الـ7 في الهواء الطلق مع ستيفن دوغلاس في أنحاء إلينوي عام 1858، سعياً وراء انتخابه لمجلس الشيوخ الأمريكي، إلى إكسابه الاهتمام الوطني فضلاً عن احترام الناخبين المناهضين للعبودية بعد ثباته في مواجهة دوغلاس المُلقَّب بـ”العملاق الصغير”.

وبعد ذلك، نبَّه خطابه المُصاغ بعناية الذي ألقاه في كلية “كوبر يونيون” بمدينة نيويورك الشرقيين إلى التطور الفكري والأساس الأخلاقي لهذا الغربيّ الذي لم يقابلوه شخصياً من قبل.

فقال أحد كُتَّاب الصحف: “إنَّه الرجل الأعظم منذ القديس بولس. لم يترك أي رجل مثل هذا الانطباع في إطلالته الأولى أمام جمهور من نيويورك”.

قدَّم لينكولن، الذي صمَّم على أن تقييد العبودية سيحقق أهداف مؤسسي البلاد ومبادئ “إعلان الاستقلال”، وفي الوقت نفسه أصرَّ على حقوق الولايات الجنوبية الدستورية لحماية مؤسساتها المحلية، فكان المنطق السياسي الرشيد، وليس الحظ، هو ما ضمن ترشيحه.

كان الديمقراطيون توسعيين متحمسين، وبصفتهم حزباً وطنياً، كان عليهم إعداد سياسة للأراضي الغربية من شأنها أن تخدم الطموحات المتضاربة بين حزب الأرض الحرة والمستوطنين الداعمين للعبودية.

وأبقت صيغة “السيادة الجماهيرية” لستيفن دوغلاس -والتي تترك المستوطنين أنفسهم يحلون المشكلة من خلال تصويت محلي- الديمقراطيين الشماليين والجنوبيين راضين لبعض الوقت.

وبحلول 1960، تخلى الجنوبيون النافذون عن السيادة الجماهيرية، وجرَّأهم قرار المحكمة العليا التاريخي في قضية دريد سكوت الذي أعلن أنَّ حقوق الملكية لمُلَّاك العبيد هي حقوق مقدسة على بدء الدعوة لإيجاد حماية قانونية فيدرالية للعبودية في الأراضي.

وشهدت المؤتمرات الوطنية المشحونة للحزب انقسامه حول قضية إيجاد قانون فيدرالي للعبودية، وهو ما ترك دوغلاس يخوض الانتخابات باعتباره مرشح الديمقراطيين النظاميين، وخروج جون بريكينريدج، أحد مُلَّاك العبيد من ولاية كنتاكي، مرشحاً ممثلاً للجنوبيين المتشددين الذين كانوا مستعدين لدعم الخروج من الاتحاد إن لم يحصلوا على ما يريدون.

فاز لينكولن بالرئاسة بـ40% فقط من التصويت الشعبي، أي 7% أقل من الأصوات المجتمعة لمنافسيه الديمقراطيين.

لكنَّ الانقسام في الحزب الديمقراطي في حد ذاته لم يمنح الانتصار للجمهوريين، إذ حصل لينكولن على أغلبيات واضحة في كل الولايات الحرة تقريباً.

بما في ذلك نيويورك وبنسلفانيا وأوهايو وماساتشوستس وباقي الولايات ذات الكثافة السكانية، حيث يتركَّز مندوبو المجمع الانتخابي في انتخابات الرئاسة.

كما هيمن لينكولن بسهولة على المجمع الانتخابي، وحصل بريكينريدج على 180 صوتاً ودوغلاس على 12.

تحرّك دعاة القومية الجنوبية “الكونفيدرالية الجديدة التي نشأت” والذين عُرفوا باسم “آكلي النار”، بسرعةٍ لحشد الدعم للانفصال عن الاتحاد الأمريكي.

واعتقد البيض الجنوبيون أن وصول أحد دعاة إلغاء الرق إلى البيت الأبيض يعني استخدامه أدوات الحكومة لإحداث الثورة التي استعصى إشعالها.

اشتعلت الحرب على إثر انفصال الجنوب؛ لأن لينكولن، بدعم من غالبية الشماليين، رفض الاعتراف بأن أياً من بني وطنه لديه حق دستوري في الانسحاب من الاتحاد “الأبدي”.

ناهيك عن الانسحاب رداً على انتخابات ديمقراطية جرى التنافس فيها على نحو عادل والفوز بها شرعياً.

وعندما أرسل لينكولن في أوائل أبريل/نيسان 1861 سفينةً غير مسلحة لتموين حصن تابع للحكومة الاتحادية في ميناء تشارلستون، فتحت المدافع الكونفيدرالية النار عليها.

فكان الأمر كما وصفه لينكولن لاحقاً: “كلا الطرفين يشجب الحرب وينكر رغبته فيها؛ لكن أحدهما آثر إشعال حربٍ على أن تمضي الأمة في طريقها، والآخر قَبِلَ خوضها على أن يرى أمته تفنى بتمزقاتها”.

بعد 5 سنوات من حرب أنهكت الولايات المتحدة تمكّن لنكولن من قمع هذه الدولة المنفصلة وإعادة جميع الولايات إلى الاتحاد الأمريكي، إضافة إلى إنهائه قانون العبودية.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى