آخر الأخباركتاب وادباء

جغرافية الكلمة

بقلم الكاتب الأديب

مهندس محمود صقر

01/11/2021

يدور جدل حول عنوان مسرحية جاري إعدادها بعنوان “المومس الفاضلةوالمسرحية مأخوذة عن مسرحية بذات العنوان للكاتب والفيلسوف الفرنسي “جان بول سارتر” كتبها عام 1946.
وقد أثار اسم المسرحية موجة شد وجذب وصل إلى أروقة المحاكم والبرلمان وأجهزة الإعلام، بين من يرى المنع حفاظا على قيم المجتمع، ومن يرى في ذلك حجرا ووصاية على الفن، وتخلف وجهل وعودة للوراء.

ولقراءة المشهد من منظور ثقافي ننطلق من قاعدة لا خلاف عليها بين العقلاء، وهي اختلاف مدلول الكلمة ذات الترجمة الحرفية الواحدة من مجتمع لمجتمع، ومن ثقافة لثقافة، وبقدر سعة ثقافة الإنسان، بقدر تفهمه واحترامه لاختلاف الثقافات.

فنحن في بلادنا العربية قد يختلف مدلول الكلمة داخل البلد الواحد من محافظة لأخرى، أو من حضر لريف لبدو، فمثلاً في “الإسكندرية” إذا أردنا ممن يجلس بجوارنا أن يفسح في المكان نقول: ” انزاح“، وفي الريف يقولون لنفس الغرض: “إتاخر“، وأهل الريف يرون في التعبير بكلمة “انزاح” قلة أدب وعجرفة تصل لحد الإهانة للمخاطَب، في حين أن للكلمتين مرجعية في اللغة العربية الفصحى؛ الأولى من الإزاحة، والثانية من التأخر.

وإذا ذهبنا بعيداً نجد أن الكلمة قد يتسع الخلاف في مدلولها بتغير البلاد والثقافات حيث أن الكلمة هي نتاج لثقافة المجتمع.
يذكر الدكتور “حسن وجيه” في كتابه (علم التفاوض الاجتماعي والسياسي) أن الرئيس الراحل “أنور السادات” سأله صحفي أمريكي:
هل تنتظر دعوة من الرئيس “كارتر” لزيارة الولايات المتحدة قريباً؟.
فرد عليه السادات: ”INVITED OR NOT INVITED I CAN GO AND MEET WITH CARTER”
يعني وفقا لثقافة “العشَم” عند المصريين، والتي عبرَت عنها أغنية “شيخ البلد” لشفيق جلال: (الليلة دي من غير عزومة نتعزم.)، يقول السادات:
(بدعوة أو بدون دعوة أستطيع مقابلة “كارتر”.)
كان تعليق الصحفي الامريكي وفق ثقافته هو كمتلقي لرد “السادات”: (إن “السادات” يتسم بالعنجهية والجفاء).

مع أسفى الشديد للقارئ الفاضل بسبب الصورة

وتستطيع أن تتوسع في آلاف الكلمات والمواقف التي يتباين تلقيها من مجتمع لمجتمع، فمفهوم الكلمة هو الابن الشرعي لثقافة المجتمع.

وبرغم بساطة المفهوم، وبرغم اشمئزاز المتلقي العربي لكلمة “مومس“. وبرغم فجاجة ارتباطها بالفضيلة في جملة واحدة، فإن أدعياء الثقافة في بلادنا يواجهون بعنجهية وجهل، واتهامات معلبة كل من يحاول تذكيرهم بخصوصية ثقافة مجتمعاتنا.

أما موضوع المسرحية نفسه، فهو موضوع إنساني أدبي رفيع وقع ضحية عنوانه، ومجتمعنا في الغالب يكتفي بقراءة الكتاب من عنوانه، وهذا ما سأتناوله في مقال قادم إن شاء الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى