آخر الأخبارتحليلات

يا هنحكمكم يا نقتلكم اختاروا !!!!

خلقني الله طبيباً قادراً على تشخيص الحالات

تحليل إعداد رئيس التحرير

سمير يوسف

رئيس منظمة “إعلاميون حول العالم”

ما من مرة يتحدث فيها “شهبندر التجار” المنقلب على رئيسه المنتخب، إلا ويشحذ قرائح رواد التواصل الاجتماعي بمادة غزيرة، للاستهزاء به، والسخرية منه!

يعتبر الأطباء النفسانيون فى العالم “اضطراب الفكر الشكلي” أحد نوعي اضطراب “الفكر” أو “التفكير”، والنوع الآخر هو “الهذيان”. ويتعلق الأخير بـ”المحتوى” بينما يتعلق الأول بـ”الشكل“.

الحكاية كانت كده، واحنا كنا كده، وبالرغم من كده، عملنا كده، وهيا دي المعجزة“!

ما هي الحكاية التي كانت “كده”، وما هي “كده” التي وصف بها الحكاية؟! لا أحد يعرف، وهو لم يقل!.. كيف كنا “كده”؟! لا أحد يدري، وهو لم يفصح!..

ما هي “كده” التي بالرغم منها عملنا “كده”؟! الله أعلم.. وما هي “كده” التي عملناها رغم “كده” التي جعلتنا نعملها؟! سؤال بايخ!.. وما هي المعجزة؟.. “ففهمناها سليمان”! سليمان (الذي هو السيسي كما يرى نفسه) اصطفاه الله، من بين مئة مليون مصري، وفهّمه هذه المعجزة، وعرّفه أسرارها!.. ألا يكفي مصر والمصريين ما فهمه “سليمان”؟! طبعا يكفي ويزيد، والحمد لله الذي لا يُحمَد على مكروه سواه.

تواجه مصر، من بين مشاكل وأزمات عدة، ظاهرة الفساد التي تنخر في جسد الدولة والمجتمع منذ عقود وتتفاقم يوما بعد يوم. وتبدو مكافحة الفساد في أكبر بلد عربي معقدة وصعبة بسبب خطورة القضية.

خلقني الله طبيباً قادراً على تشخيص الحالات. هكذا خلقني. أعرف الحقيقة وأراها. أصغوا إليّ. حتى العالم يقول لكم “أصغوا إليه.”‘

بهذا الكلام، تحدّث “شهبندر التجار”عبد الفتاح السيسي عن حكمته غير المسبوقة وقدراته الخاصة. ولا يزال يصف نفسه كـ”مداوي الفلاسفة” و”قدوة سياسيي العالم وأهل الفكر والخبراء الإعلاميين وأعظم فلاسفة الكون، إذا صحّ التعبير.” كما يمكنه توقّع مستقبل مصر انطلاقاً من الأحلام التي تراوده في الليل.

ماذا تعني “كده” الأولى؟! وهل تختلف عن “كده” الثانية التي وصف بها الدولة المصرية؟! وهل مشكلة الشعب غير مشكلة الدولة؟! يجيب الطبيب الفيلسوف إجابة شافية مبينة: “عشان وعشان وعشان وعشان”… فالإجابة هي: إحنا كدا والدولة المصرية كدا، عشان وعشان وعشان وعشان…! لكن ما هو (ده) الذي يسأل الفيلسوف عن إمكانية تجاوزه؟ لا أحد يعلم (من خلق الله) إلا هو.. لذا أجاب بكل ثقة: أيون، وليس “أيوه” ولا “أيوا”.. وإنما أيون.. للتوكيد!

طالما يعتبر السيسي نفسه محور انتباه القادة العالميين والفلاسفة، لا حاجة إلى تخيّل مدى معاناة شعبه. فلم يتوان “شهبندر تجار الجيش” قطّ في أي من خطاباته عن الإغداق على شعبه بالتقييم الذاتي أو التسلّط الخرافى.

 وغالباً ما يلقي خطاباته هذه بعد أزمة تتطلّب اتخاذ تدابير سياسية و/أو اقتصادية طارئة.

وشهد هذا العام عدّة سجالات حامية حول تسليم جزيرتين في البحر الأحمر إلى السعودية. في أحد خطاباته، أخبر السيسي حكاية قبل النوم كانت تقصّها عليه والدته قبل النوم وتنصحه فيها بعدم اشتهاء مقتنيات الآخرين.

ولكن ما هذا الأسلوب الذي يعتمده لمساعدة شعبه على فهم المسألة والتغاضي عن غضبهم الناجم عن تسليم جزء من بلادهم إلى دولة أخرى؟

في بدايات 2016، خلال إلقائه خطاباً عن التقشف والأوضاع الاقتصادية المتدهورة، طمأن السيسي شعبه بأنه مستعدّ لعرض نفسه للبيع إذا كانت مصلحة البلاد تستلزم ذلك.

وفي اذات الخطاب نفسه، أمر شعبه بوقاحة بالإصغاء إلى كلامه فقط.

إنّ حديث السيسي عن نفسه وعن أحلامه وقدراته الخاصة وإتيانه على ذكر أمور مثل الأرواح الشريرة يبدو مأخوذاً من أفلام الخيال. غالباً ما تكون ردود فعل الناس على كلامه مليئة بالسخرية والنكات ولكن سرعان ما يدركون أنّ الأمر ليس بالمزحة، بعد أن يلاحظوا التدهور المنتظم للاقتصاد المصري.

والغريب فى هذا الأمر هو تقبّل الناس الملحوظ ودعمهم حتى لترّهاته. ولكن ما السرّ؟ أهي هيبته؟ أو أنّ حكمته غير المسبوقة هي التي تأسر قاعدته الشعبية؟

لست أزعم غياب معارضة متزايدة ولكن أحاول فهم قدرته على اختلاق قصص عن “الحكمة” بكلّ ثقة وتمكنّه، على الرغم منها، من المحافظة على قبول الشعب في كلّ مرة يحاول فيها اتخاذ خطوة إضافية.

لمَ لا يرى السيساوية المؤيدين للسيسي الجنون الذي يشوب هداياه المزعومة؟ ما العقد الذي يجمع بين القائد المهووس بالعظَمة وداعميه المعميين لتشكيل هذا الرابط السياسي الاجتماعي المهيمن المعاصر؟

تغذية هوس مرض العظمة

يصعب التصديق بأنّ السيسي، الذي يُعتبر قائداً إستراتيجياً استثنائياً حشد الملايين من المؤيدين له، لا يدري ما يفعل. فهو قاد انقلاباً ناجحاً على إحدى الجماعات السياسية الأكثر ثباتاً في المنطقة وهي جماعة الإخوان المسلمين وتمكّن من قمع ثورة واعدة للعالم خلال فترة قصيرة جداً (ثورة يناير 2011).

ولكن سرعان ما يدرك المرء أنّ السيسي ليس استثنائياً على الرغم من أنّ هذا النمط محيّر في سياق السلوكيات العسكرية.

صباع الكفته يشفى من المرض

فمنذ فترة ليس ببعيدة، زعم لواء في الجيش أنّه وجد دواء يشفي من مرض الأيدز ومن فيروس العوز المناعي البشري HIV والتهاب الكبد الفيروسي “ج” بموافقة وتسويق من مؤسسته العسكرية.

وفي سياق مشابه يحيّي السخافة، تحدّث جنرال آخر في الجيش عن تكتيكيات خلّاقة وقائية (وطبيعية) من الحرب في حال أطلقت إسرائيل هجمات نووية. وقال إنّ مناخ مصر يتميّز برياح شمالية غربية وإذا تعرّضت لهجوم ما من إسرائيل، ستتولّى الرياح ردّ الهجوم إلى إسرائيل. صدّقوا أو لا تصدّقوا، تفوّه هذا الجنرال بهذه النظريات بقناعة مطلقة وتهنئة واحترام للذات. وتحدّث الجنرال نفسه عن معركة شرسة خلال إحدى مهماته العسكرية اضطُرّ فيها إلى ملاحقة جرذان.

 بالنظر إلى هذه الأمثلة، يدرك المرء أنّ هؤلاء الأشخاص يجسّدون ظاهرة مترابطة على ما يبدو وهي “جنون وهوس العظَمة فى قيادات الجيش والشرطة”. ويثبت مجرّد توثيق هذه الأحداث وعرضها على الشعب أنّها ليست استثنائية واّن وقاحة المؤسسات العسكرية بلغت حدّها.

تتميّز المؤسسات العسكرية بعجزها الغبى التي تنطلق من كبار اللواءات الحيتان إلى أدناها. وإذا خدم شخص ما في المؤسسة العسكرية لفترة طويلة، ثمة احتمال كبير بأن ينسى معنى أن يكون مخطئاً أو منتقداً أو مشكّكاً بكلامه.

ففي المؤسسة العسكرية، إذا لم يلقِ عنصر التحية على عنصر أعلى رتبة منه، يُستجوب أو يُعاقب حتى. وإذا لم تنفّذ أوامره، ستُعاقب حتماً. أتحدّث عن أسخف وأبسط الأوامر التي لا ترقى إلى مستوى انتقاد المسؤول الأعلى رتبة أو معارضته أو توصيفه. وبعد فترة طويلة في بيئة تُختصر بتلبية الأوامر للارتقاء في المؤسسة العسكرية، يُمكن القول إنّ المرء عرضة لنسيان معنى أن يكون مخطئاً، بسبب ميل الإنسان إلى التكيّف. هل ينبع هوس العظَمة من هنا؟

تسوء المشكلة وسط غياب أي شكل من أشكال المرجعية الدراسية ومع تدهور التعليم على مرّ العقود وارتفاع نسبة الجهل. وبذلك، يصبح كلام حضرته الكلي العظمة أي الجنرال المصدر الوحيد للصواب والعدالة والمنطق. ويستطيع أيّ جنرال أو مشير أن يعظ مرؤوسيه عن أي موضوع في أي مجال. وإذا شكّك أحد في كلام مسؤول عسكري، يُتّهم بالخيانة العظمى وإذا كان هذا الشخص من داخل المؤسسة العسكرية، يواجه عقوبة.

على سبيل المثال، انتقد عصام حجي جهاز الأيدز الذي “اخترعه” جنرال في الجيش لعدم اتباعه أسلوباً علمياً. واتّهم الطالب بالخيانة العظمى وبتضليل عامّة الناس والتآمر على بلاده.

هل يمكنك تخيّل نتيجة دمج الغباء مع الحصانة من العقاب؟ الحصانة غدت عصمة يحتمي بها الفاسدون

شعب صامت ويائس

أمام تفوّه المسؤولين بترهات عفوية غير مقنعة، ما الذي يجعل الشعب ينصت ويصدّق ما يقولونه؟ تدعم الشخصيات النخبوية والسياسيون والإعلاميون والمشاهير القيادة السياسية في مصر لسببين رئيسيين:

أولاً، لأنّ هذا الدعم يحميها تلقائياً من آثار القرارات الاقتصادية والاجتماعية السلبية للدولة. وثانياً، لأنهم يستفيدون أكثر من التملّق للقيادة التي تمسك بزمام الحكم.

ولكن ماذا عن المواطن المصري العادي؟ ما الذي يرغمه على التمسّك بهذه المهزلة؟

فهو يدفع ثمن كلّ قرار يُتّخذ. أهو تحت تأثير تنويم مغناطيسي تمارسه الحكمة غير المسبوقة لرئيسه؟ أو هو يصدّق فعلاً ما يُقال له؟

أعتقد أنّ السرّ يكمن في وصفة من اليأس والأمل. وأحياناً، وسط يأسنا التوّاق إلى التغيير، نتعلّق بشرارة أمل حتى ولو كان هذا الأمل زائفاً. ويتمسّك هذا التفكير الرغبوي غير المنطقي بشيء ما أو شخص ما يعد بغَد أفضل. ويصبح الغد تعبيراً مجازياً يعكس زمناً قد لا يأتي أبداً. ولكنّ ذلك غير مهمّ طالما الوعد يتجدّد الصباح التالي.

على الرغم من أنّ درجة التهكّم والقلق التي تختلج الناس لا تسمح لهم بأن يرضوا بهذا الواقع، إنهم في الوقت نفسه مُجهدون عاطفياً ويفضّلون عدم مواجهة حقيقة أنّه يتمّ التلاعب بهم وإعطاؤهم وعوداً فانية مراراً وتكراراً.

فبعد ثورة واعدة وخمس حكومات ودورتين للانتخابات البرلمانية وسباقين رئاسيين (على الرغم من الطابع الجدلي لشرعية كلّ منها) واعدين بدورهما، يشعر الناس بالتعب والإرهاق ولم يعودوا قادرين على الوقوف في وجه واقعهم الاجتماعي البائس والبشع.

حكومة القمع “<جيش وشرطة وقضاء وإعلام” جمهورية البظرميط”

لا يصدّق الجميع تصريحات القائد الجنونية وحتى الأشخاص الذين يصدّقونها لا يمكن تنويمهم مغناطيسياً كلياً. فطمس وعي الناس يتطلّب إطاراً أوسع يشمل الأوقات التي يطفح كيلهم من الكذب عليهم. وهنا تلعب شرطة السيسي ومؤسسته العسكرية وقضاؤه دورها.

فمن خلال تشويه سمعة كلّ شخص يهين الدولة، تحتفظ الدولة بالحق الحصري لتكون عادلة. وعبر دقّ ناقوس الخطر ورفع راية “محاربة الإرهاب”، نجَحت الدولة المصرية حتى الآن في قمع الآلاف في السجون وتجاهل أي تساؤلات شعبية عن وعودها المزعومة.

ومثالا على ذلك

اللواء كمال عامر رئيس لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب مدير المخابرات الحربية الأسبق

في شهر آب/أغسطس 2016 على الأوضاع الاقتصادية المتدهورة وقرّر نيابة عن الناس أنّ كلفة ارتفاع الأسعار كانت معقولة مقابل السلامة والأمن اللذين قدّمتهما حكومة السيسي. ولا عجب أنّ كلفة “التفكير” في معارضة الدولة أصبحت باهظة مع إرساء تدابير قمعية في الوقت نفسه: اعتقالات سياسية، اختفاءات قسرية وأحكام جماعية.

بالتالي، بنت الدولة المصرية حلقة مفرغة من اليأس المجتمعى الشعبي والإرهاق العاطفي.

قال كارل ماركس إنّ “الدين أفيون الشعوب.” وبرأيي، هذا “الأمل الزائف” أصبح المخدّر والموت البطيء لتطلّعات الناس إلى مستقبل أفضل بالفعل.

وسيظلّ الناس مرعوبين من المجهول إلى أن يصبحوا جاهزين لمواجهة واقع تضليلهم بالآمال الزائفة.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى