آخر الأخبارتحليلات

مساعي بايدن لتطبيع العلاقات بين السعودية إسرائيل مستمرة ولكن إلى أين؟

تحليلات إعداد

فريق التحرير

المهمة صعبة وقد تكون مستحيلة، ولكن نتائجها تصب في صالح السعودية الطامحة نحو القيادة وإسرائيل الغارقة في المشاكل“، هكذا يتحدث تقرير لمركز “كارنيجي” حول انخراط إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لتطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب.
ولطالما أصرت المملكة على أنه لا يمكنها الاعتراف بإسرائيل إلا إذا قبلت تل أبيب بمبادرة السلام العربية التي أطلقت عام 2002، والتي عرضت إقامة علاقات طبيعية بين الدول العربية وإسرائيل مقابل إقامة دولة فلسطينية.

وتنص المبادرة السعودية على إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليا على حدود عام 1967، عاصمتها القدس الشرقية

وعودة اللاجئين

وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان المحتلة

مقابل الاعتراف وتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

والشهر الماضي، قالت السفيرة السعودية لدى الولايات المتحدة الأميرة ريما بنت بندر آل سعود، إن بلادها تركز على تكامل العلاقات مع إسرائيل “وليس التطبيع”، ووصفت السلام الإسرائيلي الفلسطيني بأنه “يتماشى مع رؤية 2030 في المملكة”.
وأضافت السفيرة السعودية، في لقاء نشرته قناة “i24NEWS” العبرية، أن السعودية “تريد أن ترى إسرائيل مزدهرة كما تريد أن ترى فلسطين مزدهرة”.
لكن الأحد، نقلت شبكة “سي إن إن” الأمريكية، عن بايدن القول إن “إسرائيل والسعودية أمامهما طريق طويل للتوصل لاتفاق لتطبيع العلاقات بينهما”.
يقول تقرير “كارنيجي”، إنه عندما عاد نتنياهو إلى السلطة في مطلع العام 2023، تعهد بالتركيز على هدفَين متعلّقَين بالسياسة الخارجية هما منع إيران من حيازة سلاح نووي وتحقيق تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية.
لكنه حوّل اهتمامه، منذ بداية ولايته، إلى الشؤون الداخلية، وتحديدًا مساعي السياسيين المتطرفين في ائتلافه الحاكم لتمرير مشروع قانون، يحدّ من سلطة القضاء، وهي التعديلات التي أثارت موجةً من الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة التي أسفرت فعليًا عن شلّ الحركة في البلاد، إلى أن أعلن نتنياهو عن قراره تعليق هذا المشروع مؤقتًا، والموافقة على إجراء المزيد من المشاورات من أجل التوصل إلى حلٍّ وسط.
إضافةً إلى ذلك، دفعت أحزاب اليمين المتطرف داخل ائتلافه الحاكم باتجاه توسيع البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية وممارسة ضغوط أكبر على السلطة الفلسطينية التي تواجه أساسًا جملةً من المتاعب، ما أدّى إلى تصاعد وتائر التوتر في الضفة الغربية والقدس، ووقوع اشتباكات وجيزة مع الجهاد الإسلامي في قطاع غزة.
لكن في ظل انشغال إسرائيل بمشاكلها الداخلية، واصلت المنطقة سلسلة التغييرات التي تشهدها بطرق غير متوقعة، وفق التقرير، فقد اتّفقت السعودية وإيران، بوساطة الصين، على إعادة فتح سفارتَيهما واتّخاذ خطوات إضافية من أجل تخفيف حدة التوترات بينهما.
كذلك، أشارت تقارير صحفية إلى أن الولايات المتحدة وإيران منخرطتان في محادثات غير مباشرة لمعالجة قضايا متعلقة بالبرنامج النووي الإيراني ومسائل خلافية أخرى.
كذلك، اتّخذت دول متخاصمة أخرى في المنطقة، مثل تركيا ومصر، والإمارات وقطر، ومصر وإيران، سلسلةً من الإجراءات لطي الصفحة على خلافات طال أمدها.
وفي ظل كل ذلك، ذُكر أن السعودية والولايات المتحدة تناقشان احتمال تحقيق تطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل، استمرارًا للاتفاقيات الإبراهيمية.
ويعلق التقرير على تلك التطورات بالقول: “لا يزال من غير الواضح ما ستكون دلالة هذه التطورات، لكن التفاعل القائم بين هذه الأحداث يشير إلى دور سعودي متنامٍ ومحوري في السياسات الإقليمية، وتنافر في إسرائيل بين الأولويات الداخلية والخارجية المتنافسة”.
“ولطالما أدّت السعودية دورًا بارزًا في الاقتصاد العالمي نظرًا إلى غناها بموارد الطاقة وموقعها القيادي في منظمة الدول المصدّرة للنفط، لكن، على مستوى السياسات الإقليمية، حرصت المملكة على صياغة سياساتها في إطار (الإجماع العربي) وفي ظل الغطاء الأمني الأمريكي، بما معناه أنها لم تكن تمارس دور القيادة بقدر ما كانت تكتفي باللحاق بالركب في هذا الميدان”، وفق التقرير.


ويتابع: “بدأ نمط التفكير السعودي يتغيّر على مدى العقد الماضي على وقع تسلّم ولي العهد محمد بن سلمان زمام السلطة، حتى أصبحت السعودية أكثر حزمًا حيال قضايا السياسة الخارجية، وأقلّ اعتمادًا على الولايات المتحدة”.
ويزيد: “كذلك، ساءت العلاقات مع الولايات المتحدة بعد مقتل جمال خاشقجي، إضافةً إلى ما اعتبرته السعودية استجابة أمريكية ضعيفة على الهجمات التي نفّذها الحوثيون على منشآت نفطية تابعة لشركة النفط الوطنية السعودية أرامكو”.
زاد كل ذلك، حسب التقرير، من رغبة بن سلمان في البحث عن خيارات أخرى لعلاقات بلاده الدولية والأمنية، ومن ضمنها إقامة علاقات مقرّبة أكثر مع الصين التي أصبحت الوجهة الأولى للصادرات النفطية السعودية.
صحيحٌ أن الولايات المتحدة ما زالت حليفًا أساسيًا للمملكة، ولاسيما في القضايا المتعلقة بأمن منطقة الخليج، لكن يبدو أن بن سلمان يسعى إلى تحقيق توازن أكبر في السياسة الخارجية السعودية، يتابع التقرير.
ويزيد: “في إطار رغبة بن سلمان في النظر في خيارات جديدة، أبدى مسؤولون سعوديون استعدادًا للانفتاح على إمكانية التطبيع مع إسرائيل، لكن ضمن شروط محدّدة، وقد تقاطع الحزم السعودي في هذه المسألة مع المصالح الأمريكية، واغتنم بايدن فرصة ترميم العلاقات مع السعودية، وتوسيع نطاق قبول إسرائيل في المنطقة، ومواجهة النفوذ الصيني”.
وعلى مدى الشهرَين الماضيَين، أطلقت الولايات المتحدة سلسلةً من الاتصالات على المستوى الرفيع لإحراز تقدّم نحو تحقيق هذه الأهداف، من بينها زيارتان أجراهما كلٌّ من مستشار الأمن القومي جايك سوليفان ووزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى السعودية.
وأوردت تقارير صحفية، أن الشروط السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل شملت ضمانات أمنية من الولايات المتحدة شبيهة بتلك التي تربط دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وإمكانية الحصول على أنظمة الأسلحة المتطورة الأمريكية، والموافقة على امتلاك تكنولوجيا نووية مدنية، فضلًا عن التزام إسرائيلي بعملية تؤدّي إلى تحقيق حل الدولتَين مع الفلسطينيين.
ويعلق التقرير على هذه الشروط بالقول: “تبدو متشعّبة للغاية، إلا أن الفكرة هي أن الطرفَين على ما يبدو يساومان على ثمن تطبيع العلاقات، ولا يتساءلان على الأرجح حول مدى حكمة اتّخاذ خطوة مماثلة”.
وفي غضون ذلك، يبدو أن إسرائيل المنهمكة بمشاكلها الداخلية قد تبنّت في سياستها الخارجية النهج السعودي القديم المتمثّل في اللحاق بالركب بدلًا من تولّي دفة القيادة.
ففي القضيتَين الأساسيتَين اللتَين تقعان في صُلب أولويات سياسة نتنياهو الخارجية، تقبع إسرائيل على الهامش فيما تتفاوض الولايات المتحدة بصورة مباشرة مع السعودية حول تطبيع العلاقات، وبصورة غير مباشرة مع إيران حول القضايا النووية.
وتُخيّم على كل هذه المساعي الدبلوماسية العلاقة الصعبة التي تجمع بين نتنياهو وبايدن، فقد واصلت الولايات المتحدة رفع الصوت عاليًا حول الممارسات الإسرائيلية في الضفة الغربية، ولا سيما أنشطة الاستيطان، وأهمية الحفاظ على هدف حل الدولتَين الطويل الأمد، مهما بدت هذه الفكرة خيالية.
ويتابع التقرير: “إن السعي المحموم لسياسيي اليمين المتطرّف في ائتلاف نتنياهو الحاكم لتطبيق مشروع الإصلاحات القضائية، أثار أيضًا ردود فعل صاخبة من الإدارة الأمريكية وقطاعات واسعة من المجتمع اليهودي الأمريكي”.
ويزيد: “دفع هذا الشرخ المتنامي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بايدن إلى الامتناع عن دعوة نتنياهو إلى زيارة واشنطن، ما يُعدّ تطورًا كبيرًا نظرًا إلى العلاقات الوطيدة التي تربط بين إسرائيل والولايات المتحدة تاريخيًا”.
في المقابل، كان ردّ نتنياهو حذرًا، حتى إنه كتم معارضته لأي اتفاق جديد محتمل بين الولايات المتحدة وإيران، وشدّد على أن اتفاقًا مماثلًا لن يكون مُلزمًا بالنسبة إلى إسرائيل، لكنه تجنّب المعارضة الكاملة والصريحة التي طبعت نهجه حيال الاتفاق النووي الأساسي الذي تفاوض بشأنه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في العام 2015.
مع ذلك، سيتبيّن أن معالجة تحديات البلاد الخارجية والمحلية هي مهمة صعبة لنتنياهو، نظرًا إلى تركيبة ائتلافه اليميني، فالمتطرّفون داخل الحكومة يواصلون السير قدمًا في الأجندة الداخلية، ما يضع نتنياهو في موقف غير مريح.
ووفق التقرير، فإن السياسات التي ينتهجها شركاؤه في الائتلاف تقوّض مساره نحو تحقيق أهداف سياسته الخارجية، وتضفي جملةً من التعقيدات على العلاقات مع الولايات المتحدة.
وأفادت تقارير بأن مسؤولين أمريكيين أكّدوا لنظرائهم الإسرائيليين بأن الممارسات الإسرائيلية الراهنة في الضفة الغربية والقدس ستقوّض جهود التطبيع مع السعودية.
ويعلق على ذلك تقرير “كارينجي” بالقول: “صحيحٌ أن هذا التجاذب بين السياسات المحلية والخارجية ليس أمرًا غير مسبوق في إسرائيل، لكن لم يسبق أن كانت الحكومة متطرّفة إلى هذه الدرجة وكانت الأحزاب اليمينية المتطرّفة في الائتلاف مصرّة إلى هذه الدرجة أيضًا على دفع أهدافها قدمًا بغض النظر عن حجم التكاليف الخارجية المتكبّدة”.
ويتابع: “ربما يكون النقاش الدائر حول احتمال تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل هو المسألة الرئيسة التي ينبغي ترقّبها فيما تتوالى الأحداث فصولًا”.
ويضيف: “في حال تم تطبيع العلاقات، سيعزّز ذلك الأهمية المحورية للدور السعودي الأنشط في المنطقة، وسيزيد قبول إسرائيل في العالم العربي، وسيدعم الوجود الأمريكي في المنطقة على حساب الدور الصيني المتنامي”.
ويستطرد: “ربما لهذه الأسباب قرّرت إدارة بايدن بذل الكثير من الجهود لإحراز تقدّم على هذه الجبهة، لكن فيما نتنياهو عالقٌ في حكومة ائتلافية يعمد أعضاؤها المتطرّفون إلى تعقيد محاولاته لإرساء توازن بين الأولويات المحلية والخارجية، ستكون مهمة بايدن وفريقه صعبة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى