آخر الأخبارتقارير وملفات

قصة انقلابات إفريقيا التي نفذها ضباط أفارقة درّبتهم أمريكا منذ 2008؟

تحليل بقلم الإعلامى

 

هشام محمود

عضو مؤسس بمنظمة “إعلاميون حول العالم

لا يزال الغموض هو سيد الموقف في النيجر بعد الانقلاب الذي نفذه ضباط ضد الرئيس المنتخب محمد بازوم، بين من يرى أن الأمور حُسمت، ومن يعتقد أن بازوم قد يعود للسلطة.

وفي ظل استمرار الوساطة الإفريقية والإدانات الدولية ودعوة واشنطن لعدم التصعيد، كشف تقرير لمجلة أمريكية عن تاريخ ممتد من الانقلابات في دول إفريقية نفذها ضباط درّبتهم أمريكا، فهل انقلاب النيجر هو الحادي عشر في تلك السلسلة؟

وقع انقلاب في النيجر للمرة الخامسة منذ استقلال البلاد عن فرنسا عام 1960. فقد احتجز الحرس الرئاسي محمد بازوم، رئيسَ البلاد وأحد آخر حلفاء الغرب في منطقة الساحل بشمال إفريقيا، مساء الأربعاء، 26 يوليو/تموز.

في اليوم التالي، تجمع مئات الأشخاص في نيامي، عاصمة النيجر. وعلى الرغم من أن الأخبار الواردة كانت تذهب إلى أن الانقلاب يقف وراءه عسكريون محليون، فإن الحشود كانت تلوح بالأعلام الروسية ويهتفون بتأييد مجموعة المرتزقة “فاغنر”.

في المقابل، نبَّه محللون إلى أن الانقلاب يأتي في سياق التحركات المتسارعة لروسيا من أجل توسيع نفوذها في المنطقة، وحذّروا من أنها تسعى إلى تكوين تحالف مناهض للغرب هناك.

النيجر وإنتاج اليورانيوم

 

من جهة أخرى، فإن تصاعد الاضطرابات في جميع أرجاء منطقة الساحل الإفريقي يحمل في طياته تهديدات جديدة لإمدادات الطاقة في أوروبا، بحسب تقرير لصحيفة The Telegraph البريطانية.

يقول دانيال فوبيرت، مؤسس شركة الاستشارات Excalibur Insight، إن ما حدث يُعرّض أمن الطاقة الأوروبي للخطر، و”أرى أنه قد ينشأ عنه أزمة أخرى في الطاقة، خاصةً إذا فعلت روسيا في إفريقيا ما تفعله في أوكرانيا”، “فما داموا قد استطاعوا أن يشنوا حرباً في أوروبا، فما الذي يحول دون إشعالهم حرباً مثلها في إفريقيا، التي لا يعبأ بها أحد، لا سيما وأن الفرنسيين أنفسهم غير مهتمين” بالقدر الكافي.

لكن حقائق الأمور تقول إن الفرنسيين يجب أن يهتموا بما يحدث في النيجر. فهذه البلاد تنتج نحو 5 % من إمدادات اليورانيوم في العالم، وهو عنصر لا غنى عنه في إنتاج الطاقة النووية. وتصدر النيجر هذه الكمية كلها إلى فرنسا، التي تنتج 70% من احتياجات الكهرباء لديها من مصادر نووية.

ومع ذلك، ترى ساين غوهيل، محللة المخاطر في وكالة Fitch Solutions، أن “اعتماد النيجر على صادرات اليورانيوم إلى فرنسا أكبر من اعتماد فرنسا على واردات اليورانيوم من النيجر”.

لكن الانقلاب يسلط الضوء على مشكلة أوسع، تتعلق بصادرات اليورانيوم البعيدة عن المراقبة والعقوبات. فقد جاء ما يقرب من ثلثي واردات فرنسا من اليورانيوم في عام 2022 من دولٍ تقع الآن في دائرة نفوذ روسيا. وفي العام الماضي، حصلت فرنسا على 30% من واردات اليورانيوم مباشرة من روسيا، و12% منها من كازاخستان، و9,6% منها من أزبكستان، والبلدان من دول الاتحاد السوفييتي السابق.

تقول غوهيل: “إنه أمر مقلق، لأن فرنسا تعتمد اعتماداً كبيراً على الطاقة النووية”.

ولفتت غوهيل إلى وقوع سبعة انقلابات في غرب إفريقيا ووسطها خلال السنوات الثلاث الماضية فقط. فقد اندلع تمرد مسلح في مالي، وطردت سلطات مالي وبوركينا فاسو القوات الفرنسية التي كانت متمركزة في البلدين. وهو ما زاد من أهمية النيجر وجعلها أحد أبرز حلفاء الغرب في المنطقة.

زعمت غوهيل أن هذه الانقلابات ترتبط فيما بينها بنمطٍ واضح، فقد كان لروسيا تأثير ملحوظ في المسار الذي اتخذته مالي وبوركينا فاسو في أعقاب الانقلابات التي جرت فيها، و”العبرة المستخلصة من ذلك أن الغرب معرّض لخطر بازغ، يتمثل في ابتعاد النيجر عن فرنسا والولايات المتحدة، وميلها نحو روسيا”.

ارتفاع أسعار اليورانيوم

 

علاوة على ذلك، فإن فرنسا تصدر الطاقة النووية إلى ألمانيا؛ ويحصل الاتحاد الأوروبي عموماً على ربع احتياجاته من الكهرباء من الطاقة النووية. وقد دعا ذلك غوهيل إلى القول إن انقلاب النيجر له “تداعيات إقليمية على الطاقة النووية في أوروبا”.  

يقول فيليب أندروز سبيد، زميل الأبحاث الأول في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة: “لو لم يكن الطلب [على إمدادات اليورانيوم اللازمة لإنتاج الطاقة النووية] في ارتفاع، لكانت المشكلة أهون، لكن الواقع أن الطلب متزايد”.

وبحسب الصحيفة البريطانية تزايدت أسعار اليورانيوم تزايداً حاداً ومطرداً في العامين الماضيين. فقد ارتفعت أسعاره بنسبة 74% من يناير/كانون الثاني 2021 إلى يناير/كانون الثاني 2023؛ ثم ارتفعت بنسبة 11% في الأشهر الستة الأولى من هذا العام.

ما الموقف الآن في النيجر؟

كان عدد من عناصر الحرس الرئاسي في النيجر قد أعلنوا، عبر التلفزيون الرسمي، الأربعاء، 26 يوليو/تموز، عزل الرئيس محمد بازوم واحتجازه وأسرته ووزير الداخلية وإغلاق حدود البلاد الواقعة غرب إفريقيا. وقال الجنود إنهم عطلوا الدستور، وعلقوا  عمل جميع المؤسسات في البلاد.

وعلى الفور توالت الإدانات الدولية والإقليمية للانقلاب في النيجر، لكن الخميس، 27 يوليو/تموز، ومع وصول الرئيس البنيني لإجراء وساطة، أعلن قائد الجيش عن تأييده للقوات التي أعلنت الاستيلاء على السلطة في البلاد، ليزداد الموقف غموضا، بين من يرى أن الانقلاب “نجح” وحُسمت الأمور، وبين من يقول إن الأمور لم تُحسم بعد، مرجحاً عودة الرئيس المنتخب إلى السلطة.

إذ اعتبرت وزيرة الخارجية الفرنسية، كاترين كولونا، الجمعة، 28 يوليو/تموز، أن محاولة العسكريين السيطرة على الحكم في النيجر ليست “نهائية” بعد، وأنه لا يزال هناك مخرج إذا استمع المسؤولون (عن تلك المحاولة) إلى المجتمع الدولي، بحسب تقرير لفرانس 24.

لكن لا شك في أن موقف الجيش يعقّد الموقف أكثر في الدولة التي تعتبر آخر معاقل فرنسا في غرب إفريقيا. إذ يعد الرئيس بازوم، البالغ من العمر 63 عاماً، واحداً من القادة الموالين للغرب في منطقة الساحل، حيث أدت انقلابات متتالية ضد رؤساء منتخبين في مالي وبوركينا فاسو في السنوات الأخيرة إلى تقلص النفوذ الفرنسي بشكل لافت.

فقد أعلن قائد الجيش عن تأييده انقلاب القوات التي أعلنت استيلاءها على السلطة في البلاد بعد اعتقالها الرئيس المنتخب محمد بازوم، وقال بيان وقّعه رئيس أركان القوات المسلحة في النيجر، عبده صديقو عيسى، إن “القيادة العسكرية للقوات المسلحة في النيجر قررت الموافقة على إعلان قوات الدفاع والأمن؛ من أجل تجنب مواجهة دامية بين مختلف القوات”.

انقلابات ضباط أفارقة درّبتهم أمريكا

 

وبينما لا يزال الموقف غامضاً في الدولة الواقعة غرب إفريقيا والشهيرة بتكرار الانقلابات العسكرية منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، نشرت مجلة The Intercept الأمريكية تقريرا عنوانه “هل انقلاب النيجر يحمل الرقم 11 لضباط أفارقة دربتهم أمريكا منذ 2008؟”، كشف عن تلقي الضباط الذين نفذوا انقلاب النيجر تدريبات أمريكية.

إذ إن محاولة الانقلاب الجارية حاليا في النيجر تعتبر امتداداً لسلسلة طويلة من الانقلابات العسكرية في دول غرب إفريقيا قام بها ضباط تلقوا تدريباً أمريكياً. وعلى الرغم من أنه لا يزال معروفاً إذا ما كان الضباط الذين نفذوا الانقلاب في النيجر، جميعهم أو عدد منهم، قد تلقوا تدريبات عسكرية أمريكية أو كانوا ضمن برامج تدريب يشرف عليها ضباط أمريكيون، فإن المعروف أن واشنطن قد دربت أفراداً من الحرس الرئاسي النيجري خلال السنوات الأخيرة، بحسب وثائق البنتاغون.

وفي هذا السياق، كان ضباط تلقوا تدريبات عسكرية أمريكية قد شاركوا في 6 انقلابات على الأقل في بوركينا فاسو ومالي، المجاورتين للنيجر، منذ عام 2012. ويبلغ عدد سكان النيجر 24 مليون نسمة، الأغلبية الساحقة منهم مسلمون، وتقع في غرب إفريقيا، وهي بلد حبيس سُميت نسبة إلى نهر النيجر الذي يخترق أراضيها، ويحدها من الجنوب نيجيريا وبنين ومن الغرب بوركينا فاسو ومالي ومن الشمال الجزائر وليبيا، وتحدها تشاد من جهة الشرق.

وبحسب تقرير المجلة الأمريكية، شارك ضباط دربتهم أمريكا في 10 انقلابات على الأقل في غرب إفريقيا منذ عام 2008، منها انقلابات 2014 و2015 و2020 و2021 في بوركينا فاسو، وانقلاب 2008 في موريتانيا.

“إننا على دراية بالموقف في نيامي (عاصمة النيجر) ونعمل مع وزارة الخارجية الأمريكية لتقييم أعمق للموقف وسنقدم المعلومات عندما تكون متوفرة”، بحسب ما قاله جون مانلي، المتحدث باسم القيادة الأمريكية في إفريقيا لمجلة The Intercept. لكن مانلي رفض الإجابة عن تساؤلات المجلة حول إذا ما كان الضباط المنفذين لانقلاب النيجر، جميعهم أو أيا منهم، قد تلقوا تدريباً أمريكياً.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى