آخر الأخباراقتصاد

مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب 28)

دراسة صادمة: تلوث الهواء يتسبب في 5.1 مليون حالة وفاة إضافية

تقرير إعداد

سمير يوسف

رئيس منظمة “إعلاميون حول العالم”

دراسة صادمة: تلوث الهواء يتسبب في 5.1 مليون حالة وفاة إضافية سنوياً على مستوى العالم

كشفت دراسة جديدة صادمة عن وجود ملايين الوفيات الإضافية من البشر سنوياً بسبب التلوث الذي يشهده العالم.

إن الدراسة بحثت في التأثير المميت لاستنشاق الانبعاثات الناتجة عن استخدام الوقود الأحفوري الذي يتسبب في تجشؤ الكربون مثل الغاز والفحم.
ويقول العلماء إن استخدام الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة والنقل والعمليات الصناعية مثل صناعة الصلب تسبب في 5.13 مليون حالة وفاة إضافية سنويا في جميع أنحاء العالم.
وتبين أن معدلات الوفيات هي الأعلى في البلدان التي تخلفت عن الركب في إنهاء حرق الفحم لإنتاج الطاقة – وهي الصين والهند.
وتضيف هذه النتائج إحساساً بالحجم إلى ما نعرفه بالفعل عن الآثار القاتلة للهواء الملوث، بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية والربو وسرطان الرئة.
وقال العلماء إن التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري لتشغيل الأنشطة البشرية لصالح مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح يمكن أن يقلل الملايين من الوفيات التي يمكن تجنبها.
وأجرى الدراسة الجديدة فريق دولي من الخبراء، بمن فيهم عالم الأوبئة البريطاني آندي هينز في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي.
ويقولون: «تظهر النتائج أن عبء الوفيات الذي يُعزى إلى تلوث الهواء الناجم عن استخدام الوقود الأحفوري أعلى من معظم التقديرات السابقة». وأضافوا: «يُعتبر التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري بمثابة تدخل فعال لتحسين الصحة وإنقاذ الأرواح».
وتابع العلماء «إن الوفيات بسبب تلوث الهواء مرتفعة بشكل خاص في جنوب وشرق آسيا، بسبب ارتفاع مستويات التلوث والكثافة السكانية العالية».
ويقول الباحثون إن الملوثات القاتلة في الهواء الخارجي تشمل الأوزون الذي ينشأ عن التفاعلات بين أكاسيد النيتروجين والمركبات العضوية المتطايرة، وكلاهما ينبعث من المركبات والعمليات الصناعية وغيرها.

مشاكل في التنفس

وعلى مستوى الأرض، يسبب الأوزون ضباباً دخانياً يُرى عادةً في المدن ويمكن أن يسبب مشاكل في التنفس، خاصة للأشخاص الضعفاء الذين يعانون من أمراض الرئة مثل الربو.
وهناك ملوث سيئ آخر يُعرف باسم «PM2.5» وهو عبارة عن جزيئات صغيرة أو قطرات يقل قطرها عن 2.5 ميكرومتر، وهي غير مرئية للعين المجردة ويمكن استنشاقها في الأوقات الطبيعية دون أن نشعر وحتى مع إدراكنا. ويُعتقد بالفعل أن استنشاق «PM2.5» يسبب الربو وأمراض الرئة والقلب وحتى أعراض الاكتئاب، ولكن لا يزال يتعين اكتشاف الكثير من آثاره الصحية.
وفي الدراسة الجديدة، استخدم الباحثون النمذجة الحاسوبية لتقييم العلاقة بين التعرض لتلوث الهواء والنتائج الصحية في جميع أنحاء العالم.
وتضمنت مصادر البيانات الخاصة بالنموذج الأرقام السكانية، وصور الأقمار الصناعية لوكالة ناسا، ورؤى من دراسة العبء العالمي للمرض لعام 2019 والتي تحدد معدلات الوفيات الوطنية والإقليمية.
وأظهرت النتائج أنه في عام 2019 كانت 8.34 مليون حالة وفاة في جميع أنحاء العالم تعزى إلى الجسيمات الدقيقة « PM2.5» والأوزون «O3» في الهواء المحيط، منها 61 في المئة (5.13 مليون) مرتبطة بالوقود الأحفوري.
أما نسبة 39 في المئة المتبقية من تلوث الهواء غير الناجم عن الوقود الأحفوري، فهي تأتي من مصادر طبيعية لا يمكن تجنبها، مثل غبار الصحراء وحرائق الغابات، فضلا عن استخدام الطاقة السكنية، مثل حرق الوقود الحيوي الصلب لأغراض الطهي والتدفئة.
ووجد الباحثون أن الوفيات الناجمة عن تلوث الهواء بالوقود الأحفوري كانت الأعلى في جنوب وشرق آسيا، خاصة في الصين حيث بلغت 2.44 مليون سنويا، تليها الهند بـ 2.18 مليون سنويا.
وكان ما يزيد قليلا عن نصف إجمالي الوفيات (52 في المئة) مرتبطا بأمراض القلب والأوعية الدموية، وخاصة أمراض القلب التاجية (30 في المئة).
وفي الوقت نفسه، فإن السكتة الدماغية ومرض الانسداد الرئوي المزمن، ومجموعة حالات الرئة التي تسبب مشاكل في التنفس، تمثل 16 في المئة. ونحو 20 في المئة منها كانت «غير محددة» ولكن من المحتمل أن تكون مرتبطة جزئيا بارتفاع ضغط الدم والاضطرابات العصبية مثل مرض الزهايمر ومرض باركنسون.

سيجمع “مؤتمر الأمم المتحدة السنوي الـ 28 لتغير المناخ” (كوب 28)، الدول الأطراف في “اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ” (الاتفاقية الإطارية)، بالإضافة إلى آلاف الخبراء، والصحفيين، ونشطاء المناخ وأفراد المجتمعات المحلية، وممثلي الشركات، والمجموعات غير الحكومية. وهو منتدى تناقش فيه الدول سبل مواجهة أزمة المناخ التي يتزايد أثرها السلبي على حقوق الإنسان حول العالم.

رغم الإلحاح المتزايد، لم تسفر الاجتماعات عن الانخفاض الضروري في انبعاثات غازات الدفيئة أو تقديم الدعم الكافي للانتقال إلى الطاقة المتجددة، وحماية الأشخاص الأكثر تضررا من الفيضانات، أو الجفاف، أو الأعاصير، أو الكوارث الأخرى المرتبطة بالمناخ. ستستضيف الإمارات كوب 28 من 30 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 12 ديسمبر/كانون الأول 2023، وهو ما يبعث على القلق نظرا إلى السياسات المناخية التي تنتهجها الإمارات وسجلها في حقوق الإنسان.  

لماذا تشكل أزمة المناخ أزمةً حقوقية أيضا؟

الحق في العيش في بيئة صحية هو حق من حقوق الإنسان معترف به في جميع أنحاء العالم. تُؤثر أزمة المناخ أيضا على العديد من حقوق الإنسان الأخرى، منها الحق في الحياة، والحق في السكن والغذاء والماء.

من الحرائق التي تلتهم الغابات إلى المدن التي تشهد حرا شديدا، وصولا إلى جفاف الأراضي الزراعية والسواحل التي تجتاحها العواصف، تتسبب أزمة المناخ في خسائر متزايدة في الأرواح وسبل العيش في جميع أنحاء العالم. التركيز المتزايد لغازات الدفيئة في الغلاف الجوي للأرض، والناتجة بشكل رئيسي عن حرق الوقود الأحفوري، يحبس الحرارة، ما يؤدي إلى عواقب وخيمة. أصبح الضرر ملموسا بالفعل، وستتزايد سرعته وحجمه بشكل كبير وعشوائي في المستقبل المنظور.

حذّرت “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ” مؤخرا من أن حوالي 3.5 مليار شخص يعيشون بالفعل في سياقات معرضة بشدة لتغيّر المناخ. بحلول 2050، من المتوقع أن يتعرض أكثر من مليار شخص يعيشون على جُزر صغيرة وفي تجمعات سكانية ساحلية منخفضة لخطر ارتفاع مستوى سطح البحر والظروف الجوية المتطرفة. يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية الحالي. الكوارث الحادة والتغيّرات طويلة الأجل مثل الجفاف الذي يستمر لسنوات عديدة هي أسوأ بكثير بالنسبة للمجتمعات ذات الدخل المنخفض والمهمشة التي تتقاعس حكوماتها أصلا عن حمايتها.

الأشخاص الذين تتقاطع فيهم الهويات المهمشة ومَواطن الضعف قد يكونون أكثر عرضة للوفاة، أو زيادة الفقر، أو فقدان موارد مهمة بسبب تغير المناخ. من بين المتضررين الأشخاص ذوو الدخل المحدود، والسود والشعوب الأصلية وغيرهم من الأشخاص ذوو البشرة الملونة، والمسنون، والأشخاص ذوو الإعاقة، وأفراد مجتمع الميم، والنساء والأشخاص الحوامل، والأطفال، والعمال المهاجرون. هذه المجموعات هي أيضا الأكثر عرضة للإهمال عند وقوع الكوارث. ينبغي للحكومات أن تضع ميزانية لحماية حقوق الإنسان من الأضرار المناخية. قد تتعرّض قدرة الحكومات منخفضة ومتوسطة الدخل على إعمال حقوق السكان الأكثر عرضة للخطر لضغوط شديدة، بل وقد تنهار في العديد من الأماكن. من المرجح أن تعتمد قدرة الحكومات على مواجهة أزمة المناخ، إلى حد كبير، على ما تفعله الحكومات اليوم لدعم حقوق الذين يعانون أصلا من تأثير تغيّر المناخ والتصدي للقطاعات والسياسات الاقتصادية المسببة له.

تتطلب أزمة المناخ دعم الاقتصادات غير القائمة على الوقود الأحفوري والأنظمة السياسية التي تُركّز على إنهاء التهميش الاقتصادي، والعنصرية، والتمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة، والتمييز على أساس السن، وكراهية النساء، وأشكال التمييز الأخرى.

ما المخاطر التي تحدق بحقوق الإنسان في كوب 28؟

في مارس/آذار 2023، أكّدت الهيئة الحكومية الدولية المعنيّة بتغيّر المناخ، وهي المرجعية الرائدة في العالم في العلوم المناخية، أن درجات الحرارة في العالم ترتفع إلى مستويات قياسية، وحذرت من أن الحكومات لم تتخذ الإجراءات الكافية لتقليص انبعاثات غازات الدفيئة. حثّت الهيئة الحكومات على خفض الانبعاثات عن طريق التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، ووقف إزالة الغابات، وتوسيع نطاق الطاقة المتجددة.

للوفاء بالتزاماتها الحقوقية بالتصدي لتغيّر المناخ، ينبغي للحكومات المشاركة في كوب هذا العام ضمان الانتقال العادل والمنصف إلى الطاقة المتجددة، ومساعدة الناس على التكيّف مع تأثير أزمة المناخ. يمكنها فعل ذلك بالدعوة في نتائج المؤتمر إلى التخلص من كافة أشكال الوقود الأحفوري بطريقة عادلة وتحترم الحقوق.

ينبغي للحكومات في كوب28 الالتزام بعدم ترخيص مشاريع جديدة للوقود الأحفوري. بالإضافة إلى ذلك، عليها إنهاء جميع أشكال الدعم، منها الإعانات والتمويل الدولي، لمشاريع النفط والغاز والفحم، بغية خفض الانبعاثات بسرعة والحد من آثار تغير المناخ.

ينبغي أن تلتزم الحكومات أيضا بدعم حقوق المجتمعات المتأثرة بشكل مباشر بالعمليات المتصلة بالوقود الأحفوري، ومنهم أولئك الذين يعيشون في مواقع استكشاف الوقود الأحفوري وحوله، وإنتاجه، وتخزينه، ونقله، وتكريره، واستخدامه، والتخلص منه. ينبغي للحكومات أن تضمن مشاركتهم وتمثيلهم في صنع القرار بشأن عمليات الوقود الأحفوري وتغيّر المناخ. من المهم بشكل خاص ضمان مشاركة المجموعات المستبعدة تاريخيا، مثل الأشخاص ذوي الإعاقة.

قبل عامين، في كوب 26 في غلاسكو، تعهدت الحكومات بالخفض التدريجي لاستخدام الفحم. لكن العام الماضي، في كوب 27 في مصر، قامت مجموعة مكونة من 81 دولة بمحاولة باءت في نهاية المطاف بالفشل لإدراج التخلص التدريجي من جميع أنواع الوقود الأحفوري في النص النهائي للوثيقة الختامية. أفادت “الغارديان” أن السعودية ودول الخليج الأخرى هي التي أحبطت هذه المحاولة.

ما الذي يجعل التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري ضروريا لإعمال حقوق الإنسان؟

هناك إجماع متزايد، بما فيه من “الوكالة الدولية للطاقة” والهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، على أن تلبية الحكومات أهداف المناخ العالمية مشروطة بعدم وجود مشاريع جديدة للنفط أو الغاز أو الفحم.

حرق الوقود الأحفوري هو الدافع الرئيسي لأزمة المناخ، حيث يساهم بأكثر من 80٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية. وفقا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، تتجاوز مشاريع الوقود الأحفوري الحالية بالفعل قدرة المناخ على الصمود للحد من الاحتباس الحراري إلى زيادة لا تتجاوز 1.5 درجة مئوية لمنع انهيار المناخ العالمي.

مع ذلك، تستمر الحكومات في ترخيص بناء البنية التحتية للوقود الأحفوري ودعمه ماليا، وعدم فرض تنظيم كاف على العمليات القائمة. يعمل قطاع الوقود الأحفوري على تحييد الضغوط العامة والسياسية عن عملياته الأساسية، وكان آخر هذه المساعي الادعاء بأنه يمكنها خفض الانبعاثات جراء عملياتها إلى مستويات “الصِفر الصافي” (net zero).

ما الذي يجعل القواعد التنظيمية القوية أساسية في ضمان أن أسواق الكربون تدعم حقوق الإنسان وتدعم العمل المناخي الفعال، وما هي القواعد التي ينبغي اعتمادها في كوب 28؟

ينبغي لـ كوب28 أن يضمن التنظيم الصارم لسوق الكربون العالمي المُشار إليه في المادة 6.4 من “اتفاقية باريس” لدعم الحقوق والعمل المناخي، وتوفير سبل انتصاف عن الأضرار. هذه قضايا حيوية نظرا لأن الدول الأطراف في الاتفاقية والشركات والكيانات الخاصة الأخرى تعمل بسرعة على تطوير وجودها في السوق، حتى عندما تتراوح الضمانات في معظم البلدان من غير كافية إلى غير موجودة.

تُتاجر أسواق الكربون بأرصدة الكربون، والتي يُفترض أنها تُمثّل ثاني أكسيد الكربون المُزال من الغلاف الجوي أو الذي مُنع انبعاثه إليه عبر مشاريع الحفاظ على الغابات أو الطاقة النظيفة أو غيرها. تشتري العديد من الشركات والحكومات أرصدة الكربون لتزعم أنها تعوّض التلوث الذي تنتجه.

لكن العديد من أرصدة الكربون المتداولة في هذه الأسواق لا تُمثّل في الواقع الكربون المزال بشكل دائم أو الانبعاثات التي تم تفاديها. هذه الأرصدة الزائفة تقوّض العمل المناخي عند استخدامها لتعويض التلوث، حيث لا يحصل فعليا أي تخفيض إجمالي في الانبعاثات. بالإضافة إلى ذلك، انتهكت بعض مشاريع تعويض الكربون حقوق الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية بتهجيرهم من أراضيهم وتجريم سبل عيشهم.

في 2022، وجّهت الدول الأطراف في اتفاقية باريس مجموعة من الخبراء، “الهيئة الإشرافية” بموجب المادة 6.4 من اتفاقية باريس، لاقتراح قواعد لسوق الكربون المتوقعة في هذه الآلية الجديدة. في 2022، حثّت “هيومن رايتس ووتش” الهيئة الإشرافية على اعتماد المتطلبات الأساسية المعيارية للتشاور والتي تتماشى مع المعايير الدولية وأفضل الممارسات بشأن حق الشعوب الأصلية في الموافقة الحرة والمسبقة والمستنيرة، والوصول إلى المعلومات والمشاركة. كرّرت هيومن رايتس ووتش أيضا توصيات منظمات المجتمع المدني بإنشاء إجراء جوهري للتظلم والاستئناف يكون فعالا قبل أن توافق الهيئة الإشرافية على أي مشروع.

ستُصوّت الأطراف على القواعد التي اقترحتها الهيئة الإشرافية خلال كوب 28. ينبغي للهيئة الإشرافية، قبل كوب 28 وأثناءه، أن تقترح قواعد صارمة لضمان التنظيم الصارم لسوق الكربون المنشأ بموجب اتفاقية باريس لدعم الحقوق، ودعم العمل المناخي، وتوفير سبل الانتصاف عن أي ضرر.

كيف تستخدم الإمارات كوب 28 لتلميع سمعتها الحقوقية وتمويه توسّعها في إنتاج الوقود الأحفوري على أنه صديق للبيئة؟

يبدو بشكل متزايد أن الإمارات، وهي إحدى أكبر منتجي النفط في العالم وذات حكومة سلطوية تستخدم جزءا من ثروتها الناتجة عن الوقود الأحفوري لتمويل قمعها، تسعى إلى استغلال المؤتمر لتلميع صورتها، مع استمرارها بدعم توسع قطاع الوقود الأحفوري، ما يقوّض جهود مواجهة أزمة المناخ وحماية حقوق الإنسان.

الإمارات فيها واحد من أعلى معدلات انبعاث الغازات الدفيئة للفرد والتي تؤجج أزمة المناخ، وتشكل أموال قطاع الوقود الأحفوري الواسع معظم الإيرادات الحكومية الإماراتية. “شركة بترول أبو ظبي الوطنية” (أدنوك) هي الشركة الحكومية الرئيسية للوقود الأحفوري، وأعلنت مؤخرا أنها توسع جميع جوانب عملياتها – رغم الإجماع المتزايد على أنه لا يمكن تطوير استثمارات جديدة في النفط أو الغاز أو الفحم إن أرادت الحكومات تحقيق أهداف المناخ العالمية وحماية حقوق الإنسان.

في حين قدّمت الإمارات مساهمة محددة وطنيا ومعززة حديثا في الاتفاقية الإطارية في 2023، وجدت منظمة “كلايمت أكشن تراكر”، التي تُقدم تحليلا علميا مستقلا، أنه كانت هناك “إجراءات ضئيلة في الاقتصاد الحقيقي” وأعطت الدولة تصنيف “غير كاف”، خاصة وأن الإمارات ما تزال تخطط لزيادة إنتاج الوقود الأحفوري، وأن المشاريع المخطط لها في مجال الوقود الأحفوري ستجعل هدفها غير قابل للتحقيق. تتعارض هذه السياسات مع الحد من ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية.

في 12 يناير/كانون الثاني، عيّنت الإمارات سلطان أحمد الجابر رئيسا لـ كوب 28. الجابر هو الرئيس التنفيذي لـ أدنوك، الشركة رقم 11 في العالم من حيث إنتاج النفط والغاز، والمسؤولة عن كمية كبيرة من الانبعاثات العالمية في العقود الأخيرة، وأسس شركة “مصدر” للطاقة المتجددة المملوكة للدولة عام 2006. سيحتفظ الجابر بمنصبه في أدنوك أثناء دوره كمبعوث خاص للإمارات للتغير المناخي وقيادة المؤتمر. بعد أن نالت الإمارات حق رئاسة كوب 28، سارعت إلى توظيف عدد من شركات العلاقات العامة الأمريكية باهظة التكاليف، للترويج لدورها كمضيف على ما يبدو.

كغيرها من كبار منتجي النفط والغاز، تُساهم شركات الوقود الأحفوري الإماراتية في التأثيرات السلبية على حقوق الإنسان المرتبطة بتغير المناخ من خلال إنتاجها. أعلنت أدنوك مؤخرا عن توسيع جميع جوانب عملياتها وزيادة طاقتها الإنتاجية من 4 ملايين إلى 5 ملايين برميل يوميا – رغم الإجماع العلمي المتزايد على ضرورة حظر مشاريع النفط أو الغاز أو الفحم الجديدة إذا أرادت الحكومات تحقيق أهداف المناخ العالمية وحماية حقوق الإنسان. تتوافق 10% فقط من توسعات أدنوك مع سيناريو وكالة الطاقة الدولية للوصول إلى صافي انبعاثات كربونية صفري بحلول 2050.

أفادت “نيويورك تايمز” في سبتمبر/أيلول عن تسجيل مُسرّب من اجتماع بين فريق تواصل كوب 28     ومسؤولة حقوقية من ديوان الرئاسة الإماراتي، والتي كشفت أن السلطات الإماراتية لا ترغب في الاجتماع والتفاعل مع المنظمات الحقوقية، ومنها هيومن رايتس ووتش و”منظمة العفو الدولية”.

ما هي المخاوف الحقوقيّة المرتبطة باستضافة كوب 28 من قبل الإمارات؟

تخشى المنظمات الحقوقيّة أن يتسبّب قيام الإمارات بتجريم حريّة التجمّع وغلق الفضاء المدني وقمع المنتقدين في منع النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان من تحقيق مشاركة فعّالة في مفاوضات المناخ. قد يتعرّض الأشخاص المتواجدون في الإمارات الذين يتحدثون علنا عن مخاطر توسّع الوقود الأحفوري أو حتى إجراء أبحاث حوله إلى المراقبة غير القانونيّة والاعتقال والاحتجاز وسوء المعاملة.

على مدى العقد الماضي، ارتكبت السلطات الإماراتيّة اعتداءات متواصلة على حقوق الإنسان والحريات، شملت استهداف النشطاء الحقوقيين، وسنّ تشريعات قمعيّة، واستخدام نظام العدالة الجنائيّة وسيلةً للقضاء على حركة حقوق الإنسان. أدّت هذه السياسات إلى إغلاق الفضاء المدني بالكامل، وفرض قيود صارمة على حريّة التعبير، سواء على الإنترنت أو خارجها، وتجريم المعارضة السلميّة. تعتمد السلطات الإماراتيّة سياسية لا تتسامح مطلقا مع المعارضة، وتستخدم تقنيات مراقبة متطوّرة لمراقبة الفضاءات العامة والنشاط على الإنترنت وهواتف الأفراد وحواسيبهم.

منذ أكثر من عشر سنوات، تحتجز الإمارات ظلما أكثر من 60 مواطنا إماراتيا من المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني والمعارضين السياسيين الذين اعتقلوا في 2012 بسبب مطالب تتعلق بالإصلاح والديمقراطيّة أو لانتمائهم إلى “جمعيّة الإصلاح والتوجيه الاجتماعي” (الإصلاح). تعرّض بعض هؤلاء الإماراتيين المحتجزين بشكل غير قانوني، فيما بات يُعرف بقضيّة “الإمارات 94″، في إشارة إلى عدد المتهمين في المحاكمة الجماعيّة، إلى الإخفاء القسري والتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة. حُكم عليهم بالسجن بين سبع سنوات و15 سنة في محاكمة جرت في 2013 ولم تراع المعايير الدنيا للمحاكمة العادلة. تستمرّ السلطات الإماراتيّة أيضا بسجن ما لا يقلّ عن 51 شخصا في إطار قضيّة الإمارات 94 رغم انقضاء عقوباتهم، بعضهم منذ 2019.

مارست الإمارات أيضا القمع خارج حدودها، بما يشمل استرداد معارض إماراتي من الأردن واعتقاله، وتصنيف أربعة معارضين إماراتيين بارزين في المنفى كداعمين “للإرهاب”، واختطاف كلّ من شمسة ولطيفة، ابنتي الشيخ محمد راشد آل مكتوم، رئيس الوزراء وحاكم دبي، خارج البلاد وإعادتهما قسرا.

يُستخدم قانون الجرائم الإلكترونية الإماراتي – “القانون الاتحادي رقم 34 في شأن مكافحة الشائعات والجرائم الالكترونية” – لإسكات المعارضين والصحفيين والنشطاء وكل من تعتبره السلطات منتقدا للحكومة أو سياساتها أو ممثليها. يحتوي القانون على أحكام منتهكة ذات صياغة غامضة ومثيرة للقلق، ويقيّد المساحة المحدودة للغاية أصلا على الإنترنت في الإمارات والتي تخضع لمراقبة شديدة، ويُشكّل تهديدا خطيرا لحريّة المعارضين السلميين، ما يُصعّب على المواطنين العاديين، والمقيمين، والزوار تحديد أنواع الأنشطة الإلكترونيّة التي قد تؤدّي إلى الاعتقال والمحاكمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى