تقارير وملفات إضافية

8 مدن سقطت من حفتر، كيف سيؤثر ذلك على مستقبل مغامرته في غرب ليبيا؟

ما هو مستقبل قوات حفتر في الغرب الليبي بعد الهزيمة المدوية التي تلقتها مؤخراً، وما سر انهيارها في مدن الساحل الغربي للبلاد، وهل يتكرر نفس السيناريو في مناطق أخرى، أم أن طبيعة المعارك القادمة مختلفة؟

فخلال ساعات محدودة نجحت قوات حكومة الوفاق في تحرير ست مدن ومنطقتين استراتيجيتين يوم الإثنين الماضي، ما يعكس هشاشة قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، التي انكشف ضعفها بمجرد غياب الغطاء الجوي عنها.

وكان هناك عدة عوامل وراء هذه الهزيمة السريعة، بعضها راجع إلى أخطاء ارتكبها حفتر، وآخرى بسبب مواقف حلفائه، كما أن هناك عوامل بسبب تطور في أداء قوات حكومة الوفاق.

باستثناء مقاومة محدودة في بداية الهجوم بمدينة صرمان (60 كلم شرق طرابلس)، سرعان ما انهارت دفاعات ميليشيات حفتر، وتوارت عناصرها بين المنازل، ولم تتحمل الغارات التي شنَّها طيران حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دولياً، على مواقعها خاصة في صرمان وصبراتة، رغم امتلاكها أسلحة ثقيلة ومتوسطة تمكنها من صد جيش بأكمله ولعدة أسابيع.

كان واضحاً قلة التنظيم والتنسيق بين ميليشيات حفتر في مختلف مدن غرب طرابلس، وعدم وجود نقطة دفاع قوية يمكن الاحتماء بها عند الانسحاب، باستثناء قاعدة الوطية الجوية (140 كلم جنوب شرق طرابلس)، البعيدة عن ميدان المعارك.

كما تفتقد هذه المناطق منصات دفاع جوي مثلما يوجد في مدينة ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس)، ما جعلها تحت رحمة طيران الوفاق.

حتى قاعدة الوطية الجوية تم تحييدها بعد اقتحام قوات الوفاق لها، في 25 مارس/آذار الماضي، وأسرها 27 من عناصر ميليشيات حفتر، تلى ذلك سلسلة متواصلة من غارات طيران الوفاق عليها، ما شلّ حركتها بشكل كبير، خاصة بعد تدمير 3 طائرات سوخوي 22، وإسقاط طائرة مسيّرة جنوب مدينة العجيلات (80 كلم غرب طرابلس)، ما جعل الشريط الساحلي غرب طرابلس، على طول 170 كلم وعمق أكثر من 30 كلم، محرماً على طيران حفتر، وهو ما أفقده نقطة تفوقه الرئيسية في معارك سابقة.

كما أن هجوم قوات الوفاق، صباح الإثنين، على مواقع ميليشيات حفتر في صرمان وصبراتة كان مباغتاً، وسبقه 16 غارة دقيقة لطائرات مسيرة.

فهذه هي المرة الأولى، منذ بداية هجوم حفتر على طرابلس في 4 أبريل/نيسان 2019، التي تهاجم فيها قوات الوفاق المدينتين اللتين خرجتا عن سيطرتها حينها، رغم انكشاف هذا المحور في أول يوم إثر أسر قوات الوفاق 128 عنصراً من ميليشيات حفتر والسيطرة على 40 آلية مسلحة.

وبينما ألقت ميليشيات حفتر بكامل ثقلها في الهجوم على الأحياء الجنوبية للعاصمة، تركت مدن غرب طرابلس من دون تحصينات كافية ولا خطة دفاعية فعالة لصد أي هجوم.

ويتضح ذلك من خلال إعلان قوات حفتر، بعد تعرض قاعدة الوطية للهجوم، أنها سيطرت على مدن العجيلات والجميل ورقدالين، رغم أن هذه المدن كانت أصلاً ضمن دائرة نفوذها، مما يعني أن ميليشيات حفتر لم تكن أصلاً متواجدة عسكرياً في تلك المدن، التي لا تسيطر عليها قوات الوفاق، وهذا يكشف أحد أسرار سقوط مدن عديدة بسرعة، وبعضها فتحت أبوابها من دون قتال.

كما كشف هجوم الإثنين أن حفتر لا يملك حاضنة شعبية في مدن غرب طرابلس، على عكس ادعاء أنصاره، وهو ما ظهر في الاحتفالات التي خرجت في مدن انسحبت منها ميليشياته، مما يعكس تآكل شعبيته حتى في مناطق نفوذه السابقة.

ومن مظاهر فقدانه لهذه الشعبية، قيام أنصار حفتر بقطع صادرات النفط ومياه النهر الصناعي والكهرباء عن مدن غربي ليبيا، من دون أن يفعل شيئاً لردعهم، رغم تضرر مدن خاضعة له من هذه الأوضاع، ناهيك عن عدم التزامه بهدنة “كورونا”، ولا مبالاته بحياة الناس، وفشله طيلة عام كامل في حسم معركة طرابلس، مما زاد أوضاع الناس تأزماً ويأساً.

فحفتر لم يكن مبالياً بسكان غرب طرابلس، بدليل عدم سعيه إلى تحرير أسراهم لدى قوات الوفاق، وغالبيتهم من الشباب، الذين تم إغراؤهم بالمال.

وعلى ما يبدو بدأ حفتر يعاني من نقص السيولة المالية، بعد تقليص حكومة الوفاق تحويل المخصصات المالية للمنطقتين الشرقية والجنوبية، اللتين يسيطر عليهما؛ بسبب تراجع مداخيل النفط بعد إغلاقه حقول وموانئ النفط.

كما أن الداعمين الماليين له، وخاصة دولة الإمارات، يعانون من انهيار أسعار النفط، وتكاليف مكافحة “كورونا”، التي تستنزف احتياطاتهم المالية، مما يجعله في آخر أولوياتهم.

وستزيد هزيمة حفتر في منطقة غرب طرابلس من عزلة قاعدة الوطية الجوية، وقد تعيد قوات الوفاق اقتحامها أو حصارها، مما يحرم أنصار حفتر في منطقة الجبل الغربي من غرفة عملياتهم الرئيسية، ويعمق من عزلتهم.

كما أن هجوم الإثنين أنقذ مدينة زوارة (100 كلم غرب طرابلس) ومعبر راس جدير الحدودي مع تونس (170 كلم غرب طرابلس) من السقوط بيد ميليشيات حفتر، التي كانت تحشد لاقتحام المنطقة والقضاء على آخر جيوب قوات الوفاق على الطريق الساحلي حتى مدينة الزاوية (50 كلم غرب طرابلس)، لكن ما حدث هو العكس تماماً، إذ أصبحت قوات الوفاق تسيطر على كامل هذا الشريط الساحلي بلا استثناء.

والأنظار مركزة حالياً على ترهونة، فبعد إنهاء سيطرة حفتر على جميع مدن غلاف طرابلس (صرمان وصبراتة وغريان) باستثنائها “ترهونة”، أصبحت الأولوية هي السيطرة عليها أو على الأقل تحييدها، خاصة أن اللواء التاسع “ترهونة” يشكل أكبر خطر على طرابلس بعد مرتزقة شركة “فاغنر”. الروسية.

لكن قوات الوفاق تواجه مشكلة في ترهونة، وهي منظومة الدفاع الجوي “بانتسير”، التي يشرف عليها مرتزقة “فاغنر”، وكذا عمليات التشويش ضد الطائرات المسيّرة، مما يصعب عملية اقتحام آخر مدن الارتكاز، التي تنطلق منها ميليشيات حفتر نحو طرابلس.

لكن وبحسب رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي، خالد المشري، فإن انتفاضة من داخل ترهونة نفسها ستحسم الأمر.

ومن المتوقع أن تركز طائرات الوفاق على استهداف خطوط الإمداد ما بين قاعدة الجفرة الجوية (650 كلم جنوب شرق طرابلس) وحتى ترهونة، خصوصاً أن ميليشيات حفتر تستخدم ذخيرتها بكثافة، وهو ما قد يستنزفها مستقبلاً، في ظل تردد سائقي الشاحنات في نقل إمدادات الوقود والذخيرة والسلاح إلى ترهونة، بسبب هيمنة طيران الوفاق على سماء المنطقة.

وفي ظل تفوق قوات الوفاق على السيادة في سماء المنطقة الغربية، يمكن لكتائب مدينة مصراتة (200 كلم شرق طرابلس) القيام بهجوم مباغت على قاعدة الجفرة، وهو ما سيضع ميليشيات حفتر في المنطقة الغربية تحت حصار حقيقي، خاصة إذا تم تحييد مطار مدينة بني وليد (180 كلم جنوب شرق طرابلس) المدني، الذي تستخدمه ميليشيات حفتر لنقل الإمدادات والمرتزقة.

أما جبهات القتال في المحاور الجنوبية لطرابلس، فستلعب قوات الوفاق البرية، وخاصة المدفعية، الدور الأبرز فيها، بالنظر إلى لجوء الطرفين للتشويش على الطائرات المسيرة، مما يصعب استخدامها في المعارك.

والأكيد أن خسارة حفتر لمنطقة غرب طرابلس أثرت بشكل كبير على معنويات العناصر الموالية له، وقد تدفع البعض منهم إما إلى الانسحاب من المعركة مثلما فعل كثيرون، أو الانحياز لقوات الوفاق، التي بدأت تظهر مؤشرات على تفوقها في الحرب، وقد تحاول مدن أخرى التفاوض لعدم اقتحامها مقابل التبرؤ من حفتر وأعماله.

وإذا استطاعت حكومة الوفاق استثمار انتصاراتها على الأرض من خلال تحرك دبلوماسي وإعلامي قوي عربياً ودولياً فقد يدفع ذلك دولاً عدة إلى تغيير مواقفها، والتخلي عن المشروع الفاشل الذي يقوده حفتر.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى