تقارير وملفات إضافية

من التعاون العسكري والاقتصادي للحرب بالوكالة.. لماذا كل هذا الغضب الإماراتي من تركيا؟

 رغم أن إيران هي التي تحتل الجزر الإماراتية الثلاث، فإن العداء الإماراتي لتركيا أصبح هو محور السياسة الخارجية لأبوظبي خلال السنوات الماضية. وأصبح الإعلام الإماراتي أو المُمول إماراتياً يعتَبِر تركيا وحلفاءها هدفه الرئيسي.

وبالإضافة إلى التنافس الإماراتي التركي في ليبيا فقد خالفت أبوظبي موقف دول الخليج، الذي يرى في رئيس النظام السوري بشار الأسد مجرد تابع لإيران، واتجهت إلى دعمه، بل عرضت عليه رشوة لإفساد وقف إطلاق النار الذي توصل إليه الأتراك والروس في إدلب.

وفي المجال الاقتصادي يسود اعتقاد عام في أوساط صنع القرار بالعاصمة التركية أنقرة أن السعودية والإمارات تقفان خلف “الهجوم المنظم” الذي تعرضت له الليرة التركية مؤخراً وأدى إلى هبوطها أمام الدولار، وذلك بحسب ما ذكر أكثر من مصدر تركي مُقرب من الدوائر الرسمية لصحيفة “القدس العربي“.

الغريب أن هذا العداء يأتي رغم أن البلدين يشتركان في قلقهما من المشروع الإيراني، الذي يُهمِّش السنة في المنطقة العربية، ولا يُخفي عداءه وتعاليه على دول الخليج العربية.

المفارقة الرئيسية تأتي من أن هذا العداء الإماراتي لتركيا يبدو متناقضاً مع التاريخ القريب للعلاقات بين البلدين، والذي كانت الإمارات خلاله من أوثق دول الخليج في علاقتها، ولاسيما الاقتصادية، مع أنقرة.

فقد تعزّزت العلاقات بين تركيا والإمارات خلال العقد الماضي، وعزَّز من ذلك أن قوة العلاقات الاقتصادية كانت تُعد هي الأكبر حجماً والأكثر تطوراً على الإطلاق على مستوى دول الخليج العربي، حيث ارتفعت التجارة البينية حوالي 2000% خلال عقد واحد، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أكثر من 11.5 مليار دولار.

كما تُعد الإمارات سوقاً مهمة بالنسبة للمقاولين الأتراك في قطاع الإنشاءات، إذ نفذت الشركات التركية، حتى العام 2013، مئة مشروع بقيمة 8.5 مليار دولار، وإن كان يعتقد أنها شهدت تراجعاً ملموساً منذ ذلك الحين.

المفارقة أنَّ العلاقات التجارية بين البلدين حقَّقت طفرة في عام 2017، حيث وصلت إلى 14.6 مليار دولار، رغم أن هذا جاء بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا، عام 2016، والذي وَجهت بعده أنقرة أصابع الاتهام إلى بعض الدول الأوروبية والعربية بمساندة الانقلاب، وإن لم تسمّ دولة بعينها، وإن كان فُهم أنها تقصد الإمارات بشكل كبير وبصورة أقل السعودية.

واللافت كذلك أنَّ الاستثمارات الإماراتية في تركيا تواصلت رغم تراجع حصتها على الأرجح.

وحسب بيانات البنك المركزي التركي، لوحظ أنَّ الاستثمارات الإماراتية المباشرة في تركيا خلال الفترة من 2014 – 2017 في تزايُد مستمر، فبعد أن كانت تدفقات هذه الاستثمارات بحدود 140 مليون دولار فقط في عام 2014، وصلت إلى 859 مليون دولار في عام 2018. أي أنها زادت بنحو 719 مليون دولار، وبما يمثل أكثر من 5 أضعاف ما كانت عليه في عام 2014.

وحتى على الصعيد العسكري كان لدى الإمارات تعاون عسكري قوي مع تركيا، حيث عقدت عدة صفقات منها شراء 10 آلاف من صواريخ “جيريت” المضادة للطائرات.

وفي عام 2017، دُشِّنت المدرعة “ربدان” القتالية، المصنّعة بجهد تركي إماراتي مشترك، وهي آلية مشاة قتالية برمائية ذات دفع ثماني، مطوّرة من قِبل شركة “الجسور”، وهي مشروع مشترك بين شركة “هيفي فيكل اندستريز”، المملوكة “لتوازن” القابضة الحكومية، و”أوتوكار الإمارات” التابعة لشركة أوتوكار التركية”، حسبما ذكرت الوكالة الإماراتية الرسمية للأنباء “وام”.

وهي نسخة مشتقة من مدرعة تركية، وفي عام 2017 أصبح لدى الإمارات 400 منها.

عادة ما يتم اعتبار الخلاف حول الموقف من التيار الإسلامي هو السبب الرئيسي للخلاف بين البلدين، والحقيقة أن هذه النظرة تحتاج إلى مراجعة.

فالواقع أن العلاقة بين دول الخليج بما فيها الإمارات والسعودية مع التيار الإسلامي، ولاسيما المعتدل، أقدم من علاقات تركيا به.

ولكن نقطة الخلاف الرئيسية هي الربيع العربي، أما العداء للإسلاميين فهو ظاهرة جديدة على السياسة الخليجية مرتبطة بصعود الإسلاميين في كل انتخابات برلمانية تجري سواء في مصر أو المغرب أو فلسطين أو تونس وهو الصعود الذي بدا أكثر وضوحاً مع الربيع العربي.

قبل ذلك كانت دول الخليج تحتضن الإسلاميين، حتى لو وضعت على أنشطتهم بعض القيود، وكانت تعادي في المقابل القوميين واليساريين عندما كانوا في صعود منذ الستينات.

فدول الخليج لا تخشى الإسلاميين أو القوميين أو الليبراليين، ولكنها كممالك محافظة تخشى أي دعوة للتغيير، لأنها قد تصل إلى شعوبها، ومن هنا كان الربيع العربي، وتحديداً ثورة يناير في مصر، بحكم ثقلها الإقليمي، هو ما أخاف دول الخليج، وكان سبباً لوصول الخلاف التركي الإماراتي تحديداً للذورة.

في البداية كان القلق الخليجي من الثورة المصرية برمتها، ومع صعود الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم تركَّز هذا العداء عليهم.

المفارقة أن الإمارات هي مَن نصّبت نفسها قائدة لهذا الحلف المعادي للتغيير والربيع العربي، رغم أنها يجب أن تكون أقل دول المنطقة خوفاً منه.

فإذا كانت الأنظمة العربية يجب أن تخشى المطالبة بالديمقراطية، باعتبارها أنظمة مستبدة وفاشلة -في أغلبها- اقتصادياً، فإنَّ الإمارات كان يجب أن تكون أقل قلقاً من غيرها، فهي دولة قليلة في عدد السكان، حققت نجاحاً نسبياً في الإدارة والاقتصاد، كان يُنظر له من الجميع في المنطقة بشكل إيجابي حتى من قِبل الثوار بما فيهم الإسلاميون.

وتركيبة الإمارات التي أسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان كانت ستجعل أي رياح للربيع العربي ستهب عليها كنسيم يطالب ببعض التغييرات المحدودة.

وتثبت تجربة مثل المغرب، وبصورة أقل الأردن، أن الأنظمة الملكية كانت تستطيع عبور الربيع العربي بتقديم بعض التنازلات البسيطة والإصلاحات المحدودة، التي تفضي غالباً إلى تقليل المسؤولية عن السلطة الملكية دون إضعافها.

هذا النموذج كان على الأرجح سيكون أنجح في الإمارات، التي ورثت حكماً ناجحاً عن الشيخ زايد، الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة لدى مواطنيه، إضافة إلى نجاح تجربة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في دبي.

ولكن قرار رجل أبوظبي القوي وولي عهدها الشيخ محمد بن زايد هو الذي حول الإمارات من دولة يسودها نظام مستمد من التقاليد البدوية، قائم على التراضي بين الحكام والمحكومين، ويسمح بمساحة نشاط للمجتمع المدني، إلى دولة تقوم على الاستبداد في نسخة أقرب للأنظمة البعثية مدعومة بالمال النفطي، الذي يمول العمل الأمني والمرتزقة، مدمراً العلاقة القديمة بين الشعب وحكامه، ومحطماً للتعايش التقليدي الذي كان قائماً بين أغلب التيارات الإسلامية في الخليج والأنظمة، ومقيماً لتحالف جديد بين الأنظمة الخليجية وبين العسكريين الذين كانوا تقليدياً خصوماً للأنظمة الملكية.

بسبب رغبته المحمومة لمطاردة الديمقراطية والإسلاميين المعتدلين تحالف بن زايد مع الأسد، حليف إيران التي تحتل أرضه، ودخل في خصام مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رغم العلاقات الوثيقة بين البلدين، ورغم أنه يفترض أنه يجمعهما الكثير مثل العداء للمشروع الطائفي الإيراني، والحساسية من الحكم العسكري، كما أن كلاهما يمثل تجربة نادرة ناجحة للتحديث الاقتصادي في المنطقة.

 لم يُبدّد الشيخ محمد بن زايد إرث والده التصالحي فقط، بل إنه غيّر طبيعة المجتمعات الخليجية برمتها، وجعلها نسخة محدَّثة من نموذج صدام حسين وحافظ الأسد.

واليوم في كل نقاط الصراع بين تركيا والإمارات فإن أبوظبي تتحالف مع القوى التي كانت من قبل عدوة لدول الخليج.

تُقدم ليبيا نموذجاً واضحاً لتناقضات سياسة الإمارات.

كان نظام القذافي ذو التوجهات الثورية القومية الاشتراكية عدواً تاريخياً لدول الخليج، وأسهمت أبوظبي مع بقية دول الخليج في إسقاطه ودعم الثوار ضده، وأرسلت طائراتها بالتعاون مع الدول الغربية لقصف قواته.

واليوم فإن بقايا وفلول نظام القذافي أصبحوا هم حلفاء الإمارات الرئيسيين، في مواجهة تحالف تركيا مع حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، والتي تعتمد على تحالف من قوى ثورية وإسلامية وقبلية ليبية.

ويبدو أن رهان أبوظبي على الجنرال حفتر قد خاب وسط حديث عن خلافات بين الجانبين.

فرغم الاستثمارات الإماراتية الضخمة في حفتر، فقد فشل الرجل في مغامرته باقتحام طرابلس، ثم انهارت قواته في الغرب بسرعة، مع تقديم تركيا لدعم عسكري للوفاق، خاصة الطائرات المسيّرة.

واليوم مع تزايُد الدور الروسي في الأزمة الليبية، يبدو أن الإمارات قد تكون من أكبر الخاسرين، فمع نجاحات قوات الوفاق المستندة للدعم التركي، وإرسال روسيا لطائراتها إلى ليبيا، فيبدو أن أنقرة وموسكو سيصبحان اللاعبين الرئيسيين في ليبيا.

تمثل تونس ساحة واضحة للصراع الإماراتي مع الديمقراطية والإسلاميين المعتدلين.

وسبق أن دعمت أبوظبي الاحتجاجات المناهضة لحركة النهضة، عام 2013، كما دعمت حزب نداء تونس (ليبرالي) ضد “النهضة” في الانتخابات الرئاسية، عام 2014، وعملت على استمالة الرئيس التونسي (الراحل) الباجي قايد السبسي، لكسر تحالف النهضة-نداء تونس، الذي بزغ عقب انتخابات 2014.

وبالمثل، موَّلت أبوظبي الاحتجاجات المناهضة للحكومة، عام 2018، لإيجاد أزمة مصطنعة باتخاذ قرار لا يتناسب مع الأعراف الدبلوماسية، عبر منع التونسيات من دخول الإمارات.

وكما في أماكن أخرى، فإن حليف الإمارات الرئيسي هو فلول دولة بن علي ممثلين في الحزب الدستوري الحر.

كما عملت أبوظبي على توجيه السياسات الداخلية التونسية، بدعم وزراء مثل لطفي براهم، ونبيل القروي، زعيم حزب “قلب تونس”، إلا أن النهضة تقاربت مع هذا الحزب الذي يمثل قوى اقتصادية في البلاد، وهي قوى رغم أنها تنتمي للنظام السابق، فإنها يبدو أنها ترى أن مصالحها ومصالح البلاد ترتبط أكثر بترسيخ دولة القانون، وأن النهضة شريك عاقل يمكن التفاهم معه لتهدئة الأمور في البلاد أكثر من اليسار الراديكالي.

واختلقت الإمارات مع السعودية ومصر مؤخراً أزمة لتشويه حركة النهضة وراشد الغنوشي، والذي يثير غضباً إماراتياً خاصاً، لأنه يمثل نموذجاً للزعيم السياسي الإسلامي المحنك.

أما اليسار والقوميون في تونس، فرغم أنهم يشتركون مع الإسلاميين في أنهم قوى ثورية، ومع أنهم لا يتحالفون مع الإمارات سراً وعلانية على الأرجح. ولكن بمناكفتهم مع الإسلاميين يُسهمون ولو من دون قصد في إضعاف البلاد.

فعلى سبيل المثال، يتعامل بعض القوميين مع حفتر وبشار الأسد على أنهم قوى عروبية استقلالية امتداداً لجمال عبدالناصر.

ولكن الواقع أن بشار الأسد زعيم طائفي بواجهة قومية، وكيف يمكنه وصفه بالقومي هو عضو في المحور الشيعي الذي تقوده إيران المعادية للفكرة العروبية.

وحفتر هو بيدق في حلف القوى المعادية للربيع العربي، وكيف يمكن وصفه بالقومي وهو الذي ظهر اسمه في عالم السياسة والجيوش عبر العمل مع المخابرات الأمريكية.

ما يتجاهله القوميون التونسيون وغيرهم من القوميين أن الأسد وحفتر والإمارات ومصر والسعودية يجمعهم شيء واحد هو العداء للديمقراطية والتغيير.

وأن انتصار حفتر في ليبيا خطر على تونس، باعتبارها النقيض للنموذج الاستبدادي الذي يريده حفتر لليبيا والإمارات للعالم العربي كله، وأنهم بتأييدهم للأسد وحفتر يجعلون أنفسهم في صفّ الإمارات زعيمة الثورة المضادة في المنطقة.

ورغم الاستهداف الإماراتي لتونس، فإن الدولة التونسية منذ الثورة حريصة على التأكيد على حياد تونس تجاه الأزمة الليبية، والصراع التركي الإماراتي، رغم أن محور هذا الصراع هو الربيع العربي الذي تعد تونس مهده، كما أنه من الواضح أن الحياد التونسي لم يمنع أبوظبي من التدخل بشؤونها.

في سوريا يبرز التناقض الإماراتي الأكبر.

هناك تتحالف أبوظبي مع الأسد، التابع والشريك الطائفي لإيران التي تحتل جزرها وتهاجم سفنها، والدولة التي لا تُخفي طائفيتها ولا عداءها لدول الخليج، ولا تتوقف عن تحريض شيعة الدول العربية ومن بينها الخليجية على حكامها.

في سوريا انتقلت الإمارات بسلاسة تُحسد عليها من داعم خجول للثورة، إلى مفرّق لصفّ المعارضة، إلى ممول سري مفضوح للنظام.

في سوريا تغلب بشكل واضح كراهية بن زايد القوية للإسلاميين والديمقراطية، على ثوابت التاريخ والجغرافيا التي تقول إن المشروع الإيراني تعدى كونه مشروعاً سياسياً بعدما تحوّل لمشروع تطهير طائفي يغير من ديموغرافية المنطقة، كما حدث في سوريا والعراق واليمن، وهو أمر قد يمتد إلى باقي الجزيرة العربية، إذا سنحت له الفرصة.

في الصومال يتكرر المشهد الليبي بطريقة أخرى، حيث تتحالف الإمارات مع جمهورية أرض الصومال الانفصالية التي لا يعترف بها أحد على مستوى العالم، في حين تتحالف قطر وتركيا مع الحكومة الشرعية التوافقية، التي وضعت الصومال على طريق المصالحة بعد سنوات طويلة من الحرب الأهلية.

يبدو واضحاً أنه باستثناء مصر فإن معظم المشروعات الإماراتية تتعثر، رغم ضخامة الموارد المالية الإماراتية التي نجحت في اختراق الغرب وشراء الاسلحة من كبريات الدول، بالإضافة إلى جذبها السعودية إلى صفها .

كان النجاح الإماراتي مدوياً لأنها تحالفت مع الدولة العميقة التي خدعت الرئيس المنتخب محمد مرسي، كما أن القوى المدنية والليبرالية واليسارية والثورية تجاهلت الحقيقة التي كانت ماثلة للعيان، أن العدو المشترك للثورة المصرية وكل ثورات الربيع العربي هي الإمارات زعيمة الثورة المضادة.

ولكن في الساحات الأخرى يتراجع المشروع الإماراتي.

ففي سوريا، أفشل التفاهم الروسي التركي المشروع الإماراتي لإفساد وقف إطلاق النار في إدلب.

بالنسبة لروسيا العلاقة المركبة مع تركيا بموقعها ودورها الاستراتيجي أهم من العلاقة مع الإمارة الثرية وأهم من الخلافات حول سوريا.

ويبدو أن هذا ينطبق على ليبيا بشكل كبير، فقد ازداد وزن تركيا وروسيا في الشأن الليبي مع تراجع الدور الإماراتي.

وفي تونس رغم المناكفات بين الإسلاميين واليساريين وحتى العلمانيين المحسوبين على دولة بن علي، فإنه باستثناء الحزب الدستوري الذي تتزعمه عبير موسى، والذي لا يحظى بوزن كبير في البرلمان، فإن القوى السياسية على عكس ما حدث في مصر ملتزمة بأن يكون الصراع مع الإسلاميين في إطار ديمقراطي.

وتونس رغم حيادها في الصراع التركي الإماراتي والأزمة الليبية هي أقرب لتركيا بحكم طبائع الأمور.

وفي المغرب، فإن عجرفة القيادة الإماراتية قربت الرباط لتركيا وقطر، وليس لكون الحزب الحاكم هناك إسلامياً.

وهذا ينطبق على الجزائر، فالعلاقات المريبة لأبوظبي مع بعض فلول دولة بوتفليقة، جلبت لها سخط الحراك الشعبي، وتأييدها لحفتر الذي سبق أن هاجم الجيش الجزائري جلب لها سخط الجزائر برمتها.

وفعلياً، دول المغرب العربي رغم إعلانها الحياد، في الصراع الإماراتي التركي، فإنها أقرب لتركيا وقطر، خاصة أن الإمارات مدججة في تدخلاتها بالدور الفرنسي الذي يثير غضب أهل المغرب جميعاً.

وفي العراق، فشلت المغامرة الإماراتية بدعم انفصال إقليم كردستان، وفي السودان دخلت الإمارات والسعودية بأموالهما، ولكن هذا الدور أيضاً استفز الحراك، وفي الوقت ذاته يبدو أنه رجلهما المفضل الجنرال محمد حمدان دقلو ينأى بنفسه عن حفتر، وسط حديث عن غضبه من أبوظبي والرياض، بسبب تراجعهما عن وعودهما بالمساعدة.

مع تراجع أسعار النفط، يبدو المشروع الإماراتي الأكثر تأثراً باعتبار أن دور التمويل فيه أكبر، بالنظر إلى أنه مشروع غير أيديولوجي، بل هو أقرب لحلف قائم على الرشاوى، على عكس المشروع التركي الذي يعتمد على التعاون مع بقايا قوى الربيع العربي من إسلاميين وغير إسلاميين، ما يجعله أقل تأثراً بالنواحي المالية.

كما أن تجربة الدعم التركي الأخير في ليبيا تثبت الميزة النسبة لتركيا في الصراع، بالنظر إلى امتلاكها قاعدة إنتاجية عسكرية خاصة بها، أثبتت فاعليتها في العديد من المجالات مثل العربات المدرعة، وبالأكثر في مجال الطائرات بدون طيار، وهو السلاح الأكثر فاعلية في ميادين الصراع الإماراتي التركي الممتدة من سوريا إلى ليبيا والصومال.

الأهم هو الفارق بين الدولتين والنظامين.

رغم التشابه بين النظامين في أن كلاهما نجح في  عملية التحديث، مقارنة ببقية دول المنطقة، فإنه يظل هناك فارق ضخم بين الإمارات، الدولة الصغيرة التي تتطلع لدور أكبر من حجمها، وتركيا الدولة المؤثرة إقليمياً بحكم التاريخ والجغرافيا.

كما أن هناك فارقاً بين النظامين، التوجه الإماراتي مرتبط بشكل أساسي بشخص الشيخ محمد بن زايد، بينما تركيا رغم كاريزما أردوغان فإنه يمثل رأس الهرم في مشروع سياسي كبير يقوده حزب العدالة والتنمية.

ظهر هذا الفارق جلياً في نوعية تحالفات الإمارات، لا يوجد حلفاء أيديولوجيون للإمارات، مثل السعودية التي تستطيع أحياناً بخلفيتها الدينية استقطاب بعض السلفيين.

 لكن تحالفات أبوظبي انتهازية قائمة على المال والعداء للديمقراطية والإسلاميين، لذا فحلفاؤها المفضلون هم فلول الأنظمة والانفصاليون في كل مكان.

أما تركيا فحلفاؤها من القوى المطالبة بالديمقراطية، لاسيما الإسلاميين المعتدلين، وهو ليس مجرد تحالف مصلحة، بل هو مرتبط بنظرة لتاريخ المنطقة، وموقف الصراع العربي الإسرائيلي والعلاقة بين الحكام والمحكومين.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى