تقارير وملفات إضافية

خطة بكين للفوز بكأس العالم.. لا تكتفي بتجنيس اللاعبين بل تمنحهم مواصفات صينية أيضاً

تحرز خطة الصين للفوز بكأس العالم لكرة القدم تقدماً مطرداً، مدفوعة بإمكانيات مادية ورغبة قومية محمومة في تحقيق المجد الوطني بأي ثمن.

«الصين دولةٌ كبيرةٌ للغاية، ويسكنها كثير من الصينيين»، تعود هذه الكلمات في الأصل إلى الجنرال والرئيس الفرنسي السابق شارل ديغول. وبالنظر إلى الماضي، يبدو أنه كان مُحقاً في ذلك التقدير، أو لنقُل في تلك النبوءة. ففي السنوات التالية لمقولته، كبرت الصين حتى أكثر من ذي قبل، وبات يسكنها صينيون أكثر.

توجد في الصين أكثر من مئة مدينةٍ، يسكن كلاً منها أكثر من مليون نسمةٍ، وهي مدنٌ لها تقاليدها الخاصة، وبناها التحتية الخاصة، وتسلسلاتها الهرمية الخاصة، وأكشاك قهوتها المميزة، وحيواتها الداخلية غير المرصودة وغير المنتهية. 

يوجد في الصين 250 مليون متقاعدٍ. تخيَّل تعداداً من المسنِّين يبلغ أربعة أضعاف تعداد المملكة المتحدة كاملاً! أي بعبارة أخرى، تخيَّل أربعة أمثال خروج بريطانيا بتعدادها السكاني بالكامل من كيان آخر: أي أربعة أمثال البريكست! فهكذا تكتظ الصين بالسكان.

غير أن كل هذا يبدو كافياً للغاية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالتصفيات المؤهلة إلى بطولة كأس العالم القادمة، والأحلام الكبيرة بعصر يعلو فيه شأن كرة القدم الصينية في عهد رئيسها تشي جين بينغ، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

الغريب أنه جرت إضافة مواطن صيني آخر إلى الـ1.4 مليار صيني الذين يشكلون قوام التعداد السكاني الصيني. وكان هذا المواطن هو المدافع الذي لعب سابقاً في صفوف المنتخب الإنجليزي للشباب تحت 21 سنة وفي صفوف نادي إيفرتون، تياس براونينغ، الذي صار الآن مواطناً صينياً، حتى إنه صار يحمل اسماً صينياً: جيانغ غوانغتاي.

وقَّع براونينغ عقداً للعب لصالح نادي غوانغزو إيفرغراند الصيني في فبراير/شباط 2019، بعد أن لعِب لصالح أندية سندرلاند، وبريستون، وويغان. 

وبعد ذلك بستة أشهرٍ بات يحمل الجنسية الصينية رسمياً. 

ولو أنه يظل غير صينيٍّ بما فيه الكفاية -حسبما عبرت وسائل الإعلام الصينية الصادرة بالإنجليزية- ليُقنع الاتحاد الدولي لكرة القدم بحقه في المشاركة في جولة هذا الأسبوع من مباريات المجموعة A بالتصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم.

لكن حين تصل رخصة لعبه الكاملة سيحظى براونينغ بفرصةٍ عادلةٍ للانضمام إلى قلب دفاع المنتخب الصيني، خلف وجوهٍ مألوفةٍ أُخرى. 

لعب نيكو يناريس ضمن صفوف منتخب الصين أمام منتخب غوام، هذا الأسبوع. كان يناريس، الذي لعب سابقاً في صفوف فريق الآرسنال والمنتخب الإنجليزي للشباب، قد أصبح في يوليو/تموز، أول لاعبٍ مُجنَّسٍ يلعب باسم منتخب البلد صاحب أكبر تعدادٍ سكانيٍّ في العالم. وحصل على اسمٍ صينيٍّ كذلك: لي كي.

وهناك مصادفة في كل هذا. فأعداء الأمس قد يصبحون أصدقاء الغد! منذ ثماني سنوات، تواجَه اللاعبان جيانغ غوانغتاي ولي كي، عندما فاز أشبال آرسنال على أشبال إيفرتون بأربعة أهدافٍ لهدفٍ في قرية لندن كولني، وهو اللقاء المُميز الذي لعب فيه شكودران موستافي ضمن دفاع إيفرتون، ولو أن ذلك لم يؤثر كثيراً في النتيجة.

منذ خمس سنواتٍ، كان براونينغ يلعب إلى جوار هاري كين ضمن منتخب إنجلترا تحت سن 21، الذي كان يدربه غاريث ساوثغيت، في مباراةٍ ضد ويلز ضمن التصفيات المؤهلة لبطولة أمم أوروبا للشباب. ولو انتقلنا للمستقبل بعد ثلاث سنواتٍ من الآن، فقد يكون مُكلَّفاً رقابة هاري كين في بطولة كأس العالم المقبلة التي تقام بقطر. 

تبدو هذه احتمالية تتزايد فرص تحقُّقها بانتفاضة الثروات الصينية منذ قرار إعادة تعريف ما يعنيه أن تكون لاعب كرة قدمٍ صينياً.

ويجدر القول إن يناريس وبراونينغ لديهما صِلات قرابةٍ صينيةٍ: فبراونينغ له جدٌّ صينيٌّ، ويناريس المولود في هاكني، بمدينة لندن له جدةٌ صينيةٌ. لكنهما كذلك الاستثناء الوحيد في تلك الحركة.

لعب إليكسون، البرازيلي القادم من ولاية مارانهو البرازيلية والبالغ من العمر 30 عاماً، ضمن منتخب الصين كذلك عندما سحقوا فريق غوام بسبعة أهدافٍ نظيفةٍ.

وتقول الشائعات إن ريكاردو غولارت، وهو لاعبٌ برازيليٌّ بارعٌ آخر، قد يُجنَّس قريباً. حتى إن البرازيلي أليكس تيكسيرا -الذي طالما انتشرت أقاويل بأنه سينضم إلى أحد أندية الدوري الإنجليزي- قد يُنظر في أمر تجنيسه بدءاً من عام 2021، أي في الوقت المناسب تماماً للسماح له بالانضمام إلى صفوف التنانين والمشاركة في كأس العالم بقطر.

والسؤال الأبرز هو: هل لأيٍّ من ذلك أهميةٌ؟ لا شك في أن المسيرات الكروية مغامراتٌ في ذاتها، ورحلاتٌ دون خرائط. كان لدى يناريس وبراونينغ أقارب صينيون. 

وتوشَّح إليكسون بالعَلم الصيني، وبكى أمام والديه في أول ظهورٍ له بمباراة المالديف الشهر الماضي. كل التوفيق لهم جميعاً، وليستمتعوا بالرحلة.

لكن ذلك يُثير بعض الأسئلة المهمة، وهي أسئلة على شاكلة: ما المغزى من الرياضة الدولية؟ إنها ليست اختباراً للجينات. لا يُفترض أن تدور حول القوى الناعمة أو أن تكون انعكاس المجد على النرجسيات السياسية. بل إن المغزى المنطقي الوحيد هو اختبارٌ للأنظمة، وطريقةٌ لرؤية صحة وفاعلية كل دولةٍ في تنظيم مصادرها، وتعلُّم بعضنا من بعض للصالح العام الأكبر، وتفنيد ما ينفع وما لا ينفع، وتنقية الأنظمة.

وحين تبدأ قوى أخرى في تمييع تلك الحدود فإنها قد تشوه الصورة.

بهذا المفهوم، لم يكن أوين هارغريفز يوماً لاعباً إنجليزياً (لاعب إنجليزي وُلد في كندا وقضى جزء كبير من تاريخه الكروي بألمانيا قبل أن ينتقل إلى مانشستر يونايتد الإنجليزي ويفوز معه بالدوري الإنجليزي ودوري أبطال أوروبا).

لأن هارغريفز لم يتعلم شيئاً من مهاراته في إنجلترا. في حين أن تامي آبراهام، على سبيل المثال، لاعبٌ إنجليزيٌّ (من أصول نيجيرية)؛ فمهاراته الرياضية تشكلت في إنجلترا، وهو انعكاسٌ لقراراتٍ صائبةٍ اتُّخذت على طول الطريق، حسب تعبير كاتب التقرير.

ويبدو أن الصين تفهم ذلك؛ فترى في استثمارها الضخم في كرة القدم فرصةً كذلك لتحسين حيوات مواطنيها، ولو أنه يحدث بطريقةٍ متخبطة وغوغائية. 

يريد الرئيس الصيني شي جي بينغ أن تفوز الصين بكأس العالم، ويريد تغيير سكان بلاده بضخ المليارات في منشآت كرة القدم بكل مدرسةٍ، وإقامة برامج مدارس كرة القدم للجميع، والضرائب الإضافية على اللاعبين المحترفين بالخارج، والذين يملؤون دوريات المحترفين.

إنها الشيوعية! لكن تمهَّلوا، فتلك كلها أفكارٌ عبقريةٌ، خصوصاً حين تُقارَن بنقص المنشآت العامة في بريطانيا، وتخلي الدولة عن مواطنيها الذين يعانون السمنة واعتلال الصحة.

إلا أن ذلك لم يُؤتِ ثماره بعد. فلم تتمكن الصين من التأهل إلى نهائيات كأس العالم في روسيا عام 2018، وبدا أن شيئاً خرج عن مساره. 

فقد كان قرار تعيين مارتشيلو ليبي مدرباً لمنتخب الصين مقابل 28 مليون دولارٍ سنوياً، قراراً متسرعاً فيما يبدو. 

ومع ذلك، فإن النفعية والمبادئ المراوغة تليق بكرة القدم، وهي أقرب إلى العالم الحقيقي. إضافة إلى أن التعطش إلى النصر بأي ثمنٍ، غالباً ما يقود إلى الهزيمة والإحباط بأي ثمنٍ.

يقول كاتب التقرير: «كدِّسوا لاعبيكم ذوي الأصول البرازيلية، واسحقوا غوام، وبالِغوا في الاحتفال قبل خروجكم المحتوم من التصفيات في مرحلةٍ ما خلال السنة القادمة. فكل ذلك جزءٌ من روعة كرة القدم، فهي لا تقبل التطويع، إنها ذلك الشيء الجامح العنيد بلا هوادة، الذي لا يزال كامناً تحت هذه الطبقات من الشركات.

وعلى الرغم منها، مرحباً بكم في عالَمها أيتها الصين. وتذكَّري فحسب، أن الأمر لن يزداد إلا صعوبةً من الآن فصاعداً.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى