تقارير وملفات إضافية

لماذا أصرّت الحكومة اللبنانية على تمرير الموازنة رغم عدم منحها الثقة واعتراض المتظاهرين؟

على عجل تم عقد جلسة إقرار الموازنة اللبنانية لعام 2020 أمس الإثنين، 27 يناير/كانون الأول.

دخل النواب للبرلمان خلسة، رغم الجدل بأن ما يجري في الخارج من قِبل الحراك هو امتحان شعبي لشرعيتهم.

بقيت جلسة إقرار الموازنة اللبنانية دون نصاب فعلي، لولا ظهور كتلة المستقبل النيابية فجأة تدخل المجلس، فوفق معلومات سُربت فإن رئيس المجلس النيابي نبيه بري أجرى اتصالاً هاتفياً مع رئيسة كتلة المستقبل بهية الحريري، التي وافقت على الحضور بشرط عدم التصويت بنعم للموازنة.

جلس رئيس الحكومة حسان دياب وحيداً على المقاعد المخصصة للحكومة، لم يحرك الرجل ساكناً وهو ينصت للنواب يتصارعون حول دستورية الجلسة المنعقدة في ظل حكومة لم تنل الثقة البرلمانية، ولم يناقش بيانها الوزاري. 

وبين غليان الشارع المحاصر لكل مداخل الجلسة في محاولة لمنع النواب من الوصول لقبة البرلمان وبين اللغط القانوني حول مشروعية هذه الجلسة، اجتمع النواب لمناقشة الموازنة، وأقرت بأغلبية خجولة لم يشهدها لبنان منذ ولادته.

 بدأت المداخلات واختصرت فقط بستة نواب فقط.

تحدث النواب عن محاربة الهدر والفساد وإنقاذ البلد وإلقاء التهم على الآخرين، ثم أقرت الموازنة بـ49 موافقة، ومعارضة 13، وامتناع ثمانية عن التصويت.

إقرار الموازنة كان متوقعاً، كما حدث مع الموازنات السابقة التي أقرّها المجلس النيابي سابقاً، لكن هذه المرة هناك تحول شعبي يفترض أنه يحول دون استمرار المسرحيات.

 فقوى 8 آذار بقيادة حزب الله، التي خرجت بحكومة اللون الواحد في ظل توترات إقليمية توافقت على ما يبدو مع قطاعات من 14 آذار على إقرار موازنة تراها ضرورية لانتظام الحياة الاقتصادية والمالية، وبالطبع فكما يحدث في لبنان دوماً فإن الظرف الاستثنائي هو الغطاء المستمر للتجاوزات الدستورية.

تتساءل مصادر قانونية تابعت جلسة إقرار الموازنة اللبنانية كيف تقرّ موازنة من دون أن يكون للحكومة الحالية دور فيها.

 ما يعنى أنّ الحكومة الحالية يتم إجبارها على الالتزام بأرقام قد لا توافق عليها.

فالمفترض أن الموازنة هي الرؤية الحكومية على الصعيد الاقتصادي، فإذا كانت هذه الحكومة خبيرة في الشؤون الاقتصادية بغالبيتها، وإذا كانت قد تشكّلت على هذا الأساس في الأصل، وليس على أساس الأولوية السياسية، فيجب أن يكون لهذه الحكومة رؤيتها الاقتصادية الحكومية الخاصة بها، وألّا تكون مقيّدة بأرقام موازنة الحكومة التي سبقتها وأسقطها الشارع. والسؤال المشروع: كيف ستنفّذ الحكومة الإنقاذية رؤية حكومة فاشلة أسقطتها الانتفاضة؟

يشير الدكتور سامر الحجار، أستاذ الاقتصاد وإدارة الأعمال، إلى أن إصرار السلطة على تمرير الجلسة يأتي من حاجة الحكومة للجلوس مع الجهات المانحة وصندوق النقد الدولي، وكورقة رسمية تفيد بتخفيض العجز الرسمي للدولة، في محاولة جديدة لتبييض الصورة أمام المجتمع الدولي، المراقب عن كثب للشأن اللبناني، وتحديداً الشق المالي المتدهور.

ويشير الحجار إلى أن هذه الأرقام هي خديعة كبرى لأنها مبنية على دراسة موازنة الحكومة السابقة أي على معطيات ما قبل انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019.

والكل يدرك أن عائدات الخزينة انخفضت بعد الثورة، ويؤكد الحجار أن الكارثة الكبرى هي عدم وجود كشف حساب للعام الماضي 2019.

وهذا يعتبر أضحوكة وهرطقة ولا يمكن أن تحدث بأي دولة.

ويضيف الحجار أن استمرار الهدر يكمن في سلفة لقطاع الكهرباء بقيمة 1500 مليار ليرة (مليار دولار بسعر ما قبل الأزمة) بنفس العقلية لإدارة الملف دون إصلاحات منتظرة في هذا القطاع (ملف الكهرباء يعد أبرز ملفات الهدر والصراع بين أركان الحكم).

كما أن الضريبة على الفوائد ستبدأ من 7 وحتى 10%، ما يعني المس بشكل مباشر بالدخل الفردي للمواطن، بالإضافة للضريبة على الفنادق والحجوزات ما يؤثر سلباً على القطاع السياحي.

يصف الحجار الموازنة الجديدة بإعادة تكرير سياسة نهب المواطن بدلاً من إجراء إصلاحات تخفف عن كاهله، في ظل عدم اقتناع الدول الصديقة للبنان، وتحديداً الخليجية، بدفع مساعدات مالية للبنان.

الاحتمالات المقبلة كثيرة، ونتائج إقرار هذه الموازنة لا تبشّر بالخير. 

ومع ذلك، ترك حسان دياب القرار للنواب، متخلياً عن أحد الأدوار المهمة للحكومة، وهو وضع موازنة تعكس سياسة الحكومة ورؤيتها للواقع الاقتصادي والمالي ونظرتها للمؤسسات العامة، على الرغم من الصرخة الدستورية التي أطلقها النائب البرلماني المخضرم في الدستور سمير الجسر، حول أن هذه الجلسة غير شرعية اقتناعاً منه بعدم دستورية الجلسة.

انسحب الجسر، داعياً الحكومة إلى استرداد مشروع الموازنة «حتى لا يتم رمي أي مشاكل ستواجه الحكومة الحالية على الحكومة السابقة».

 يتساءل الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي عن «السياسات التي ستتبنّاها الحكومة. وكيف ستُتَرجَم تلك السياسات مادامت الحكومة لم تشارك في وضع الموازنة ولا التعليق عليها».

ويقول يشوعي لـ»عربي بوست» أن الحكومة «لو كانت سيدة قرارها، لما قبلت بالتنازل لمجلس النواب لكي يقر موازنة لم تضعها هي. 

وكان من الأجدى بالحكومة أن تسترد مشروع الموازنة لتطّلع عليه على الأقل، وتضع لمساتها وإن شكلياً. وبما أن الحكومة لم تفعل شيئاً، فكيف تسمّي نفسها حكومةَ مهارات وكفاءات؟».

تحركات الناس منذ صباح الإثنين رافضة جلسة اعتبرت غير دستورية بالشكل والمضمون.

فالبشكل ترفض قوى الحراك على لسان أحد الناشطين الواقع البرلماني الحالي لأنه يعبر عن تجاهل السلطة لمطالب الانتفاضة، والتي بدأت بتشكيل حكومة دياب وهو استمرار فعلي لعقلية المحاصصة السياسية.

أما في المضمون فيؤكد أن الجلسة غير دستورية وتعتبر تعدياً صارخاً على الدستور.

إذ يتساءل كيف لحكومة لم تنل الثقة أن تناقش موازنة دون دراستها في جلسة تعتبر تحدياً لإرادة الناس والجماهير المنتفضة.

وتقول قوى الحراك إن محاولات الالتفاف المستمرة لإيهام الجهات المانحة أنها تسير في المسار الدستوري لن تمر.

فصندوق النقد الدولي سيضع شروطاً قاسية على الحكومة القادمة، أبرزها إجراء إصلاحات، وهذه الإصلاحات تعني مزيداً من الضرائب حتى يضمن الصندوق التزام لبنان بدفع الالتزامات في وقتها، ما يعني تجويعاً ممنهجاً للمواطن المعدوم وهذا ما سنعمل على مواجهته في الشارع وفي المسارات القانونية.

 ويشير الناشط أيضاً إلى أن التعويل على دفع الدول مساعدات وقروض ميسرة يعتبر حالياً حلم «إبليس في الجنة»، فالدول المانحة لم تعد مقتنعة أن أموالها تصرف دون سرقتها أو سمسرة لمشاريع شخصية، لكن ما هو جديد بالنسبة للحراك هو دخول الجيش على خط تعنيف الحراك.

فالجيش الذي عمل منذ بداية الحراك على عدم الاحتكاك السلبي بالتظاهرات بدا اليوم سداً منيعاً في وجه التحركات، جنباً إلى جنب مع مكافحة الشغب وأجهزة الأمن التي تعاطت بقمع منذ اليوم الأول.

 ولعل ما جرى كان رسالة من السلطة أنه لا يمكن بعد اليوم إلغاء جلسات نيابية ومنع النواب من الوصول للمجلس النيابي، وهو الخيار الذي اتبعه الحراك للتوجه نحو إجبار السلطة لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة على قانون منصف، حسب ما تؤكده مطالب الحراك.  

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى